انتقد بيورن بنتلاج، الباحث الألماني والأستاذ بجامعة مارتن لوثر في هاله فيتنبرغ، المعارضة المصرية لفشلها في تقديم مخاوف واضحة ومحددة حول مسودة الدستور الجديد، مؤكداً على أن المسودة هي في الواقع نجاح كبير للديموقراطية وسيادة القانون في مصر.
وقال بنتلاج، في حوار مع إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله"، إنه إذا لم ترضخ المعارضة لواقع أن التيارات الإسلامية تحظى بدرجة عالية من الشرعية تجعل من حقها تشكيل الأغلبية في عملية صناعة القرار، فإن ذلك سيؤدي لمزيد من الصراعات.
وإليكم نص الحوار:
مصر تشهد اليوم أياماً شديدة الإضطراب، وعلى ما يبدو فإن مسار مصر المستقبلي يتحدد حالياً. كيف تصف هذه المرحلة؟
إنها بالتأكيد فترة إنتقالية حرجة وصاخبة. الأمور التي نعتبرها من المسلمات لم تعد تنطبق، بما في ذلك سيادة القانون والنظام. كان هناك الحديث في أعقاب إصدار الرئيس مرسي لإعلانه الدستوري الأخير بأنه حول نفسه إلى ديكتاتور ووضع نفسه فوق القانون، ولكن في الحقيقة فإن الوضع كان إشكالياً منذ أن قام المجلس العسكري بحل البرلمان، فمنذ ذلك الحين لم يكن هناك أي حكام منتخبين ديموقراطياً، وقرارات المحكمة في وقت لا يوجد فيه غير دستور إنتقالي تصبح مشكوك في قانونيتها.
ما المسار الذي يسلكه مرسي بسياساته في الأسابيع والشهور الماضية؟
يمكننا أن نخمن فقط، ولكن التفسير الأكثر قبولاً هو أنه كان يرغب في حماية الجمعية التأسيسية من المحكمة الدستورية، التي كان من المنتظر أن تحلها في الثاني من ديسمبر. وكان بإمكان القضاة أن يصدروا الحكم إذا أرادوا، على الرغم من المظاهرات خارج مبنى المحكمة. وهذا كان سيعني ان العملية الإنتقالية ستضطر للبدء من نقطة الصفر مرة أخرى، وكان الرئيس وقتها سيمثل المؤسسة الوحيدة المنتخبة. إنطباعي هو أن مرسي كان يحاول إنهاء الفترة الإنتقالية، على الرغم من أن أساليبه قد تكون صعبة إلى حد ما وتفتقر إلى الغريزة السياسية، ولعل ذلك يرجع إلى الشعور بالإحباط أو لكونه تحت ضغوط متزايدة بسبب الصراع المستمر على السلطة مع الجيش وأجزاء من النظام القضائي.
هناك إستفتاء على مسودة الدستور. ما رأيك في المسودة؟
على الرغم من أن هناك بعض المرجعيات الإسلامية، إلا أنها بشكل عام وثيقة مقبولة، ويمكن أن تحكم على أساسها الديموقراطية العلمانية. فهي لا تحوي أي إنتهاكات جسيمة، حتى وإن كانت بعض الفقرات تبدو إلى حد ما محافظة إجتماعياً، ولكنك تحتاج إلى دستور مختلف تماما ليكون أساس لدولة إسلامية او ثيوقراطية أو دكتاتورية سياسية.
وبشكل عام فإن الوثيقة متوازنة، على سبيل المثال فيما يتعلق بتوازن السلطة، وحماية حقوق الأفراد في وجه الدولة، أو تصميم النظام القضائي. يمكنك أن تسمي هذا نجاحاً كبيراً للديموقراطية وسيادة القانون في مصر.
ولكن الدستور تم إنتقاده لكونه محافظ للغاية.
هناك عدة فقرات تنسب دوراً أبوياً نوعاً ما للدولة خاصة فيما يتعلق بالسياسات الأسرية والإجتماعية، ولكن الهدف منها هو إعلاء القيم والآداب العامة. قد لا ترى ذلك بالضرورة أمراً مرغوباً فيه، ولكن عليك أن تنظر إلى ذلك إلى جانب الحقوق الفردية التي يكفلها الدستور والتي تتفق مع المعايير الدولية. ولكن بشكل عام، فإن هذا الدستور من شأنه تنشيط العملية السياسية التي تعيش حالة من الجمود حالياً.
وما الدور الذي تلعبه المعارضة العلمانية؟
المعارضة العلمانية أو الليبرالية ترفض التعاون، فمنذ البداية قامت المعارضة بمقاطعة الجمعية التأسيسية، ولكن هذه قد تكون طبيعية عندما تتعامل مع ديكتاتور مثل مبارك. يمكنك بكل تأكيد أن تنتقد القوى العلمانية والليبرالية لرفضها التعاون بشكل بناء، خاصة وأنهم يبررون هذا الرفض بمخاوف فضفاضة للغاية، بدلاً من إنتقاد نقاط محددة في الدستور.
الإخوان المسلمين والسلفيون يشكلون أكبر جماعتين ضمن الممثلين المنتخبين. ما الذي يخبرنا هذا عن المجتمع المصري؟
المجتمع المصري متنوع للغاية، فهناك أحياء في القاهرة ومدن أخرى كبرى ينشأ الناس فيها على ثقافة العولمة، فهم يشاهدون نفس الأفلام التي يشاهدها الشباب في ألمانيا، ويستمعون لنفس الموسيقى، بل و يملكون نفس قصات الشعر. ولكن الغالبية محافظة إجتماعياً ومتدينة للغاية، وهؤلاء لا يشاركون بالقدر نفسه في الخطاب السياسي العام أو وسائل الإعلام الإجتماعية، فهناك فجوة كبيرة بين هذين القطاعين في المجتمع.
إذا كنت حقاً تريد التحرك بإتجاه الديموقراطية فعليك أن تقبل أن الحركات والأحزاب الإسلامية تحظى بدرجة عالية من الشرعية ولذلك عليها أن تشكل الغالبية في عملية صنع القرار، وفي رأيي فإن هذه هي المشكلة الرئيسية في جانب القوى العلمانية والليبرالية فإن خوفهم ورفضهم للإسلاميين قد يؤدي في الواقع إلى المزيد من الصراعات.
No comments:
Post a Comment