Saturday, January 15, 2011

أكاد أرى سراويل مبللة!



ينبغي أن يكون العيدُ القوميُّ لأيِّ بلدٍ هو ذكرى سقوط طاغية، فإذا هرب الزعيمُ المُفَدَّى فالعيدُ يومٌ واحدٌّ. وإذا تم القبضُ عليه، ومحاكمته مُحاكمة عادلة، فالعيدُ يومان. وإذا سحله أبناءُ شعبِه لجرائمِه الدمويةِ في حق من كان خادمـَهم، فأجبرهم أنْ يصبحوا خَدَمَه، فالعيدُ ثلاثةُ أيام!
أما إذا تمكن الشعبُ من القبضِ علىَ كل أفراد عائلته، ولصوصه، وكلابه، وضباط الأمن المتَّهَمين بالتعذيب، وحيتان حُكمه المتورطين في الفسادِ، فالعيدُ القومي يمتد لأسبوع كامل!
لمْ تصبح تونس خضراءَ إلا بدماء حمراء، ونقصُ وزنِ الرئيسِ بدا كأنَّ دودَ الأرض تعَجَّل رحيلَه، فلم يصبر، وقام بزيارتِه في قصر قرطاج.
أعود إلى مقال لي في عام 1987 تحت عنوان ( دود الأرض ينتظر الحبيب)، وبعدها بشهرين كان بن علي ينقلب على المجاهد الأكبر الذي أقنعوه بأنه رئيسُ مَدَىَ الحياة حتى لو كاد العَدُّ التنازلي لأيام عُمره المتبقية يقترب من الصفر!
لن ينفع أيَّ طاغيةٍ عربي فِراشٌ وثيرٌ من ريش النعام بعد تلك الليلة التي حَلَّقَتْ طائرةُ طاغيةِ تونس السابق فوق جزيرة مالطا وسط متابعة هستيرية من رسول الصحراء، ولكن ماذا عن خيمة العقيد؟
الملك عبد الله الثاني يتابع المشهدَ عن كَثَب، فغضبُ الأردنيين في (معان) قد يتكرر تونسياً ، ويعيدُ الشعبُ قراءةَ اتفاقية وادي عربة، ويكتشف الأردنيون أنَّ سجونَ ومعتقلات الأسرة الهاشمية ابتلعتْ في جوفها كلَّ من ظن أنَّ لسانـَه أطول من سوط ضابط الأمن.
العقيد علي عبد صالح لن يتمتع بحُلم الزعامة مدى الحياة، فقد وقف من قبل وأقسم لأبناءِ شعبه أنه لن يجدد بعدما قضى ثمانية وعشرين عاما في الحُكم، فأخرج له كرسي السلطة لسانَه، ليحنث الرئيسُ بوعدِه، ويستجيب لمداعبات قيلولة جاءت بعد جلسة تخزين القات، فإذا بالنبات الأخضر يتحول إلى برسيم يأكله من ظن أن زعماءَنا لا يكذبون، وأن منافقينا لا .. ينهقون.
هل يثور اليمنيون أم يمضغون أو يخزنون؟
الاجابة في شوارع عدن وأبيّن والحُدَيّدة وحضرموت و .. صنعاء!
مساء يوم سقوط طاغية قرطاج همس مساعدٌ في أذن الرئيس السوري ليخفف من توتره، ولعله قال له: لا تخف، سيدي الرئيس، فالسوريون منشغلون بمتابعة الشأن اللبناني، وأجهزة استخباراتِنا تسمع دبيبَ النمل في الجولان كما تسمعها في ( آخن ) الألمانية حيث يُنصت الاخوان المسلمون إلى صفير الوطن بعد ثلاثين عاما من مغادرته.
ويتابع الهامس بشفتين مرتعشتين: لو أردتَ، زعيمنا الشاب، أن نحفر حفرة كتلك التي حفرتها سرايا الدفاع ودفنت فيها مئات السوريين، ونخفي كل أفراد الشعب في باطن الأرض، فلن يصيح ديكٌ في فجر دمشق قبل أنْ تصبح شوارعُ قلب العروبة النابض خاويةً على عروشها.
ويلقي الرئيسُ رأسَه علىَ وسادة ناعمة، ويحلم بيوم يخاف فيه السوري من مرآته، وتتم برمجةُ كل أجهزة الكمبيوتر بحيث يتعطل الجهازُ كلما كتب أحد كلمة: تونس!
العراقيون يغضبون في حالتين: الأولى لدىَ اكتشافهم أن عراقيا من طائفة أخرى حصل على مقعد في مجلس نواب يظن أصحابه أن تراجع القوات الأمريكية عدة أمتار إلى الخلف يعني انسحابا يانكياً من بلاد الرافدين، والسبب الثاني هو تأخير تشكيل حكومة المنطقة الخضراء عدة أشهر عن الموعد المحدد.
