Monday, May 31, 2021

سد النهضة: مصر وافريقيا بين الماضي والحاضر والمستقبل المحور الخامس: رؤية للمستقبل بقلم: محمد شريف كامل*

سد النهضة: مصر وافريقيا بين الماضي والحاضر والمستقبل

سلسلة من خمسة مقالات

المحور الخامس والأخير: رؤية للمستقبل

 

بقلم: محمد شريف كامل*

27 مايو 2021

https://forafreeegypt.blogspot.com/2021/05/blog-post_31.html

 

https://resalapost.com/2021/06/01/%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D8%8C%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9/

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2021/06/01/538721.html

https://www.amad.ps/ar/post/406726/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84

 

(هذا مقال من سلسلة من خمسة مقالات، فبرجاء قراءة المقدمة وقراءة المقالات بالترتيب حتى يكتمل الهدف من السلسلة)

المقدمة: https://forafreeegypt.blogspot.com/2021/05/blog-post_26.html

 

اقتربت اللحظات الحاسمة من مشروع سد النهضة، وهي اللحظة التي ستؤثر على مصر إلى الأبد، حيث من المنتظر أن تبدأ المرحلة الثانية، أو (الأولى ب) وفق مخطط بناء السد، وهذه المرحلة من ملئ الخزان تبدأ مع قدوم موسم الفيضان والذي بلا شك سيؤثر تأثيرا كبيرا على مخزون السد العالي الذي مع انخفاضه قد تتوقف معه التوربينات ولو جزئيا، مما يؤثر على توليد الطاقة، والتي انخفضت من 18% إلى 4% فقط من احتياجات مصر من الطاقة، وبلا شك سيكون الـتأثير الأكبر على تدفق المياه التي تعتمد عليها مصر اعتمادا كليا.

وتتنادى الأصوات لإنقاذ مصر، ولا يملك اغلب تلك الأصوات رؤية حقيقية لما فيه مصلحة مصر، وتتبارى الأصوات في الطلب لإعلان الحرب وتدمير السد، وكأننا نتلهف للقيام بدور البلطجي، ودعاوي البعض بأنهم سوف يصطفون خلف النظام في حال إعلان الحرب، ولم يدرك أي من تلك الأصوات أن هذه العملية ليست إلا توريط مصر على عدة مستويات، أولها أن تقديم صورة مصر كبلطجي افريقيا يعيد صورة الاستعمار القديم ويضع مصر في مواجهة مع كل افريقيا، ويورث الشقاق بين الشعوب الافريقية والشقاق الأبدي بين شعبي مصر واثيوبيا.

لن أتحدث هنا عن الإمكانية العسكرية، ولن أدخل في سجال حول قدرات مصر العسكرية، ولكني اكتفي هنا بالتأكيد على أن أي ضرر بجسم السد سوف يغرق السودان في فيضان صناعي يدمر الأخضر واليابس.

ويخرج البعض من هذا الفخ ليقع في فخ أخر ألا وهو الحديث عن تخريب جسم السد لإيقافه وقتيا، أو جر اثيوبيا لحروب حدودية أو خلافات قبيلة وإقليمية، وكل هذه ليست إلا صورة أخرى من هزل ضرب السد ولن يعود على مصر إلا بالعداوة والكراهية حتى ولو تأخر المشروع، علما بأن الشركات القائمة لن توقفها أي من تلك الأعمال الصبيانية.

ويذهب البعض لأن انقلاب عسكري موالي لمصر قد يكون الحل الأوحد، ولو سلمنا بنجاح ذلك الانقلاب فـإنه أي حكومة مهما كانت ولاءاتها فليس لها أن توقف أعمال السد لأنها لا تستطيع أن تُقف أمام تقدم المشروع الذي أولا أصبح جزء من كيان وأحلام الشعب الاثيوبي، ثانيا أن هناك ارتباط تعاقدي قد يتطلب منها دفع غرامة تأخير للشركة المنفذة.    

وكل تلك الأحوال تُحول مصر إلى بلطجي، ويقضي على ما بقي من احترام مصر، التي كانت يوما معين لكل لأفريقيا في احتياجاتها وتحررها وتطورها وتصديها للبلطجة والاستعمار والانقلابات.

وقد أوصلتنا عشرات السنوات من سوء إدارة ملف العلاقة المصرية الأفريقية وسوء إدارة ملف السد عن قصد أم غير قصد إلى ما نحن فيه الأن، ولذا لا يمكن أن نعَول عليهم في حل الأزمة لأنهم هم من تسببوا فيها، فلا حل إلا على أيدي مؤمنة بالحق ومدافعة عنه وليست الأيدي التي أضاعت الاتفاقيات وفرطت في الحقوق.

ولا بد أن ندرك الفخ الأخر المنصوب لمصر وافريقيا وألا نقع فيه، وهو ما يبدوا من ظاهره المنفعة وباطنه ضرر بين، كنقل الملف للأمم المتحدة والذي الهدف منه تحويل ملف نهر النيل من ملف خاص بدول حوض النيل إلى ملف دولي وألا يصبح النهر ملك دول المنبع والمصب وحسب ويصبح مشاع لكل دول العالم ويصبح الجميع صاحب مصلحة في ذلك النهر، إن الأمم المتحدة يجب عدم الذهاب لها إلا بعد الاتفاق بين الدول على عقد سياسي واجتماعي جديد يودع لدى الأمم المتحدة كضامن لتنفيذه وليس كوسيط لإبرام الصفقة.   

وخطوات الحل، كأي مشكلة، تبدأ بإيقاف أسباب المشكلة، والخطوة الأولى تكون بألا نعَول على من تسبب في هذه الأزمة وأن نخرجهم من المعادلة لأنه لن يأتي من ورائهم إلا كل شر، ثم إلغاء اتفاقية المبادئ الموقعة في عام 2015 والعودة إلى ثوابت اتفاقية 1929 واتفاق التعاون مع أثيوبيا الموقع في عام 1993، وعلى جانب أخر فإن يجب التفاوض مع اثيوبيا للقبول بتوزيع ملئ الخزان على 5-7 سنوات بدلا من 3 سنوات، وأن تتكفل كل دول المصب بمساعدة اثيوبيا في تعويض الضرر المادي الناتج عن ذلك، وتلتزم أثيوبيا بتعويض الضرر الواقع على دول المصب.

