بقلم الأستاذ:- حسين رضا *
الشيخ العلامة محمد الغزالي رحمه الله أحد عظماء التاريخ الإسلامي جهادا وعلما ودعوة وتمسكا بالإسلام وقيمه، وأحد أهم الدعاة إلى الوسطية، له العديد من المؤلفات التي تضعك على معالم الدين الإسلامي وتوضح تعاليمه وشئونه.
في بحثنا هذا نقف على أمر اختلفت حوله الرؤى، وتضاربت الأقوال. وهو براعته في الدعوة وأسلوبه الرائع العذب الرقراق، وبعمق فهمه الأزهري الوسطي، وانتسابه الدعوي إلى جماعة تبنت الوسطية فكراً ومنهجاً هي دعوة الإخوان, كانت له كتابات متفرقة حول الدولة المدنية والحكومة الدينية في الدولة الإسلامية يقول رحمه الله ( إن قارب النجاة الوحيد وسط الطوفان من البلايا التي تهب على العالم الإسلامى من يمين ويسار هو الإسلام، ولذلك فإن كل ثقب يحاول العبد إحداثه هو مؤامرة لاقتراف جريمة قتل، لا قتل فرد أو أفراد بل قتل عالم بأسره، ومؤامرة على جعل الظلام يحتوى مستقبل الدنيا )
ويقول رحمه الله ( تأكد لنا أن الإسلام هو صمام أمان البشرية وسياج حياتها). انتهي كلامه رحمه الله،
ولم لا يكون الإسلام صمام الأمان وسفينة النجاة ورب الناس سبحانه يقول (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) لذا فإن كل رأي في الإسلام بغير علم وكل صيحة مغرضة تريد أن تنال من قيمة الإسلام ماهي إلا مؤامرة على مستقبل الأمة وسعادة البشرية كلها، وأعلى الصيحات الآن تلك التي علت بعد الثورة المصرية لتبث الفزع في قلوب الناس من الإسلام وتخوفهم، وصار جهلة لا يعلمون عن الإسلام وفرائضه سوى الأسماء إن أحسنوا نطقها يذيعون عن دولة الإسلام الأكاذيب والافتراءات وكأن الإسلام ما أنزله الله إلا لقطع الأيدي ورجم الناس وقتلهم وجلدهم ولو كان هؤلاء يفقهون عن الإسلام لعلموا أن معجزة الإسلام ( القرآن ) به حوالى 6300 آية وأن الحدود التي يخوفون الناس منها ليل نهار لم تبلغ عشر آيات أو يزيد قليلا فأين باقي الإسلام إذن، لو كان هؤلاء يفقهون لعلموا أن الإسلام علم وتقدم وغنى وثراء وعدالة، وحرية، وأخلاق، ومساواة، وكفالة وبر، ورحمة ومودة وتآلف........
ولقد رأيت مع تلك الصيحات التي علت أن أستجلب لها كلمات القوي الحجة, القوي البرهان العلامة الغزالي أختار من كلماته رحمه الله متصرفا فيها بشكل يسير حتى لا تفقد رونقها وجمالها وقوتها في الإقناع وفي نهاية الكلام أعرض ما رجعت إليه من كتاباته رحمه الله في فهرس المراجع ليكون الكلام متصلا لا يمله القارىء ولا ينشغل بغيره.
يقول رحمه الله إن الحكومة في الإسلام ليست معنية برفع مستوى المعيشة وتوفير السلع والخدمات والمرفقات لتكون الحياة رطبة حسنة فحسب، وإنما يمتد واجبها إلى أن ترقى بالإنسان روحا وجسدا وتضمن له مستقبل الدنيا وسعادة الآخرة ولا تجد ذلك إلا في الإسلام وهذا شرف لم تنله سوى حكومات الدولة الإسلامية بمعناها الصحيح.
