نبيل العربي
ترددت كثيرا فى كتابة هذه السطور لأنه لم يسبق لى أن كتبت فى أمور تدخل فى إطار الشئون الداخلية، فقد شرفت بتمثيل مصر فى الخارج لأكثر من أربعة عقود، وجل اهتمامى كان دائما الشئون الدولية. ولكن التطاول الذى نال الدكتور محمد البرادعى قبل أن تطأ قدميه أرض الوطن دفعنى إلى الخروج عن هذه القاعدة. وكلى أمل أن يقابل وصول محمد البرادعى إلى مصرنا العزيزة بالترحاب والتقدير.
فالتصريحات التى أدلى بها حول رؤيته لمستقبل مصر كانت مثار ضجة كبرى فى بداية شهر ديسمبر الماضى، وسببا فى حملة غير مفهومة وغير مسبوقة فى التهجم على شخص فى قامة ومكانة وقيمة محمد البرادعى، حاز تقدير وإعجاب واحترام جميع من عرفوه وعملوا معه.
عندما وجهت إليه أسئلة حول مستقبل مصر، قدم تصوره لما يأمل أن يراه فى مصر، وهى أفكار وآمال تدور فى ذهن كل مصرى يحب بلده ويأمل أن يرى مصر دولة عصرية متقدمة بأسلوب علمى مستنير. لا أدعى أننى اطلعت على كل تصريحات محمد البرادعى لأنه قد يكون قد أدلى بتصريحات فى الخارج لم تسنح لى الفرصة للاطلاع عليها ــ ولكن ما قرأته فى تصريحاته حول مستقبل مصر يتفق تماما مع آمال كل مصرى وأجد أننى شخصيا أشارك فى الرغبة أن تتوافر الظـروف لتحقيق الآمال التى عبر عنها.
وليسمح لى القارئ أن أعود إلى الوراء لأكثر من أربعين عاما لأتناول بنوع من التحليل شخصية محمد البرادعى كما عرفته شابا فى مقتبل عمره لم يتجاوز الخامسة والعشرين، وسوف أتوقف عند ثلاث محطات رئيسية فى حياته المهنية تمثل عمله فى الخارجية، ثم التخصص فى القانون الدولى، ثم وكالة الطاقة الذرية لدى الأمم المتحدة.
المحطة الأولى: كان محمد البرادعى أصغر أعضاء البعثة المصرى سنا عندما بدأ عمله فى نيويورك عام 1967، وكان دائما جادا ولديه نوع من وضوح الرؤية حول ما يسعى إلى تحقيقه، وكلف بمتابعة أعمال اللجنة الخامسة المعنية بالشئون المالية والإدارية على أساس أن مندوب مصر فى اللجنة هو الوزير المفوض محمد رياض ــ وزير الدولة للشئون الخارجية فيما بعد ــ سيتولى تمثلى مصر فى اللجنة. ولكن نظرا لأن محمد رياض كان فى نفس الوقت يشغل منصب مدير مكتب وزير الخارجية، انتهى الأمر بأن محمد البرادعى كان من الناحية العلمية ــ بالرغم من صغر سنه ــ الممثل الحقيقى لمصر فى هذه اللجنة المهمة. وشهد له الجميع بالكفاءة والتفانى فى العمل.
بعد ذلك بسنوات عندما عمل فى مكتب وزير الخارجية إسماعيل فهمى كان بلا جدال أقرب مساعديه، ومحل ثقته التامة، وكان إسماعيل فهمى يعهد إليه بأكثر الموضوعات الحساسة.
المحطة الثانية: أثناء عمله فى البعثة الدائمة فى نيويورك قرر محمد البرادعى أن يطلب مزيدا من التخصص فى القانون الدولى. والتحق ــ بناء على اقتراح منى بكلية الحقوق فى جامعة نيويورك وحصل على الماجستير، ثم أخذ الدكتوراه، وكان موضوع رسالة الدكتوراه عن المضايق فى قنون البحار. وحيث إنه كان يدرس مع نفس الأساتذة الذين درست معهم، فكنت أسمع منهم دائما مديحا وإعجابا بتفوقه وسعة اطلاعه. وعندما تولى أحد هؤلاء الأساتذة، وهو أستاذ قانون دولى شهير اسمه توم فرانك، منصب مدير البحوث فى معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث طلب محمد البرادعى للعمل معه فى المعهد. وشارك معه فى تأليف عدة مقالات مهمة.
