Sunday, July 10, 2011

تطهير منقوص - فهمي هويدي

9 يوليو 2011



  وزارة الداخلية مشغولة هذه الأيام بإعداد ما وصف بأنه «حركة تطهير» يفترض أن تؤدي إلى استبعاد 270 لواء شرطة، بينهم أولئك الذين اتهموا بالاشتراك في قتل الثوار (الشروق 8/7). وهي خطوة مهمة وإن كانت غير كافية، خصوصا أننا لم نفهم لماذا تأخرت مدة خمسة أشهر بعد الثورة.


مع ذلك، فإنها تعد قرارا شجاعا يحسب للوزير الحالي اللواء منصور العيسوي، الذي نعرف أنه منذ تسلم منصبه يعمل جاهدا على علاج ذلك الملف الشائك والحساس، وإن بدرجة ملحوظة من الحذر، ربما لكي لا يفلت الزمام من بين يديه.


معلوماتي أن خطواته الحذرة تلك كانت موضع مناقشة مع بعض أعضاء المجلس العسكري ممن أدركوا أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الحسم والحزم.

 

وفي ضوء الآراء التي عبر عنها الوزير في لقاء عقد قبل عدة أسابيع تمت الموافقة على تنحية وإبعاد بعض القيادات الأمنية، كما أجريت بعض التغييرات في مواقع البعض الآخر،

 

 لكن التطورات الأخيرة أثبتت أن ما اتخذ من إجراءات لم يكن كافيا، وأن دائرة الحسم والحزم ينبغي أن تتسع لتشمل شرائح أخرى. خصوصا بعدما تبين أن الثغرات الحاصلة في الساحة الأمنية تشير إلى أن ثمة شيئا ما في جهاز الشرطة ينبغي أن يعالج، وأن الأصابع الخفية لا تزال تلعب دورها في إشاعة القلق الراهن.

 

صحيح أن ثمة كلاما ينبغي أن يقال عن البلطجية وعن سلوك الجمهور الذي ازداد جرأة تحت وطأة معاناته وعن الفراغ الذي تطالب الشرطة بملئه، لكن ذلك لا ينفي أن ثمة اعوجاجا في وزارة الداخلية ينبغي أن يقوَّم، وأن الثغرة القائمة في الجهاز يجب أن تسد.

ليس فقط لحساسية وأهمية دور الداخلية، ولكن أيضا لأنها كيان معلوم الأركان ومحدد المعالم، بعكس عالم البلطجية أو سلوكيات الناس أو حالة الفراغ المشهود في المجال العام، إذ هذه كلها دوائر واسعة لا حدود واضحة لها. نعرف أنها موجودة لكن ليس في الميسور حصر مكوناتها أو التعرف على شخوصها.


لست مع تعميم الاتهام أو تجريح جهاز الشرطة في مجمله، رغم اقتناعي بأن الممارسات السلبية المنسوبة إلى الجهاز هي أكثر ما أساء إليه وشوَّه صورته.

لكنني أزعم أن مشكلتنا مع الداخلية تكمن في ثلاثة عوامل.

 

الأول في السياسات التي تعطى الأولوية للحل الأمني وتعول عليه في التعاطي مع مختلف الملفات.

العامل الثاني يتمثل في القيادات الأمنية القابضة على الزمام التي ارتبط ولاؤها ومصالحها بالنظام السابق وتراودها الرغبة في «تأديب» الجماهير التي تجرأت على الشرطة ومقارها.

أما العامل الثالث فهو يكمن في الثقافة السائدة في أوساط الشرطة التي تشكلت وترسخت طوال سنوات «الطوارئ»، وهي التي لا تقيم وزنا لا للقانون ولا لكرامات الناس وحرماتهم، وتعتبر أن الإطاحة بكل ذلك وازدراءه أمر طبيعي لا غضاضة فيه ولا حساب عليه.


العامل الأول المتمثل في التعويل على الحل الأمني وتجاهل الحل السياسي يعد جريرة النظام السياسي، في حين أن الداخلية ضحية لها، من حيث إنها تحال إليها ملفات هي من اختصاص أهل السياسة والجهاز الإداري بالدرجة الأولى

 

. والعامل الثالث المتعلق بالثقافة السائدة في أوساط الشرطة لا يعالج بقرار وإنما يلعب عنصر الوقت دورا مهما في تغيير تلك الثقافة، إذا ما التزمت وزارة الداخلية باحترام المواطن والقانون.


يبقى العنصر الثاني المتمثل في القيادات القابعة في وزارة الداخلية التي تسير الأمور فيها، وهذه نقطة الضعف التي دعتني إلى القول في الأسطر الأولى أن استبعاد ذلك العدد من اللواءات سواء من الخدمة أو بنقلهم إلى مواقع أخرى خطوة مهمة ولكنها ليست كافية،

 

ذلك أن ثمة علامات استفهام كبيرة حول وضع أعضاء المجلس الأعلى للشرطة، الذين ترقوا وجرى المد لهم بعد بلوغهم سن الستين في عهد الوزير الأسبق حبيب العادلي.

 

هؤلاء المساعدون والمساعدون الأول (عددهم يتراوح بين 17 و25 لواء) هم الذين يتحكمون في مفاصل الوزارة وأعصابها الحساسة. وثمة لغط كبير حول ارتباطاتهم والمبالغ المالية الهائلة التي يتقاضونها (قيل لي إن أحدهم يتقاضى مكافآت بقيمة 80 ألف جنيه كل أسبوع).

ومن المفارقات أن أحد أولئك المساعدين عين عضوا في مجلس إدارة الجهاز الجديد الذي تشكل لرعاية مصابي الثورة.

إذا صحت المعلومات التي تتردد عن أعضاء المجلس الأعلى للشرطة وما يشاع عن أنه مجلس حبيب العادلي وليس مجلس زمن ما بعد الثورة، فهي تعني أن العوج في وزارة الداخلية لا يزال بحاجة إلى تقويم، وأن خطوة «التطهير» التي تعد الآن بحاجة إلى خطوات أخرى لا تقل أهمية.

No comments:

Post a Comment