Sunday, July 24, 2011

جريمة الفساد السياسي في القانون المصري

المستشار زغلول البلشي

نائب رئيس محكمة النقض

من عادة الثورات في مختلف أنحاء العالم أن تصدر من التشريعات والإجراءات  ما تحمى بها نفسها من الثورة المضادة ، وتستمد هذه التشريعات والإجراءات شرعيتها من الثورة ذاتها ، وهى موقوتة دائما بزوال أسبابها  ودواعيها .

وفى أعقاب ثورة 23يوليو 1952 أصدر مجلس قيادة الثورة عدة تشريعات لحماية الثورة من عناصر الثورة المضادة منها القانون رقم 46 لسنة 1952 في شأن تطهير الأداة الحكومية الذي ألغى وحل محله القانون 130 لسنة 1952 بشأن تطهير الأداة الحكومية المعدل بالقانون رقم 209 لسنة 1952 ، ونص  في المادة (1) على أن ” تنشأ لجان لتطهير الوزارات والمصالح العامة والهيئات التي للحكومة عليها إشراف أو رقابة ـكون مهمتها البحث عن الجرائم والمخالفات الإدارية التي وقعت فيها إلى وقت العمل بهذا القانون وما يتصل بها من جرائم أو مخالفات أخرى ولو وقعت بعد العمل به وعن مرتكبيها وتحقيقها . ويكون تشكيل كل لجنة وتحديد نطاق عملها بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على طلب الوزير المختص ” .

كما أصدر مجلس قيادة الثورة القانون رقم 344 لسنة 1952 بشأن جريمة الغدر المعدل بالقانون رقم 173 لسنة 1953 لإقصاء الذين أفسدوا الحياة السياسية في الفترة من أول سبتمبر 1939 وحتى العمل بالقانون المذكور في 22/12/1952 لحماية الثورة وحتى تستقر الأوضاع الجديدة .

 وقد نصت المادة (1) من القانون رقم 344 لسنة 1952 المعدل على أن ” في تطبيق أحكام هذا القانون يعد مرتكبا لجريمة الغدر كل من كان موظفا عاما وزيرا أو غيره ، وكل من كان عضوا في أحد مجلسى البرلمان ، أو أحد المجالس البلدية أو القروية أو مجالس المديريات ، وعلى العموم كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة أو صفة نيابية عامة وارتكب بعد أول سبتمبر سنة 1939 فعلا من الأفعال الآتية :

أ ــ عمل من شأنه إفساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الإضرار بمصلحة البلاد أو التعاون فيها أو مخافة القوانين .

ب ــ استغلال النفوذ ولو بطريق الإيهام للحصول على فائدة أو ميزة ذاتية لنفسه أو لغيره من أية هيئة أو شركة أو مؤسسة .

ج ــ استغلال النفوذ للحصول لنفسه أو لغيره على وظيفة في الدولة أو وظيفة أو منصب في الهيئات العامة أو أية هيئة أو شركة أو مؤسسة خاصة أو للحصول ميزة أو فائدة بالاستثناء من القواعد السارية في هذه الهيئات .

د ــ استغلال النفوذ بإجراء تصرف أو فعل من شأنه التأثير بالزيادة أو النقص بطريق مباشر أو غير مباشر في أثمان العقارات و البضائع و المحاصيل و غيرها أو أسعار أوراق الحكومة المالية أو الأوراق المالية المقيدة في البورصة أو القابلة للتداول في الأسواق بقصد الحصول على فائدة ذاتيه لنفسه أو الغير.

ه – كل عمل أو تصرف يقصد منه التأثير في القضاة أو في أعضاء أيه هيئة خولها القانون اختصاصا في القضاء أو الافاء.

و –  التدخل الضار بالمصلحة العامة في أعمال الوظيفة ممن لا اختصاص له في ذلك أو قبول ذلك التدخل.

ويعتبر التدخل من غير المذكورين في هذه المادة في حكم الغدر إذا كان المتدخل قد استغل صلته بأية سلطه عامة “.

