بقلم: تميم البرغوثى
19 يوليو 2011
عدو الثورة المصرية الأول هو الولايات المتحدة لا غير، لأنها تعلم أنها كانت تحكم مصر حكما مطلقا عبر حسنى مبارك، الذى لم يكن إلا واليا أمريكيا على مصر، وما أعطاه للأمريكيين من امتيازات فى البلاد يشبه الامتيازات التى كانت للانجليز فيها أيام الاحتلال، بدءا من الاتفاقات الحاكمة للمرور فى قناة السويس، إلى الشروط المجحفة بمصر فى عقود النفط والغاز، إلى المشاركة فى حروب الولايات المتحدة ضد العراق فى التسعينيات، إلى التعاون المطلق معها فى ما يسمى الحرب على الإرهاب، إلى حلفه السياسى والاقتصادى والعسكرى مع إسرائيل لا سيما فى حرب غزة الأخيرة.وقد علمت الولايات المتحدة أن الديمقراطية فى مصر، تعنى استقلال مصر عنها، وإن خسرت الولايات المتحدة مصر، فستخسر الشرق الأوسط، وإن خسرت الشرق الأوسط فستخسر العالم، ولن تكون القوة العظمى الوحيدة بعد.
●●●
لذلك فلا يستهينن أحد باستماتة الولايات المتحدة فى محاولاتها إبقاء سيطرتها على مصر، إنها تدافع عن موقعها كقوة عظمى لا أقل، وفى هذا المقال القصير سأبين بعض ملامح الخطة الأمريكية للإبقاء على احتلالها للبلاد.
الخطوة الأولى فى هذه الخطة إقليمية، وهى حصار مصر بقوى صديقة للولايات المتحدة قادرة على ممارسة الضغط على أية حكومة ثورية منتخبة فى البلاد.
لقد تدخلت الولايات المتحدة عسكريا فى ليبيا التى تحولت ثورتها إلى حرب أهلية. والنظام الذى سيخلف القذافى فيها سيضطر لدفع ثمن المساعدة الغربية، وهذا الثمن سيشمل حضورا استخباراتيا وربما قواعد عسكرية. وفى الجنوب انفصل جنوب السودان ورفع الجنوبيون أعلام إسرائيل فيه احتفالا، وبالرغم من محاولة مصر احتواء الخطر بمد يد الصداقة إليهم فإنه من الواضح أن الجنوبيين سيختارون أيادى أخرى أمريكية وإسرائيلية، أكثر مالا وشعبية بينهم. وفى الشرق تنمو خصومة مستترة مع المملكة العربية السعودية، وبوادر حرب أهلية فى بر الشام ويزداد تسليح الولايات المتحدة لإسرائيل كما ونوعا. باختصار إن مصر تحاصر من الشرق والغرب والجنوب، ولو أمكن للولايات المتحدة أن تجند سمك البحر ضد مصر لفعلت، لتنشغل البلاد بالدفاع عن نفسها بدلا من تهديد النفوذ الأمريكى فى المنطقة.
●●●
أما الخطوة الثانية فى خطة الاحتواء الأمريكية هذه، هو أن تخرب الثورة المصرية من الداخل، وقد سبق وأن قلت إن عشرين مليونامن الناس مجتمعين فى الميادين لا تقدر قوة على وجه الأرض أن تغلبهم. لكن إذا تفرقوا أمكن أن يحكمهم أمثال حسنى مبارك وقادته وأعوانه.