ونرى أن يتزامن ذلك مع العودة لمبادرة عام 1999 التي ضمت كل دول حوض النيل التي وقُعت بهدف تدعيم التعاون بين هذه الدول عن طريق شراكة إقليمية من أجل تنمية وحسن استخدام وادارة مياه النيل والتي تبدأ بالإقرار بضرورة العمل من خلال مبدأ الانتفاع المنصف الذي يبنى على حق الشعوب في التنمية حيث يحق لجميع دول حوض النيل أن توفر احتياجاتها من المياه بغرض الاستخدام المباشر أو غير المباشر مثل توليد الطاقة والتخزين، مع الحفاظ على حقوق دول المصب.

ويكون من المناسب أن يشمل الحوار إنشاء صندوق تنمية مشترك تساهم فيم كل دول حوض النيل، وأن يضاف نهر الكونجو إلى الاتفاقية، وهنا يبدأ العمل الحقيقي من خلال تكتل دول حوض النيل ووضع دراسة مفصلة عن احتياجات كل منها من المياه والتنمية، وهو مبدأ يجب ألا يكون هناك خلاف حوله ولكن لا بد أن يتضمن محددات لا تخرج عن مبادئ وثوابت اتفاقية 1929.

قد يكون هذا الطرح مقبول، أو قد يراه البعض مثالي أو وهمي، ولكن كل الأضرار هي أهون وأقل ضررا من خسارة معركة العلاقات مع العمق القومي الطبيعي لمصر وللأمة العربية، ألا وهي القارة السمراء التي كانت يوما تنظر لمصر كملهم وكأب روحي للتحرر والتنمية قبل أن تتحول لألعوبة في أيدي قوى الاستعمار والاستغلال الجديدين.   

وعلى من يرى في هذا الطرح أنه وهمي أو مثالي وغير عملي، أن يتقدم بحلول عملية أخرى ولكن اياكم والحلول التي تعمق الخلاف والعداوة من حروب وانقلابات أو تدويل نهر النيل، وخروجه من حوض النيل التاريخي.

مع رجاء أن أكون قد وفقت في طرح الأمر من كل جوانبه التي أعتقد أنها لازمة للإلمام بالأمر، وطرح فكرة لمستقبل أفضل لنا وللقارة السمراء التي عانت ومازالت تعاني من الاستعمار وشركاءه المحللين.

 

* محمد شريف كامل مهندس ومدير مشروعات، شغل مناصب مهنية عديدة، بالإضافة لكونه مدون وكاتب مستقل، هو أحد المؤسسين وعضو مجلس الادارة لحركة حقوق المواطنين، هو أحد المؤسسين والأمين العام والمتحدث الرسمي السابق للمجلس الثوري المصري، و أحد مؤسسي الائتلاف الكندي المصري من أجل الديمقراطية، وحركة مصريون حول العالم من أجل الديمقراطية والعدالة، هو احد القيادات الطلابية المصرية  في السبعينات، عضو نشط في العديد من المنظمات المحلية والدولية الدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة لانتخابه مفوض بمجلس إدارة المدارس بقطاع المدارس بجنوب مونتريال لمدة 4 سنوات. هو أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير في مصر (كندا) قبل الثورة، وتجمع الاعلام البديل بكيبيك – كندا، كذلك أحد مؤسسي والرئيس السابق للمنتدى الإسلامي الكندي، كما انه أحد المؤسسين حركة كيبيك - كندا المناهضة للحرب، وأحد المؤسسين التحالف الكيبيكي-الكندي من أجل العدالة والسلام في فلسطين. وهو عضو نشط في العديد من منظمات المجتمع المدني ومن بينها اتحاد الحقوق والحريات بكيبيك – كندا. عضو في مجلس الأمناء لجمعية الكندين المسلمين من اجل فلسطين، ومركز مسلمي مونتريال (الامة الإسلامية). نشر له العديد من المقالات حول العديد من القضايا المحلية والدولية بلغات ثلاث (العربية، والانجليزية، والفرنسية)، ومدون ومؤسس مدونة "من أجل مصر حرة".

محمد شريف كامل يمكن للتواصل معه عبر:

1-514-863-9202, e-mail: public@mohamedkamel.com, twitter: @mskamel, blog: http://forafreeegypt.blogspot.com/  https://www.facebook.com/APresidentForEgypt/, https://www.youtube.com/channel/UCl3y4Hxgf05Xr0iDU68r8GQ


Sunday, May 30, 2021

سد النهضة: مصر وافريقيا بين الماضي والحاضر والمستقبل المحور الرابع: سد النهضة والحق الأثيوبي في التنمية بقلم: محمد شريف كامل*

سد النهضة: مصر وافريقيا بين الماضي والحاضر والمستقبل

سلسلة من خمسة مقالات

المحور الرابع: سد النهضة والحق الأثيوبي في التنمية

بقلم: محمد شريف كامل*

27 مايو 2021


https://resalapost.com/2021/05/31/%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D8%8C-%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD/

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2021/05/31/538709.html

 

https://forafreeegypt.blogspot.com/2021/05/blog-post_30.html

 

 

(هذا مقال من سلسلة من خمسة مقالات، فبرجاء قراءة المقدمة وقراءة المقالات بالترتيب حتى يكتمل الهدف من السلسلة)

المقدمة: https://forafreeegypt.blogspot.com/2021/05/blog-post_26.html

 

 

نبدأ حديثنا عن سد النهضة بالتأكيد على أهمية الأمر بالنسبة لمصر دون غيرها، فمصر هي الدولة الوحيدة التي تعتمد اعتماد كليا على مياه نهر النيل لأنها الدولة الوحيدة من دول حوض النيل التي ليس لديها أي مصدر أخر للمياه العذبة لندرة الامطار بها، فالنيل ينبع من أوغندا وكينيا وتنزانيا وأثيوبيا، وخلال رحلته للمصب النهائي تزداد طاقته المائية خلال عبوره السودان والتي تتمتع بالتقاء العديد من الروافد بالإضافة لسقوط الأمطار في العديد من ارجائها وبالتحديد في منطقة ما يعرف الأن بجنوب السودان.

