Friday, December 17, 2004

ملعون صمتنا بقلم: محمد شريف كامل


ملعون صمتنا

بقلم: محمد شريف كامل

17 ديسمبر 2004

ونشر بـــ

-          جريدة الهجرة مونتريال

-          جريدة صدى المشرق مونتريال




لم نتصور أنه سيأتى اليوم الذى نتعرض فيه لكل هذا الضغط العصبي الذي نواجهه كل يوم من جراء مانطالعه ونعايشه من أخبارالمسلمين والعرب وأحوالهم وما الذىأصابنا من هوان وسقوط شاركت فيه كل الأجهزة والمؤسسات الرسمية وغيرالرسمية ونتج عنه ذلك التردى الذى أصبح هو حالنا جميعا فى الداخل وفى الخارج، فى داخل أنفسنا وبيننا وفى كل ما يحيطنا.

سوف يتعجب التاريخ من إناس فقدوا كل ما يمثل العزة والكرامة، أناس كان تاريخهم هو العزة والكرامة، فلما تخلوا عنها تخلت عنهم، وأصبح كل منهم هو مريض بداء لعين أسمه العبودية وحب اللإستعباد وأصبح لايستطيع أن يتخلص منه.

لقد توالت الصدمات علينا عبرالتاريخ ولكن كنا دوما نستطيع التغلب عليها ونقوم منها خيرا مما كنا قبلها، وقت كنا لا نخاف غير الحق ولا نرتعد لغير العدل ولكن حين سلمنا أمورنا لأقزامنا ممن يتربعون فوق عروش شعوبنا وتراجعنا وإستسلمنا لمن نصبوا أنفسهم أولياءا لأمورنا، وحين ذلك بدء المرض اللعين يدب فى أوصلنا ليأكل كل شئ  حتى أصاب ذلك السرطان قلوبنا، فهل من علاج لهذا المرض أم هوالموت الأبدى.

لقد يأس التاريخ من أناس قرأوه فجهلوه وطالعوه فلم يبصروه، لقد يأس التاريخ من أناس لا يتعلمون من ماضيهم ولا يعملون لمستقبلهم، بل تحولوا إلى دواب تأكل وترعى وفقما يرى سيدها وراعيها.

لقد عميت أعيننا وقلوبنا حين لم نعى ما رددته شفانا مررارا دون أن تعيه قلوبنا، هكذا قال الفيلسوف " لقد أكلت يوم أكل الثورالأحمر"،  فهل منا من مازال يعى ذلك أم أصبحنا لا نقدر حتى على الترديد.

إن سرد ما يحدث حولنا فى العالم لا يكفيه مقال ولا مجلد، بل يريد مداد البحر، ألا أنه  يمكن أن يختصر في جمله واحده، ما يحدث فى كل مكان فى العالم حولنا من ظلم بيين حولنا إلى كائنات تنتحر داخلها ولا تستطيع حتى أن تعبر عن رفضها لذلك الظلم، فكنا دعاة عدل وحق وأصبحنا أبواق ظلم بين صمت ومهادنه ومنا من بلغ حد أن أصبح هو الظلم ذاته.

من منا لا يرى صور أطفال فلسطين، ولأكثر من خمسين عاما، أمام أشلاء منازلهم المدمرة يبكون اللا أمل فى المستقبل؟ من منا لم يتخيل إبنه أوإ بنته ينكل به ويغتصب ويلقى فى الطريق؟ أليس هؤلاء بناتنا وأولادنا أم نحن حتى الكرامه فقدناها! من منا لم يرى صورالقتلة الغازين للعراق وأفغانستان؟ ومن منا لم يرى دمار المنازل والقلوب والعقول؟  أم إننا عاودنا وأد البنات.

من منا لم يتابع المهانة ووزير خارجية اليونان يرجو من العرب إتخاذ موقف ضد غزوالعراق؟ وتم غزوالعراق من أرض العرب ونتابع اليوم تقطيع أوصاله ونحن إما مخمورون أومهووسون وفى النهاية نحن مساءلون.

لقد حرم علينا كل شيئ حتى رفض العدو، وحرم علينا  حقنا في مقاومة الغزو وتحولت أجهزة دولنا من حامى وراعى لمصالحنا إلى خادم فى قصور العدوان وكل منهم يسعى لإرضاء الطاغى الأكبر فى البيت الأبيض والهرب من عقابه، وتحول لخادم مهين فى حظيرته متناسيا أن التاريخ سيحاسب كل منا ومنهم سواء ونحن مدينون أكثر منهم لأننا تركناهم ينهشون أعراضنا وكأنها لا تخصنا.

