نعم فلسطين قضيتى
بقلم: محمد شريف كامل*
26 أغسطس 2020
إن فلسطين حقا قضيتى منذ طفولتى، وليست كأى
قضية أدافع عنها وأحارب من أجلها، فهى تتفوق على كل القضايا لأنها قضية شعب أُكره
على الخروج من بيته وأُكره على النزوح من أرضه ومورس فى
حقه كل أشكال القهر والترويع والقتل والتعذيب الذى عرفهم الإنسان منذ الخليقه، وبعد
كل ذلك عاش أكبر قضية تزييف للحقائق وتزوير للتاريخ ومسخ لذاكرة البشرية، فأصبح
المُغتَصب هو صاحب الأرض وأصبح على صاحب الحق أن يقبل الفُتات من أرضه وحقه وإلا أُعتبر
متعنتا، وإذا دافع عن حقه فهو إرهابى.
فلسطين حقا قضيتى، لأنها قضية حق يتنازل عنها كل يوم أحد المتربعين على عروش الدويلات العربيه
بداية من خيانه أبن طلال ومرورا بأل سعود والسادات...، وأنا هنا لا أتحدث فقط عما
يسمى التطبيع ولكنى أتحدث عن التنازل عن الحق العربى والحق الفلسطيني، ذلك التنازل
الذى سبق تطبيع السفارات وتوقيع وثائق الإستسلام.
فالتعامل مع المُغتصب يتم منذ زمن بعيد، فأل سعود حافظوا على العرش
بتحالفهم مع الصهيونيه ولا يخفى على أحد أنهم كاونوا شركاء معا فى ضرب ثورة اليمن عام
1962 وإشعال نار الحرب وإستنزاف الجيش المصرى، ثم الإلحاح على الجيش الصهيونى
لإشعال الحرب عام 1967 للقضاء على ما بقى من الثورة المصريه.
وأستمروا على ذات المسار وتحالفوا مع الإمارات والصهيونيه العالميه لإخماد
الربيع العربى بل وتدمير الأمة بتمويل الإحتلال الروسى لسوريا وليبيا، وتدمير
اليمن والإنقلاب على الشرعيه فى مصر، لم يأتى كل ذلك من فراغ، بل بنى على مخطط سابق
وقديم يهدف أن تبقى الغَلبه للصهيونيه ويبقى خدامها على عروش الدويلات العربية.
وإن كانت تلك الخيانات أثرت سلبا على المسار العربى وعلى النهضه العربية
فإن التطبيع الرسمى، وإن رفضه كل مخلصى الشعب العربى، أحدث شرخا كبيرا فى الوجدان
العربى لأنه ساهم فى عملية تزييف للحقائق
وتزوير للتاريخ ومسخ ذاكرة البشرية فى عملية ممنهجة ومستمرة حتى يومنا هذا.
قديما حزنت، وحزن كل العرب لقبول مصر مبادرة روجرز، ولم تكن إلا إتفاقية هدنه
عسكرية مرحلية ولم تكن وثيقة إستسلام، لكنها كانت طريق مؤلم لمواصلة الإستعداد لإسترجاع
الأرض ولتحقيق عبور 1973 الذى حقق الكثير، وأهم إنجازاته هوإستعادة ثقة المقاتل
العربى فى قدراته. إلا أن السادات نجح فى إمتهان الدماء العربية وتقديمهاعلى مذبح كامب
دايفيد التى فتحت الطريق للإنهيار العربى والذى رأيناه على كل المستويات والذى
تحقق بمخطط صيونى وجهه أل سعود عن طريق المخابرات السعودية والمغاربيه وبلا علم من
المخابرات المصريه.
لقد حققت كامب دافيد الكثير للحركة الصهيونيه، أشياء قد لا يتاح المجال هنا
لرصدها بالكامل ولكن نتوقف عند أهم إنجازاتها، فقد نجحت كامب دافيد فى تفتيت
وحدة الموقف العربى التى خرجت من مؤتمر الخرطوم والذى عقد فى أغسطس/سبتمبر 1967
عقب الهزيمة بأقل من ثلاثة شهور ليعلن الاءات الثلاث انه "لا صلح ولا أعتراف
ولا تفاوض"، وأضاف الشعب لهم "لا" رابعة "لا تفريط"، ففى
الوقت الذى كانت الحركة الصهيونيه تنتظر استسلام المهزوم جاء الرد المعاكس تماما، إصرار
عربيا شعبيا على إسقاط الهزيمة المرحلية وتحويلها الى طريق لتحقيق النصر، نصر فرضه
الرفض الشعبى على مائدة الامراء، ثم جاءت كامب دافيد ثمرة لزيارة السادات للقدس
التى حولت نصر 1973 الى هزيمة يريدونها أبدية.
لقد كانت هذه الزيارة بمثابة اعتراف ورغبه فى التنازل عن كل شيئ، وتأكيد لسياسة
السادات النابعة من رغبة قوية فى الإستسلام والتى ظهرت أكثر فى تسليمه الكامل للولايات
المتحدة حين أعلن أنها الوحيدة القادرة على حسم الصراع بمقولته الخرقاء أن "99% من اوراق اللعبه بيد أمريكا"
وكان هذا إعلان الإستسلام الذى أعلن به أننا كعرب لا نملك أى ورقة فى أيدينا، وأن
علينا أن نقبل بما يقدم لنا، فجاء راكعا.