وحددت المادة 2 الجزاءات التي يمكن الحكم بها على الغـــادر ، إذ جرى نصــها على أن :” مع عدم الإخلال بالعقوبات الجنائية أو التأديبية يجازى على الغدر بالجزاءات الآتية : أ ــ العزل من الوظائف العامة . ب ــ سقوط العضوية في مجلسى البرلمان أو المجالس البلدية أو القروية أو مجالس المديريات . ج ــ الحرمان من حق الانتخاب أو الترشيح لأي مجلس من المجالس سالفة الذكر لمدة أقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم . د ــ الحرمان من تولى الوظائف العامة لمدة أقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم .  ه ــ الحرمان من الانتماء إلى أي حزب سياسي مدة أقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم . و ــ الحرمان من عضوية مجالس إدارة الهيئات أو الشركات أو المؤسسات التي تخضع لإشراف السلطات العامة ومن أية وظيفة بهذه الهيئات مدة أقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم . ز ــ الحرمان من الاشتغال بالمهن الحرة المنظمة بقوانين ، أو المهن ذات التأثير في تكوين الرأي أو تربية الناشئة ، أو المهن ذات التأثير في الاقتصاد القومي مدة أقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم . ح ــ الحرمان من المعاش كله أو بعضه … ويجوز الحكم أيضا بإسقاط الجنسية المصرية عن الغادر ، كما يجوز الحكم أيضا برد ما أفاده الغادر من غدره وتقدر المحكمة مقدار ما يرد … ويحكم بالجزاءات ذاتها على كل من اشترك بطريق التحريض أو الاتفاق أو المساعدة في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر ولو لم يكن من الأشخاص المذكورين في المادة الأولى ” .

وطبقا لنص المادة (3) من ذات القانون يقوم على تطبيق هذا القانون محكمة خاصة تشكل برياسة مستشار من محكمة النقض وعضوية مستشارين من محكمة استئناف القاهرة يعينهم وزير العدل ، وأربعة ضباط عظام لا تقل رتبة كل منهم عن الصاغ يعينهم القائد العام للقوات المسلحة ، ويكون مقرها مدينة القاهرة ، ويمتد اختصاصها إلى كل أنحاء مصر .

ونصت المادة (4) ــ بعد تعديلها بالقانون 209 لسنة 1952 ــ على أن ترفع الدعوى إلى المحكمة من لجنة مكونة من اثنين يختارهما المؤتمر المنصوص عليه في المادة 11 من الإعلان الدستوري المشار إليه بقرار يصدر باتفاقهما مشتملا على بيان الواقعة والمواد المراد تطبيقها .

ونصت المادة (1) من القانون رقم 130 لسنة 1952 بشأن تطهير الأداة الحكومية ـــ الذي حل محل القانون رقم 46 لسنة 1952 في شأن تطهير الأداة الحكومية ـــ المعدل بالقانون رقم 209 لسنة 1952 تنشأ لجان لتطهير الوزارات والمصالح العامة والهيئات التي للحكومة عليها إشراف أو رقابة ، تكون مهمتها البحث عن الجرائم والمخالفات الإدارية التي وقعت فيها وقعت فيها وقت العمل بهذا القانون وما يتصل بها من جرائم ومخالفات أخرى ولو وقعت بعد العمل به وعن مرتكبيها وتحقيقها . ويكون تشكيل كل لجنة وتحديد نطاق عملها بقرار من رئيس الوزراء بناء على طلب الوزير المختص .

وطبقا لنص المادة 6 من القانون رقم 344 لسنة 1952 لا يجوز الطعن في الحكم الصادر في الدعوى بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية ، وينشر الحكم في الجريدة الرسمية وفى صحيفتين من الصحف واسعة الانتشار خلال أسبوع من تاريخ صدوره .

ومفاد نص المواد 1 ، 4 من القانون رقم 344 لسنة 1952 والمادة الأولى من القانون رقم 130 لسنة 1952 أن محكمة الغدر هي محكمة سياسية استثنائية موقوتة بفترة زمنية محددة ، مستمدة من ظروف إنشائها ومن طبيعة الجرائم التي تختص بنظرها ، وأن جريمة أو قانون  الغدر لا يطبق إلا على الجرائم التي وقعت في الماضي ــ الفترة من أول سبتمبر سنة 1939 وحتى 22/12/1952 تاريخ العمل بالقانون رقم 344 لسنة 1952 ــ ويمتنع استمرار تطبيقه على الجرائم التي ترتكب بعد العمل به ، إلا إذا كانت متصلة بجرائم أو مخالفات وقعت قبل العمل به .

