Tuesday, February 1, 2011

إنتهى الدرس يا... ريّس - فهل فهمته؟

محمد شكر

لا يبدو أنك قد فهمت يا سيادة الرئيس.  ولا نعرف - نحن شعب مصر - كيف يمكن أن نساعدك على الفهم؟  لقد كانت الرسالة صارخة واضحة فى هتافات الشعب فى إنتفاضته العظيمة: "يسقط يسقط حسنى مبارك"، و "ياجمال قول لأبوك شعب مصر بيكرهوك"، و "إرحل إرحل يا مبارك السعودية فى إنتظارك".  ما كان يمكن أن تُصاغ هذه الرسالة بكلمات أكثر صراحة ووضوحا، ومع ذلك لازلت لم تفهمها.  لقد إنتفض شعب مصر فى أيام غضبته العظيمة ليردد فى هتافات مدوية بعد ثلاثين عاما من حكمك إرحل، ولكنك يا سيادة الرئيس لم ترحل لأنك لا تريد أن تفهم.

سيادة الرئيس الآن حصحص الحق.  والحق أنه لم يكن هناك أى محبة أو إعزاز لشخصكم من الشعب، بل على العكس كان هناك ولايزال الكثير من الكراهية والإزدراء والسخرية.  ربما لم تعرف شيئا عن تلك الكراهية لأنها كانت محبوسة فى الصدور محاطة بسياج الخوف من بطش جهازك "الأمنى" إذا جهرت بها الأصوات.  وربما لم تسمع الكثير من عبارات التهكم والنكت التى تسخر من شخصكم لأنك فى برجك العالى مقطوع الصلة بالشعب المفترض أنه "إختارك" (أو هكذا أوهمك من أحاطوا بك).

وعندما تحطم سياج الخوف فى لحظة إستلهمها شعب مصر من ثورة الشعب التونسى الشقيق، هب الشعب لينطق بالحق الذى ظل حبيس الصدور. "غور يا مبارك وريّحنا ده إنت خروجك حيفرّحنا".

سيادة الرئيس: هل شاهدت ثورة الشعب المصرى ضد شخصكم ونظامكم؟  أقصد هل شاهدتها على شاشات التليفزيون وأنت تنعم بدفء الشمس ونسمات البحر فى شرمكم المفضل (يعنى شرم الشيخ)؟  هل شاهدت شباب مصر يمزقون صورك وصور نجلك الوريث فى وضح النهار على طريقة تمزيق صور صدام وبن على بعد أن حانت نهايتهما؟  هل إستوعبت درس تلك اللحظة العاطفية الهائلة فى وجدان الشعب المصرى؟ لا أعتقد أنك قد إستوعبتها وأنت مقطوع الصلة بالناس.

سيادة الرئيس: نحن لا نعلم أين كنت وكيف أصبحت وماذا تابعت خلال أيام الإنتفاضة. لكننا متأكدون أنك كنت قد علمت عن إصرار شعب مصر العظيم على تحدى قرارك بحظر التجول فى شوارع مصر.  لقد تجاهل الشعب قرار حظر التجول الذى أصدرتموه فى الليلة الثانية للإنتفاضة، وطاف شوارع مصر مستأنفا الجهاد والتحدى.  لقد كان فى هذا رسالة أخرى واضحة: نحن لانريدك ولا نحترم قراراتك.

سيادة الرئيس: لقد رأيناك تطل علينا من خلال شاشات التليفزيون فى اليوم الرابع من الإنتفاضة.  وبعد ساعات من الإنتظار على طريقة التشويق السينمائى كنا نتوقع خطابا أو قرارا على مستوى الحدث.  قرارا يعكس فهمكم للحدث (على طريقة بن على عندما قال لشعبه: أنا فهمتكم). لقد تصورنا أنك قد إستوعبت الدرس وسيكون كلامك على مستوى المسئولية عما حدث.  لكنك يا سيادة الرئيس لما تحدثت إلينا كنت كالجبل الذى تمخض فولد فأرا.

