Sunday, July 24, 2011

الثورة والمجلس العسكري: المواجهة المؤجلة

 بقلم:ناديه الشربيني

23 يوليو 2011

 [بالرغم من عدم قناعتي بكثير مما ورد في هذا المقال إلا أنني رأيت أنه من الضروري نشره بهدف إثراء الحوار وقناعه مني بأن أصحاب ذلك الرأي هم وطنيون أصحاب رأي مختلف، وتلك هي مصر الجديده التي نسعى جميعا لبنائها. وإن كان رأيي في هذا الأمر منشور في مقالي"لا تجهضوا الثورة"، http://forafreeegypt.blogspot.com/2011/07/blog-post_6668.html  إلا أنني أود أن أؤكد أن القول بأن نظام ما قبل 25 يناير هوإامتداد لثوره يوليو 52 هو قرائه مغلوطه للتاريخ، فإنه وإن سعي حكام مصر منذ 15 مايو 1971 إيهام المصريون بذلك،إلا أنهم كانوا إنقلاب على الثوره الأم، إنقلاب سعى لتدمير كل أمجادها،ولقد صححت ثوره 25 يناير 2011 ذلك الخلل. محمد شريف كامل]

يسقط يسقط حكم العسكر. هناك من قالها بعلو حسه، وهناك من يقولها بخفوت أو بتلميح، وهناك من يتمناها ولا ينطقها، وهناك من يرفضها أملا في الإبقاء على شبه الدولة التي ورثناها عن سلسلة من الحكام العسكريين الذين عبثوا بأمن مصر ومقدراتها حتى وصلت إلى حافة الهاوية مع مشروع توريث فاجر أنقذنا منه - حتى الآن - شباب الثورة الأطهار. السؤال المحوري هنا هل هذه عبارة مصيرية؟ هل لا مناص من إسقاط حكم العسكر؟ لقد قامت ثورة يناير تحديدا احتجاجا على سياسات عصر مبارك التي أوصلت مصر إلى حالة من الهزال السياسي والاقتصادي والاجتماعي لم يعد يجدي معها أي سياسات إصلاحية مزعومة. وقد قامت هذه الثورة وهي على وعي أن هذا النظام ما هو إلا امتداد لحكم عسكري بدأ مع انقلاب 52. وقد أملت الثورة في أن تعود بمصر إلى جادة الطريق وتؤسس لنظام حكم قائم على أسس ديمقراطية، مما يتنافى تماما مع أي شكل عسكري للحكم سواءا أكان الرئيس من المؤسسة العسكرية، أو كان وريثا أو غير وريث مدعوما من المؤسسة العسكرية. إذن إسقاط حكم العسكر أصبح ضرورة لازمة، بل ومصيرية. يأتي سؤال آخر هنا، ما طريقة إسقاط أو إنهاء هذا الحكم؟ لقد اختار الشعب السبيل السلمي لثورته ورضي بقبول المجلس الأعلى للقوات المسلحة راعيا للثورة وعابرا بها إلى بر الديمقراطية. ولم يكن هذا الرضى سوى قبول بأمر واقع لم يكن له فيه كبير اختيار. بل إن اختيار المجلس العسكري لإدارة شؤون البلاد كان أكبر حركة حماية للذات قام بها النظام السابق، وهو في النزع الأخير، مع احتمال العودة بعد تغيير الجلد، الأمر الذي ما كان ليكون ممكنا في عدم وجود المجلس العسكري الذي يرأسه وزير دفاع مبارك لعشرين عاما. وهنا تبدو حقيقة أخرى جلية، عندما تطالب الثورة بمحاكمة رموز النظام السابق وعزلهم سياسيا، تتوجه بطلبها هذا إلى مجلس كان، سواء اعترفنا بذلك أو لم نفعل، جزءا أصيلا من النظام. وهناك نقطة أخرى شائكة لا يحب أحد تناولها وهي أن المؤسسة العسكرية بكاملها هي أيضا جزء من النظام السابق، بشرفائها وأبطالها ومن كان يدعم مبارك ومن لم يكن يدعمه، شأنها شأن أي مؤسسة أخرى. وهي مؤسسة كانت – ولا زالت – تتولى المناصب القيادية المدنية، مما جعلها أصلا مؤسسة سياسية ذات نفوذ وقوة. بل وهي ليست بعيدة عن التحولات السلبية التي طرأت على مكانة مصر الإقليمية والدولية وعلاقاتها مع الدول الأخرى. هذا الملف الشائك الذي من الأفضل أن يظل مغلقا لفترة هو أيضا مصدر قلق للمجلس العسكري الذي يرى أن الثورة أطاحت بكل الأصنام، فما الضمان ألا تطيح بهذا الصنم الأخير عندما تتمكن من السلطة؟



