Tuesday, March 13, 2012

على طريقة الشيخ حسنى ، امريكا تفضح الجميع


محمد سيف الدولة


أتوقف كثيرا أمام مشهد شهير فى فيلم الكيت كات بطولة محمود عبد العزيز الذي قام فيه بدور الشيخ حسنى ((الضرير)) الذى لا يعترف أبدا بعاهته ، فيتصرف فى حياته كأى شخص طبيعي مبصر، وهو ما سبب له ولكل المحيطين به مشاكل كثيرة .

والمشهد الذي اعنيه هو المشهد الأخير في الفيلم الذي كان الشيخ حسنى يمارس فيه هوايته المفضلة في النميمة فى جلسة حظ خاصة مع أصدقائه بعد انتهاء مراسم عزاء . فأخذ يحكى لهم الكثير عن أسرار اهالى المنطقة و فضائحهم بما فيها فضائحه هو شخصيا ، دون أن يهتم أو ينتبه ((بسبب عماه)) الى أن كلامه مذاع على الهواء لكل أهل المنطقة عبر ميكروفون العزاء الذي نسى الصبي المسئول إغلاقه بعد انتهاء المراسم .

***

أتذكَّر هذا المشهد دائما كلما خرج علينا احد الأمريكان فى الإدارة او الكونجرس الامريكى بتصريح يكشف سرا من أسرار علاقاتهم و اتصالاتهم بأحد الأطراف السياسية فى مصر .

ويأتي على رأسها بالطبع وثائق ويكيليكس التى لا أستبعد أبدا ان يكون قد تم تسريبها عمدا .

هذا بالإضافة الى تقارير الإدارة الأمريكية العلانية عن الخدمات الإستراتيجية التى تقدمها مصر لأمريكا .

ومنها ما قالته فيكتوريا نولاند فى تصريح رسمى للخارجية الامريكية من اندهاشها من موقف المجلس العسكرى من التمويل الاجنبى رغم انهم يرسلون ضباطهم الى امريكا للتدريب فى إطار ((برنامج التعليم والتدريب العسكرى الدولى))

وما صرحت به ايضا يوم 12 يناير الماضى فى مؤتمر صحفى من ان الاخوان تعهدوا بالحفاظ على كامب ديفيد ، وانه هناك اتصالات ومباحثات سرية بينهم حين قالت (( أن محادثات واشنطن مع جميع الأطراف في العالم يجب أن تكون سرية بما فيها الإخوان ، وأن الجماعة بإمكانها إعلان ما تم بينها وبين «بيرنز» إذا أرادت ))

ثم ما قام به جون ماكين فى 2 مارس الجارى من توجيه الشكر الى جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي الحرية والعدالة على دورهم فى حل أزمة المتهمين الامريكيين مستشهدا بالنسخة الانجليزية من بيانهم يوم 20 فبراير ، رغم نفى الجماعة .

***

ان هذا هو اسلوب الأمريكان دائما ، فهم لا يخفون أبدا حقيقة علاقاتهم بالآخرين ، بل يعلنون عنها لتوريط كل من اتفق معهم فى الخفاء ، من أجل تثبيت الاتفاق وإشهاره . فالقضية عندهم ليست قضية مجاملات وبروتكولات وانما هي قضية مصالح ونفوذ لا تقبل الهزل واللوع والمناورة .

وكم من الزعماء والقادة والملوك والرؤساء الذن سقطوا فى المصائد الامريكية بعد ان تصوروا انهم اشطر من الأمريكان ويمكن ان ((يبلفوهم)) بكلمتين ثم يتراجعوا ويرضخوا فيما بعد . حدث ذلك مع السادات ومبارك وياسر عرفات وآخرين .

وهذا ما فعلوه مع المجلس العسكري عينى عينك فى أزمة المعهد الجمهوري الأخيرة ، حين ضغطوا وهددوا الجميع ((على الملأ)) ، ولم يعبئوا بمشاعر المصريين وكرامتهم ولا بردود أفعالهم المحتملة . فوجهوا رسالة واضحة مفادها إننا سنأمركم ونضغط عليكم وسترضخون فى النهاية .

ان درس الشيخ حسنى على الطريقة الأمريكية  مهم لكل من يتصور انه يمكنه الاتفاق مع الأمريكان فى الخفاء ، وينجو بفعلته .


خبر لا يسر المهيجين – فهمي هويدي


12 مارس 2012






هذا خبر لن تنشره صحف الإثارة، ولن يرحب به المتعصبون والمهيجون من المثقفين المصريين:



عاد أبو سليمان كبير القبط في قرية النهضة مع أولاده إلى بيوتهم مساء السبت 10/3، بعدما تمت إزالة آثار التوتر الذي حدث بينهم وبين بعض أهل القرية،

وجرى ترميم البيوت والمحال التجارية التي يملكونها، وانتهت عملية إصلاح ما أصابها من تلفيات.