إن مفهوم الدولة في الإسلام غير الدولة الدينية غير الحكومة الدينية أيضا، فالحكومة الدينية من اسمها مخيفة للنفوس مزعجة، لأنها توحي بحكم متعصب لا يهتم إلا بنفسه ولا يرى غير عقله وهذه الحكومة المفزعة التي لم يعرفها الإسلام قط وإنما عرفتها أوربا لما أرادت الكنيسة أن تجعل من نفسها المشرع والمعاقِب والمحاكِم والمحاسِب والقاضي والسجان والرئيس والملك أمْرها ما أمر الله به وينفذ مهما كان صعبا شاقا، ونهيها نهي الله ينفذ وإن كان في مصلحة البلاد والعباد وهذا لا يعرفه الإسلام ولا يقره. فهي بجهلها هذا قد حكمت على العقل بالسجن المؤبد ونفذت الحكم ورفضت الاستئناف أو النقض، وضمت إلى العقل التسامح والرحمة حتى امتلآت النفوس عليها حقدا ومنها غيظا ولها كرها وبغضا فتفجرت الثورات الأوربية لتعيد ما غاب من واقعها، وتستخرج ما دفن من علمها في بطن أرض الظلم والجهل الذي مارسته الكنيسة الأوربية وقتئذ، وهذا ما ظن دعاة اللاإسلامية اليوم إلى دعواهم دون أن يعلموا أن الإسلام ينكر ذلك، ولو أرادوا الخير لبحثوا وتعلموا وإنما هو الغرور بالظهور بالشاشات والصفحات ولا يدري ذلك المسكين أنه بذلك يحارب الإسلام من حيث لا يشعر وأن الإسلام الذي يخوف الناس منه برىء من كلماته تلك وهو أرقى وأعظم مما يقول.
إن حقيقة الدولة في الإسلام أنها دولة مدنية تدير شئون العباد والبلاد بما لا يخالف شرع الله فحسب وببساطة هي ترفض ما يرفضه الشرع ولا تتحدث إلا بالكلمة الطيبة ولا تدعو إلا بالموعظة الحسنة فأي خوف من الإسلام إذن.
هل هناك بديل أحسن أو مماثل
إنه لما هوت دولة الإسلام لتآمر الحاقدين عليها وضعف أبنائها، وتقدمت نحو الصدارة أمم أخرى لم تستطع أن تملأ الفراغ الذي نتج عن غياب دولة الإسلام ولا ينكر أحد أن تلك الأمم وفرت البهرج والزينة ولكنها فشلت فشلا ذريعا لأنها وفرت الدنيا وزينتها ومتعها لقوم دون قوم والشىء الوحيد الذي كانت فيه عادلة ولم تظلم قوما ولا فريقا أنها اتسعت البشرية كلها، فإن ضمنت الدنيا لم تضمن الآخرة، وللأسف هي أيضا لم تضمن الدنيا ودلالة ذلك أن طبول الحرب لم يتوقف دقها ولم ينقطع من المدافع في أرجاء الأرض صوتها، ولم يتوقف غزو البلاد ودكها، ولم يتوقف قتل الأبرياء بمختلف الأعمار، إنها صارت بالبشرية إلى واقع مؤسف مرير وأخذت تضع قوانين وضعية تتحايل فيها على ما جاء به الإسلام من ضمان الحياة وسلامة البشرية دون أن ترجع ذلك للإسلام والجهال من أبناء الدين يصفقون لهم ويشدون لأنهم لا يعلمون أن الإسلام فيه ما جاءوا به وما لم يستطيعوا أن يأتوا به، ففتش في التاريخ كما شئت وخذ منه ما شئت ودع ما شئت وفي النهاية قل لي هل هناك بديل خير من دولة الإسلام وحكمها في ضوء الفهم في الصحيح للإسلام؟.
المساواة في الحقوق الإنسانية
الدولة في الإسلام دولة مدنية أول مبادئها المساواة في الحقوق الإنسانية ونداءات القرآن وأحاديث نبي الإسلام كلها تقول إن الحقوق الإنسانية معنى مشترك بين كل البشر لا يحرم منه أتباع أي دين ولا أي لون ولا جنس فالكل في النهاية في ميزان الإسلام إنسان وكلهم بنوا آدم ولبني آدم في الإسلام حق التكريم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ.. ) (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ.. ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.... ) (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) والنبي يقول: ( أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب،أكرمكم عند الله اتقاكم، ليس لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض ولا أبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى ) ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم...) .