كثيرا ما تطلق الإشاعات عن لؤم أمريكى خفى وراء الثورة، لكن اللؤم ظاهر معلن غير خافٍ، ولا يحتاج إلى عبقرية لكشفه: هى ذات الخطة القديمة، فرِّق تَسُد، فمن يعمل على تفريق الناس إنما يخدم الولايات المتحدة عَلِمَ بذلك أم لم يعلَمْ. وقد تعبت أصواتنا ونحن ندعو الإسلاميين والعلمانيين للتوحد ضد آلة القمع الممثلة فى وزارة الداخلية، والتى هى فى الأساس قوة احتلال أمريكية لمصر، وتفكيكها هو الضمانة الأولى للديمقراطية والحصانة الأوثق ضد أى انقلاب قمعي. لقد دأبت الولايات المتحدة عندما يسقط الطغاة التابعون لها أو يوشكون على السقوط على مساندة انقلابات ضدهم تمتص الغضب الشعبى فى الأيام الأولى ثم تستخدم آلة القمع ضد القوى السياسية كلها واحدة بعد الأخرى فى السنة التالية، وهناك أمثلة كثيرة من تشيلى حتى الجزائر، وقد كتبت مقالا أحذر فيه من هذا يوم الثلاثين من يناير ولكنه لم ينشر. وواهم من ظن أنه يستطيع التحالف مع قوى القمع هذه، أو أنها ستتركه ليخوض انتخابات ثم ينجح فيها ليفككها على مهله وهو فى الحكم. من السذاجة أن نظن أن بقايا الحزب الوطنى والأجهزة الأمنية وغيرها من أركان النظام السابق ستغفو على سلاحها لتنتظر حكومة مدنية منتخبة تفككها وتنزع سلاحها وتحاكمها. طبعا قد تسكت آلة القمع هذه عن القوى السياسية التى تعدها بأنها لن تفككها، فى هذه الحالة تفقد الثورة معناها، وتكون الحكومات المنتخبة واجهة لنظام قمعى مسلح لا تستطيع تغييره، وهذا تزوير لإرادة الناس. لذلك فأنا أكاد أجزم أنه بدون تفكيك آلة القمع فلا انتخابات إلا وستزور ولا دستور إلا وسينتهك وستظل مصر دولة تحتلها الولايات المتحدة بالسلاح وإن لبست أقنعة جديدة.
وقد وقع فى فخ الانقسام هذا كثير من القوى السياسية فى البلاد، فذهبوا إلى حكام البلاد الحاليين ومن ورائهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية يعطيهم الضمانات، فالبعض دخل فى حوار مع واشنطن والبعض الآخر اقترح أن تكون مصر ديكتاتورية عسكرية كتركيا فى الثمانينيات مغيرا عقيدة الجيش من الدفاع عن البلد إلى الدفاع عن مدنية الدولة.ولم يهرع أى من الطرفين للولايات المتحدة حبا فيها بل بغضا فى صاحبه وخوفا منه، يخاف كل منهما أن يخونه صاحبه، فيريد أن يخون هو أولا، فتظل الولايات المتحدة ووكلاؤها من أهل القمع المسلح فى البلاد مرتاحة تختار، تهدد هذا بذاك وتحصل على التنازلات من الطرفين.
●●●
لقد حاولنا فى الأسابيع الماضية إيصال وجهة النظر هذه إلى شتى الاتجاهات السياسية، ندعوهم للوحدة الوطنية حول مطلب تغيير وزارة الداخلية وقوى الأمن بحيث تصبح عاجزة عن القمع، لأن هذا فى مصلحة الكل إسلاميين وعلمانيين، وقد أبدى معظم من قابلنا قبولهم بالمبدأ وظهر أن الوحدة وطنية ممكنة، وشارك الجميع فى جمعة الثامن من يوليو، ثم ما مضى الأسبوع إلا والانقسام على أشده مرة أخرى. وأنا أتفهم قلق الطرفين، وأحساس أحدهما بالظلم والتجنى وبسرقة أعداده واستغلالها لغير ما تريد وإحساس الطرف الآخر بالخذلان مرة بعد مرة، وأتفهم شك كل واحد منهما فى صاحبه، ولكن الخطر المحدق بهما أكبر مما يختلفان فيه.واختلافهم يضعفهم، لا أمام الناس وحدهم، بل أمام من يفاوضونه من قوى الداخل والخارج. والمصيبة أن الكل يفاوض عدوه ولا يفاوض أخاه، ولا يبدو أن أحدهم مستعد للثقة فى أخيه، وأسوأ من ذلك، لا يبدو أن أحدهم مستعد لأن يثق فى قدرة الشعب المصرى أن يفرض إرادته على قامعيه وأعدائه بلا مفاوضات سواء كانوا فى وزارة الداخلية فى القاهرة أو البيت الأبيض فى واشنطن. إن لم نتشدد بعد ثورة نزل فيها الملايين إلى الشوارع فمتى نتشدد بالله عليكم؟!