وقد استعرضنا سابقا الاتفاقيات الدولية الخاصة بتوزيع مياه نهر النيل، وفندنا ادعاء البعض بأن اتفاقية 1929 ليست اتفاقية لمجرد انها تمت من خلال تبادل رسائل بين الحكومة المصرية والبريطانية، فقد أقرت كل الحكومات بأن تلك المراسلات هي اتفاقية ووثقتها باسم اتفاقية 1929 لنهر النيل.

وفي عام 1911 انعقدت في مدريد الدورة العامة لمعهد القانون الدولي، وأقرت بأنه لكون مجرى النيل يمر عبر عدة دول فلا يجوز لدولة إحداث أي تغيير أو إقامة أية مشروعات عليه بدون موافقة الدول الأخرى، ولا يجوز لأي دولة أن تستغل أو تسمح باستغلال المياه في إقليمها بطريقة تضر بالدول الأخرى. وكذلك فأنه لا يجوز سحب كميات من مياه النيل لاستغلالها في توليد القوى الكهربائية إذا كان ذلك يؤثر على مجرى النهر أو كمية المياه في دول المصب.

ويجب أن نذكر أن مصر عند الشروع في بناء السد العالي احترمت نص تلك المذكرة القانونية والتي تنص على أنه لا يجوز لدولة المصب أن تقيم منشآت على إقليمها تؤدى إلى إحداث فيضانات في دول المنبع، ولذا كان من الضروري ان يبرم الاتفاق المصري السوداني عام 1959 قبل البدء في مشروع السد العالي، فتطبيق مصر لتلك المذكرة القانونية يحميها من محاولات البعض اسقاطها، وللأسف ذلك البعض "مصري".

وتاريخ رغبة اثيوبيا المشروعة في استخدام نهر النيل في التنمية وتوليد الطاقة ليس بجديد، فبداية مشروع سد النهضة أو كما يعرف باسم سد الألفية يعود إلى منتصف القرن الماضي وتحديدا في الفترة بين 1956-1964 وبعد تمهيد جيد من رجال المخابرات الأمريكية في المنطقة، قام مكتب الولايات المتحدة لاستصلاح الأراضي بإجراء مسح شامل للنيل الأزرق لتحديد أنسب الأماكن لإقامة سد على النيل الأزرق، على أن تقوم الولايات المتحدة والبنك الدولي بتمويله، وكان ذلك محاولة للضغط على مصر لإفشال مشروع السد العالي.

 ولما كانت علاقات مصر وأثيوبيا قوية، وكان التواجد المصري في أفريقيا له احترامه، وكانت للعلاقة الوطيدة بين الإمبراطور هيلا سيلاسي وعبد الناصر أثر كبير على ذلك، فتم التشاور في الأمر وأتفق على أن يتم التعاون على مثل تلك المشروعات بين البلدين، ولذا بدأت مصر في التفكير في إقامة عهد جديد من التعاون الأفريقي الذي يسمح لباقي دول المنطقة من التنمية بدون أن يؤثر ذلك سلبا على دول المصب وتحديدا مصر، فكانت الفكرة التي وئدت لتوصيل نهر الكونجو بنهر النيل وإعادة توزيع حصص المياه.

ولا شك أن هزيمة 1967 غيرت من الأولويات المصرية، ثم كانت فترة السبعينات والثمانينيات من ضياع الرؤية وتسليم المنطقة بالكامل للولايات المتحدة واتباعاها في المنطقة هي السبب الرئيسي في وئد فكرة التعاون وفك أوصال الارتباط المصري الأفريقي، ولعله لا يكون فك ارتباط أبدي

وتزامن ذلك مع دخول أثيوبيا في دوامة الحكم العسكري بعد انقلاب 1974 وحتى مطلع التسعينيات، وبعد الإطاحة بالحكومة العسكرية ووصول مهندس التنمية الأثيوبي "ملس زيناوي" لصدرة الحكم، والذي تولى رئاسة الجمهورية المؤقتة ما بين 1991- 1995 ثم رئاسة الوزارة ما بين 1995- 2012، عادت الفكرة للحياة، ولذا وقعتا مصر وإثيوبيا عام‏ 1993 الإطار العام للتعاون بينهما والذي نص على امتناع الطرفين عن القيام بأي نشاط يتعلق بمياه النيل يمكن أن يضر على نحو محسوس بمصالح الأطراف ألأخرى، وعلى ضرورة التعاون والتشاور بخصوص المشروعات بما يساعد علي تعزيز مستوي تدفق المياه وتقليل الفاقد منها‏، وعدم المساس بالاتفاقيات السارية.

وفي عام 1999 أعلن ما سمي في ذلك الوقت "مبادرة 1999" التي ضمت مصر والسودان وجنوب السودان وأوغندا واثيوبيا والكونجو وبورندي وتنزانيا ورواندا وكينيا وأريتريا، وتم توقيع المبادرة بهدف تدعيم التعاون بين هذه الدول عن طريق شراكة إقليمية من أجل تنمية وحسن استخدام وادارة مياه النيل.

وقد رفضت مصر فيما بعد التوقيع على الإطار القانوني للمبادرة إلا إذا تضمن عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل وحقوقها التاريخية، والالتزام بالإخطار المسبق بأي مشروع يقام بأعالي النيل، وضرورة ألا يتم تعديل الاتفاق إلا بالإجماع وليس بالأغلبية.

وفى عام 2010 انفردت أثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا بالتوقيع على مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول بلا محددات تحفظ حقوق دول المصب وتسقط الاتفاقات الدولية السابقة، علما بأنه تلك الدول الموقعة غير معنية بأي مشروعات على النيل الأزرق الذي ينبع من أثيوبيا ويغذي نهر النيل بالسودان متجها لمصر، وقد رفضت مصر والسودان وباقي دول حوض النيل التوقيع.

وبدأت مشروعات السدود الأثيوبية عام 2002 بسد تيكيزي، الذي بني على نهر عطبرة، وانتهى العمل به عام 2009، وإن كان هذا السد لم يؤثر تأثيرا كبيرا على تدفق المياه إلا أنه قام بحجز 40% من الطمي المغذي للنهر وهو المصدر الرئيسي لمصر من الطمي، ومثل ذلك المشروع بداية الفشل أو التخاذل المصري في إدارة الصراع.