وأسقطت مبادرة السادات الحق فى الدفاع عن النفس بإعلانها أن حرب
73 هى أخر الحروب حتى قبل أن يتفاوض على أى شيء، فجاء ساجدا. وأكمل إنبطاحه
هو وال سعود بإعلانهم عن عدم العودة لإستخدام سلاح البترول، ثم جاءت معاهدته
لتقر الصلح دون تحقيق أى شيء ،
كما أقرت تلك المعاهده مبدأ تفتيت الموقف العربى وهو ما كان شرط أساسى للحركة
الصهيونيه بهدف الإستفراد بكل دوله على حدى.
وأقدم السادات على ما
هو أسوأ من ذلك فقد قام بتشجيع كل الدول الأفريقيه
على التطبيع مع الصهيونيه بعد أن كان إعتراف أى دولة أفريقية باسرائيل يعتبر جريمة
مشينه، كما قام بالموافقه على اسقاط قرار الامم المتحدة باعتبار الصهيونيه
حركة عنصريه وهى لا شك كذلك.
إن الهدف من هذا السرد هو إنعاش الذاكرة بما حققته جريمة كامب دافيد التى
فتحت الباب لتعاون كبير بين دول عربيه عديده والحركة الصهيونيه، تعاون غير معلن
يتلوه تعاون رسمى معلن، وفتح الباب لأن تفرض الًولايات المتحدة والحركة الصهيونيه
شرطها بانه لا يبقى رئيس ولا ملك عربى فى الحكم إلا إذا تعاون مع الحركة
الصهيونيه، ولا ننسى كيف تم تدمير العراق، والوقوف ضد الربيع العربى والإنقلاب على
الديمقراطية فى مصر.
إنه من الطبيعى أن تتنافس الأفكار والأيدولوجيات للوصول للحكم لما يعتقد
أنه فى صالح المجتمع ومصلحة الشعب والوطن، ولكن بإسقاط الورقة من أيد الشعب وتسليمها
لإرادة الولايات المتحدة المشروطة بإعتناق الفكر الصهيونى المضاد للمصالح الوطنيه يصبح الهدف
من الحكم هو المصلحة الشخصية أومنفعة خاصة للفرد أو لمجموعة ما، وهو فى كل الأحوال
خيانة لحاضر ومستقبل الأمة.
إن الصهيونيه فكرة عنصرية مدمرة تستخدم من الدين قناع لتنفيذ أهدافها
فى السيطرة والتفوق، خطة وُضعت فى مؤتمر
بازل عام 1897 مبنية على أساس أن الله أختار "اليهود" وأن الله منح لهم
"فلسطين"، فبُنيت على عقيدة دينيه لتجذب غالبية اليهود، وتجذب بعض المذاهب
المسيحيه ليؤكدوا أن عودة المسيح لن تكون إلا بعد أن يقيم اليهود دولتهم فى فلسطين
فكانت حركة المسيحية الصهيونية.
ثم جاء دور بعض المسلمين الذين قاموا بتأويل القرآن ليتفق مع الفكر الصهيونى،
فهم بذلك ينسبون خيانتهم لعمل مبنى على أسس دينيه، وجميعهم جمعتهم الإنتهازيه
فأستخدموا الدين كمدخل ومبرر، كما إستخدم السادات كذبا أيات القرأن "وَإِن
جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا..." وكأنه سلم وليس إستسلام، ثم يسموا
إتفاق الإمارات "إتفاق ابراهيم" وابراهيم منه بريئا لأن ابرهيم عليه
السلام لا يقبل أن تباع حقوق شعب لإنجاح نتانياهو وترامب فى الإنتخابات.
ورغم كل ذلك فقد رفض الشعب العربى التطبيع، وبقت الصهيونية بكل قوتها
منعزله داخل أسوار قصور الحكام، ويكفى إعتراف الكتاب الصهاينة بأنه "... بعد أكثر
من سبعين سنة ما زالت إسرائيل تعتبر نبته غريبه في المنطقه، لأنها تستغل النزاعات
بين سكان المنطقة لتعزيز مكانتها، مثل كل النظم الإستعماريه، فهى فرع لهم.."
إن موقفى سيظل ثابتا كموقف ملايين العرب ولن يتغير، فالصهيونيه هى فكرة وحركة
عنصريه، وإسرائيل إستعمار إحلالى يمارس هو وكل من يؤيده التطهير العرقى منذ 1897،
ورغم أنف مقررات مؤتمر بازل ووعد بلفور وكامب دافيد وبن زايد وال سعود ستبقى أرض
فلسطين عربية وستبقى هى أرض كل العرب، ستبقى أرض فلسطين أرضى حتى وإن خانها بعض من
العرب، وحتى وإن باعها كل حكامهم.
فإلى الأبد ستظل فلسطين قضيتى.