والإسلام لا يميز إنسانا ويضطهد إنسانا للونه ولا لماله ولا لمستواه ولا لأملاكه، لقد جاء الإسلام والجزيرة العربية تنضح بالتمييز بين الناس فأنكر عليهم ذلك، أو لم تر دعوات المشركين باستئصال شأفة الإسلام لأنه يساوي بين الناس فلا يميز بين السيد والخادم والمالك والمملوك ولا الغني والفقير ولا القوي والضعيف (.قَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ.... ) ( وقولهم للنبي أو لم يجد ربك أغنى منك وأيسر حالا يرسله إلينا.. ) وقولهم ( إننا نسلم لك بشرط أن تطرد الفقراء والعبيد من دينك... ) هذا قولهم والرسول يرد بأيسر العبارات في حقوق المملوك والعبد والخادم قائلا ( هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليكسه مما يكتسي ولا يكلفه ما يغلبه..) إن هؤلاء كانوا يريدون أن يؤمنوا بالإسلام الذي على هواهم وليس ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فكان رد الله عليهم (.إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ. ) (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ...) لقد قطع الإسلام طريق التفريق والتمييز عليهم وقال كلمته بأن المبادىء لا يساوم عليها ولا يضحى بها حتى وإن كان في صالح الإسلام مؤقتا، ومَن أراد أن يدخل الإسلام كما أراد الله فأهلا به أما مَن أراده وفق هواه وشيطانه فلا حاجة للإسلام إليه وهو عنه غني كريم، لقد صنع الإسلام البشرية وصب أوضاعها في قالب سماوي، طهر النفوس، وطرد الخرافات، ورفض الهوان، وعلمه الكرامة والعزة، والتآلف والمحبة حتى انتصر الإسلام في كل معاركه التي وقعت بينه وبين كارهيه ومحاربيه بالقيم والمبادىء قبل ضربة السيف وطعنة الرمح إن ضربت أو طعنت.
الحرية الدينية في الإسلام
الدولة في الإسلام دولة مدنية تفيض بالحرية الدينية لكن مَن يعيش فيها سواء على الإسلام أو على أي دين غيره، لقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام على الناس يوم أمر بذلك وعرض مبادئه وتعاليمه وعرّف الناس أن الإيمان الحق وليد يقظة عقلية وقناعات قلبية فيستبين العقل الحق، ويؤمن القلب به، وكان من أول مبادئه (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ...) وأقر الإسلام الحرية الدينية بأبهى صورها وأرحب معانيها، ولم تتعد وظيفة النبي معهم الهادي البشير والداعية الحكيم فهو يشرح ويبين ويجسد الإسلام في شخصه صلى الله عليه وسلم، وكان خطاب القرآن له كل حين وآخر يذكِّره بتلك الوظيفة وهذه المهمة وأنه لايجوز له أن يكره أحداً على الدين (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ..) (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...) (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).. وبعد هذه الآيات يدرك المنصف الحق أن الإسلام قد أباح الحرية الدينية على شكل لم يرد على عقل إنسان فما أمر دين يوما أن يكون الحوار فقط والدعوة بالحكمة هي الأساس والأصل، والإسلام لم يفرض يوما على نصراني أن يترك نصرانيته، ولا على يهودي أن يترك يهوديته، ولم يفرض على أتباع أي دين أن يتخلى عن دينه ليدين بالإسلام، حتى وإن تولى الناس عن نبيه كان الأمر العجيب في سورة التوبة بعدما عرضت أشكالا مهينة من خداع المشكرين وألاعيبهم وخصوماتهم الدنيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ..... ) ثم أكمل مسيرتك عاملا مجاهدا داعية بالحسنى متوكلا على الذي بعثك. أي دين أروع من هذا؟ أي دين وأي دولة ترتضي لغير مَن يدينون بدينها مثل هذا التكريم غير دولة الإسلام، إن المنصفين من أصحاب الديانات الأخرى ليشهدون أن أزهى عصورهم حرية وسعادة وطمأنينة وسكنية تلك التي عاشوها تحت حكم الإسلام واقرأ في التاريخ تعلم ولا ينبئك مثل التاريخ.