 ولم يكن ذلك هو السد الأوحد بل وقعت اثيوبيا عقود لبناء 5 سدود أخرى، وجميعها كانت من نتائج دراسة مكتب الولايات المتحدة لاستصلاح الأراضي المشار إليه بعد ترتيبات أولية عن طريق المخابرات الأمريكية، والأمر الخطير في كل ذلك ان تلك السدود تقع في اثيوبيا والتي ينبع منها النيل الأزرق والذي يغذي نهر النيل بـنسبة 80-85% من مياه نهر النيل الإجمالية، ولا يحدث ذلك إلا أثناء مواسم الصيف بسبب الأمطار الموسمية على مرتفعات إثيوبيا، وهو ذات الوقت المحدد لمراحل ملئ الخزان خلف سد النهضة.

وبصورة عامة فأن جميع دول حوض النيل لا تعتمد على نهر النيل كمصدر للمياه إلا بنسبة ضئيلة جدا، فأثيوبيا تحديدا لا يمدها نهر النيل إلا بـــ 1% من إجمالي احتياجاتها من المياه، وباقي دول حوض النيل لا تعتمد على مياه النيل إلا بنسب متفاوتة تتراوح يبن 0-5% فقط، بينما تعتمد السودان عليه بنسبة 77%، وتعتمد مصر اعتماد كلي على مياه النيل بنسبة 97%،

ورغم كل ذلك فقد وقعت مصر والسودان مع اثيوبيا اتفاق مبادئ في 23 مارس 2015 والتي بموجبها تلتزم الدول الثلاث بـمبادئ عامة، وقد أكدت الاتفاقية على حق اثيوبيا في بناء سد النهضة، وأن تتعاون الدول الثلاثة على المنفعة المشتركة وحسن النوايا وتحقيق المكاسب للجميع، وأن تتخذ الدول الثلاث الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر.

ثم نصت على الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، والتي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر مع إخطار دولتي المصب، وأن تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا.

ومن الواضح أن هذا الاتفاق حول الإلزام المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية إلى إخطار وليس اتفاق ولا حتى استشارة، فمَثل ذلك صك استسلام بلا مبرر.  

وما هذا إلا دليل على أن توقيع مصر على اتفاق المبادئ في 23 مارس 2015، كان بمثابة إهدار كامل لكل حقوق مصر وتفريط واضح في مصدرها الأساسي من المياه، مما يهدد ليس فقط كل اشكال التنمية في مصر بل يمتد لتهديد كل اشكال الحياة على أرض مصر، وأن سوء الإدارة وليس ثورة 25 يناير 2011 كما يدعي البعض هي المسئولة عن تلك المصيبة الكبرى.   

ولكن ما هو الحل وكيف لمصر أن تنجوا من ذلك الفخ الذي نصب لها عبر عشرات السنوات ووقعت مصر فيه بسوء إدارة الملف أو بسوء نية، ولذا مقال التالي والأخير في تلك السلسلة.

..... يتبع بالمقال الخامس والأخير    رؤية للمستقبل

 

* محمد شريف كامل مهندس ومدير مشروعات، شغل مناصب مهنية عديدة، بالإضافة لكونه مدون وكاتب مستقل، هو أحد المؤسسين وعضو مجلس الادارة لحركة حقوق المواطنين، هو أحد المؤسسين والأمين العام والمتحدث الرسمي السابق للمجلس الثوري المصري، و أحد مؤسسي الائتلاف الكندي المصري من أجل الديمقراطية، وحركة مصريون حول العالم من أجل الديمقراطية والعدالة، هو احد القيادات الطلابية المصرية  في السبعينات، عضو نشط في العديد من المنظمات المحلية والدولية الدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة لانتخابه مفوض بمجلس إدارة المدارس بقطاع المدارس بجنوب مونتريال لمدة 4 سنوات. هو أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير في مصر (كندا) قبل الثورة، وتجمع الاعلام البديل بكيبيك – كندا، كذلك أحد مؤسسي والرئيس السابق للمنتدى الإسلامي الكندي، كما انه أحد المؤسسين حركة كيبيك - كندا المناهضة للحرب، وأحد المؤسسين التحالف الكيبيكي-الكندي من أجل العدالة والسلام في فلسطين. وهو عضو نشط في العديد من منظمات المجتمع المدني ومن بينها اتحاد الحقوق والحريات بكيبيك – كندا. عضو في مجلس الأمناء لجمعية الكندين المسلمين من اجل فلسطين، ومركز مسلمي مونتريال (الامة الإسلامية). نشر له العديد من المقالات حول العديد من القضايا المحلية والدولية بلغات ثلاث (العربية، والانجليزية، والفرنسية)، ومدون ومؤسس مدونة "من أجل مصر حرة".

محمد شريف كامل يمكن للتواصل معه عبر:

1-514-863-9202, e-mail: public@mohamedkamel.com, twitter: @mskamel, blog: http://forafreeegypt.blogspot.com/  https://www.facebook.com/APresidentForEgypt/, https://www.youtube.com/channel/UCl3y4Hxgf05Xr0iDU68r8GQ

 


Saturday, May 29, 2021

سد النهضة: مصر وافريقيا بين الماضي والحاضر والمستقبل سلسلة من خمسة مقالات المحور الثالث: تأثير الصراع العربي الصهيوني بقلم: محمد شريف كامل

سد النهضة: مصر وافريقيا بين الماضي والحاضر والمستقبل

سلسلة من خمسة مقالات

المحور الثالث: تأثير الصراع العربي الصهيوني

بقلم: محمد شريف كامل*

27 مايو 2021

 

https://forafreeegypt.blogspot.com/2021/05/blog-post_29.html

 

نشر المقال يوم الثلاثاء 25 مايو 2021 بموقع الجزيرة مباشر

بعنوان " أفريقيا.. وإسرائيل.. والطريق لسد النهضة!"

https://mubasher.aljazeera.net/opinions/2021/5/25/%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D9%84%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9

 

ونشر يوم الأحد 30 مايو 2021 بموقع رسالة بوست

https://resalapost.com/2021/05/30/%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B6%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD-2/