وعلى غرار القانون رقم 344 لسنة 1952 بشأن جريمة الغدر القائم على فلسفة الإقصاء السياسي ، أصدر الرئيس أنور السادات القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي ونص في المادة 4 منه على أنه :” لا يجوز الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أو الأنشطة السياسية لكل من تسبب في إفساد الحياة السياسية قبل ثورة 23 يوليو 1952 سواء كان ذلك بالاشتراك في تقلد المناصب الوزارية منتميا إلى الأحزاب السياســـية التي تولت الحكم قبل ثورة 23 يوليو 1952 أو باشتراك في قيادة الأحزاب أو إدارتها ، وذلك كله عدا الحزب الوطني والحزب الاشتراكي ( حزب مصر الفتاة ) . ونصت المادة 5 على أن :” يسرى الحظر المنصوص علية في المادة السابقة على الفئات الآتية : أ ـــ من حكم بإدانته من محكمة الثورة في الجناية رقم 1 لسنة 1971 مكتب المدعى العام … بعد ثورة 23 يوليو 1952 . ب ـــ من حكم بإدانته في إحدى الجرائم الماسة بالحريات الشخصية للمواطنين والتعدي على حياتهم الخاصة أو إيذائهم بدنيا أو معنويا المنصوص عليها في الباب السادس من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وفى المادتين 309 مكررا و309 مكررا (أ) من القانون المذكور . ج ـــ من حكم بإدانته في إحدى جرائم الإخلال بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي المبينة في المادة 80 (د) وفى المواد من 98 (أ) إلى 98 (د) وفى المواد 171 إلى 178 من العقوبات وفى المواد 3 و 6 و 7 و8 من القانون رقم 2 لسنة 1977 بشأن حماية أمن الوطن والمواطن وفى المواد 22 و23و25 و26 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن نظام الأحزاب السياسية . د ـــ من حكم بإدانته في إحدى الجرائم المنصوص عليها في البابين الأول والثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات . وذلك كله ما لم المحكوم عليه قد رد إليه اعتباره “. ونصت المادة 13 على أنه : ” مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثمائة ولا تزيد على ثلاثة آلاف جنيه كل من يخالف أحكام المواد الرابعة والخامسة والسادسة والعاشرة من هذا القانون ” .

 وإذا كانت ثورة 25 يناير 2011 المصرية تعتبر من أعظم الثورات في تاريخ البشرية ، فقد أسقطت أكثر النظم تسلطا واستبدادا في 18 يوما فقط  ، فإنها  تتعرض الآن لثورة مضادة ، يقوم بها أذناب العهد البائد ، والمستفيدين منه ، وكل من أضير من الثورة ، تستخدم فيها كافة الأسلحة ، والوسائل القذرة ، ذلك بأن القوى المستبدة المتسلطة هي عادة قوى عنيده لا تستسلم بسهولة  ، فهي تعمل على نشر الشائعات والبلبلة ، وترويع المواطنين وإرهابهم ، وإحداث الفتن ونشر الفوضى ، وقطع الطرق والسرقة النهب ، ونهش الأعراض ، ونشر البلطجية في كل مكان ، وتجييش الطبقات الفقيرة التي زادت معاناتها مما يدفعها إلى التمرد والاعتصامات والاحتجاجات لتعطيل العمل في كافة أجهزة الدولة .

وقد تعرضت الثورة الفرنسية في مراحلها الأولى لعدة ثورات مضادة كادت أن تعصف بها ،كما تعرضت الثورة الإيرانية سنة 1951 لثورة مضادة أعادت الشاه إلى الحكم .

ومما لاشك فيه أن عناصر الثورة المضادة أكثر تنظيما وتغلغلا في المؤسسات الرسمية وأجهزة الإعلام ، وسوف يحاولون دائما إفشال الثورة بتقليب الشعب عليها .

وإذا كان القانون رقم 344 لسنة 1952 بشأن جريمة الغدر قد انتهى بانتهاء الفترة الزمنية التي صدر ليطبق خلالها ، وإذا كان التشريع المصري قد خلا من أي نص يعاقب على جرائم الفساد السياسي ، وإذا كانت عناصر الثورة المضادة لن تهدأ ، ولن تكف عن محاولاتها المستميتة لإجهاض الثورة الأصلية والعودة بها إلى الوراء ، فإن المشرع المصري في حاجة إلى إجراءات فورية وتشريعات ثورية استثنائية مؤقتة تقوم على فلسفة الإقصاء لفترة زمنية محددة  للذين أفسدوا الحياة السياسية قبل ثورة 25 يناير 2011، وذلك على غرار القانون رقم 344 لسنة 1952 بشأن جريمة الغدر الذي صدر في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 ، والقانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي .

وإذا كنا ضد المحاكم الاستثنائية بكافة أشكالها وألوانها ، إلا أن الواقع المتردي الذي نعيشه ، والانفلات الأمني الذي نعانى منه ، وانتشار عناصر الثورة المضادة ، وفلول وأذناب النظام السابق الموجودين في كل مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام ، وأنصارهم من البلطجية وقطاع الطرق ، تبرر هذه الإجراءات الاستثنائية المؤقتة ، والتي تنتهي بانتهاء أسبابها ، ودواعي اتخاذها وإنشائها ، حتى تستقر الأمور ، ونضمن للثورة نجاحها ، وتحقيق أهدافها .

No comments:

Post a Comment