Sunday, July 17, 2011

عبد الوهاب المسيري يكتب برنامجه الانتخابي للرئاسة

 الدكتور عبد الوهاب المسيري 

 المسيرى الحاضر بقوة فى الثورة المصرية

فى ندوة بعنوان «المسيرى الغائب الحاضر فى الثورة المصرية»، نظمها موقع «مفكرون»، سأل أحد الشباب: ماذا لو كان الدكتور المسيرى بيننا فى ميدان التحرير وما هو رأيه فيما تمر به مصر الآن؟ وبمجرد أن انطلق هذا السؤال تذكر فضل عمران أحد تلامذة المسيرى، والمشرف على مكتبه حتى الآن، أن الأستاذ الراحل قد حدثه أنه كتب برنامجا انتخابيا عام 2005، ومن ثم استطاع العثور عليه، وها نحن ننفرد فى «الشروق» بنشر هذا المقال المخلص والبديع والذى يكشف عن شفافية عقل هذا الرجل، الذى خسرناه حقا فى هذه الثورة المذهلة.

فى هذا المقال نكتشف بسهولة أننا لم نخسر عبدالوهاب المسيرى، وأنه أكثر حضورا من كثيرين يملؤن الدنيا صخبا من حولنا بهزيل الكلام وبتوافه الأفكار، فهذا الرجل الذى رحل جسده يبدو شديد الحضور والتأثير بأفكاره.. المسيرى يبدو موجودا.. وحاضرا وقويا وثوريا.. لا يتنازل عن الحق ولا يخشى فيه لومة لائم.. ولو كره كل أعداء الثورة.

رئيس التحرير 

الشروق



برنامجى الانتخابـى للرئاسة ... بقلم: د.عبد الوهاب المسيرى

طلبت منى إحدى المجلات ـــ التى يقال لها «قومية» ـــ أن أكتب برنامجى الانتخابى لو انتخبت رئيسا للجمهورية. وقد وجدت أن الفكرة طريفة ومبدعة، فاتصلت ببعض الأصدقاء واستشرتهم فى الموضوع وكتبت هذا البرنامج. مع العلم أننى لا أنوى ترشيح نفسى فى هذه الدورة، حيث إننى أعلنت فى أحد المؤتمرات أننى سأذهب إلى فنزويلا مدة خمس سنوات لآخذ دورة تدريبية فى كيفية التصدى للولايات المتحدة. لأن فنزويلا دولة صغيرة، وتقع على بعد عدة أميال من الوحش الأمريكى الكاسر ومع هذا لها أولوياتها وتوجهاتها التى لا يوافق عليها الوحش، بينما ترتعد فرائص نخبنا العربية الحاكمة منه (انظر كيف امتنعوا عن الذهاب إلى القمة العربية اللاتينية بسبب الضغط الأمريكى، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تخشى أن تفلت بلاد الجنوب من قبضتها!) هل هذا يعود إلى أن جماهير الشعب تقف وراء شافيز، بينما تقف نخبنا الحاكمة عارية أمام الوحش الكاسر؟ وهل هو وحش كاسر بالفعل؟ أم أن موقف شافيز يدل على أنه يمكن تحطيم أسنانه وتقليم أظافره؟ الله أعلم.

وبالمناسبة بعد أن كتبت برنامجى الانتخابى التفصيلى، لم تتصل بى المجلة التى يقال لها «قومية»، وصدر العدد دون إسهامى وإسهام أصدقائى. المهم، فيما يلى البرنامج:

الدولة الديمقراطية الحقيقية لابد أن تكون دولة مؤسسات، بمعنى أنه حتى لو انتخب رئيس الدولة بطريقة صحيحة، لا يزال من الضرورى أن تكون هناك مؤسسات استشارية تحلل له الموقف وتعطيه تقديراتها بخصوص المستقبل. فالدولة الحديثة مركبة إلى أكبر حد ولا يمكن لفرد واحد (مع شلة محيطة به) أن يتخذ قرارا سليما دون مساعدة الخبراء والمتخصصين.

ومن هنا ضرورة أن تكون صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة، وتقيدها المؤسسات والمجالس النيابية المنتخبة. ولعله من المستحسن الابتعاد عن النظام الرئاسى تماما، ليحل محله نظام برلمانى، كما يجب تحديد المرات التى يسمح بها لشخص ما إن يتولى رئاسة الجمهورية بمرتين.

الدولة الديمقراطية الحقة تتوافر فيها الصفات التالية:

ــ الفصل بين السلطات.

ــ سيادة القانون.

ــ إلغاء قانون الطوارئ وكل القوانين السالبة للحريات.

ــ حرية تشكيل الأحزاب.

ــ إطلاق حرية النقابات المهنية والعمالية والنوادى الرياضية.

ــ إطلاق حرية الحركة الطلابية.

ــ إطلاق حرية التظاهر والإضراب السلمى والاجتماع دون قيود، طالما كانت سلمية وغير مسلحة، حتى تظل النخبة الحاكمة على صلة بالجماهير.

ــ على كل كبار الموظفين (بما فى ذلك رئيس الجمهورية) أن يقدموا كشفا بذمتهم المالية عند دخولهم الحكم ثم عند خروجهم منه.