 

 

(هذا مقال من سلسلة من خمسة مقالات، فبرجاء قراءة المقدمة وقراءة المقالات بالترتيب حتى يكتمل الهدف من السلسلة)

المقدمة: https://forafreeegypt.blogspot.com/2021/05/blog-post_26.html

 

تعرضنا في المقال السابق لدور مصر التحرري وإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، ورفضها ورفض أغلب الدول الافريقية الاعتراف بإسرائيل، وتأييد المنظمة والغالبية العظمى من دول أفريقيا لقضية فلسطين العادلة، وقد مثل ذلك أزمة كبيرة لإسرائيل خاصة وأنها كانت تطمع في أن تكون دول القارة السمراء الوليدة والخارجة من تحت عباءة الاحتلال البعد الاستراتيجي لها ومخزونها من الثروات، وكانت الدول المستعمرة تشجع إسرائيل على ذلك خاصة وأن من أسباب قبولها لإقامة إسرائيل هي وجود وكيل لها في المنطقة.

ومن المعلوم أن علاقة إسرائيل بدول أفريقيا كانت محدودة ومتقلبة ما عدا النظامان العنصريان في جنوب افريقيا وروديسيا البيضاء (زيمبابوي) واللذان يشابهان تماما الكيان الصهيوني في كونه استعمار استيطاني يمارس التفرقة العنصرية واستعباد وابادة الشعب الأصلي. ولم تبدأ الدول الأفريقية إقامة علاقات حقيقية بإسرائيل إلا بعد أن تقلس الدور المصري باتفاقية كامب دافيد الموقعة بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة والتي تضمنت نصوصها على أمران فتحا لإسرائيل الباب الأفريقي على مصراعيه، وهما إلغاء المقاطعة واسقاط قرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية.        

وادراكا بأن أمن أفريقيا هي العمق الاستراتيجي لمصر، كان التغلغل الصهيوني فكرا ودولة في افريقيا هو بداية للحصار على مصر في العديد من المجالات، والذي ظهرت بعض تبعاته في مشروع سد النهضة، خاصة وأن نهر النيل هو مصدر المياه الوحيد لمصر وأنه شريان حياة بالنسبة لها لكون مصر دولة مصب وليست أرض للمنبع.

الأمر لا يحتاج لكثير من الجهد لربط الأحداث ومعرفة العلاقة الوثيقة بين إسرائيل وقوى الاستعمار القديم والحديث، فالربط بين قلاقل القارة والصراع على المخزون العالمي من الثروات ومشروع سد النهضة أمر واضح، ورغم دخول اللاعبين الجدد، إسرائيل والامارات، للعبث بالساحة الأفريقية فمازال اللاعبين القدامى فرنسا والولايات المتحدة يتبارون على استنزاف الموارد وتخزين ما لا حاجة له اليوم لغد قريب.

فلم تجف بعد دماء التسعينات الناتجة عن الصراع بين فرنسا والولايات المتحدة على أرض الجزائر حتى عادت في صورة أخرى مع أثار الربيع العربي، وكذلك السيطرة الكاملة والصراع في مالي وتشاد، وصراع الشعب العربي في ليبيا وتونس مع تدخل الامارات وإسرائيل سيظل قائما حتى تسقط قلعتهم المغتصبة للقاهرة.        

وقد يعتقد البعض أننا خرجنا عن السياق، ولكن على العكس فالأمر مرتبط ارتباط كلي، ولسنا ببعيد عن تقسيم السودان والصراع في القرن الأفريقي، وقد تطورت علاقة الدول الأفريقية بإسرائيل بشكل سريع فالدول الافريقية تبحث عن الخبرات والتقنيات في مجالات الأمن والتكنولوجيا والزراعة والري، وقد تخلت مصر عن ذلك الدور وانكمشت داخلها، وتطوعت الإمارات بتمويل تلك الاحتياجات شراكة مع المعرفة المتوفرة لدى إسرائيل، ولا شك في أن إسرائيل تجد في افريقيا مصدر للثروات والمواد الخام لا قرين له كما هي سوق كبير لتجارتها.

وقد تزامن ذلك مع الشرط الضمني من الولايات المتحدة باعتبار أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو الضامن لعلاقة حميمة معها، والتقى ذلك مع احتياج الأنظمة في افريقيا للحماية من التقلبات القبلية وثورات الشعوب. وعلى الجانب الأخر فإن إسرائيل تحتاج إلى تقوية العمق الإستراتيجي فهي محاطة بالشعوب العربية التي مهما تخاذلت حكوماتها ستظل رافضة وجود ذلك الكيان، ولذا كان العمق الأفريقي أساسي لها، ولا شك في أن التواجد الإسرائيلي في افريقيا هو اختراق للأمن القومي العربي وتطويقا للدول العربية.

من المعلوم أن إسرائيل تحتاج للمياه والكهرباء ومواردها في ذلك محدودة، ومرت بصراعات عديدة حول نهر الأردن ونهر الليطاني، ولا ننسى الحجة الدينية الواهية بربط مملكتهم القديمة بنهري النيل والفرات، والتي تحولت من محاولة السيطرة عليهم بالقوة إلى الحيلة والوقيعة، فتفتيت سوريا وإقامة نظام موالي في مصر هو التمكين من النيل والفرات بأسلوب العصر الحديث.

ويعلم الجميع أن إسرائيل ألحت كثيرا على مصر بالود تارة وبلي الذراع تارة أخرى أن توصل مياه النيل لها، وقد رفضت مصر أن تقوم بذلك حتى عام 2013، ثم قامت مصر بتوصيل سحارات مياه أسفل قناة السويس، والمعروفة بسحارات سرابيوم بحجة إيصال مياه النيل لسيناء بهدف التنمية، وهذا الظاهر من القول يبدوا حميدا ولكن باطنه معلوما، فأين مياه النيل ونحن على أبواب نقص كبير فيها.      

وكان لرفض مصر توصيل المياه أثر على الإيقاع بين مصر ودول حوض النيل بتوقيع اتفاقية عنتيبي عام 2010 لإعادة توزيع المياه بالرغم من رفض مصر والسودان لها وعدم توقيع إلا 4 دول فقط، ولا نلوم اسرائيل على ذلك فهي تسعى لتحقيق مصالحها وتجتهد في ذلك بكل حيل الشر التي تمتلكها والتي بها تأسست وتوسعت، ولكننا نلوم مصر والسودان لفشل إدارة الأزمة.

