الكراهية
بقلم:
محمد شريف كامل*
26 مارس 2019
لقد فُجع
العالم بأثره بتلك الجريمة الإرهابية التي زلزلت أرجاء نيوزيلاندا، البلدة الصغيرة
المسالمة، بل زلزلت تلك الجريمة العالم بأثره، وجميعنا يعرف أبعاد الجريمة وعايش
لحظاتها، ورغم بشاعتها تابعها البعض على البث المباشر الذي بثه القاتل وهو يتشفى
بغليله ممن قتلهم وأمعن في قتلهم.
أولا،
لا بد أن نتقدم بتعازينا، تعازي لن تتوقف حتى تتوقف الكراهية والحقد الذي يملأ
العالم، ويغذيه أصحاب المصالح الخاصة وأصحاب الأيدلوجيات المريضة، والتعازي هنا ليست للضحايا الذين قُتلوا داخل المسجد وحسب ولكنها تعازي موجهة
لكل العالم الذي خسر أدميته وملأ الأرض بالكراهية.
عبر
العصور، لم تتوقف الأعتداءات على العرب وعلى المسلمين خاصة وتعددت أسبابها، ولكن
ما يحدث الأن لا مثيل له فقد أستندت تلك الاعتداءات إلى حملة منظمة تربط الحاضر
بالماضي وتربط الهجرة بالاسلام وتربط المشاكل الاقتصادية بالاسلام والهجرة، وتعتمد
على سياسيين واعلاميين تتحرك كلها في حركة متناغمة وليست عشوائية.
مائة مصلي بين قتيل وجريح، خشوعهم لم يزد القاتل إلا إصراراً
على جريمته، لأنه حٌملَ من الحقد والكراهية ما تنوء الجبال عن حمله من بشاعته
وضراوته، وعلى جانب أخر جاء رد فعل رئيسة وزراء نيوزيلاندا مخيب لآمال مروجي
الكراهية، فوقفت قويهً معبرة عن قيمة إنسانيه عاليه حينما قالت "أن الضحايا
هم أهلنا وأن القاتل ليس منا ولا يحمل قيمنا"، ووقع
ذلك على مروجي الكراهية وكأنه خنجر في قلب الكراهية التي تسعى لإعتبار أن العرب
والمسلمين هم الغرباء عن الحضارة والقيم.
وأنطلق العالم يدين الجريمة، كل حسب درجته فمن يحترم أدميته شعر
بالاشمئزاز وأدان الجريمة بأشد ألفاظ الإدانة، أما أشباه الأدميين فإما أهملوا الجريمة
ولم تنبت شفاهم بأي كلمة ومنهم من أدانوا الإجرام في عمومه ولم يسموا الحدث إرهابا
بل ولم يذكروا أن القاتل أرهابي أو أن الضحايا مسلمون أو مسالمون.
فنجد ترامب قد أدان الجريمة التي وقعت في مسجد ولم يشر لأن الضحايا مسلمون مسالمون ولم يشر للجريمة كعمل إرهابي بينما هو يصف أي جريمة أو حتى خطأ من أي مسلم بالعمل الإرهابي، وفي ذات الوقت أشار الى أنه لا يرى أن تزايد عنصرية الجنس الأبيض يمثل مشكلة.
وعلى الرغم من أن الوزير الأول في كوبيك أدان الحادث، إلا أنه
لم تصله الرسالة الخاصة بإعتبار القاتل في جريمة المسجد في مدينة كوبيك هو مُلهم إرهابي
جريمة نيوزيلاندا، ولم يدرك بعد أن
محاولات تقييد حقوق المسلمين في مقاطعته هي من منطلقات الكراهية، وأن الكراهية والتطرف
والعداء للإسلام أمر واقع ويزداد بينما هو مُصر على إنكاره، وكأنه من كوكب
أخر،ولعله كذلك.
ثم جاء الكلمات المقززة لعضو مجلس
الشيوخ الاسترالي والذي وجه اللوم لإنفتاح نيوزيلاندا وسياسية الهجرة التي سمحت
بزيادة تواجد المسلمين، كلمات لا فارق بينها وبين تصريحات ترامب التي بني حملته
الإنتخابيه على الكراهية، ولا فارق بينها وبين تصريحات ماري لابين زعيمة اليمين
الفرنسي والكثير غيرهم.
إن الخوض في تصريجات اليمين الغربي المتطرف
تطول ودورهم في تغذية الكراهية لن يتوقف، ولكن في المقابل ما هو الدور الذي يلعبه
زعماء ما يسمى بالدول الإسلامية، وإن كنت أعترض على تسمية أي دولة بمسمى ديني،
ولكنهم أختاروا ذلك.
