حكم رفع المسلم شعار "الهلال والصليب"
ما حكم رفع الصليب والهلال على لافتات، في مسيرات شعبية، بمناسبة ما يحدث من حوادث تستدعي القيام بمثل هذه المسيرات، تعبيرا عن تضامن القوى الوطنية، وتوحدها، علما بأن هناك أحاديث وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بإزالة الصلبان من على الحائط، والفرش؟
http://www.onislam.net/arabic/ask-the-scholar/127580-----aquot-aquot.html
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فالمسألة هنا تتطلب الحديث عن عدة أمور:
· · الهدف هنا من رفع اللافتات التي عليها الهلال والصليب.
· · دلالة النصوص التي وردت في إزالة الصلبان، وكيف نفهمها، وما سياقها؟
· · كيفية التعامل مع الشعارات والرموز والمقدسات لدى غير المسلمين؟
أما المسألة الأولى، وهي الهدف من رفع اللافتات التي عليها الهلال والصليب، فهو هدف سياسي واجتماعي، المقصود به بيان مدى تلاحم الشعب المصري، بنسيجه الوطني، مسلميه ومسيحييه، ومما يؤكد هذا الهدف في رفع هذه اللافتات: أن المقصود برفعه هو دلالة رمزية على توجه فئة من الناس، وليس الهدف منه دلالة عقدية، أو دعوة لعقيدة، أو تمايز عقدي. فينبغي أن تدرس القضية في ضوء هذا الهدف.
ثانيا: دلالة النصوص التي سيقت، وذكرها الأخ السائل والتي اشتملت على الأمر بمحو الصلبان على الفرش، والحائط، فهذا في داخل البيت المسلم، وهو أمر منطقي، هل سيحمل المسلم صليبا على عنقه، أو داخل بيته؟ ونفس الأمر يقال عن المسيحي: هل سيحمل مصحفا يطوف به في كل حياته، ويجعله معلقا على جدران منزله؟! فما ذكر في السنة النبوية المطهرة من النهي عن اشتمال سجادة الصلاة، أو أي شيء يعلق على الجدران على صورة أو صليب، فهو خاص بالبيوت الخاصة بالمسلمين، والتي فيها مسلمون خوالص، ولا يصلي المسلم على فراش عليه صليب، ولا يعلق على جدران بيته ما يشتمل على الصليب، لأنه هنا يدل على عقيدة، وهو يمارس شؤون عقيدته وعبادته. أما إذا كان الأمر في حالتنا هذه فهو هنا ليس خاصا ببيت، ولا ثابتا، ولا له دخل بعقيدة أو دين، الأمر هنا يخص لونا من ألوان التعبير، ليس إلا، لا يمثل عقيدة طرف دون الآخر.
ثالثا: كيف نتعامل مع الشعارات والرموز والمقدسات لدى غير المسلمين، في مثل هذه المواقف، وفي غيرها كذلك؟
بداية نوضح أن المسلم يعتز بلا شك بدينه، ويرى أنه دين الحق، وأنه غيره على الباطل، هذه مسألة لا يختلف عليها اثنان، وكذلك غير المسلم يرى أن المسلم غير مؤمن بعقيدته، وأنه على باطل، وهذا مسلم به عند كل أهل عقيدة، وإلا كان مذبذبا من يرى أن كل العقائد صحيحة، فلماذا لم يترك عقيدته واتبع العقيدة الأخرى الصحيحة؟! ولكن هذا لا يعني أن يمس الإنسان رموز الآخر، أو يلحق بها أي إساءة، أو انتقاص، بل تراعى كما هي عند أصحابها بما تمثله عندهم من قدسية، واحترام وتوقير، ما دام السياق بعيدا عما ينتقص من عقيدتي ويهدمها.
وفي السنة النبوية المطهرة ما يدل على ذلك، فلقب الحبر الأعظم، والأحبار والرهبان، ألقاب دينية محضة، ومع ذلك راعى القرآن الكريم والسنة عند ذكرهم، على الاحتفاظ بها لهم من هذا اللقب عند أهله، رغم حكم القرآن ببطلان ذلك، لكن هي باطلة في حكم المسلم، لكنها معتبرة ومقدسة في حكم غير المسلم، والإسلام.
كما ورد في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس قوله: إلى المقوقس عظيم القبط، فهل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله عظيم القبط للمقوقس يتنافى مع نهيه عن تعظيم المنافق أو الفاسق، أو غير المسلم؟! لا، إنما هو إنزال الناس مكانتهم، ومراعاة الخطاب وما يناسبه، لكن عند اختلاف المواقع، والجلوس في النقاش العقدي، المسألة تختلف، مع توافر التقدير والاحترام المتبادل أيضا.
ثم إن مقاصد الشريعة وكلياتها تعين في فهم مثل هذه القضايا، فعلينا أن نحتكم إلى عموميات الإسلام، وكلياته، حتى لا نقع في خطأ كبير عند دراستنا لها، فالإسلام يأمرنا بالتضامن مع المظلوم، ومعاونته في أخذ حقه، والتعبير عنه، فانصر أخاك ظالما أو مظلوما، والأخوة العامة هنا داخلة في سؤالنا، أخوة الوطن، وأخوة الإنسانية، وإشعار المسيحي بأن أي ظلم يقع عليه هو ينافي مبادئ الإسلام، وينافي تعاليمه السمحة، التي أوجبت علينا حفظ أمنه، ودمه، وماله، ومقدساته.
وقد رأينا ـ في معظم المظالم التي تقع على المسلمين ـ غير مسلمين من أوربا وغيرها، يخرجون يعلنون بوقوفهم مع الحق والعدل، في قضايا فلسطين، والاعتداء على العراق، وحرب غزة، والمذابح التي تقوم بها إسرائيل في فلسطين، ومن قبل في لبنان.
كما أن المواطنة التي تقوم على المساواة، والتكافل، والتحاب، والتآخي، والتعارف، مهمة في هذا الباب، ينبغي أن نعليها هنا، ونشدد عليها.
فأخلص إلى أنه لا مانع من خروج المسيرات المعبرة عن وحدة النسيج الوطني، مسلمين ومسيحيين، وإن كان على لافتاتها تعبيرات ورسوم، تحمل شعار الهلال والصليب، ما دام الهدف منها لا يعبر عن عقيدة دون أخرى، أو يدعو لها، بل هو مجرد رمز له دلالة عميقة، تدل على التآخي بينهما.
والله أعلم.
No comments:
Post a Comment