وقد وقفت الإمارات وإسرائيل بشكل واضح مع أثيوبيا في مشروعاتها التنموية، بينما فشلت مصر في الدور المفترض لها في أن تتفهم الرغبات المشروعة في التنمية والتعامل معها وفشلت في التفاوض الجدي في ذلك الأمر.

ولا نستطيع أن نتحدث في شأن التواجد الإسرائيلي في أفريقيا دون الحديثن أ عن القرن الأفريقي وباب المندب، وباب المندب هو أحد النقاط الاستراتيجية التي لولا زرع إسرائيل لكان مدخل لبحيرة البحر الأحمر العربية، ومضيق دولي في ذات الوقت مثل مضيق جبل طارق، وبوجود تحكم عربي في المضيقين تصبح التجارة الدولية محكومة ومحمية بالعرب، ولذا كان إطلاق يد اسبانيا في سبته ومليلة والجزر المحيطة وتحييد جزيرة ليلى وسيطرة بريطانيا على جبل طارق.

وذات الشيء تحقق على باب المندب الذي يصل المحيط الجنوبي (المحيط الهندي وبحر العرب) بالبحر الأحمر وتطل عليه اليمن وجيبوتي. ولكون أثيوبيا بلا منافذ بحرية، فالصراع الأثيوبي الجيبوتي والصراع الأثيوبي الإريتري لن يتوقف، وبعد أن كان النفوذ المصري على المنطقة بالعلاقة الحميمة مع أثيوبيا وتأييدها لقوى الثورة والتنوير في اليمن، جاءت قوى الردة السعودية الإماراتية لتفرض واقع جديد يثبت السيطرة الإسرائيلية على المنطقة بالقواعد العسكرية الإماراتية والإسرائيلية والأمريكية على جانبي البحر الأحمر، وسيطرة الامارات على جزر سقطري.       

فكانت السيطرة على مضيق باب المندب واستمرار الصراعات الأثيوبية الجيبوتية والصراعات الأثيوبية الإريترية والصراع على مياه النيل هي الضامن الأساسي لزعزعة الأمن في المنطقة، وضمان لاستقرار الوضع للتواجد الإسرائيلي في البحر الأحمر لدعم أمنها القومي وحصار الأمن العربي وخدمة الإستراتيجية الأميركية في الهيمنة على إفريقيا، والتحكم في ثروات القارة السمراء وخطوط الملاحة في البحر الأحمر، وفتحه كممر مائي دولي يتحكمون فيه، والذي اكتمل بتحقيق حلم إسرائيل بتسليم تيران وصنافير للسعودية مما يجعل مضيق تيران ممر دولي وليس مياه إقليمية مصرية.

وبذلك يكون قد تم اختراق الامن القومي العربي والمصري تحديدا، والذي اكتمل بمشروع سد النهضة الذي نتناوله بالتفصيل في مقالنا القادم.

 

..... يتبع بالمقال الرابع    سد النهضة والحق الأثيوبي في التنمية

 

 

* محمد شريف كامل مهندس ومدير مشروعات، شغل مناصب مهنية عديدة، بالإضافة لكونه مدون وكاتب مستقل، هو أحد المؤسسين وعضو مجلس الادارة لحركة حقوق المواطنين، هو أحد المؤسسين والأمين العام والمتحدث الرسمي السابق للمجلس الثوري المصري، و أحد مؤسسي الائتلاف الكندي المصري من أجل الديمقراطية، وحركة مصريون حول العالم من أجل الديمقراطية والعدالة، هو احد القيادات الطلابية المصرية  في السبعينات، عضو نشط في العديد من المنظمات المحلية والدولية الدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة لانتخابه مفوض بمجلس إدارة المدارس بقطاع المدارس بجنوب مونتريال لمدة 4 سنوات. هو أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير في مصر (كندا) قبل الثورة، وتجمع الاعلام البديل بكيبيك – كندا، كذلك أحد مؤسسي والرئيس السابق للمنتدى الإسلامي الكندي، كما انه أحد المؤسسين حركة كيبيك - كندا المناهضة للحرب، وأحد المؤسسين التحالف الكيبيكي-الكندي من أجل العدالة والسلام في فلسطين. وهو عضو نشط في العديد من منظمات المجتمع المدني ومن بينها اتحاد الحقوق والحريات بكيبيك – كندا. عضو في مجلس الأمناء لجمعية الكندين المسلمين من اجل فلسطين، ومركز مسلمي مونتريال (الامة الإسلامية). نشر له العديد من المقالات حول العديد من القضايا المحلية والدولية بلغات ثلاث (العربية، والانجليزية، والفرنسية)، ومدون ومؤسس مدونة "من أجل مصر حرة".

محمد شريف كامل يمكن للتواصل معه عبر:

1-514-863-9202, e-mail: public@mohamedkamel.com, twitter: @mskamel, blog: http://forafreeegypt.blogspot.com/  https://www.facebook.com/APresidentForEgypt/, https://www.youtube.com/channel/UCl3y4Hxgf05Xr0iDU68r8GQ


Friday, May 28, 2021

سد النهضة: مصر وافريقيا بين الماضي والحاضر والمستقبل: المحور الثاني: العلاقات المصرية الأفريقية بقلم: محمد شريف كامل*

سد النهضة: مصر وافريقيا بين الماضي والحاضر والمستقبل

سلسلة من خمسة مقالات

المحور الثاني: العلاقات المصرية الأفريقية

بقلم: محمد شريف كامل*

27 مايو 2021

 

https://forafreeegypt.blogspot.com/2021/05/blog-post_28.html

https://resalapost.com/2021/05/29/%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B6%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD/

 

(هذا مقال من سلسلة من خمسة مقالات، فبرجاء قراءة المقدمة وقراءة المقالات بالترتيب حتى يكتمل الهدف من السلسلة)

المقدمة: https://forafreeegypt.blogspot.com/2021/05/blog-post_26.html

 

لا يغيب عن أحد أن أفريقيا هي العمق الاستراتيجي لمصر، وقد أدرك ملوك الفراعنة ذلك، كما أدرك ذلك محمد على وجميع الحكومات المصرية المتعاقبة حتى وقت قريب، ولا يخفى علينا أن الأعداء قد أدركوا ذلك بذات القدر ويزيد، ولم يقتصر هذا العمق الاستراتيجي على نهر النيل وحسب، بل كان نهر النيل هو أهم ما في الأمر لكون مصر دولة مصب وليست أرض للمنبع.

