بقلم: محمد شريف كامل*
@mskamel
7 نوفمبر 2015
لقد عانت شعوب
العالم عصورا طويلة باستسلامها للعبودية، وعرف التاريخ حركات التحرر وروى قصص كفاح
عديديه، بدأها بقصة سبارتاكوس الذي قاد أكبر انتفاضة للعبيد قبل الميلاد في وجه
الرومان، وكان تمرد موسى عليه السلام على فرعون مصر، ثورة انتهت مرحلتها الأولى
بالخروج من مصر. وكان ميلاد المسيح عليه السلام بداية لثورة تحرر أخرى، حيث قامت
دعوة المسيح على عبادة الله والتخلص من عبادة الإنسان التي هي اقصى درجات الرق.
وكانت دعوة محمد علية الصلاة والسلام دعوة تحرر شاملة ضد العبودية التي ما لبس
الاستعمار الغربي ان يعيدها للأذهان بتجارة الرقيق التي عاشتها الولايات المتحدة
حتى الستينات من القرن الماضي، حيث كانت ثورة السود، وجميعنا يعرف قصة مارتن لوثر
كينج.
والمدقق في الأمر
يلاحظ ان العبودية كانت جزء أساسي من بناء الحضارة الغربية في أوروبا ثم الولايات المتحدة،
ومع انطلاق الثورة الصناعية تحولت تلك العبودية من استعباد الفلاح حتى استعباد
العامل، وفي الحالتان لم تتغير العلاقة، علاقة الاستغلال التي لم تختلف عن رق
العصر القديم إلا في الشراء او الاجر البخس مقابل عمل بالإكراه، عبودية من خلال
استغلال حاجة الانسان وامداده بأقل أجر ممكن، اجر لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع
العائد من الجهد المبذول.
أن علاقة ما تقدم
بالديمقراطية علاقة وثيقة في كل هذه العصور من قبل الميلاد وحتى اليوم، فكانت
الديمقراطية القديمة المعروفة عند الاغريق في القرن الخامس قبل الميلاد، وسبقتها
الهند بقرن من الزمان، وعاشت هذه الديمقراطيات الصغيرة (ديمقراطية المحليات وليست
مركزية) حتى قضت عليها الامبراطوريات. وتساوى مفهوم تلك الديمقراطية بالديمقراطيات
الحديثة والتي اتسمت وحتى الستينات في الأميركتين بشكل يمكن ان يطلق علية
الديمقراطية الطبقية العنصرية، حيث خصت الديمقراطية طبقات من المجتمع دون غيرها
وعنصر دون غيره، مثل ديمقراطية النبلاء دون الرعاة (عامة الشعب) وديمقراطية البيض
دون السود.
وما زلنا نعيش هذه الديمقراطية
القاصرة في كثير من انحاء العالم، بل وامتدت لتشمل دول وشعوب، فأصبحت الديمقراطية
وكأنها منحة تُمنح، كما قال العديد من المتسلطين على شعوبهم بأن شعبه غير مستعد
للديمقراطية، ويجب هنا ان نلاحظ مقولة "شعبة" فالديكتاتور المتسلط يعتبر
المواطنين ملك له، فهو يستعبدهم، حتى وان توهموا انهم احرار، واستعباد العصر الحديث
لم يعد شراء الانسان بالشكل المباشر بل استخدمت وسائل عديدة للوصول بالشعوب لحالة
العبودية الكاملة.
منها التأثير على
الإحساس الداخلي للإنسان بتسليط أجهزة الاعلام على عقله الباطن وهو ما يعرف بـ "غسيل
المخ"، وهذا الأسلوب قادر على فرض السيطرة على ثلث المجتمع، وهو القطاع الأبسط
والاضعف. ويأتي من بعد ذلك انصاف المثقفين الذين يمثلون الثلث الثاني من الشعب، ويمكن
السيطرة عليهم عن طريق ما عرف بـ "النخب المثقفة"، حيث تستولى تلك النخب
على عقول التابعين فتوجههم في الطريق الذي يرسمه النظام، بينما يتصور المتلقي انه
حر وانه مستنير وعاقل لذا فهو يسلك ذلك الطريق مثله مثل تلك النخب، وهم ليسوا إلا أصحاب
منفعة مباشرة أو غير مباشرة.
والقسم الثالث الذي
لم يستسلم للإعلام المفسد ولا للنخب المضُللة، فامتلاكه يتم عن طريق زرع الخوف في
قلوبهم، ويتم ذلك بالإرهاب المباشر الذي تمارسه الانظمة القمعية، فيقمع الثلث الرافض
ويرضى الباقين عن ذلك، بل منهم من يؤيد ذلك القمع، قناعة منهم لما قدمه لهم
الاعلام والنخب.