لذلك فنحن نتوجه بهذا النداء إلى عموم المصريين، متجاوزين مرشحى الرئاسة والأحزاب والجماعات كافة، وهو مرة أخرى نداء للوحدة الوطنية ضد آلة القمع، وهو الضمانة الوحيدة للاستقلال والديمقراطية الحقيقية، ليثق الأعزل بالأعزل، فقد رأى العالم كله كيف أن ثورة العزل فى مصر انتصرت على كل سلاح على وجه الأرض، والسلاح أمريكى الصنع، وكل ما كان أمريكى الصنع فهو أمريكى الهوى.
●●●
لذلك فلا يستهينن أحد باستماتة الولايات المتحدة فى محاولاتها إبقاء سيطرتها على مصر، إنها تدافع عن موقعها كقوة عظمى لا أقل، وفى هذا المقال القصير سأبين بعض ملامح الخطة الأمريكية للإبقاء على احتلالها للبلاد.
الخطوة الأولى فى هذه الخطة إقليمية، وهى حصار مصر بقوى صديقة للولايات المتحدة قادرة على ممارسة الضغط على أية حكومة ثورية منتخبة فى البلاد.
لقد تدخلت الولايات المتحدة عسكريا فى ليبيا التى تحولت ثورتها إلى حرب أهلية. والنظام الذى سيخلف القذافى فيها سيضطر لدفع ثمن المساعدة الغربية، وهذا الثمن سيشمل حضورا استخباراتيا وربما قواعد عسكرية. وفى الجنوب انفصل جنوب السودان ورفع الجنوبيون أعلام إسرائيل فيه احتفالا، وبالرغم من محاولة مصر احتواء الخطر بمد يد الصداقة إليهم فإنه من الواضح أن الجنوبيين سيختارون أيادى أخرى أمريكية وإسرائيلية، أكثر مالا وشعبية بينهم. وفى الشرق تنمو خصومة مستترة مع المملكة العربية السعودية، وبوادر حرب أهلية فى بر الشام ويزداد تسليح الولايات المتحدة لإسرائيل كما ونوعا. باختصار إن مصر تحاصر من الشرق والغرب والجنوب، ولو أمكن للولايات المتحدة أن تجند سمك البحر ضد مصر لفعلت، لتنشغل البلاد بالدفاع عن نفسها بدلا من تهديد النفوذ الأمريكى فى المنطقة.
●●●
أما الخطوة الثانية فى خطة الاحتواء الأمريكية هذه، هو أن تخرب الثورة المصرية من الداخل، وقد سبق وأن قلت إن عشرين مليونامن الناس مجتمعين فى الميادين لا تقدر قوة على وجه الأرض أن تغلبهم. لكن إذا تفرقوا أمكن أن يحكمهم أمثال حسنى مبارك وقادته وأعوانه.
كثيرا ما تطلق الإشاعات عن لؤم أمريكى خفى وراء الثورة، لكن اللؤم ظاهر معلن غير خافٍ، ولا يحتاج إلى عبقرية لكشفه: هى ذات الخطة القديمة، فرِّق تَسُد، فمن يعمل على تفريق الناس إنما يخدم الولايات المتحدة عَلِمَ بذلك أم لم يعلَمْ. وقد تعبت أصواتنا ونحن ندعو الإسلاميين والعلمانيين للتوحد ضد آلة القمع الممثلة فى وزارة الداخلية، والتى هى فى الأساس قوة احتلال أمريكية لمصر، وتفكيكها هو الضمانة الأولى للديمقراطية والحصانة الأوثق ضد أى انقلاب قمعي. لقد دأبت الولايات المتحدة عندما يسقط الطغاة التابعون لها أو يوشكون على السقوط على مساندة انقلابات ضدهم تمتص الغضب الشعبى فى الأيام الأولى ثم تستخدم آلة القمع ضد القوى السياسية كلها واحدة بعد الأخرى فى السنة التالية، وهناك أمثلة كثيرة من تشيلى حتى الجزائر، وقد كتبت مقالا أحذر فيه من هذا يوم الثلاثين من يناير ولكنه لم ينشر. وواهم من ظن أنه يستطيع التحالف مع قوى القمع هذه، أو أنها ستتركه ليخوض انتخابات ثم ينجح فيها ليفككها على مهله وهو فى الحكم. من السذاجة أن نظن أن بقايا الحزب الوطنى والأجهزة الأمنية وغيرها من أركان النظام السابق ستغفو على سلاحها لتنتظر حكومة مدنية منتخبة تفككها وتنزع سلاحها وتحاكمها. طبعا قد تسكت آلة القمع هذه عن القوى السياسية التى تعدها بأنها لن تفككها، فى هذه الحالة تفقد الثورة معناها، وتكون الحكومات المنتخبة واجهة لنظام قمعى مسلح لا تستطيع تغييره، وهذا تزوير لإرادة الناس. لذلك فأنا أكاد أجزم أنه بدون تفكيك آلة القمع فلا انتخابات إلا وستزور ولا دستور إلا وسينتهك وستظل مصر دولة تحتلها الولايات المتحدة بالسلاح وإن لبست أقنعة جديدة.