ــ لا مركزية القرار مسألة مهمة، تساعد على أن يكون القرار مرتبطا بالجماهير ومشكلاتها. ومن ثم يجب إعطاء صلاحيات أكبر للمحافظين، كما يجب أن تكون كل المناصب القيادية بالانتخاب.

ــ لابد من إطلاق حرية تكوين الجمعيات الأهلية التى تسمى الآن جمعيات المجتمع المدنى (غير الحكومية)، على أن يكون تمويلها من الداخل، حتى تكون أهلية بالفعل. ولعل إعادة مؤسسة الوقف التى تم إلغاؤها فى أوائل الخمسينيات قد يساعد على حل مشكلة التمويل.

ــ سأؤكد أن العدو الاستراتيجى لمصر على وجه الخصوص، وللعرب والمسلمين على وجه العموم، هو الدولة الصهيونية وأن التوجه العام لمصر لتستعيد مكانتها التى فقدتها ولتحقق استقلالها واكتفاءها الذاتى هو أن تتوجه شرقا وجنوبا، ابتداء بالعالم العربى ثم العالم الإسلامى وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، مع عدم استبعاد إمكانية توثيق العلاقة مع بعض الدول الأوروبية، خاصة فرنسا وألمانيا وإسبانيا. وفى عصر التكتلات الاقتصادية الكبرى (الولايات المتحدة ــ الاتحاد الأوروبى- الصين... إلخ) يصبح شكل من أشكال الوحدة العربية أمرا حتميا.

من المسائل التى يجب أن أحددها هى علاقة الدين بالدولة، وسأطرح تصورا بأن القاعدة الأخلاقية المشتركة بين الإسلام والمسيحية تصلح كإطار لتوليد عقد اجتماعى جديد، وبذلك يمكن أن يكون الإسلام هو المرجعية النهائية للمجتمع، فهو إطار حضارى للمسلمين والمسيحيين، وهو إطار دينى بالنسبة للمسلمين، لا يستبعد الآخر طالما أنه ربط مصيره بمصير هذه الأمة، وطالما أنه يقبل القاعدة الأخلاقية المشتركة.

التوجه العام على مستوى الداخل سيؤكد العدالة الاجتماعية ومعالجة الفجوة الهائلة بين قلة من الأغنياء والأغلبية الساحقة من الشعب. كما يجب أن تضمن الدولة حدا أدنى من الضمان الاجتماعى والرعاية الصحية لكل المواطنين. وتأكيد أهمية القطاع العام مع الاعتراف بأهمية القطاع الخاص وما يسمى بالرأسمالية الوطنية. وإصلاح الخلل فى البنية الاقتصادية وإعادة معدلات التنمية إلى ما كانت عليه، ومن ثم يمكن حل مشكلة البطالة.

من القضايا الأساسية التى سأثيرها وأحارب ضدها هى قضية النزعة الاستهلاكية الشرسة التى أمسكت بتلابيب المجتمع المصرى. ويمكن الحرب ضدها داخل إطار قانونى من خلال إصدار تشريعات مثل حظر نشر الإعلانات المضللة وضرورة أن يحتوى الإعلان على المعلومات الحقيقية. كما يمكن أن تفرض الضرائب على السلع الاستهلاكية وعلى مظاهر الاستهلاك السفيه مثل حفلات الزواج وأعياد الميلاد. كما يمكن للإعلام أن يوعى الناس بالعواقب الوخيمة لتصاعد معدلات الاستهلاك وربط المكانة الاجتماعية والتقدم بالاستهلاك.

ضمان نزاهة الانتخابات وعدالتها من خلال آليات معروفة، مثل إشراف السلطة القضائية ومندوبى الأحزاب، وتحديد المبالغ التى يمكن للمرشح إنفاقها على حملته الانتخابية.

استقلال المؤسسات الإعلامية (بما فى ذلك الإذاعة والتليفزيون) عن الحكومة، حتى يمكنها أن تقوم بعملية المراقبة، وعلى الإعلام أن يفتح أبوابه لكل من ممثلى الحكومة والمعارضة، خاصة أثناء الانتخابات.

مساءلة كل المؤسسات والأشخاص، على أن تقوم بعملية المساءلة جهات مسئولة مثل البرلمان، تساعده هيئة الرقابة الإدارية والإعلام.

لا بد أن يمنع النظام الجديد تسمية أى مؤسسة (مدرسة أو ميدان عام أو شارع.. إلخ) باسم رئيس جمهورية مصرى على قيد الحياة، ولا أن تعلق صورته فى المؤسسات الحكومية أو فى الأماكن العامة. كما يجب أن يمنع نشر الإعلانات المدفوعة الأجر التى يعلن فيها العاملون فى مؤسسة ما تأييد الرئيس أو الوزير الفلانى أو المحافظ، وإعلانات التعزية لرئيس المصلحة أو وكيل الوزارة لوفاة أحد أقاربه! وتمنع المهرجانات التى تحتفل بمناسبات خاصة مثل عيد ميلاد الرئيس.



No comments:

Post a Comment