نعم لقد أكلنا يوم أكل الثور الأحمر، نعم لقد أكلنا ولم نندم بعد، يوم رضينا بأن نتابع عبر شاشات التلفاز قصف هانوى و جواتيمالا والشيشان ويوم وقفنا نساند الحرب بين العراق وإيران ودفعنا الأموال لكل منهما.

و اليوم لم نتعلم ومازلنا نتخبط بين اليمين واليسار وأصبحنا سواء هنا وهناك بطائفيتنا المحدودة ونحن نتابع ونشاهد  تنصيب الأراجوزات رؤساء كما الحال في أفغانستان والصراع على الرئاسة فى فلسطين تحت الإحتلال وقوائم إنتخابية طائفية في العراق مسها خبل الصراع على السلطه ولا ترى خلل أوعجب في الإستعمار، وتعتقد إن الخطر عليها قادم من أقرب الشعوب لها.

لقد فقدنا حتى القدرة على التمييز بين ماهو جائز وما هوغير جائز، وأصبحنا نسبح فى بحر الصهيونية ونخشى مجرد أن تنبض قلوبنا برفضنا لها ولأدعيائها، خشية أن نتعرض لإختبارما تخفى القلوب! وخوفا من أن ينمي إلى علم أكلى لحوم البشر أن قلوبنا مازالت تجرى فيها دماء عربية أبية، أبينا إلا أن نصفيها بايديا.

لقد أنقلبت مفاهيمنا عن أولويات الحياة رأسا على عقب فأصبحنا نرى فى الطعام و الشراب والملذات واللهو هدف أسمى من الدفاع عن أطفالنا ونسائنا وأصبح شعارنا الثابت هو،لو كان لدينا الوقت لكنا وكنا وكنا...

لقد حولونا إلى دواب، ولا لوم عليهم، فبالرغم من أننا خلقنا مميزين بنعمه العقل إلا إننا رفضنا تلك العقول ورضينا بلباس العجول فحق علينا الذبح. نعم فنحن نذبح بسكين بارد ولا يحق لنا أن نلوم إلا أنفسنا فنحن اللذين سلمنا رؤوسنا لذابحينا يوم فرغنا عقولنا من بروتوكولات حكماء صهيون وأستسلمنا للخرافات حتى ولو كانت تلك البوتوكولات غير حقيقية  كما يدعى البعض أليس كل ما كتب فيها هو ما يحدث اليوم. فتقسيم العراق والسودان والشام ومصر قادمة وتهديدها بقطع مياه نهر النيل والفتنه قائمه بها، أليس هذا هو مخطط الصهيونية المسيطرة على الإعلام، وتفريغ مراجع التاريخ وتقويد كل الأديان.

أمازلنا قادرون على أن نمد أيدينا ونحول محطة التلفاز عن صورة الطفلة الى تبكى أشلاء منزلها؟  وهى حقا تبكى مصيرنا نحن لا مصيرها هي، ونحن لا ندرى ولانعي، فمنزلها قد دمر ووالديها قد قتلوا أمام أعينها،إنها هى ذات الطفله وذات الصورة وذات الذاكرة منذ غزا المغول أرضنا من الشرق حتى غزاها مغول الغرب فلم تتغير طبيعتهم ولم تتغير الطفلة التى تذبح أمام أعيننا فى كل مرة، ولكننا تغيرنا نحن، فأصبحت دمائنا الطاهرة لا تساوى عندنا غير نظرة ألم لذ بيح إبراهيم، وإن كان قد فدي فنحن لا نستحق الفداء.

 الفداء  كان لنا يوم كنا نتطلع ونتسابق لحماية أرضنا وعرضنا وأبنائنا ويوم كنا لا نخاف إلا ضمائرنا، فصمدنا أمام كل المأسى، أما اليوم وقد أصبحنا موتى نخاف كل لائم ونخاف أن نؤيد شعوبنا فى الدفاع عن نفسها وأصبح همنا هو هم الأندال وإرضاء الغول الكبر، وأصبحنا نندد بكل دفاع عن الشرف ونساوى بين القاتل والمقتول بل حتى أصبح منا من يصف القاتل برجل السلام والمقتول بالمعتدى رافض الحياة!  أية حياة هذه وأي فداءهذا الذي نطالب به.