لقد تحدثت يا سيادة الرئيس مع "إخوتك المواطنين"، ولا أدرى بداية ما هى بالضبط روابط الإخوة بينك وبين المواطنين، فأنت لا تحس بمعاناتهم ولا تشاركهم طموحاتهم، ولا يمكن أن تكون أخا أو أبا أو حتى صديقا لمن يقولوا لك "غور وريّحنا".  

لقد بدأت خطابك يا سيادة الرئيس بعبارات تدل على منتهى سوء الفهم لقيم الحياة الإنسانية عموما وحقوق الناس خصوصا.  لقد قلت يا سيادة الرئيس "إن هذه التظاهرات ... ما كان لها أن تتم لولا المساحة العريضة لحرية الرأى والتعبير والصحافة وغيرها من الحريات التى أتاحتها خطوات إصلاحية لأبناء الشعب". 

سيادة الرئيس إسمح لى أن أقول لك أن فهمك بالمقلوب.  إن ماقلته يوازى بالضبط القول بأن الإنسان يجب أن يمشى على رأسه ويفكر بقدميه.  إن القول الصحيح هو أن هذه التظاهرات ما كان لها أن تتم لو كان هناك بالفعل مساحة عريضة لحرية الرأى والتداول السلمى للسلطة.

سيادة الرئيس: لابد أن تفهم - حتى لو أصبحت رئيسا مخلوعا - أنك لم تمنح للناس حرية الرأى لأن هذه الحرية هبة من الخالق.  إن مساحة الحرية التى تتحدث عنها فى المجتمع المصرى - إذا صدق قولكم - لم تكن ولن تكون نتيجة خطوات إصلاحية من جانبكم لأنها ببساطة حق إنسانى وهبه الله لكل مولود.  الحرية يا سيادة الرئيس أودعها الله فى الإنسان لحظة خلقه.  فإذا إدعيت أن الحرية هى ثمرة نظامك وإصلاحاتك فأنت تصبح كمن يقول لأبناء شعبك أنا الذى اتيت بكم إلى الوجود لأن السرير الذى ولدت عليه صنع فى عهدى!

لقد ذكرت فى خطابك يا سيادة الرئيس أن هناك "خيطا رفيعا يفصل بين الحرية والفوضى" وأنك تنحاز (مشكورا) لحرية المواطنين فى الوقت الذى تقف فيه ضد الفوضى التى "تهدد النظام العام والسلام الإجتماعى".  سوف أخبرك يا سيادة الرئيس بما لم يقله لك أحد من حاشيتك.  إن الفوضى يا سيادة الرئيس لم تكن هى ما حدث فى إنتفاضة مصر التاريخية، لكنها كانت بالضبط فيما فعلته أنت بمصر نتيجة لسياساتك الفاشلة.  الفوضى ظاهرة فى جميع الخدمات التى لا تتم إلا بالرشوة لأن الرشوة أصبحت المصدر الرئيسى لدخل الفقراء وثروة الأغنياء فى عهدك.  الفوضى هى ما أصبح شائعا فى أقسام الشرطة فى تعاملها مع الشعب بالشتائم والضرب والإرهاب.  الفوضى هو ما آل إليه الحال فى معاهد التعليم العام التى لا يتعلم فيها الطالب شيئا ليكون مضطرا للجوء للدروس الخصوصية.  الفوضى تجلت فى الثوابت التى حددت الخطوط العامة لسياساتك الخارجية، ولن ننسى حديث إبنك علاء الذى طالب فيه بقطع العلاقات مع الجزائر بسبب ما جرى فى مباراة كرة قدم.

سيادة الرئيس إن مصر تعيش حالة غير مسبوقة من الفوضى فى ظل الدولة الرخوة التى إستفحلت تحت "قيادتكم".  الفوضى التي تعيشها مصر الآن يلمسها الحاضر والغائب فى كل المعاملات على أى مستوى. فلا تتحدث عن الفوضى التى صاحبت إنتفاضة مصر العظيمة لأنها أولا لا تقارن بما جلبتموه من فوضى على مصر ثم لأنكم مسئولون عنها بالدرجة الأولى بسبب قيادتكم الغير رشيدة.

