2 فبراير 2011
الإنهاك بعد الترويع - فهمي هويدي
الإنهاك بعد الترويع - فهمي هويدي
بعض الذي يحدث الآن في مصر غير مفهوم ومثير للحيرة والشك، فلغز انسحاب الشرطة من البلد، الذي أطلق عمليات النهب والتخريب والترويع لم يحل بعد.
ولم يكن مفهوماً أيضاً ظهور بعض أركان النظام على شاشات التلفــزيون مـساء يوم الأربعاء الماضي واستضافتهم في الحديث عن حق الناس في التظاهر السلمي، ثم انقضاض الشرطة عليهم في اليوم التالي حين حاولوا ممارسة ذلك الحق.
وإذا صح أن تعليمات صدرت بتقليل كميات البنزين التي يتم ضخها لمصلحة محطات الوقود في العاصمة، فإن ذلك يستدعي علامة استفهام كبيرة حول مقاصد ذلك التقييد، خصوصاً أنه أحدث ذعراً بين أصحاب السيارات، ودفعهم إلى التزاحم في طوابير طويلة لعدة ساعات أمام محطات الوقود للتزود باحتياجاتهم.
أما حكاية حظر التجول فقد ضاعفت من أسباب الحيرة والشك، ذلك أننا فهمنا أن يصدر الأمر بالحظر في اليوم الثاني الذي انفلت فيه العيار ولاحت فيه نذر الفوضى،
وفهمنا أيضاً أن يستمر الحظر من السادسة مساء وحتى الثامنة صباحاً وفي ظل ذلك الوضع أدرك الناس أن ثمة خطراً يهددهم بسبب الاختفاء المريب للشرطة، فلجأوا إلى تشكيل فرق للمقاومة الشعبية استطاعت أن تضبط الأمن نسبياً وتوقف النهب في أغلب المحافظات،
لكن الذي لم نفهمه انه بعدما استقر الأمر على ذلك النحو تمت زيادة ساعات حظر التجول بصورة تدريجية بحيث أصبحت تمتد من الساعة الثالثة بعد الظهر إلى الثامنة صبيحة اليوم التالي،
أعني أنه في حين تصورنا أن ساعات الحظر ستتراجع فإننا فوجئنا بزيادتها دون وجود مبرر لذلك، وكانت النتيجة أن أصيبت الحياة بالشلل، حيث توقف العمل بصورة نسبية في مختلف المصالح والمصانع والبنوك.
وترتب على ذلك أن توقفت الأعمال وقل الإنتاج وتعثرت المعاملات المصرفية واختفت المواصلات العامة والخاصة.
ولأن المحال العامة أصبحت تغلق أبوابها في الساعة الثالثة، فإن الأهالي تزاحموا عليها لكي يوفروا احتياجاتهم.
وفي ظل البلبلة الحاصلة حرص كثيرون على تخزين السلع تحسباً للمستقبل الغامض،
ولأن الإنتاج قليل فإن محال البقالة شحت فيها السلع التي تخاطفها الناس.
وإذا أضفت إلى ذلك أن الشهر الجديد (فبراير) بدأ أمس وأن كثيرين انتظروا ذلك اليوم لكي يتسلموا مرتباتهم وأجورهم، وتعذر عليهم ذلك بسبب إغلاق البنوك، فلك أن تتصور حجم الآثار الفادحة التي ترتبت على زيادة ساعات الحظر، ما أدى إلى إرهاق الناس وزيادة معاناتهم.
لا أعرف ما إذا كان الذين أصدروا القرار على وعي بتلك الأصداء أم لا، لكنني لا أستطيع أن أكتم شعــوراً بســوء الظن في مقاصده، خصوصاً حين يضع المرء هذه الخــطوة في السياق الذي سبقه، بدءاً بسحب الشرطة واختفاء عربات الإطفاء، ما أطلق عمليات الفوضى والتخريب
وهي الخلفية التي تستدعي السؤال التالي:
هل يمكن أن يكــون كل ذلك مرتباً ومقصوداً، بحيث تفسر تلك الممارسات بحسبانها محاولة لترويع الناس ومضاعفة معاناتهم لإقناعهم بأن البلد سيكون في خطر إذا ما تحقق التغيير الذي ينادي به المتظاهرون، وأن الاستقرار لن يتم إلا في ظل استمرار النظام القائم؟
حين يلاحظ المرء أن التظاهرات الغاضبة مستمرة في أرجاء مصر منذ أسبوع، وأن استجابة السلطة لها بطيئة وباهتة، وفيــها من الالتفاف على المطالب المرفوعة بأكثر مما فيها من التفاعل الشجاع معها،
ثم يضــيف إلى ذلك ما أسفرت عنه القــرارات التي اتخذت في ما خص الوقود وحظر التجول، فإن ذلك سيرجح عنده كفة سوء الظن،
ذلك أننا إذا سرنا وراء التفــكير غير البريء في الموضوع فسوف يوصلنا ذلك إلى أن السلطة، أو أطرافاً فيــها، راهنت في سعيها إلى إفشال الانتفاضة وإجهاضها إلى أمرين هما:
الترويع والإنهاك.
والترويع حدث بالفعل في ظل الفوضى، لكن المجتمع نجح في التصدي له وتجاوزه.
أما الإنهاك فهو الحاصل الآن، الذي يراد به زيادة المعاناة وتشديد الوطأة بما يوصل الناس إلى درجة الاستياء والسخط على الانتفاضة، وربما التمرد عليها.
وما إشغال الناس بالحياة التي أصابها الشلل وبالبحث عن الخبز وحليب الأطفال ووقود السيارات إلا ضغوط يراد لها أن تدفعهم دفعاً إلى السخط والتمرد بمضي الوقت.
أدري أن بعــض الظن أثم لكن أعترف بأن ما قادني إليه هو خبرتنا الحافلة بخيبات الأمل على مدار الثلاثين سنة الأخيرة، التي جعلتنا نستبعد إحسان الظن ونفقد الثقـة في أهل القــرار، ومن ثم نغامر بالوقوع في مــثل ذلك الإثم ونحن مطمئـنون إلى أننا ما زلنا في السليم.
No comments:
Post a Comment