هذا حالنا ونحن فرحون بما يسمى نهضة، وما هي إلا نهضة شكليه، شوارع ومدائن منيره ونظيفة الشكل الخارجي فقط ، مدنسه القلب والعقل فحتى صلاتنا أصبحت صورة شكلية فهل تقبل صلاتنا؟ وهل تقبل صلاتنا بعد أن أصبحنا عباد فى محراب الدعاره نخدم كل ما هو نجس ونتلذذ بسوط سجاننا ولا نرى قصر قاماتنا، فهنيئا لنا نحن أصحاب القلوب المريضة، هنيئا لنا تفريطنا في أعراضنا.

نحن لن يفيقنا إلا دمارنا جميعا فلا صلوات تنجينا ولا دعوات تشفع لنا ولكن مصيرنا سوف يكون مصير الثورالأحمر ولعل منا من لا يدرك قصة الثورالأ حمر فهذه فرصة لنعيد قراءة تاريخنا وفهم تراثنا لعلنا ندرك بعض الشئ أو لعل الكرامة تدركنا أولعلنا نرى قصر قاماتنا قبل الموت.

إنه ملعون صمتنا، ملعون متاعنا، ملعون قتلنا ضميرنا، ملعون وأدنا بناتنا، ملعون سجودنا لجلادنا، وهنيئا لمن رأى الطريق، هنيئا لأصحاب الضمير إن كان هناك بقيه منهم.

-------------

على الهامش (1): قصه الذئب والثور بتصرف

لقد نزل الذئب إلى الحقل وهو جائع ولم يكن هناك بالحقل سوى ثلاثة من الثيران أحدهم أبيض والثانى أسود والثالث أحمر. فكرالذئب وأدرك انه لو هاجم الثلاثة لفتكوا به، فذهب إلى الثورالأسود والأبيض وداعبهما قائلا لهما هل هذا الثور الأحمر ينتمى لكما ؟ أنا لم أرى ثور أحمرفى حياتى إنه عار عليكم، وأنا جائع فلما تعرضون أنفسكم جميعا للصراع والحرب وأنتم تستطيعون أن تعيشوا فى أمان لو تركتما لى الثورالأحمرأخلص معه فلو قضى علي فهنيئا لكم الحقل بأكمله دون أن يصيبكما من أذى المناذله والحرب شئ، وإن أكلته فقد سلمتما أنتما بدلا من أن يصيبكم جميعاالأذى. فقبل المعتوهان ذلك وأكل الثورالأحمر.

ولم يدرك الثوران الأبيض وأسود أن الذئب سوف يعود لماضيه حين تفرغ خزائنه من اللحم ويعاوده الجوع وقد إذداد قوة وخصمه أصبح أقل وأضعف، وبالفعل شعرالذئب بالجوع و نزل إلى الحقل وتوجه إلى الثورالأبيض سائله الست أمن لعدم مشاركه الثورالأحمر في القتال، وأنت أبيض ونظافتك وجمالك يبرق فى كل الحقول فما بالك بالثورالأسود لقد قررت أن أكله، فهل ترىأن أكله برضاك وإلا كانت حرب بيننا وقد تؤكل أنت، فرضى الثور الأبيض الساذج وأكل الثور الأسود.

هل أدركنا ما فعلنا نحن؟ لقد عاد الذئب وقد إذاد جشعا وقوة ولم يتبقى أمامه غير الثورالأبيض وما أن أدرك الثور الأبيض حتى سمعه يقول، وقد ادرك ولكن بعد فوات الأوان ، سمعه يقول "لقد أكلت يوم اكل الثورالأحمر".

-------------

على الهامش (2): تحيه خاصه للنظام المصري

لا يسعني  في خضم هذه الأ حداث إلا أن أوجه تحيه خاصه للنظام المصري الذي أثبت بلا شك أنه أقوى من أي شيئ، أقوى من دماء أطفالنا، أقوى من أعراض أمهاتنا، فلقد تحول من خادم فى قصورالعدوان وساعى لإرضاء الطاغى الأكبر فى البيت الأبيض إلى سباح فى بحرالصهيونية حتى أن وقاحته سمحت له أن يوقع معها إتفاقيه لإنقاذ الإقتصاد الصهيوني حتى أن الكاتب الصهيوني ذيفي باريل كتب مقال في جريده هأرتز بعنوان "العرب قادمون"، وهو لا يتحدث فيه عن أن العرب قادمون لإنقاذ أطفال فلسطين بل أنهم قادمون لإنقاذ مايفترض أنه عدوهم، فحقا "أللي أختشوه ماتو".