المحطة الثالثة: التحق محمد البرادعى بوكالة الطاقة الذرية عام 1984 كمدير لمكتبها لدى الأمم المتحدة فى نيويورك، ولكن سرعان ما اكتشف مدير عام المنطمة هانس بليكس قدراته وكفاءته، فتم تعيينه مديرا للشئون القانونية. وفى هذا المنصب أشرف على إبرام عدة اتفاقيات مهمة تتعلق بالرقابة على الأسلحة النووية. ولمع اسمه كمسئول دولى على أعلى مستوى، مما دفع الدول الأفريقية إلى ترشيحه مديرا عاما للوكالة وأعيد انتخابه مرتين. أثبت محمد البرادعى خلال توليه هذا المنصب السياسى الدولى الحساس أنه يملك القدرة والشجاعة على الدفاع عن معتقداته ومبادئه وأنه صلب قبل المواجهة ولا يرضخ للضغوط. ولازال المجتمع الدولى بأسره يتذكر مواقفه الشجاعة عندما رفض التمشى مع موقف الولايات المتحدة عندما قررت الهجوم على العراق. وفى عالمنا المعاصر لا توجد دولة تستطيع الوقوف أمام الضغوط التى تباشرها الحكومة الأمريكية، ومع ذلك فإن محمد البرادعى بشخصه، وبوصفه مديرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية تصدى للرغبات الأمريكية، مما استحق عليه أن يحصل بجدارة هو ــ والوكالة ــ على جائزة نوبل للسلام عام 2005.
أسوق ــ بإيجاز ــ ما أعتقد أنه يمثل الخطوط العريضة التى تعطى صورة أمينة عن إنجازات محمد البرادعى. وكم خز فى نفسى أن أطالع ما نشرته بعض الأقلام من معلومات منقوصة ومغلوطة للنيل من قيمة مواطن مصرى كان دائما يمثل أنبل وأرقى القيم المصرية الأصيلة.
ولا أزعم أنى أعرف ما يدور فى ذهن محمد البرادعى الآن بعد الحملة الشرسة التى تعرض لها. ولكن إذا حكمنا برد الفعل الذى يتمثل فى تأييد شعبى متزايد للأفكار التى طرحها، فيمكن القول إن محمد البرادعى قد نجح فى بث آمال عريضة حركت مياها كانت راكدة منذ نصف قرن.
فالتصريحات التى أدلى بها حول رؤيته لمستقبل مصر كانت مثار ضجة كبرى فى بداية شهر ديسمبر الماضى، وسببا فى حملة غير مفهومة وغير مسبوقة فى التهجم على شخص فى قامة ومكانة وقيمة محمد البرادعى، حاز تقدير وإعجاب واحترام جميع من عرفوه وعملوا معه.
عندما وجهت إليه أسئلة حول مستقبل مصر، قدم تصوره لما يأمل أن يراه فى مصر، وهى أفكار وآمال تدور فى ذهن كل مصرى يحب بلده ويأمل أن يرى مصر دولة عصرية متقدمة بأسلوب علمى مستنير. لا أدعى أننى اطلعت على كل تصريحات محمد البرادعى لأنه قد يكون قد أدلى بتصريحات فى الخارج لم تسنح لى الفرصة للاطلاع عليها ــ ولكن ما قرأته فى تصريحاته حول مستقبل مصر يتفق تماما مع آمال كل مصرى وأجد أننى شخصيا أشارك فى الرغبة أن تتوافر الظـروف لتحقيق الآمال التى عبر عنها.
وليسمح لى القارئ أن أعود إلى الوراء لأكثر من أربعين عاما لأتناول بنوع من التحليل شخصية محمد البرادعى كما عرفته شابا فى مقتبل عمره لم يتجاوز الخامسة والعشرين، وسوف أتوقف عند ثلاث محطات رئيسية فى حياته المهنية تمثل عمله فى الخارجية، ثم التخصص فى القانون الدولى، ثم وكالة الطاقة الذرية لدى الأمم المتحدة.
