Sunday, January 9, 2011

انفجار الغضب.. طائفيا

انفجار الغضب.. طائفيا

د. رفيق حبيب
05-01-2011 http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=47037


حدث في الإسكندرية، انفجار جديد في مجتمع غاضب ومحتقن، وفي مجتمع تتفكك وحدته ويزداد ضعفا. جاء حادث الإسكندرية ليكشف عن مدى ضعف الحالة المصرية، وحضور الدولة الفاشلة والمجتمع الضعيف، لنعرف أننا في مرحلة ما قبل الانفجار الأخير، وأن المجتمع لم يعد يملك أدوات كبح العنف، ولا الدولة تملك تلك الأدوات. بل ونعرف أن الدولة والنظام السياسي قد فشل تماما في إدارة الأزمات أو الصراعات في المجتمع. وجاءت حادثة الإسكندرية لنعرف أننا بعد أربعة عقود من النزاع الديني في مصر، أصبح المجتمع قابلا للتفكك والدخول في ما يشبه الحرب الأهلية، لأن النزاع الديني يتمدد بدون كابح.
جاءت حادثة الإسكندرية والتي راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى، في أول تفجير لسيارة مخففة أمام كنيسة في ليلة عيد، ليصبح العنف واسع المدى، ويدخل نطاق المواجهات العنيفة، ليتضح مشهد المجتمع الغاضب، الذي ساد فيه الرفض والغضب من مجمل أوضاعه، وبدأ يفجر كل طاقة الغضب في مسار النزاع الديني، فبعد غلق قنوات التعبير عن الغضب والرفض، وبعد غلق المجال السياسي، أصبح المجتمع هو ساحة التعبير عن الأزمة التي يعيشها المجتمع المصري، وبات مسار النزاع الديني هو السبيل لتفريغ كل شحنات الغضب والرفض، والتي نتجت من غياب دور الدولة وتراجع الهوية الجامعة، وتردي الأوضاع الحياتية في مجملها. وأصبح مسار النزاع الديني هو القناة المفتوحة، ليعبر المجتمع عن حالة الغضب متمثلة في تصور سلبي ينتجه كل طرف عن الآخر، فيصبح المسيحي جزءا من الدولة المستبدة والهيمنة الغربية، ويصبح المسلم جزءا من اضطهاد الدولة للمسيحيين، وتغيب كل الحقائق، لأن ساعة الغضب ليست ساعة تفكير، بل هي ساعة تنحي التفكير جانبا.
وعندما يتمادى النظام في استبداده ويفرض حالة من السيطرة الكاملة على المجال السياسي والمجال الإعلامي، ويخضع المجتمع للسيطرة الكاملة على كل مقدراته، ينفجر الغضب داخل المجتمع نفسه، وتتحول كل الصراعات، ومنها الصراع مع النظام السياسي نفسه، إلى صراعات بين فئات المجتمع، فيأتي النزاع الديني ليكون المصرف الذي تتجه له طاقات الغضب المكبوت بفعل الاستبداد السياسي.
وعندما يتفرغ النظام السياسي لمحاربة الحركة الإسلامية، ويعمل على إقصاء الحركة الإسلامية من المجال السياسي بالكامل، بل ويحاربها في كل نشاط ومجال، فإن المجتمع يخضع لحالة كبت لتياراته واتجاهاته الفاعلة، ومن حالة الحرمان السياسي، تتشكل طاقة مهدرة ومكبوتة، ويصبح التشدد هو العنوان الأبرز. فكلما واجهت الدولة الحركات الإسلامية المعتدلة ومنعتها من العمل السياسي، أصبح الصوت المتشدد هو الأكثر تأثيرا، لأنه يبدو الأكثر مناسبة لعنف السلطة. ويصبح العنف هو اللغة المشتركة، بين نظام يستخدم أدوات الدولة المسلحة في وجه الحركات الإسلامية السلمية، وجماهير يخرج منها أفراد غاضبون، يبادلون عنف الدولة بعنف مماثل. وعندما تصبح الدولة برموزها وراء الأسوار الآمنة، يتجه العنف إلى الشارع، وفي الشارع يحدث الانقسام، إما عرقيا أو طائفيا أو مذهبيا، ومع الانقسام تبدأ دور العنف في الدوران، ويتحول الشارع إلى ساحة لتفجير العنف في وجه كبش فداء، يتحمل العنف نيابة عن النخبة الحاكمة، ونيابة عن الدولة أيضا.