وقد وقع فى فخ الانقسام هذا كثير من القوى السياسية فى البلاد، فذهبوا إلى حكام البلاد الحاليين ومن ورائهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية يعطيهم الضمانات، فالبعض دخل فى حوار مع واشنطن والبعض الآخر اقترح أن تكون مصر ديكتاتورية عسكرية كتركيا فى الثمانينيات مغيرا عقيدة الجيش من الدفاع عن البلد إلى الدفاع عن مدنية الدولة.ولم يهرع أى من الطرفين للولايات المتحدة حبا فيها بل بغضا فى صاحبه وخوفا منه، يخاف كل منهما أن يخونه صاحبه، فيريد أن يخون هو أولا، فتظل الولايات المتحدة ووكلاؤها من أهل القمع المسلح فى البلاد مرتاحة تختار، تهدد هذا بذاك وتحصل على التنازلات من الطرفين.
●●●
لقد حاولنا فى الأسابيع الماضية إيصال وجهة النظر هذه إلى شتى الاتجاهات السياسية، ندعوهم للوحدة الوطنية حول مطلب تغيير وزارة الداخلية وقوى الأمن بحيث تصبح عاجزة عن القمع، لأن هذا فى مصلحة الكل إسلاميين وعلمانيين، وقد أبدى معظم من قابلنا قبولهم بالمبدأ وظهر أن الوحدة وطنية ممكنة، وشارك الجميع فى جمعة الثامن من يوليو، ثم ما مضى الأسبوع إلا والانقسام على أشده مرة أخرى. وأنا أتفهم قلق الطرفين، وأحساس أحدهما بالظلم والتجنى وبسرقة أعداده واستغلالها لغير ما تريد وإحساس الطرف الآخر بالخذلان مرة بعد مرة، وأتفهم شك كل واحد منهما فى صاحبه، ولكن الخطر المحدق بهما أكبر مما يختلفان فيه.واختلافهم يضعفهم، لا أمام الناس وحدهم، بل أمام من يفاوضونه من قوى الداخل والخارج. والمصيبة أن الكل يفاوض عدوه ولا يفاوض أخاه، ولا يبدو أن أحدهم مستعد للثقة فى أخيه، وأسوأ من ذلك، لا يبدو أن أحدهم مستعد لأن يثق فى قدرة الشعب المصرى أن يفرض إرادته على قامعيه وأعدائه بلا مفاوضات سواء كانوا فى وزارة الداخلية فى القاهرة أو البيت الأبيض فى واشنطن. إن لم نتشدد بعد ثورة نزل فيها الملايين إلى الشوارع فمتى نتشدد بالله عليكم؟!
لذلك فنحن نتوجه بهذا النداء إلى عموم المصريين، متجاوزين مرشحى الرئاسة والأحزاب والجماعات كافة، وهو مرة أخرى نداء للوحدة الوطنية ضد آلة القمع، وهو الضمانة الوحيدة للاستقلال والديمقراطية الحقيقية، ليثق الأعزل بالأعزل، فقد رأى العالم كله كيف أن ثورة العزل فى مصر انتصرت على كل سلاح على وجه الأرض، والسلاح أمريكى الصنع، وكل ما كان أمريكى الصنع فهو أمريكى الهوى.
No comments:
Post a Comment