وبمراجعة بسيطة لسياسات وقرارات المجلس العسكري من يوم تنحي مبارك نستطيع إيجاد الإجابة على هذا السؤال المحير: هل دعم المجلس العسكري ثورة لم يشارك فيها ولم يدع إليها وإنما اختار ألا يقف في وجهها عندما صارت قوة غلبت نظاما قمعيا بوليسيا؟ لقد قدم صعود المجلس إلى سدة الحكم حلا وسطا ما بين ثورة تريد أن تجتث ماضيا تعفن وكان يمضي بمصر إلى هاوية وما بين نظام أراد أن يبقى ولو على بحور من دماء. وقبلت الثورة هذا الحل الوسط وتخلت عن أحد مطالبها الأساسية وهو المجلس الرئاسي الذي كان من المفترض أن يحل محل الرئيس المخلوع، وقبلت بالمجلس العسكري أملا في المرور بسلام من المرحلة الحرجة. لكن هل التزم المجلس العسكري نفسه بذات الحيادية تجاه الثورة؟ تعامل العسكر مع الثورة بتكتيكين، أولهما القسوة والبطش بعناصر ثورية بغرض تثبيط الهمم وإنهاء الاعتصامات والمسيرات، والثاني تذويب النخبة الصاعدة من الثورة في مسارات ومجموعات سياسية بغرض تدجينها وخلق حالة سياسية مائعة يضمن معها المجلس تمرير قراراته وقوانينه وفي النهاية أجندته. فقد استخدمت شرطته العنف ضد المعتصمين والمتظاهرين وفي نفس الوقت ارسلت الآلاف إلى محاكم عسكرية في عملية أشبه بالتصفية التي تستخدمها النظم القمعية ضد معارضيها. وحاول المجلس كذلك تمييع الثورة واذابتها داخل المشهد السياسي القديم ففتح قاعات الموتمرات ليجلس الجلاد والضحية على نفس الطاولة، فوجد شباب الثورة أنفسهم يتقاسمون الميكروفونات مع رموز الحزب الوطني.

وما أطلقنا عليه، سابقا وحاليا، تباطؤا وبعد الطبيعة العسكرية عن الثورية لا يدخل إلا في باب تمنية النفس بما هو غير واقعي. فسياسة المجلس العسكري منذ إجبار مبارك على التنحي سارت في اتجاه دعم أركان النظام المتهاوي قدر الإمكان وإنعاشه لإعادته إلى الحياة العامة في حلة جديدة مع إدخال الثورة في متاهات سياسية جدلية كان أبرزها مهزلة الاستفتاء، لكسب وإضاعة الوقت وصولا إلى مرحلة قد يجد فيها رموز ثورة يناير أنفسهم خلف القضبان. وإرهاصات ذلك عديدة ليس آخرها بيان الفنجري الذي استثنى الشرفاء من مشهد التحرير ولن يكون آخرها البيان المحرض على حركة 6 إبريل وهي من أكبر حركات المقاومة الشعبية في عصر مبارك ومن أهم الداعين إلى يوم الغضب. ومن خلال قراءة سريعة نرى أن المجلس يحاول إيجاد توازن بين منهجيه ألا وهما البطش بالثورة وإخماد أنفاسها والثاني إيجاد صيغة مشتركة بين تيارات سياسية جديدة مستعدة لعقد صفقات ومواءمات وبين أصحاب المصالح في النظام القديم.



أخيرا على الثورة أن تدافع عن وجودها بنفس طريقتها السلمية الداعمة لحقوق الإنسان. وعليها أن تعي الأفخاخ الكثيرة المنصوبة لها وأن تدرك أنها لن تكتمل إلا إذا وصلت فعلا وحقا وقولا إلى الحكم. إن مطالبة المجلس العسكري بتحديد صلاحياته هي خطوة هامة، ولو أنه من الصعب تصور قبول المجلس لهذا المطلب، خاصة وأنه قد مر عليه في الحكم ستة أشهر استطاع أثناءها عقد تحالفات ودعم موقفه من نواح عديدة. ولو أنه في النهاية معركة البقاء ستستدعي خيارات أكثر صعوبة نتمنى أن تمر على خير، وألا نجد أنفسنا في النهاية نرزح تحت نظام من الديمقراطية الزائفة يكون من أسوأ مما سبقه من أنظمة، لأنه لن يكتفي بما فعله النظام السابق بنا، بل سيستخدم سبلا وطرقا أكثر وحشية لتحصين نفسه من ثورة مشابهة لثورة 25 يناير.


No comments:

Post a Comment