وقد لعب الاستعمار دور كبير في استنزاف موارد قارة أفريقيا السمراء، ولكن كان هناك أثر جانبي لذلك فصراع بريطانيا مع الدول الاستعمارية الأخرى مثل فرنسا وايطاليا وبلجيكا هو ما أنتج اتفاقيات توزيع مياه النيل وهو ما ألقى الضوء على ضرورة احترام حقوق دول المصب وهو ما ساعد على فتح ملف المجاري المائية المشتركة.

وحتى لا يتصور البعض من أنصار الاستعمار أن للاستعمار منافع، فإن الاستعمار لم يقم بذلك حبا في شعوب المستعمرات وحرصا على مواردها ومستقبلها، ولكنه قام بذلك كجزء أساسي في استغلاله لتلك البلاد وثرواتها وأهلها، وعندما تتعارض المصلحة فالاستعمار على أتم استعداد للتفريط في مصالح أي من تلك المستعرات وأقرب مثل على ذلك أنه لم ينفذ تعهداته ولا الاتفاقيات الخاصة بنهر النيل حين شرع في مشروع إنشاء محطة توليد الكهرباء من مساقط شلالات أوين بأوغندا إلا عندما ذكرته الحكومة المصرية بالالتزام وطالبته التأكد من تطبيق القواعد المتفق عليها والتي تحمى مصالح مصر.

وقد شكلت عدة ملفات الأُطر الرئيسية لتلك العلاقة، فكانت علاقة مصر والسودان أحد أهم تلك الملفات، وكذلك مشروع التحرر الوطني الذي انطلق عقب الحرب العالمية الثانية، والصراع مع الاستعمار الاستيطاني الذي تمثل في العديد من دول القارة وفي مقدمتها الجزائر والكونجو، وبلا شك جنوب افريقيا وزيمبابوي (رود يسيا البيضاء).

وهناك بلا شك بعد أخر وهو الصراع على ما يعرف باسم القرن الأفريقي وباب المندب، وهذا أمر يطول شرحه وسنتناوله في مقال تالي.     

وظل أهم هذه الملفات هي علاقة مصر والسودان، فقد ربطت مصر والسودان علاقات قوية مشتركة غلب عليها التفاهم وشابها الخلاف، وكانت النقطة المحورية في العلاقات المصرية السودانية هي استقلال السودان والذي تضاربت حوله الآراء، واعتبره البعض انفصال، علما بأن الانفصال لا يأتي إلا بعد وحدة وهذا مالم يكن.

في بداية القرن التاسع عشر، وتحديدا في عام 1821 أرسل محمد علي جيشه في محاولة لإعادة السودان لدولة الخلافة، وفى عام 1881 قامت ثورة المهدي الأولى للتخلص من الخلافة العثمانية، ووقعت معارك متعددة مع الجيش المصري حتى سيطر الثوار في عام 1885 على الخرطوم وأعلنوها عاصمة السودان.

وفى عام 1896 تدخلت الجيوش البريطانية مباشرة انتقاما لمقتل جورج جوردون القائد البريطاني، وبلا شك كان الجنود المصريين هم عصب ذلك الجيش، وهزمت دولة المهديين وتم رفع العلمين البريطاني والمصري في عام 1899 وأعلنت الحماية البريطانية المصرية المشتركة، وتم توقيع اتفاقية الحكم الثنائي المصري البريطاني على السودان.

وأورثت تلك الاتفاقية عدة مشاكل، أولها ان ذلك الاتفاق أخذ شكل احتلال واضح، واُضيفت له إشكالية ترسيم الحدود على خط عرض 22 درجة شمالاً، وهذا بلا شك دليل على أنه لم تكن هناك وحدة، وذادت المشكلة تعقيدا بقرارات وزارة الداخلية المصرية بتعديل الحدود لتسهيل حركة القبائل وهو ما تسبب فيما نعيشه الأن من مشكلة حلايب وشلاتين.

وتطورت الأمور بعد ذلك، فبعد مقتل السير لي ستاك عام 1924 تم طرد الجيش المصري من السودان، وبعد إلغاء معاهدة 1936 التي مثلت استقلال صوري لمصر عن بريطانيا، وتحديدا في عام 1937 وافق مصطفى النحاس على طلب منح السودان حق تقرير المصير، واتفقت بريطانيا ومصر على منح حق تقرير المصير للسودان بعد فترة حكم ذاتي للسودانيين.

وفى عام 1951 صوت مجلس النواب السوداني بالإجماع على الانفصال عن مصر، وفى ذات العام أقرت مصر بذلك في الامم المتحدة، وصدر مرسوم مصطفى النحاس بأن يكون للسودان دستور منفصل عن دستور مصر، والغريب أن ذلك قد كله تزامن مع مفاجئة تسمية الملك فاروق نفسه ملكا على مصر والسودان، وهو الأمر الذي اعترضت عليه بريطانيا واستخدمته في مفاوضتها مع مصر بخصوص توقيع اتفاقية دفاع مشترك في منتصف عام 1952، وتحديدا في 7 يوليو.  ولم تكن هذه أول محاولة لملك مصر في إعلان نفسه ملكا على مصر والسودان، فقد حاول الملك فؤاد ذلك من قبل في عام 1922 إلا أنه تراجع عنه فورا للرفض البريطاني والسوداني.

 

ومن المعلوم أن مصر أصرت على أن يكون حق تقرير مصير السودان جزء من في مفاوضات الجلاء البريطاني عن مصر، ومع تقدم محادثات الجلاء وتوقيع الاتفاقية مع بريطانيا، كان من الطبيعي أن تتقدم مطالب السودان بالاستقلال وقد أقر البرلمان السوداني ذلك وأعلنه رئيس الوزراء إسماعيل الازهري خلال جلسة البرلمان في مطلع يناير 1956، ورغم عدم رضاء مصر الذي جاء من جانب واحد، عن هذا القرار إلا انها لم تجد مفر من قبول ذلك خاصة وأنها كانت ترفع شعارات التحرر وحق تقرير المصير.