المحطة الأولى: كان محمد البرادعى أصغر أعضاء البعثة المصرى سنا عندما بدأ عمله فى نيويورك عام 1967، وكان دائما جادا ولديه نوع من وضوح الرؤية حول ما يسعى إلى تحقيقه، وكلف بمتابعة أعمال اللجنة الخامسة المعنية بالشئون المالية والإدارية على أساس أن مندوب مصر فى اللجنة هو الوزير المفوض محمد رياض ــ وزير الدولة للشئون الخارجية فيما بعد ــ سيتولى تمثلى مصر فى اللجنة. ولكن نظرا لأن محمد رياض كان فى نفس الوقت يشغل منصب مدير مكتب وزير الخارجية، انتهى الأمر بأن محمد البرادعى كان من الناحية العلمية ــ بالرغم من صغر سنه ــ الممثل الحقيقى لمصر فى هذه اللجنة المهمة. وشهد له الجميع بالكفاءة والتفانى فى العمل.
بعد ذلك بسنوات عندما عمل فى مكتب وزير الخارجية إسماعيل فهمى كان بلا جدال أقرب مساعديه، ومحل ثقته التامة، وكان إسماعيل فهمى يعهد إليه بأكثر الموضوعات الحساسة.
المحطة الثانية: أثناء عمله فى البعثة الدائمة فى نيويورك قرر محمد البرادعى أن يطلب مزيدا من التخصص فى القانون الدولى. والتحق ــ بناء على اقتراح منى بكلية الحقوق فى جامعة نيويورك وحصل على الماجستير، ثم أخذ الدكتوراه، وكان موضوع رسالة الدكتوراه عن المضايق فى قنون البحار. وحيث إنه كان يدرس مع نفس الأساتذة الذين درست معهم، فكنت أسمع منهم دائما مديحا وإعجابا بتفوقه وسعة اطلاعه. وعندما تولى أحد هؤلاء الأساتذة، وهو أستاذ قانون دولى شهير اسمه توم فرانك، منصب مدير البحوث فى معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث طلب محمد البرادعى للعمل معه فى المعهد. وشارك معه فى تأليف عدة مقالات مهمة.
المحطة الثالثة: التحق محمد البرادعى بوكالة الطاقة الذرية عام 1984 كمدير لمكتبها لدى الأمم المتحدة فى نيويورك، ولكن سرعان ما اكتشف مدير عام المنطمة هانس بليكس قدراته وكفاءته، فتم تعيينه مديرا للشئون القانونية. وفى هذا المنصب أشرف على إبرام عدة اتفاقيات مهمة تتعلق بالرقابة على الأسلحة النووية. ولمع اسمه كمسئول دولى على أعلى مستوى، مما دفع الدول الأفريقية إلى ترشيحه مديرا عاما للوكالة وأعيد انتخابه مرتين. أثبت محمد البرادعى خلال توليه هذا المنصب السياسى الدولى الحساس أنه يملك القدرة والشجاعة على الدفاع عن معتقداته ومبادئه وأنه صلب قبل المواجهة ولا يرضخ للضغوط. ولازال المجتمع الدولى بأسره يتذكر مواقفه الشجاعة عندما رفض التمشى مع موقف الولايات المتحدة عندما قررت الهجوم على العراق. وفى عالمنا المعاصر لا توجد دولة تستطيع الوقوف أمام الضغوط التى تباشرها الحكومة الأمريكية، ومع ذلك فإن محمد البرادعى بشخصه، وبوصفه مديرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية تصدى للرغبات الأمريكية، مما استحق عليه أن يحصل بجدارة هو ــ والوكالة ــ على جائزة نوبل للسلام عام 2005.
أسوق ــ بإيجاز ــ ما أعتقد أنه يمثل الخطوط العريضة التى تعطى صورة أمينة عن إنجازات محمد البرادعى. وكم خز فى نفسى أن أطالع ما نشرته بعض الأقلام من معلومات منقوصة ومغلوطة للنيل من قيمة مواطن مصرى كان دائما يمثل أنبل وأرقى القيم المصرية الأصيلة.
ولا أزعم أنى أعرف ما يدور فى ذهن محمد البرادعى الآن بعد الحملة الشرسة التى تعرض لها. ولكن إذا حكمنا برد الفعل الذى يتمثل فى تأييد شعبى متزايد للأفكار التى طرحها، فيمكن القول إن محمد البرادعى قد نجح فى بث آمال عريضة حركت مياها كانت راكدة منذ نصف قرن.
No comments:
Post a Comment