وبهذه الخطوة تكون الضجة التي ثارت بسبب فرقعة «تهجير» الأقباط من القرية وإنزال العقاب الجماعي بهم قد طويت صفحتها، وانتقلت من فضاء الفتنة إلى مستودع قمامة التاريخ.


الفرقعة -لو تذكرون- حدثت في منتصف شهر فبراير الماضى، حين شاع بين أهل القرية التابعة لحي العامرية بالإسكندرية أن ثمة علاقة غير مشروعة بين شاب قبطي وسيدة مسلمة، وتناقل البعض صورا مخلة لهما أثارت غضب أهل القرية، فخرج نفر منهم قاصدين بيت الرجل للتنديد بفعلته التي استهولها المجتمع الصغير، الذي يعتبر المساس بالعرض والشرف أفدح من ارتكاب جريمة القتل.


في الطريق خرج إليهم كبير القبط في القرية ابسخروت خليل سليمان الشهير بأبو سليمانوبينما هو يتحدث إليهم ظن أحد أبنائه بهم سوءا، فصعد فوق بناية مجاورة وأطلق عدة رصاصات في الهواء.

وهو ما استنفر شقيقا له فخرج من داره وفعل نفس الشيء. الأمر الذي أدى إلى توتير الموقف، فاستدعى أحد المسلمين سلاحه الآلى ليرد على ما اعتبره إهانة وتخويفا لهم، إلا أن بعض أقرانه حاولوا منعه من إطلاق النار.



وفي هذه الأثناء انطلقت من سلاحه رصاصات أصابت ثلاثة من المسلمين المتجمعين. حينذاك انفلت العيار وتغير الاتجاه. إذ بعد أن كان المتظاهرون يستهدفون بيت الرجل صاحب العلاقة غير المشروعة، فإنهم صبوا غضبهم نحو مصدر النيران التي أطلقت. وكانت بيوت أبوسليمان وأولاده وبعض محالهم التجارية ضمن ذلك. إذ تم إحراق والاعتداء على 3 شقق و4 محال تجارية، في حين ظل بيت الجاني الأصلي سالما.


بقية القصة أن شيوخ القرية وشباب الدعوة السلفية والإخوان تدافعوا لتهدئة الموقف وحماية بيوت الأقباط.


وعقد الشيوخ اجتماعا لحل المشكلة تم الاتفاق فيه على إخراج صاحب القصة الأصلية من القرية، كما يقضي العرف السائد في الجنايات التي تقع، كما اتفق على استضافة أبو سليمان وولديه لدى إحدى الأسر المسلمة المقيمة على حدود القرية (على بعد أربعة كيلومترات) إلى أن تهدأ الخواطر وتعود الأوضاع إلى طبيعتها في القرية.


هذه خلاصة لما حدث آنذاك وهو ما سجلته فيما نشرته في هذا المكان يوم 19 فبراير الماضي تحت عنوان «إعلامنا متلبسا بالفتنة».

وكان ما كتبته رصدا لما جرى، استنادا إلى ممثلي المسلمين والأقباط الذين أداروا العملية وتوافقوا على امتصاص الغضب وحل الإشكال بهذه الصورة،

وإلى جانب ذلك فإن العنوان كان بمثابة إدانة لفريق المهيجين والمحرضين الذين صوروا الأمر على غير حقيقته، فتحدثوا على تهجير للأقباط من القرية وعن ترويعهم وحرق بيوتهم وإنزال العقاب الجماعي من جانب المسلمين المتعصبين، خصوصا السلفيين.



وهي المعلومات التي تحولت إلى مادة للصراخ والعويل الذي ترددت أصداؤه في البرامج التليفزيونية الحوارية، وفي أوساط أقباط المهجر، الأمر الذي أعطى انطباعا بأن المسلمين بصدد طرد الستة ملايين قبطي من البلاد، وأن السلفيين والإخوان يتآمرون مع ممثلي أجهزة الأمن في العملية.



وهي الحملة التي لوثت الأجواء وتصيدها بعض المثقفين المتربصين الذين لم يعد يشغلهم بعد الثورة سوى لطم الخدود وشق الجيوب، لأن المصريين صوتوا لصالح الإسلاميين «الأشرار» في الانتخابات.