إن تقسيم الشعب لثلاثة
أجزاء مثيل لذلك المنطق الذي بنت علية دولة محاكم التفتيش، حيث امر البابا بقتل
الثلث وتحويل الثلث وطرد الثلث، وهي مماثلة لقصة الثيران الثلاث في كتاب "كليلة
ودمنه" وهي تقرب من المبدئ الاستعماري المعروف "فرق تسد"، وجميعها
تعتمد على التفرقة لتسهيل عملية السيطرة.
لقد مر ذلك كله
بمخيلتي وأنا أتابع الانتخابات العامة بكل من كندا وتركيا وجمهورية الموز، التي عرفت
باسم مصر سابقا. ففي كندا على سبيل المثال، هناك ما يعرف "بالانتخابات"
وقد حكم المحافظون قرابة العشر سنوات وكادوا ان ينطلقوا لأربع سنوات أخر وخرج
الناخبون للأدلاء بأصواتهم عقب صراع شديد ليُنَصبوا الحزب الثالث "الاحرار"،
للحكم وينقلوا الحزب الحاكم "المحافظين" للمعارضة، وتمت العملية الانتخابية
عبر معركة على اصوات الناخبين، معركة بالمفهوم الديمقراطي، مع نسبة مشاركة 68.5%
وهو أقل من المعدل المتوسط لأغلب الدول الغربية، ولكنه المعدل المعتاد في كندا.
وعلى التوازي كانت
الانتخابات التركية، والتي اجريت للمرة الثانية خلال خمسة أشهر، حيث ان الانتخابات
الاولي لم تسفر عن حزب أغلبية يتمكن من تشكيل الحكومة منفردا، ولم يستطع أي منهم
ان يقنع الاخرين بالدخول في تحالف، وفي الانتخابات الثانية حصل الحزب الحاكم على
الثقة للمرة الرابعة على التوالي عقب صراع شديد، وتمت الانتخابات هي الأخرة عبر
معركة بالمفهوم الديمقراطي، بنسبة مشاركة 85.2% وهي نسبه تعد في الإطار المعتاد للانتخابات
التركية.
الفارق بين
الانتخابات الكندية والتركية ينحصر في ان كندا منذ نشأتها في 1867 وهي تحكم بالنظام
البرلماني الذي يتم اختياره بالانتخاب الحر المباشر، اما تركيا فالنظام الانتخابي
الحر الذي مورس منذ 1923 تعرض لهزات متعددة بتدخل الجيش في السياسة بالانقلابات
المتعددة، 5 انقلابات كان اخرها انقلاب 1997، بالإضافة لثلاث محاولات فاشلة أخرى. وذلك
هو ما حفز الشعب التركي على حماية الديمقراطية، وهو من الأسباب الرئيسية في ارتفاع
نسبة المشاركة، رغبة منهم وحرصا على الحفاظ على الحق في انتخاب ممثليهم واستمرار
سيطرة الشعب على مقدراته.
وتأتي بعد ذلك انتخابات
جمهورية الموز (مصر سابقا)، فالانتخابات في مصر لم تتم بالشكل الديمقراطي المتعارف
عليه إلا في الفترة ما بين فبراير 2011 ويوليو 2013، وعاش الشعب المصري حلم أو وهم
الاستحقاقات الخمس (استفتاء خارطة الطريق، انتخاب مجلس الشعب، انتخاب مجلس الشورى،
انتخاب الرئيس، استفتاء الدستور)، فكانت هذه هي المرة الوحيدة التي تشهد فيها مصر انتخابات
حقيقية، والوهم كان في موقف الجيش الذي انتهى بالانقلاب، انقلاب ثبت انه تم مع سبق
الاصرار والترصد ولمصالح أطراف متعددة ليس منها الشعب المصري.
وتلي الانقلاب على
الديمقراطية، تزيف اخر لإرادة الشعب، حيث اعيد كتابة الدستور ليوافق مخطط
الانقلاب، ونَصبت الدولة العميقة السيسي رئيسا ليقود مزاد بيع مصر في سوق النخاسة،
وقد تم ذلك في ظل صراع اعلامي حاول من خلاله ممولي الانقلاب إثبات انهم هم
المسيطرون على الأمور وليس الجيش، وهذا حقا، ثم نعيش تلك الأيام مأساة كبرى تسمي "انتخاب
البرلمان" والتي تتم على عدة مراحل ابتدعها النظام سابقا (احمد عز) للسيطرة
على النتائج، وكانت نسبة حضور المرحلة الأولى وبأعلى تقدير 10%. ولم اتطرق هنا لأن
المرشحين جميعهم من مؤيدي الانقلاب، وان هناك قطاع كبير من الشعب قد غُيب بالقتل
والسجن فكان الاحجام عن المشاركة لسقوط قيمة صندوق الانتخاب بالانقلاب، والمقاطعة التي
فرضت نفسها.
