Sunday, July 24, 2011

البلد على كف عفريت

محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com



لن تتقدم الثورة بأي حال من الأحوال الا بعد تشكيل حكومة منتخبة ، أى حكومة معينة من مجلس شعب منتخب .

حينها فقط سيكون لدينا حكومة لها شرعية ملزمة للجميع

تستطيع ان تتخذ قرارات شجاعة بدون ان يهددها كل عابر سبيل بالإسقاط .

وبدون أن تكون ضعيفة أمام ضغوط المجلس العسكري أو الضغوط الخارجية .

وبدون أن تكون مخترقة من النظام الساقط .

وبدون أن نشك فى انها جزء منه .

وبدون ان ترتعش أياديها فى مواجهة الثورة المضادة

فحكومة احضرها الشعب لن تقيم وزنا الا له .

أى حكومة غير تلك ، لن تنجح في الظروف الحالية ، حتى لو كان على رأسها خيرة الرجال وأعلم العلماء .

* * *

والحديث على أن حكومة شرف او غيرها تكتسب شرعيتها الثورية من التحرير ، وأن على التحرير أن يرضى أولا عن أى خطوة أو وزارة أو وزير ، هو حديث مجازى ، يمكن أن نقبله فى خطب التعبئة الثورية ، أو كمؤشر مهم لتقييم وقياس توجهات الرأى العام السياسى .

ولكننا عندما نشرع فى بناء نظامنا الجديد فالمرجعية الشرعية الوحيدة هى موقف غالبية المصريين الذى يعبرون عنه فى صناديق الانتخابات .

وذلك لأسباب بديهية كلنا يعلمها منها :

ان مصر الثورة ليست التحرير فقط

كما ان شعب مصر لا تقتصر مطالبه وهمومه على ما يجرى فى التحرير

و التحرير نفسه ليس كيانا واحدا بقيادة واحدة بتوجه واحد

بل ان هناك تناقضات صارخة وصراعات حادة بين جماعات وقوى كلها محسوبة على ميدان التحرير

* * *

أما صناديق الانتخاب فهي الآلية الأقدر على التعبير عن إرادة غالبية الناس في مصر .

سواء رضينا عن نتائجها أم لم نرضى ، فرضانا ليس هو معيار الشرعية ، وانما معيارها فى رضا غالبية الشعب مجسدة فى تصويت نزيه .

كما أن الحكومة المنتخبة هي أيضا حكومة تستند الى شرعية  ثورية ولكنها شرعية منظمة يمكن قياسها والاحتكام اليها بدون التشكيك فيها .

* * *

وستتوطد هذه الشرعية و تقوى بالطبع بعد تعيين رئيس جمهورية ينتخبه الناس

وقتها ستتراجع كل حكومات الظل القائمة الآن ، وكل الرؤساء الكثر المنتشرين في ربوع المحروسة سواء المرشحين منهم بالفعل لمنصب الرئيس أو أولئك الذين يضعون أنفسهم في مقام الرؤساء والزعماء .

* * *

أما فى اللحظة الراهنة فيستطيع أى شخص أو جماعة ، ان يطرح ويفعل ما يريد بلا تعقيب ولا تمحيص .

و أن ينجح فى تفجير أزمة حقيقية أو زائفة .

ولا يشترط أن يكون الأكثر تأثيرا هو الأكثر ثورية .

ولكنه عادة ما يكون الأكثر ضجيجا

أنه مولد وصاحبه غايب

والبلد على كف عفريت

و يا ليته عفريت واحد .

* * *

دعونا نجرى الانتخابات البرلمانية فى أسرع وقت ممكن ونشكل حكومة الثورة الأولى

ومن خلالها نستكمل كل القضايا المعلقة

وندير كل المسائل الخلافية

ليس بهدف تطبيق خريطة الطريق التي رسمها الاستفتاء

ولكن لأنها الطريقة الوحيدة الممكنة الآن لتشكيل مرجعية شرعية مركزية يحتكم اليها الجميع فى كل شئوننا ،  بدون التشكيك فيها .

* * *

ان هذه الحكومة المنتخبة ستنجز ما عجزت عنه الحكومة الانتقالية أيا كانت أسباب هذا العجز :

سواء كان بسبب اختراقها من النظام السابق أو بسبب تعدد مراكز السلطة واتخاذ القرار أو بسبب عدم اجماع الناس على شرعيتها . . .الخ

و الحكومة المنتخبة ستنجح فى تقديم مبارك للمحاكمة لأنها لم تكن طرفا فى اى صفقة تمت مع الأمريكان قبل التنحي بعدم إهانة الرجل .

وستنجح في تقديم  قتلة الشهداء للمحاكمة ، لأنها ستتمكن من السيطرة على وزارة الداخلية التى ستختار وزيرها الجديد بنفسها ، وستعتمد ميزانيتها بنفسها .

وستنجح في تتبع كل من سرق مصر ونهبها من رجال الأعمال وعناصر النظام ، لأن لن تكون هناك سلطة فوقها تضع خطوطا حمراء على هذا الملف او ذاك .

فتتمكن من فتح كل الملفات التي لم تحسم بعد والتي أؤكد لكم انها لن تحسم أبدا فى المرحلة الانتقالية .

كما ستتمكن اى حكومة منتخبة من تنظيم وإدارة الحوار بين كافة الأطياف حول القضايا المعلقة مثل الدستور ، واحلال وتجديد منظومة التشريعات والقوانين المصرية وغيرها ، على نحو أفضل ألف مرة من مئات الحوارات الدائرة الآن .

* * *

ولا يجب ان يخشى أى طرف من خطر الإقصاء او الاستئثار بالسلطة ، فلم يعد هذا ممكنا الآن بعد كل هذا الحراك الشعبى المستقل المتربص المتلكك المراقب لكل صغيرة وكبيرة .

فلدينا آلاف مؤلفة من الجهات الرقابية الشعبية والسياسية ، ربما أكثر من اللازم .

كما أننا يمكن ان نتفق ونتوافق منذ الآن على ضمانات عدم الاقصاء والاستئثار .

* * *

ان الوضع الحالي لو استمر هكذا ، فانه سيكون قابل للتفجير فى أى لحظة بسبب أقل خلاف سياسى ، أو مشكلة طائفية ، أو احتكاك أمنى ، او مناورة حزبية ، أو مؤامرة خارجية أو داخلية

أو انقلاب عسكرى . ولا مخرج إلا بالتعجيل بتشكيل برلمان منتخب شعبيا ، يقوم بدوره بتعيين حكومة شرعية ثورية تستكمل مهام المرحلة الانتقالية ، وتؤسس لما بعدها .

* * * * *





            القاهرة 21 يوليو 2011



موضوعات مرتبطة :








No comments:

Post a Comment