بقلم: محمد شريف كامل*
يناير 2011
أولا لابد أن نهنئ إخواننا وأخواتنا، شعب تونس البطل الذي وعي الدرس وعرف أنه لا زوال للطغيان بلا تضحيات، وعرف إنه لكل تضحيه ثمره، والنصر هو الثمره الكبرى. إن هذه حقيقه، لا تغيب إلا عن واهن أومستفيد.
وفي خضم فرحه النصر في تونس تهب نفحات الحزن من جنوب السودان الذي يستفتى على خلعه من دولته الأم ويخوض مخاض ولادة غير شرعيه ناتجه عن إستبداد في الداخل وتأمر من الخارج لتحقيق أهداف العدو الحقيقي الكامن في الصهيونيه العالميه. فكما سلبت العراق من الشرق ويجرى تفتيتها إلى ثلاثة دويلات فإن السودان وهو بوابة الجنوب جارى تفتيته بعد أن مزق الصومال .
أهذا هو حديثنا ؟
نعم بلا شك، فلا أظن أن هناك دارسا للتاريخ يتصور أن ما يحدث فى العراق هو بغريب عن ما يحدث فى السودان واليمن والصحراء الغربية، وكلهم حاضرمؤلم واحد تمر به منطقتنا وسيكون لمصر نصيب منه ولا شك .
أنه عبر العصور وعندما كانت مصر حاضرة لم تمس الأمة بسوء، لم يكن ذلك بفضل مصر ولكن كان بفضل وجودها حيث إلتف العرب حولها، ولكنه من الواضح أن إنسحاب مصر من دورها كانت له توابع، تحدثنا عنها كثيرا ولم يدركها إلا القليل، فتربع على عرش دويلاتنا العربية حكام مستبدين دعاهم جشعهم لبيع الحاضر وتبديد المستقبل لتحقيق شهواتهم .
إن ما حدث فى تونس هو ثورة حقيقية قام بها الشعب، والطريق أمامه طويل للحفاظ عليها حتى لا يسلبها منه مستبد أخر جديد .
ما حدث فى تونس وما يحدث فى السودان هو درس حقيقي لشعب مصر وحاكمها، فإما أن نثور ونخلع الحاكم المستبد أو نتركه يدمر ما بقى منها. فلو إتحد شعب السودان لمر بسلام من تحت أيدى الوقيعة الصهيونية ولكان سودان اخر .
إن كثيرا مما حدث فى تونس يشابه ما حدث فى مصر فى إنتفاضتها الشعبية عام 1977 حيث خرج الشعب رافضا تحكم الطبقة الإنتهازية فى مقدراته، وعندما فشل الأمن فى مواجهة الثورة فر السادات خارج البلاد وصدرت الأوامر للجيش بفض الإضطرابات، ولكنه كجيش تونس رفض أن يكون أداه ضد الشعب وبقى بالطرقات لحفظ الأمن. إلا أن الفارق بين ما حدث فى مصر حينذاك وما حدث في تونس اليوم، أن هناك جهات تونيسية (قد تكون الجيش) إستطاعت أن تجبر الحاكم المستبد على الرحيل . أما حاكم مصر حينذاك فقد ترك يحكم حتى قتل عن حق وخلفه من ورث الحكم والإستبداد معا .
وفى مصر وبعد إنتفاضة 1977 قام النظام المستبد بتقوية الأمن الداخلى حتى أن مصر أصبحت الدولة الوحيدة التى تفوق ميزانية الأمن فيها ميزانية الجيش. وبالرغم من ذلك فلم يحقق هذا الأمن الأمان للمواطن المصرى بل هو أمن لحماية المستبد ومصالحه.
والدليل الأكبر على ذلك ان العالم كله كان على علم بإمكانية أن تقع حادثة الإسكندرية، ولكنها تركت لتحدث عن عمد أوعن تقصير، ولا فارق بين العمد والتقصير، فالجريمة وقعت والمسؤل عنها هو حاكم مصر .
ولنستكمل الدرس ونستفيد منه لابد من التركيز على أمرين:
أولهما: أن الفتنه بين المواطنين (المسيحيين-المسلمين) هى لعبة قديمة عرفها المصريون منذ الإستعمار الإنجليزى فيما كان يعرف "بسياسة فرق تسد" التى عادت تطل علينا من جديد، إلا أن غالبية المصريين قد وعت الدرس وبقي القليل منهم لم يعيه عن جهل بالواقع وجهل بالأخر، وكان ذلك بفضل الأدعياء من المسلمين والمسيحيين (مدعى العلم بالدين)، والأخطر من ذلك كان تغييب الإعلام المصرى وتغييب الثقافة العامة عن قصد.
ثانيهما: إن التضحيات هى الطريق الوحيد للخلاص من الإستبداد، فأن يقدم عشرة ملايين تونسى خمسون شهيدا ثمنا للحرية هو إختيارا صائبا، فكم من شهيد فقدته مصر فى أقسام التعذيب المنتشرة فى ربوعها، أليس الأجدر أن تفقد مصر أبنائها أعزاءا كرماءا من أن تفقدهم فى أقسام التعذيب.
لقد قال أبى القاسم الشابي: "إذا الشعب يوما أراد الحياة...فلا بد أن يستجيب القدر...ولا بد لليل أن ينجلي....ولابد للقيد أن ينكسر"، وأبى القاسم هو عربى تونسى سمعه شعب تونس وإستجاب له بعد قرابه ثمانون عاما، فهل آن لشعب مصر أن يسمع ويستجيب ويثور ويطرد جلاديه .
بلا شك سيحدث ذلك يوم ينزع الجميع رداء الخوف ويخرجون إلى الطرقات متحديين الأمن (ذراع الإستبداد)، ويوم يرفض شرفاء الأمن وشرفاء الجيش حماية ذلك النظام ويعزلونه، لعلنا نرى يومئذ أفراد النظام المستبد وحاشيته لاجئين فى ضيافة أمثالهم من الحكام العرب، آملين أن يأتى اليوم الذى لا يجد فيه مستبد ملجأ له.
إنه حلم، ولكنه حلم قابل للتحقيق والفضل فى إحيائه يرجع لثوار تونس.
وسيتحقق ذلك يوم يعمل الشعب بشعاره "شعب واحد...هم واحد"
فحقا "إذا الشعب يوما أراد الحياة...فلا بد أن يستجيب القدر...ولا بد لليل أن ينجلي....ولابد للقيد أن ينكسر"، فهل يريد شعب مصر الحياه؟ وهل يعي الدرس؟
No comments:
Post a Comment