لكن الحمد لله، هكذا يقول العراقي لنفسه، فطائفتي تحميني، ولن يقوم انقلاب في بغداد لأن الرجال الذين ختمت قوات الاحتلال على أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم تقاسموا الكعكة، وأخذ كل واحد نصيبه من ثروات العراق، وأرسلوا أبناءهم للدراسة في جامعات متروبوليتان، وهارفارد، وإلينوي، وأقنع عمرو موسى زعماءَنا بقمة عربية يحميها سيد البيت الأبيض، وسيد قُم، وسيد الشام!
في أول اجتماع برجاله لاحظ طاغية مصر أن سراويلهم مبللة كأن( العملية) لم تكن مرة واحدة، لكن مبارك نزع الخوفَ من قلوبهم مؤكدا أنه، أي الخوف، يجب أن يسري في نفوس أبناء الشعب، وأن ثلث ميزانية فقراء مصر تذهب إلى أكثر من مليون رجل أمن ومخبريهم وبلطجيتهم، وأن المصريين يحتاجون لقرني ثور حتى يهيجوا، وقرني زمن حتى يغضبوا!
لأول مرة لا يصدّقوه، فقد اعتادوا أن يديروا له أقفيتَهم قبل أن يصفعها، ويبصموا على نتائج الانتخابات قبل أن يعلنها حبيب العادلي، أما هذه المرة فربما تكون الروح التونسية مختبئة خلف الخوف المصري المحنط منذ عهد رمسيس الثاني، فالمصريون يغضبون لو نزع الطاغية نقاب مسلمة، لكنهم يصمتون لو نزع كرامة الشعب كله.
ترى من الذي سهر حتى الفجر، الأب أم الأم أم علاء أو جمال، متقلباً على فِراشِه؟
رنينُ الهاتف لم يتوقف في قصر العروبة، وكل مُتَصل يريد أن يتأكد من الرئيس نفسه بأن الجماهير لن تسحله في شوارع أم الدنيا، ويكرر الرئيسُ نفس الكلمات التي تبدأ بوصفه المصريين أنهم جبناء، واستحالة ثورتهم، كما قال له حبيب العادلي.
سراويل مبللة في الخرطوم فالانفصال أهّوَن من ثورة السُمر، وكل الدلائل تشير إلىَ قُرب الغضب الشعبي السوداني، لكن المجرم الهارب من العدالة الدولية يؤكد لكلاب قصره أنه سيُكمم أفواه الشعب بقوانين الجلد والرجم وقطع الأيدي، وأن رجال الدين يستطيعون أن يستخرجوا من كل الكتب المقدسة تبريرات إذا قيلت من فوق المنبر نام السودانيون طوعا وكرها، فجعفر النميري كان يقتل، ثم يلقي محاضرة عن التسامح في الاسلام، تماما كما كان الحسن الثاني يستمع لعلماء العالم الاسلامي في الدروس الحسنية، وينصت إلى صرخات المعذبين في سجون الرعب على مبعدة دقائق من مسجده و .. مسبحةٍ تدور بين أصابعه.
لم يحدث في التاريخ العربي أن تبللت سراويل زعماء ووزراء ورجال أعمال وضباط كبار كما حدث ليلة سقوط الجنرال، والآن يبكي بوتفليقة أمام العسكر، لكنهم يؤكدون لتلميذ بومدين، رحمه الله، أن غضب الجزائريين لا يدوم إلا في الملاعب الخضراء، وأن أحلامَهم في السفر إلى مرسليا أكبر من أحلامهم في رحيل أحذية العسكر.
الديكتاتور الثاني سيسقط قريبا، وستكون المفاجأة مضاعفة، فالطاغية القادم من ورق، ورجاله سيلعقون أحذية الغاضبين قبل أن يغادر القصرَ بمساعده زعيم دولة عربية أخرى.
الرئيس (السابق) لم تعد كلمة تونسية فقط، ومن ينتظر أمام الشاشة الصغيرة فسيراها مرة أخرى .. في القريب العاجل.
سيداتي سادتي،
حرمُ الزعيم تُعِدّ الحقائبَ، وتحصي المجوهرات، وترجو زوجَها أنْ لا يرسلها الآن إلى مكان فيه ليلى بن علي الطرابلسي لئلا تَشْمَتْ فيها، ثم تطلب، السيدة الأولى (حاليا)، من زوجها الذي سيكون( السابق) أن لا يتأخر عليها فلدينا، كما تؤكد، من الأموال في الخارج ما يجعل روح قارون تحسدنا.
القدر ينتظر شعبا عربيا آخر يريد الحياة، والزعيم يُقْسِم لرجاله أن الفئرانَ أشجع من أفراد شعبه.
لكن السراويل المبللة للمستبد الكبير، والطغاة الصغار توشي بأن الأرض تهتز، وتتحرك، وتميل يمينا ويسارا، و لا يدري أحد من أين ستندفع الجماهير!

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 15 يناير 2011
Taeralshmal@gmail.com

No comments:

Post a Comment