يرى المفكر العربي عزمي بشارة في حوار مع الجزيرة نت أن الثورات العربية في مصر وتونس تماثل سابقاتها التاريخية من حيث العمق والشمولية، مؤكدا أن كفاح الشباب قد أطلق المارد الشعبي، فعبرت الشعوب عن إرادتها بكل وضوح. ويلفت إلى أن ثورات فكرية وثقافية ستعقب التغييرات التي جرت في العالم العربي.
ويشدد بشارة على ضرورة أن تحمي هذه الثورات نفسها عبر تخطيط وإستراتيجيات، حيث إنه لا يمكن أن تحكم البلاد عفويا، وحذر من أنه إذا لم يتوفر جسم منظم لديه فكر وإستراتيجية للقيام بتغيير تدريجي ومثابر، فسوف تستمر بالحكم عناصر النظام السابق المنبثة في كل قطاع من قطاعات الدولة والمجتمع.
وقال المفكر العربي إن ثوار اليمن في ساحات التغيير يقومون عبر ثورتهم السلمية حاليا بعملية تشكيل هوية وطنية يمنية عابرة للطوائف، وأوضح أن ما فشلت فيه الدولة من تشكيل هوية سياسية متماسكة، تفعله الثورة الآن.
وفي حالة المشرق العربي، يرى بشارة أن مشكلة التغيير أصعب، فالهوية الوطنية ليست راسخة الحدود، وهناك هويات طائفية وعشائرية مختلفة جرى تسييسها في فترات مختلفة وبدرجات مختلفة في ظل أنظمة استبدادية.
ويؤكد أنه في المشرق العربي تقع على كاهل المعارضة مهمة تجاوز الهويات الفرعية كي تتمكن من طرح نظام بديل ديمقراطي مدني. حيث لا بد أن يبدو ذلك الجهد واضحا على بنيتها التنظيمية وعضويتها وقيادتها، لأن أي معارضة ذات طابع مذهبي أو طائفي أو عشائري سوف تفشل في مواجهة النظام، لأن الأخير لن يستند فقط إلى أجهزته وأصحاب المصالح، بل إلى فئات سكانية واسعة ترى نفسها متضررة إذا جاءت مثل هذه المعارضة إلى الحكم.
أنظمة وشرعيات
وفي حالة الخليج العربي، يرى بشارة أن الأنظمة الملكية، خصوصا التي تملك شرعيات وامتدادات هي أكثر قدرة على الاستمرارية وإجراء الإصلاحات في ظله. ولكن مع ذلك لا يوجد قانون يحميها من التغيير، فهذه الملكيات إذا لم تتجاوب مع متطلبات شعبها فمن المؤكد أنه سوف تطور معارضة خاصة بها.
وفي حالة الخليج العربي، يرى بشارة أن الأنظمة الملكية، خصوصا التي تملك شرعيات وامتدادات هي أكثر قدرة على الاستمرارية وإجراء الإصلاحات في ظله. ولكن مع ذلك لا يوجد قانون يحميها من التغيير، فهذه الملكيات إذا لم تتجاوب مع متطلبات شعبها فمن المؤكد أنه سوف تطور معارضة خاصة بها.
إن الحوار مع بشارة في هذه الظروف يكتسب أهمية استثنائية، حيث يقف هذا المفكر البارز في صف الثورات العربية منطلقا من أن المثقف العضوي مرتبط بطموحات الجماهير خصوصا جيل الشباب الذي فجر الربيع العربي.
وقد رافق بشارة هدير الجماهير، ليس فقط عبر إطلالته الإعلامية في تحليل الثورات، بل -وقبل ذلك- من خلال تطوير خطاب ديمقراطي ثوري وعقلاني في الوقت نفسه، استطاع فيه أن يعمل المبضع في التراكيب الاجتماعية السياسية والفكرية العربية.
وليس غريبا والحالة هذه أن من تابع الثورات العربية يستطيع أن يلمس أن كتبه الأخيرة مثل "أن تكون عربيا في أيامنا" و"المسألة العربية"، إضافة إلى مقالاته وخطابه المعروف منذ نهاية التسعينيات التي روجت لفكرة "دول المواطنين"، كانت في العديد من الحالات مراجع وبيانات للتغيير استند لها المنتفضون في تحليل الأوضاع التي ثاروا عليها.
وإذا اختار المثقف ألا يقف على الحياد في هذه اللحظة التاريخية ولو كلفه الأمر ثمنا، فلا بد أن تتوالى الأسئلة، كيف يستقيم مثلا أن يحمل هذا المفكر لواء العروبة ثم ينحاز للثورة على القذافي "أمين القومية العربية"؟ وكيف يدعو بشارة إلى دولة مدنية ديمقراطية لجميع المواطنين وهو يدرك قبل غيره أن دولا عربية عدة تتكون من فسيفساء إثنية وطائفية ستنفجر إذا أرخت الدولة العربية قبضتها أمام "خطاب الأماني"، فتتهم الأنظمة الفكر الديمقراطي بالتخريب، تخريب التوازنات التي لا يحرسها إلا الاستبداد.
No comments:
Post a Comment