لقد نجحت الانتخابات
في كندا وتركيا لاحترام قيمة الديمقراطية والاحتكام المطلق لصندوق الانتخاب النزيه،
بلا استبعاد ولا تدخل من أي من أجهزة الدولة، واُفشلت في جمهورية الموز لأن الشعب
رضي بالاستعباد والاستسلام لاحد أدوات القهر.
إن الانسان الذي
يرضى بان يُستعبد بلا مقابل، فهو لا يجد قوت يومه ولا يملك قرار غده، لا يستحق ان
يوصف بأنه انسان، فالعبد الذي بيع في سوق النخاسة كان أكرم منه، لأنه صُنف كعبد
ولم يتوهم يوما انه حر وصارع العبودية حتى تحرر. إن اول خطوات التحرر من العبودية
هو الاعتراف بالخلل والاقرار بأن الأدمية والمواطنة والمساواة هم أسس لا جدال حولهم،
وهو ما كافح من اجله أجيال حتى تحقق لهم الحلم وملكوا زمام امورهم وكونوا
الديمقراطيات الحديثة.
ولكون الحرية طريق
لامتلاك زمام الأمور، ورد الحق لأصحابه، مما يخل بمصالح المستغلين والمتسلطين، فإن
الديمقراطية لا تُمنح ولكنه تُنتزع، لأنها حق والحقوق لا يُفرط فيها، فلا يستحقها
إلا الاحرار أمثال الشعب التركي والشعب الكندي، ومناضلي الشعب المصري.
محمد شريف كامل
* محمد شريف كامل مهندس ومدير مشروعات، شغل
مناصب مهنية عديدة، بالإضافة لكونه مدون وكاتب مستقل، هو
أحد المؤسسين والأمين العام للمجلس الثوري المصري، أحد المؤسسين الائتلاف الكندي
المصري من أجل الديمقراطية، حركة مصريون حول العالم من أجل الديمقراطية والعدالة. عضو نشط في العديد من المنظمات المحلية والدولية الدفاع
عن حقوق الإنسان، بالإضافة لانتخابه مفوض بمجلس إدارة المدارس بقطاع المدارس بجنوب
مونتريال لمدة 4 سنوات. أسس في السابق
الجمعية الوطنية للتغيير في مصر (كندا)، وتجمع الاعلام البديل بكيبيك – كندا، وأحد
مؤسسي والرئيس السابق للمنتدى الإسلامي الكندي، كما انه أحد المؤسسين حركة كيبيك -
كندا المناهضة للحرب، وأحد المؤسسين التحالف الكيبيكي-الكندي من أجل العدالة
والسلام في فلسطين. وهو عضو نشط في العديد من منظمات المجتمع المدني ومن بينها
اتحاد الحقوق والحريات بكيبيك – كندا. عضو في مجلس الأمناء لجمعية الكندين
المسلمين من اجل فلسطين، ومركز مسلمي مونتريال (الامة الإسلامية). نشر له العديد
من المقالات حول العديد من القضايا المحلية والدولية بلغات ثلاث (العربية،
والانجليزية، والفرنسية)، ومدون ومؤسس مدونة "من أجل مصر حرة".
محمد شريف كامل يمكن للتواصل معه عبر:
Tel: 1-514-863-9202, e-mail: public@mohamedkamel.com, twitter: @mskamel,
blog: http://forafreeegypt.blogspot.com/,
مقالات وخواطر أخرى للكاتب:
1 نوفمبر 2015
سأصطف معك
30 أكتوبر 2015
موقف المجلس الثوري من الاصطفاف والأفكار المطروحة على الساحة
October 21st,
2015
Canadian lost
opportunity
September 6th,
2015
Alyan Kurdi, Whom
to Blame?
20 أغسطس 2015
باختصار: وثيقة حماية الثورة المصرية
26 يونيو 2015
أزمة الحكومات ووعي الشعوب
May 26th, 2015
Mr. Harper comes
from which plant!