لأن الأمر كذلك فلست أشك في أن المهيجين والمحرضين لن يسرهم ما حدث مساء يوم السبت الماضي، كما أن الصحف الساعية للإثارة لن تجد في عودة أبو سليمان وأولاده إلى بيوتهم خبرا يستحق الذكر لافتقاده إلى عناصر الإثارة المطلوبة، عملا بالقاعدة الصحفية التي يضرب بها المثل عادة، التي لا تعتبر خبرا في أن يعض الكلب رجلا، أما إذا عض الرجل كلبا فذلك هو الخبر المثير في عرفهم.


لقد تلقيت مساء السبت رسالة على هاتفي المحمول من السيد أحمد الشريف عضو مجلس الشعب عن قرية النهضة بالعامرية تقول إن شيوخ القرية الذين كانوا قد تصدوا لحل الإشكال في بدايته، عادوا بأبي سليمان وأولاده إلى بيوتهم مرة أخرى، واصطحبهم في العودة إلى جانب نائب المنطقة شيخ السلفيين شريف الهواري والقمص بقطر ناشد راعى الكنيسة وبعض شيوخ القبائل.

وأبلغني بأنه يبعث إلىَّ بالرسالة من بيت أبو سليمان الذي اشترك جيرانه في استقباله والترحيب به.

هو خبر سار للوطن لا ريب، ومثير للحزن والاكتئاب للمتعصبين والمهيجين، الذين يحق لنا أن نقول لهم:

موتوا بغيظكم.


توفير 100 ألف توكيل لتمكين المصريين بالخارج من التأييد





أعلن المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا المشرفة على انتخابات رئاسة الجمهورية فى رابع أيام الفترة المحددة للترشح، تقدم أول مرشحين بأوراقهما وهما أحمد محمد عوض، وأبو العز الحريرى، وقد أشار إلى المستشار حاتم بيجاتو الأمين العام بفحص الأوراق والعرض على اللجنة.

وعلى ذات منوال الأيام الثلاث السابقة؛ تقدم عدد غفير من المواطنين للاستفسار والاستعلام عن الإجراءات وطلب مستندات الترشح، وصل عددهم إلى 87 مواطنًا، ليصل العدد الإجمالى منذ أول أيام فتح باب الترشح وحتى اليوم الرابع إلى 471 مواطنًا.

وعلى صعيد آخر تم الاتفاق مع وزارة الخارجية على توفير مائة ألف نموذج تأييد، ترسل إلى بعثاتنا الدبلوماسية بالخارج، تمكيناً للمصريين المقيمين فى الخارج من ممارسة دورهم فى تأييد من يرغبون فى ترشحهم لرئاسة الجمهورية، وجارٍ الانتهاء من طباعة النماذج، وستصل إلى وزارة الخارجية فى التاسعة صباح الغد ليتم توزيعها على البعثات الدبلوماسية المختلفة، وجدير بالذكر أن التصديق على التوقيعات على هذه النماذج بغير رسوم، وستسلم النماذج للمؤيدين لإرسالها إلى راغبى الترشح بطريقتهم.

وفى الإطار ذاته تم التنسيق مع لجنة تحديث قاعدة بيانات الناخبين على إدراج الجيل الثانى من المصريين المولودين فى الخارج، ممن استخرجوا بطاقة رقم قومى خالية من عنوان داخل مصر، فى قاعدة بيانات الناخبين؛ ليتاح لهم للمرة الأولى فى تاريخ الانتخابات المصرية أن يقترعوا لاختيار الرئيس، توثيقًا لارتباطهم بالوطن الأم.

وفى سياق آخر تسلمت الأمانة العامة للجنة الانتخابات الرئاسية أول الإسطوانات المدمجة المسجل عليها معلومات المؤيدين، ويتم الآن فحصها، وتفريغ محتوياتها، وإدراجها على قاعدة بيانات تأييدات المرشحين بلجنة الانتخابات الرئاسية.

وسنوافيكم لاحقًا بنتائج الفحص والتفريغ..


Sunday, March 11, 2012

جندي كشف العذرية: تعرضت لضغوط هائلة.. والاتهام بلا دليل



كتب - محمد سليمان:

قال الجندي الدكتور أحمد عادل، المجند المتهم فى قضيى كشف العذرية، أنه تعرض لضغط إعلامي ونفسي هائل، جراء هذه القضية، معلنا أنه تعرض للاتهام بدون دليل.

وانتقد المجند، فى ظهوره الأول على فضائية ''اون تي في'' ببرنامج ''بلدنا بالمصري'' مع الاعلامية ''ريم ماجد''، وسائل الاعلام، معتبر أنها لم تقرأ ملف القضية ولا أقوال الشهود، قائلا '' لقد تعرضت لأشياء لم أكن أتخيل أن أقابلها بسبب هذه القضية''.

