من المحزن والمخجل أنه بعد حوالى عامين من ثورة يناير العظيمة أن تجد قطاعات كثيرة من الأفراد العاديين والمثقفين، بل ومنظمات مجتمع مدنى تهمس حينا وتصرخ أحيانا مطالبة بتدخل الجيش وانقلابه على العملية السياسية الجارية، بحجة ان الإخوان يريدون أخونة الدولة، و«سلفنتها».
السؤال البديهى: هل يواجه الشعب عمليات أخونة الدولة بالعمل السياسى الطبيعى. أم بالدعوة لانقلاب عسكرى؟!.
الغريب أن أكثر دعاة التدخل العسكرى معظمهم كانوا حتى اسابيع مضت يهتفون بحماس منقطع النظير «يسقط يسقط حكم العسكر»، ولم يصدقوا للحظة أن الجيش سوف يعود لثكناته وقالوا فى العسكر ما لم يقله مالك فى الخمر.
معظم هؤلاء أيضا ظلوا يؤلبون الرئيس محمد مرسى على الاطاحة بالمشير طنطاوى ومعه بقية المجلس العسكرى، وعندما فعل الرجل ذلك لاسبابه الخاصة هللوا لساعات ثم بدأوا يتحدثون عن انفراد مرسى بكل السلطات.
الآن عاد هؤلاء للقول ان الإخوان ورغم وصولهم للحكم بصناديق الانتخاب، فإنهم لا يؤمنون بالديمقراطية إلا باعتبارها تذكرة ذات اتجاه واحد إلى كرسى الحكم إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا.
مرة أخرى قد يكون هذا الكلام صحيحا، لكن الحلم بالجيش، والدعوة العلنية لانقلابه ليست هى الحل بل ربما كانت تزيد المشكلة تعقيدا.
رأيى الشخصى المعلن والمكتوب ان الجيش المصرى هو المؤسسة الوطنية العظيمة التى كان لها الدور الأبرز فى حماية ثورة 25 يناير، كما انها لعبت دورا محوريا فى تاريخ مصر منذ ثورة يوليو 1952. لكن تجربة المجلس العسكرى حتى 30 يونيو الماضى تقول انهم مخلصون وأهدافهم نبيلة لكنهم لم يعرفوا كيف يحكمون.
مرة أخرى ماذا نفعل إذا قرر «الإخوان التطنيش» على تداول السلطة ولجأوا إلى الخيار الإيرانى القاضى بإجراء عمليات ديمقراطية شكلية مع احتفاظهم بالسلطة وتغيير شكل المجتمع «حبة حبة»؟!.
الحل الطبيعى أن يعتمد الشعب على نفسه، وان تكون لديه مؤسسات ونقابات وأحزاب مدنية حقيقية تخوض نضالا سياسيا متواصلا وتدفع الثمن كاملا، بحيث يعطيها الشعب ثقته فى صناديق الانتخاب، ووقتها سيتم تغيير الإخوان.
أما إذا تشبث الإخوان بالسلطة، وقتها علينا أن نحلم بالجيش ونطلب مساعدته، وهذا أضعف الإيمان.
الذين يطلبون تدخل الجيش الآن لا يريدون أن يدفعوا ضريبة التغيير الطبيعية وهى بذل الجهد والنزول إلى الناس فى كل مكان، كما فعل الإسلاميون.
ثم من قال انه إذا حدث وتدخل الجيش واستلم السلطة فانه سيعيدها إلى القوى التى تعتبر نفسها مدنية؟!.
إذا فعل الجيش ذلك فسيكون أمامه طريقان، الأول وهو المرجح أن يأتى بأحزاب ديكورية قريبة منه، كما حدث فى التجربة التركية بعد انقلاب كنعان ايفرين عام 1980، ويظل قابضا على السلطة، والثانى ان يجرى انتخابات نزيهة ستعيد ــ غالبا ــ الإسلاميين.
تحية إلى القوات المسلحة وإلى محاولتها لم الشمل وتحية إلى العقلية التى كتبت البيان الذى أعلن انحيازه للشعب وإلى «الشرعية القانونية»، وحذر من النفق الكارثى حال استمرار الاستقطاب.
إذا أردنا مستقبلا أفضل فالطبيعى ألا ينشغل جيشنا بالسياسة، بل ينشغل فقط بتطوير وتحديث نفسه، ليكون قادرا على التصدى للأعداء خصوصا العدو الصهيونى المتربص بنا.
يا أيها الحالمون بالانقلاب: افيقوا، وانزلوا الشارع، ومارسوا السياسة كما يفهمها الاسوياء، تظاهروا ضد الظلم سلميا، وصوتوا مع أى برنامج تؤمنون به ديمقراطيا، وواجهوا التيار الإسلامى بطريقته وهى الغوص وسط الناس.
ثم لا تنسوا أن تجربة أزمة «الاتحادية» كشفت عن معادلة جديدة وهى أنكم قادرون على الحشد فى الميادين.. فمتى تكونون قادرين على الحشد فى الصناديق؟!.
No comments:
Post a Comment