11 مايو 2015
ازمة اليسار التائه
12 أكتوبر 2014
لن تكمم ثورة الطلاب
21 أكتوبر 2014
المتحدث باسم
المجلس الثوري لـ"عربي 21": الثورة هي الحل لإسقاط الانقلاب محمد كامل: رفض العسكر
بالثورة ورفض الإخوان بالصندوق
12 أكتوبر 2014
لن تكمم ثورة الطلاب
September 2nd, 2014
Who will Indict Sisi?
23 يوليو 2014
وسقطت مصر
July 06, 2014
Alastair
Campbell from the Iraqi Lie To the Destruction of Egypt
Introduction
by: Mohamed Kamel
June 30, 2014
My Ramadan Message
to all Human Beings
رسالة رمضان لكل الانسانية
June 21, 2014
Whose road is
ISIL (ISIS)?
14 يونيو 2014
حلم الجيش
العربي
25 مايو 2014
المسرحية الهزلية
20 ابريل 2014
29
يناير 2014
السيسي ليس ناصر
(مجدته أو رفضته)
10 يناير 2014
وثيقة الانقلاب الغير
شرعية: لا نقاطعها وحسب، بل نرفضها كليا
31 ديسمبر 2013
فرعون موسى
A joined op-ed
with Dena Kamel to the Globe and Mail
December 30,
2013
What constitution
you are speaking about…!
1 ديسمبر 2013
رسالة لمصري مونتريال(2)
29
نوفمبر 2013
رسالة لمصري مونتريال
27 أكتوبر 2013
سؤال وجواب بين ناصر والاخوان
14 سبتمبر 2013
أمن المنطق أن نؤيد
الانقلاب...!
26 يوليو 2013
هل شاء يونيو أن يكون
شهر الانتكاسات؟
30
يونيو 2013
عفواً مصر...فهذه هي
الثورة المضادة
25 يونيو 2013
استحضار
عمر سليمان رجل المخابرات الأمريكية الأول في المنطقة
3 يونيو 2013
خواطر في حب مصر!
9
إبريل 2013
بمن تستقوون على من؟
1 إبريل 2013
مرسي والمعارضة
1 فبراير 2013
هم مجموعه من
المخربين...!
27 يناير 2013
من هم القتلة؟
26 يناير 2013
ما بين الوطنية والانتهازية
January 25, 2013
Thought and Reflection, 2 years after Egyptian Revolution
“When leftists support
The Muslim Brotherhood”
14 ديسمبر 2012
مغالطات وأكاذيب تشاع عن الدستور
2 ديسمبر 2012
لنقرأ الدستور ثم نقرر
23 نوفمبر 2012
كلما أصاب غضبوا..... أهم أبناء مبارك؟
23 يوليو 2012
لقد رحل رجل المخابرات الأمريكية الأول في المنطقة
30 يونيو 2012
بداية رؤية الضوء
17 يونيو 2012
مبروك لمصر، ولكن المعركة طويلة
15 يونيو 2012
معا ننتخب منقذ مصر، صديق أمريكا وإسرائيل
14 يونيو 2012
نداء أخير إلى كل شرفاء مصر
4 يونيو 2012
الحكم على مبارك والجولة الثانية للانتخابات
25 مايو 2012
قراءه في نتيجة الانتخاب، من ينتصر؟.. الثورة أم عبيد مبارك؟
23 مايو 2012
اليوم.......... مصر تنتخب
26 ابريل 2012
لماذا سأنتخب أبو الفتوح؟
11 ابريل 2012
من يصلح رئيسا لمصر؟
9 ابريل 2012
رسالة مفتوحه لرئيس مصر: كرامة الإنسان المصري
2 ابريل 2012
رئيسا لمصر
24 يناير 2012
كل عام ومصر بخير
January 20th, 2012
A year of a great revolution
22 نوفمبر 2011
المراهقة السياسية
November 19th, 2011
In the name of the revolution they are
killing it
October 22nd, 2011
Revolution to build, not to revenge
23 يوليو 2011
لا تجهضوا الثورة
June 12th, 2011
The Arab Spring- a real people revolution
2 يونيو 2011
الثورة المصرية بن الحلم و الواقع
April 3rd,
2011
Palestine and the
Egyptian Revolution
March 4, 2011
الشعب يريد تطهير البلاد... كل البلاد
February 13th,
2011
It is a Revolution that is changing the
face of the Middle East
23 يناير 2011
الخوف..والوهن..ولقمه العيش في عيد الشرطة
January 15, 2011
و... لتكن تونس والسودان عظة لمصر
January 8th, 2011
(Witten
on December 10, 2010)
Is this Egypt that we knew?
No comments:
Post a Comment