هويدا مصطفي محامي الدفاع : القضيه أحيلت للقضاء تحت ضغط إعلامي , ولو عُرضت القضيه علي المحاكم الدوليه والمحاكم كلها لم تكن ستنزل للمحكمه وكانت ستحفظ , وسبب أحالتها هو فقط الضغط الإعلامي

وأعتبرت هويدا مصطفي محامي الدفاع، أن القضية أحيلت للقضاء تحت الضغط الاعلامي، مبدية اعتقادها بأن القضية لو عرضت على المحاكم الدولية فلن يتم نظرها من الأساس وكانت ستحفظ.

وأوضحت المحامية، أن سميرة ابراهيم عندما كانت تتعرض للمحاكمة لم تتحدث عن تعرضها للايذاء نهائياَ، لتقول بعدها انه تم التعدي عليها، مشدد على أن ''سميرة'' قالت أنها ''ليست من المتظاهرين وانها قادمة للقاهرة للعمل''

وأوضحت مني سيف عضو مجموعة لا للمحاكمات العسكرية للمدنين، فى مداخلة هاتفية، أن عضوين من المجلس العسكري، اعترفوا بأن كشوف العذرية تمت بالفعل، وبرروا ذلك بضرورة معرفة اذا كان المحتجزات عذاري أم لا حتي لا يتم اتهام الجنود بارتكاب أي مخالفات .

وقالت سميرة إبراهيم، فى مداخلة هاتفية، يكفيني حكم مجلس الدولة الذي يمنع حدوث هذه الجريمة لأي فتاة مثلما حدث لي، وقالت سميرة، '' تم إجراء كشف عذرية علي في الكشف الاول، وفي السجن الحربي لم أقل هذه لأنني كنت أنزف من كل جسدي ولم يكن هناك وقت لأتكلم، وكانوا يعذبونا، وقد تمت ''كهربتي'' أمام وكيل النيابة الذي يحقق معي، وحينما أردت أن أتكلم أمام القاضي وقتها شدني الضابط من أمامه''.

وأضافت سميره ابراهيم، ''قلت يوم التحقيق الأول في شهر مارس أنني لم أكن أتظاهر حتي ألا أخذ حكم وأطلع براءه وبالرغم من هذه أخذت حكم''، منهية مداخلتها بسؤال إلى محامية المتهم يتعلق بعمل زوجها، لتقوم ريم ماجد بإنهاء المداخلة وتعتذر للمحامية عن السؤال الشخصي.

فى حين قال أحمد عادل المتهم فى القضية، ''لم تعامل سميرة خلاف أي شخص تم الكشف عليه لمعرفة حالته الصحية''، وتابع: ''لقد كدت أن افقد رخصتي لممارسة الطب بعد أن جاء وفد من نقابة الأطباء لهذا الغرض، ولكنهم عندما قرأوا ملف القضية قرروا الوقوف بجانبي''.

وقال أحمد حسام محامي سميره أبراهيم: اتفق ان ملف سميره أبراهيم هو وملف ماسبيرو كان من المفترض ان يُحفظ، ولم يكن هناك بالملف أي شهود ولا أدلة ثبوت، مشيرا إلى أن المحكمة لم تسجب لكامل طلبات الدفاع وإنما استجابت إلى جزء منها.

Thursday, March 1, 2012

تحرير التحرير – فهمي هويدي

1 مارس 2012
تحرير التحرير – فهمي هويدي
 المعلومة التي تلقاها الجهاز الأمني تحدثت عن وجود سلاح في إحدى خيام ميدان التحرير.

في اليوم التالي دخل إلى الخيمة اثنان من «الأطباء»، وبعد أن عرَّفا نفسيهما تحدثا مع الجالسين وفحصا بأعينهما المكان جيدا، لم يلاحظا وجودا لأي سلاح، لكن أحدهما وقعت عيناه على لفافة «بانجو» في ركن جانبي.

وتبادل النظرات مع واحد من الجالسين غمز بإحدى عينيه ورسم ابتسامة عريضة على وجهه. وبعد خروجهما أبلغا الجهاز الأمني بأن المعلومة غير صحيحة.

ويوم السبت الماضي نشرت جريدة الأهرام أن اشتباكا وقع بين مجموعة من البلطجية الذين اتخذوا من الميدان سكنا لهم وبين عدد من أصحاب المحال التجارية الذين انقطع رزقهم طوال العام الماضي.
وهو خبر تكرر أكثر من مرة في الآونة الأخيرة.