وحرصا على استمرار العلاقة الأخوية بين البلدين قررت مصر استمرار عمل المؤسسات التعليمية والثقافية المصرية في السودان، كما قررت ترك أسلحة الجيش المصري المغادر للسودان هدية للجيش السوداني، وقد كان ذلك من دوافع تحسن العلاقة الذي جاء أثره الإيجابي واضح في مفاوضات بناء السد العالي وتوقيع اتفاقية 1959 والتي حددت بوضوح موافقة السودان على التعاون مع مصر في بناء السد العالي وكذلك الاتفاق على توزيع مياه النيل.

ولم تكن العلاقة المصرية السودانية هي المحور الأوحد في العلاقات المصرية الأفريقية، ولكننا نركز هنا على الأمور المتعلقة بنهر النيل والمؤثرة في أزمة سد النهضة، ولذا أنتقل هنا للحديث عن العلاقة مع الكونجو ودور مصر في طريقها للتحرر من الاستعمار البلجيكي، ومع دخول الكونجو في عام 1960 مرحلة الاستقلال انخرطت في الحرب الأهلية، ووقفت مصر على الحياد في ذلك الصراع ولكنها وقفت مع زعيم حركة التحرر والوحدة "باتريس لومومبا" والذي خذلته فيما بعد التدخلات الأمريكية والموقف السلبي لقوات الأمم المتحدة خاصة بعد اغتيال سكرتير عام الأمم المتحدة "داج همرشولد" الذي اغتيل عمدا لإخراج الأمم المتحدة من المعادلة وتسهيل الانقلاب، وظل دور مصر محوري، ومازال شعب الكونجو رغم التقسيم والصراعات الداخلية يشعر بالامتنان والعرفان لدور مصر.    

ولكن ماهي علاقة الكونجو بنهر النيل؟  بالإضافة لدور مصر التحرري في افريقيا فقد مثلت الكونجو بعداً استراتيجيا هاماً وخاصاً، فمن المعلوم أن نهر الكونجو وهو ثاني أطول نهر في أفريقيا والذي يقع بالكامل داخل جمهورية الكونجو الديمقراطية، التي عرفت في فترة باسم زائير، ولا تستفيد الكونجو من مياه النهر التي يضيع منها ما يزيد عن ألف مليار متر مكعب سنويا في مياه المحيط الأطلنطي، وهو ما يمثل أكثر من 90% من وارد المياه ولا يوجد إي طاقة استيعابيه له.

لم يغب عن مصر أن اتفاقيات تقسيم مياه نهر النيل بين دول المنبع والمصب سيأتي يوم وتحتاج لإعادة دراسة، خاصة وأن أثيوبيا والتي تعتبر مصدر مصر الرئيس من المياه لديها مشروعات للتنمية ستحتاج معها لإقامة السدود، وهو أمر له تاريخ طويل، ولذا ولدت في منصف الستينات ومع قرب الانتهاء من مشروع السد العالي فكرة ربط مياه نهر الكونجو بنهر النيل والتي بها يمكن الاستفادة من النهر الذي تضيع مياهه سدى ويساعد ذلك في زراعة ملايين الأفدنة في مصر والسودان وكذلك يتم توليد الطاقة في الكونجو لخدمتها وخدمة الدول المحيطة، إلا أن هذا المشروع قد وئد بعد حرب 1967. 

وكان دور مصر التحرري وإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، ودور تلك المنظمة المساعد في حركات التحرر والتنوير، ورفضها وأغلب دول افريقيا أن تعترف بالاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، وكان من العوامل الأساسية لإصرار الحملة الصهيونية على التغلغل في افريقيا لفتح مجالات لها ولضرب العمق المصري هناك، وهذا ما نخصص له المقال التالي.

 

..... يتبع بالمقال الثالث    أفريقيا والصراع العربي الصهيوني

 

* محمد شريف كامل مهندس ومدير مشروعات، شغل مناصب مهنية عديدة، بالإضافة لكونه مدون وكاتب مستقل، هو أحد المؤسسين وعضو مجلس الادارة لحركة حقوق المواطنين، هو أحد المؤسسين والأمين العام والمتحدث الرسمي السابق للمجلس الثوري المصري، و أحد مؤسسي الائتلاف الكندي المصري من أجل الديمقراطية، وحركة مصريون حول العالم من أجل الديمقراطية والعدالة، هو احد القيادات الطلابية المصرية  في السبعينات، عضو نشط في العديد من المنظمات المحلية والدولية الدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة لانتخابه مفوض بمجلس إدارة المدارس بقطاع المدارس بجنوب مونتريال لمدة 4 سنوات. هو أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير في مصر (كندا) قبل الثورة، وتجمع الاعلام البديل بكيبيك – كندا، كذلك أحد مؤسسي والرئيس السابق للمنتدى الإسلامي الكندي، كما انه أحد المؤسسين حركة كيبيك - كندا المناهضة للحرب، وأحد المؤسسين التحالف الكيبيكي-الكندي من أجل العدالة والسلام في فلسطين. وهو عضو نشط في العديد من منظمات المجتمع المدني ومن بينها اتحاد الحقوق والحريات بكيبيك – كندا. عضو في مجلس الأمناء لجمعية الكندين المسلمين من اجل فلسطين، ومركز مسلمي مونتريال (الامة الإسلامية). نشر له العديد من المقالات حول العديد من القضايا المحلية والدولية بلغات ثلاث (العربية، والانجليزية، والفرنسية)، ومدون ومؤسس مدونة "من أجل مصر حرة".

محمد شريف كامل يمكن للتواصل معه عبر:

1-514-863-9202, e-mail: public@mohamedkamel.com, twitter: @mskamel, blog: http://forafreeegypt.blogspot.com/  https://www.facebook.com/APresidentForEgypt/, https://www.youtube.com/channel/UCl3y4Hxgf05Xr0iDU68r8GQ