سيادة الرئيس: لقد حذرتنا فى خطابك مما يحيط بنا من "أمثلة عديدة انزلقت بالشعوب الى الفوضى والانتكاس .. فلا ديمقراطية حققت ولا استقرارا حفظت".  أرجوك يا سيادة الرئيس لا تتحدث عن أمثلة الإنزلاق بالشعوب لأنك أنت الذى إنزلقت بشعب مصر إلى حضيض الفوضى والإنتكاس.

إفهم يا سيادة الرئيس فلم يكن بن على أذكى منك.  إفهم يا سيادة الرئيس أن الوقت قد حان لرحيلك وأن مصر تريد نظاما جديدا. إفهم يا سيادة الرئيس أن مصر لن تنهار وأنك أنت الذى سوف تنهار قريبا جدا إذا صممت على التمسك بالعرش. إفهم يا سيادة الرئيس أن الإلتفاف حول القضية بتعيين نائب لك وإقالة الوزارة لن يحل أى مشكلة لأن المشكلة فيك.   

سيادة الرئيس: إن تعيين نائب لك - وهو بالمناسبة لا يختلف عنك كثيرا وبالتالى فهو مرفوض من الشعب أيضا - لن يحل المشكلة.  وأسألك يا سيادة الرئيس لماذا تجاهلت هذا المطلب الذى ألح عليه الشعب لمدة ثلاثين عاما ثم قررت الآن بالذات تعيين نائب؟  إنه لعب فى الوقت الضائع.  إن مَثل هذا القرار كمَثلِ الذى رفض الإيمان طيلة حياته، ولما بدت له منيته قال أشهد ألا إله إلا الله.  مثل هذه الشهادة يا سيادة الرئيس ليس لها قيمة عند الله.  ونحن نفهمك يا سيادة الرئيس وإن كان لا يبدو أنك تفهمنا.  لقد عينت صديقك نائبا لتأمين خروجك.  ونحن نقول لك يا سيادة الرئيس خذ نائبك وإرحلا وسيؤمّن الشعب الكريم لك طريق الخروج.

إرحل يا سيادة الرئيس كما نصحك المخلصون من أبناء مصر وليس المقربون من أصدقاء أبنائك طمعا فى مزيد من الثروة عن طريق البزنس المغمور فى الفساد. إرحل يا سيادة الرئيس كما نصحك منافسك الحر الشريف الأستاذ أيمن نور الذى ألقيته فى السجن أعواما لأنه تجرأ ونافسك على كرسى الرئاسة فى الإنتخابات الأخيرة.

إرحل يا سيادة الرئيس لكى تستعيد مصر هويتها وريادتها، إرحل لكى تقود مصر الأمة العربية إلى آفاق الحضارة.  إرحل لكى يستعيد شعب فلسطين الحبيبة أرضه. إرحل فقد جلبت الخراب ليس فقط على مصر بل وعلى فلسطين. إرحل فلن تجد من يحميك ضمن أصدقائك فى أميركا وإسرائيل.  إرحل فالطوفان قد وصل وسفينتك مثقوبة.

إرحل يا سيادة الرئيس فقد تصلبت شرايين العقل فى نظامك وإنسدت رئات التنفس داخله كما قال بالحق الأستاذ أيمن.  إرحل فقد بات معظم الشعب يزاوج بين عائلتك وبين الفساد.  إرحل فقد إنطلقت عجلة التغيير ولن تنجح أجهزتك القمعية في إيقافها.  إرحل فسيكون رحيلك عيدا لمصر وفرحة لا تدانيها إلا فرحة إستقلال مصر من الإحتلال.

إرحل يا سيادة الرئيس فلن تستطيع التشبث بكرسيك بعد إنهيار حاجز الخوف من بطش حبيبك العادلى.  إرحل لكى ننعم بحضن مصر الدافئ الذى سلبت منه دفئه وكل لمسة حب فيه.
 إرحل يا سيادة الرئيس وحاول أن تفهم رسالة الشعب لك، فقد إنتهى الدرس يا ... ريس.     
 محمد شكر – تورونتو
يناير 2011


No comments:

Post a Comment