وربما تدرك الدولة ونخبتها أن العنف يستهدفها ضمنا، ويستهدف أسس النظام السياسي، وتبقى الدولة بعيدة عن مسار العنف، ولا تريد أن تكون طرفا فيه، فتترك العنف متبادلا بعيدا عنها، حتى تبقى وكأنها طرف محايد بين أطراف متصارعة، رغم أن الدولة هي الطرف الأصيل في حالة العنف الديني، لأنها السبب، والعنف هو النتيجة.
وعندما تغلق السلطة الأبواب أمام المعارضة بكل أطيافها، وتحارب كل المعارضين لها، وليس فقط التيار الإسلامي، ولا تقيم وزنا إلا للكنيسة وتعتبرها ممثلة للأقباط، وتصبح الكنيسة هي القوى الفاعلة الوحيدة على الساحة، والتي تتحالف مع الدولة، وتحتفظ بقدر واضح من الاستقلال عن الدولة، وتصبح الكنيسة هي القوة التي يمكن أن تحتج في وجه الدولة، ويمكنها تحقيق مطالب لها، بهذا تصبح الجماعة القبطية هي الفئة الأقرب للسلطة، والمتحالفة مع السلطة ضد التيار الإسلامي، مما يجعل الهجوم على الأقباط هجوما على حليف الدولة، أي يصبح هجوما على الدولة، ولكن على الطرف الضعيف في تحالف الحكم.
والجماعة المسيحية لا ترى أنها فئة مميزة، بل ترى أنها فئة مضطهدة، لذا فإن ما يراه طرف لا يراه طرف آخر، وعندما تغيب الحقيقة نعرف أن المجتمع لم يعد له وعي جمعي واحد، وإذا تفرق الوعي تفرقت التصورات، واختلف المصير. فما يراه المسيحي يحقق مصلحته، لا يرى المسلم أنه يحقق مصلحته، وكأننا بصدد تعارض المصالح. وإذا تعارضت المصالح بين فئات المجتمع، انتهت عمليا وحدته الوطنية.
لقد أخلت الدولة بدورها ومسئولياتها الاجتماعية والسياسية، ولم تعد الحاضنة المعبرة عن الهوية السائدة في المجتمع، وتعاملت بصورة غير متزنة مع قضايا المجتمع، وأصبحت تعادي قطاع من المجتمع، خاصة التيار الإسلامي، وتحاول أن تكون الحامي الوحيد لقطاع آخر في المجتمع، وهو الجماعة المسيحية، بما أخل بتوازنات المجتمع، وأفقده قدرته على تحقيق توازنه الداخلي. وقد أضعفت الدولة المجتمع حتى تسيطر عليه، وبعدما ضعف المجتمع، أصبح غير قادر على تحقيق وصيانة وحدته، ولا الدولة أصبحت قادرة على القيام بهذا الدور.
جاءت أحداث الإسكندرية لتؤكد أننا في مرحلة ما بعد الخطر، وأن مصر قد دخلت منطقة الزلازل الطائفية، وأصبحت عرضة للتفكك ولو المؤقت، وأن المجتمع المصري الذي كان نموذجا متفردا للتعايش، قد أصبح يعاني من مرض عضال، وهو مرض التفكك والنزاع الديني، وأن السنوات القادمة قد تحمل ما هو أسوأ. ومهما كشفت التحقيقات عن دور خارجي، أو معاونة خارجية، أو علاقة مع جماعة من جماعات القاعدة، فما حدث ليس نتاجا لعوامل خارجية، ولكنه حالة احتقان محلية الصنع، قد تتدخل فيها أطراف خارجية أحيانا، ولكنها لا تصنعها. فما حدث هو تعبير عن حال المجتمع والدولة في مصر، وهو علامة على انهيار كل منهما، المجتمع والدولة.


No comments:

Post a Comment