ففي مصر وعلى الجانب الداخلي نجد
السيسي ونظامه يقوم بدور فعال في تغذية الكراهية بين أفراض الشعب المصري من
مسيحيين ومسلمين، ويدعوا الجميع لضرورة قتل من يعارضه "الإخوان"، فمن
ليس معك فهو ضدك، وليؤكد تحريضه على المسلمين يدعي مخاطبتهم كذبا بأنهم يسعون لحكم
العالم، وهم لا يحكمون حتى أنفسهم.
وينتقل السيسي للساحة الدولية ليتحدث
عن خطر المساجد في الغرب ودورها في نشر التطرف، فيحث الأوروبيين على مراقبة دور
العبادة بل وإغلاقها، ولم أرى تلك المساجد في الغرب تنشر إلا الدعوة للسلام
والأخوة، وإن كانت مشكلته وأمثاله أن مساجد الغرب تحولت لساحات لرفض الديكتاتوريات
العربية وتتكاثر دعواتها للدفاع عن حقوق الإنسان التي تُنتهك كل يوم على أيدي هؤلاء
الحكام.
إن العالم ينقسم إلى عدة قطاعات في
تعامله مع خطاب الكراهية، فمنهم من يشجعة ومنهم من يشجبه ومنهم من يصمت أمامه أو حتى
يقلل من أهميته ولكن ذلك لم يعد كافي وغير مقبول، فكل منا عليه واجب لمحاربة
الكراهية وذلك يبدأ بالساسة والإعلاميين مروجي الكراهية وكل من يصمت عنهم
ويتقبلهم.
وعلى جانب أخر فإن البعض يتجاوز عندما
يكون الضحية مسلم، ويبدأ تذكرة العالم بأن هناك من غير مسلمين من هم أيضا ضحايا
وأن هناك مسلمون أرهابيون، ويتساءلون لماذا يتعاطف العالم مع الضحايا من المسلمين،
وكأننا في سباق مقارنات يتفاخر بأن ضحاياه أكثر، ولا يعلم هؤلاء الحاقدين، أننا
لسنا طرفي صراع بعدد الضحايا، وأنه لا حقد ولا تشفي في القتل، فكلنا خاسرون ولن
ينجوا أي منا من الكراهية، ما لم نتصدى لها جميعا.
إننا لا نواجه أناسا معتوهين أو
متهوريين، وإنما نواجه أيديولوجية عنصرية لها جذورها وأنصارها، عنصرية أمتدت عبر
قرون طويلة، فإن كان القاتل وكل قاتل مثله هو أرهابي، إلا أنه ضحية في ذات الوقت،
ضحية من ملأ عقله بخرافات سيادة جنس أو عرق فوق أخر وضرورة إبادة من يختلف معه، والذي
يرونه في الإسلام والمسلمين، ولو عُممت فكرتهم فمن ليس معي فهو ضدي، فلن يبقى على
الأرض إلا أطلال!
محمد
شريف كامل
* محمد شريف كامل مهندس ومدير
مشروعات،
شغل مناصب مهنية عديدة، بالإضافة لكونه مدون وكاتب مستقل، هو أحد المؤسسين والأمين العام والمتحدث الرسمي
السابق للمجلس الثوري المصري، و أحد مؤسسي الائتلاف الكندي المصري من أجل
الديمقراطية، وحركة مصريون حول العالم من أجل الديمقراطية والعدالة، هو احد
القيادات الطلابية المصرية في السبعينات، عضو
نشط في العديد من المنظمات المحلية والدولية الدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة لانتخابه مفوض بمجلس إدارة المدارس بقطاع
المدارس بجنوب مونتريال لمدة 4 سنوات. هو أحد مؤسسي الجمعية
الوطنية للتغيير في مصر (كندا) قبل الثورة، وتجمع الاعلام البديل بكيبيك – كندا، كذلك
أحد مؤسسي والرئيس السابق للمنتدى الإسلامي الكندي، كما انه أحد المؤسسين حركة
كيبيك - كندا المناهضة للحرب، وأحد المؤسسين التحالف الكيبيكي-الكندي من أجل
العدالة والسلام في فلسطين. وهو عضو نشط في العديد من منظمات المجتمع المدني ومن
بينها اتحاد الحقوق والحريات بكيبيك – كندا. عضو في مجلس الأمناء لجمعية الكندين
المسلمين من اجل فلسطين، ومركز مسلمي مونتريال (الامة الإسلامية). نشر له العديد
من المقالات حول العديد من القضايا المحلية والدولية بلغات ثلاث (العربية، والانجليزية،
والفرنسية)، ومدون ومؤسس مدونة "من أجل مصر حرة".
محمد شريف كامل يمكن للتواصل معه عبر:
1-514-863-9202, e-mail: public@mohamedkamel.com, twitter: @mskamel,
blog: http://forafreeegypt.blogspot.com/ https://www.facebook.com/APresidentForEgypt/,
https://www.youtube.com/channel/UCl3y4Hxgf05Xr0iDU68r8GQ