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دنا أجله أوصى قائلا ( أوصي الخليفة بعدي بأهل الذمة خيرا )
قولوا لنا يا سادة أي رئيس أوملك أو أمير أوصى قبل موته بأتباع الأديان الأخرى خيراً، غير خليفة المسلمين، إن كل إنسان تحضره الوفاة يركز في وصيته بمن هو أقرب لفكره واهتمامه وخوفه عليهم فما رأيك فيما أوصى به عمر إنني لما قرأت الوصية تلك لم أجد سوى الصمت المتعجب تعليقا.
إن الحرية الدينية التي كفلها الإسلام لم يشهد التاريخ لها نظيراً ولم يحدث أن انفرد دين بحكم الأرض ثم نشر خيره وأمانه على مخالفيه وأعطاهم حق حرية الاعتقاد وكل أسباب البقاء والازدهار مثلما فعل الإسلام.
إن الإسلام حيث يسود يمنح أتباعه وغيرهم مطلق الحرية وجميع الحقوق في حين إذا ساد مخالفوه نكلوا بنا وأذاقونا سوء العذاب وسقونا من كؤوس المهانة ألوانا ولو عادت لنا الكرة عليهم كنا معهم وكأنهم لم يفعلوا بنا شيئا ونقول لهم بقلب منشرح وصدر رحب ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ).
حرية التفكير وإعمال العقل
الدولة في الإسلام دولة مدنية تبيح للعقل مطلق الحرية في التفكير والإبداع وما تقف في وجهه إلا حين تعلم أنه يسعى فيما لا يجدي ولا يعود عليه بخير هو وغيره من بني البشر، إن الله قد خلق العقل وجعل مهمته أن يفكر كما أن وظيفة العين أن تبصر والأذن أن تسمع، فلا يليق بإنسان أن يغمض عينيه ويمشي الطرقات يتحسس فهو إما مجنون أو مخبول، لأن ما يفعله لا يقره دين ولا يقبله عقل إن الإسلام جعل الإيمان الحق والتصديق به ثمرة إعمال العقل والتفكر والتماس أسباب الهداية، كما أن الكفر والإلحاد نتيجة توقف العقل واستخدامه في غير ما خٌلق له وقطع التفكر به في دروب الحق (أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ولقد عاب القرآن على قوم عطلوا جوارحهم وأفئدتهم عن وظائفها (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)، (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)
والإسلام لا يلوم على حرية الفكر وإنما يلوم على الغفلة والذهول، بل إن المصابين بكسل التفكير، واسترخاء العقل في الإسلام عصاة
مقصرون لأنهم لم يشكروا نعمة الله عليهم، إن ما يستهدفه الإسلام من وراء الحرية الفكرية هو الوصول إلى النهاية الصحيحة، وما يتطلب الإسلام من العقول العاملة المفكرة سوى أن يقدر بعضها بعضها ويكرم بعضها بعضا ولا يحتكر أحد الصواب لنفسه ويحرمه على غيره، فالحق والصواب ليس ملك عقل بعينه ولا مفكر بشخصه، فللحق طريق مستقيم توصل إليه مداخل شتى تتلاقى فيها العقول المفكرة، إن الحرية الفكرية في الإسلام فاقت حدود العقل ففي فريضة الصلاة اختلفت الأقوال والآراء من التكبير إلى التسليم لأكثر من سبعين حكما وقولا كل ذلك في إطار الحق والحب والود وحسن الاختلاف.
أما قيود الإسلام على الفكر فقد رفض الإسلام للفكر أن يتعب نفسه فيما وراء الغيب ويزج به في عالم ما وراء المادة ليبتكر أحكاما وينشىء تصورات كل هذا لا لشىء إلا لأنه يكلف العقل فوق طاقته ويقحمه فيما لا يعود من ورائه بمصلحة على الأمة والدنيا والنفس، لقد فتح الإسلام أفاق التفكير حتى أبهر علماء عصر الخلافة الدنيا بعلمهم في الوقت الذي كانت أوربا توصد فيه أبواب النظر أمام العقول المفكرة وترميهم بالإرهاب والمقت ولم يثبت على دولة الإسلام يوما إبادة الكتب ومحاربة العلم وإنزال العقوبات على المفكرين من أجل أفكارهم وإن بدت معادية.
نهاية الكلام أن الإسلام يضمن الحرية بكل أنواعها وألوانها سواء كانت دينية أو فكرية أو مدنية أو سياسية أو....... )