وكنت قد قمت بجولة في الميدان بمناسبة مرور عام على الثورة فهالني ما رأيت.
فقلت لمن كان معي إن هذه أنفس نهاية لأنبل مكان في الذاكرة المصرية المعاصرة.

لم أصدق عينيّ حين شاهدت الفوضى والقذارة وازدحام الباعة الجائلين. ولم تحتمل أذناي أصوات مكبرات الصوت التي تبث الأغاني الهابطة.

وأحزنني أنني لمحت طفلين نائمين بجوار أحد الجدران، وقد انكمشا والتصق جسدهما في محاولة للاحتماء من البرد.
وقفت مذهولا أمام أحد الباعة وقد انتحى جانبا وأقام «نصبة» لبيع الشاي وسط نصف دائرة من الكراسي المصنوعة من البلاستيك، وحول الركن إلى مقهى.
وحين لمحنا الرجل دعانا إلى الجلوس، وحاول إغراءنا قائلا إن لديه «نارجيلة» للزبائن «المحترمين».
ثم أضاف مازحا وغامزا أنه يضمن لنا أن نقضي وقتا ونحن في أعلى درجات «الانبساط». وحينذاك همس صاحبي في أذني قائلا إن الرجل يتاجر أيضا في المخدرات!

ما استغربت له أيضا أن ذلك كله يحدث في الميدان الذي جرى تشويه جدران المباني المطلة عليه، في حين لم أر أثرا للدولة فيه، لا شرطة ولا عمال للبلدية، حتى بدا لي أن الميدان لم يعد جزءا من جمهورية مصر العربية، وأن أيام مجده التي عشناها أصبحت جزءا من تاريخ غابر لزمن ولَّى وأُمَّة خَلَت.

قيل لي إن بعض أهالي ضحايا الثورة لا يزالون معتصمين بالميدان، لكنني لم أستطع أن أستدل عليهم، أغلب الظن لأن مظاهر الفوضى العارمة استأثرت بالانتباه.

غادرت المكان مغتما وسيل من الأسئلة الحائرة يرن في أذني.
لماذا أهين الميدان وابتذل إلى هذه الدرجة؟
وهل تركه بهذه الصورة البشعة وغياب الشرطة والبلدية عنه مجرد إهمال أم أنه مقصود لتنفير الناس واستفزازهم؟
وهل للثورة المضادة يد في الإبقاء عليه بحالته تلك؟

وأين الثوار «وائتلافاتهم» ولماذا لا يحاولون الدفاع عن كرامة الميدان وصورته المشرقة التي أضاءت وجدان الشعب المصري. بل الشعوب العربية كلها؟
وأين من هذا المنظر غيرة المحبين لهذا البلد والمدافعين عن قيمه الإيجابية ورموزه النبيلة؟

قبل أسابيع قررت الحكومة اليونانية تحت وطأة الضغوط الاقتصادية التي أوصلتها إلى شفا الإفلاس، أن تسمح باستخدام الآثار القديمة في النشاط الخاص، أملا في أن يوفر ذلك للدولة موارد تمكنها من التخفيف من وطأة الأزمة الخانقة، إلا أن المثقفين شنوا حملة ضد قرار الحكومة، واتهموها بالتفريط في شرف بلادهم و«مقدساتها» التاريخية. واعتبروا تلك الآثار من «الثوابت» الوطنية التي لا ينبغي المساس بها أو ابتذالها تحت أي ظرف. كأنما رفعوا شعار تجوع الحرة ولا تهين تاريخها الذي هو جزء من عِرْضها.

تمثلت هذه الخلفية وقلت:
ألم يعد ميدان التحرير بعد الثورة رمزاً لحيوية الشعب المصري وعزته؟
وألم يعد علامة فارقة في تاريخ هذا البلد. يستحق أن نجلَّه ونحوله إلى أيقونة محاطة بمشاعر التقدير والاحترام، بدلا من أن يصبح رمزا للعبث والفوضى والقذارة؟

لا أستطيع أن أحسن الظن بترك الميدان وغياب الدولة عنه. وأزعم أن سكوت أجهزة السلطة أيا كانت دوافعها في ذلك، لا ينبغي أن يقابل بسكوت مماثل من جانب الثوار وكل القوى الوطنية في مصر.
على الأقل فمطلوب من الآخرين أن يقوموا بفرز المنتسبين للثورة أو ضحايا حوادثها، عن البلطجية والعاطلين وتجار المخدرات.

إننا نريد أن نحتفظ برمزية الميدان اعتزازا بثورة المصريين واحتراما للذاكرة الوطنية، ولا نتمنى أن يصبح مصير ميدان التحرير مماثلا لما انتهت إليه قناة التحرير