10 يونيو 2012
من مفارقات هذا الزمان أن
ثورة 25 يناير جعلت العالم العربي أكثر اهتماما بالحاصل في مصر، في
حين أنها
جعلت الشعب المصري أكثر ابتعادا عن العالم العربي وانصرافا إلى شأنه
الخاص. وهو
ما قد
يغتبط له
دعاة مصر
المصرية، لكنه
يحزن أنصار مصر العربية الذين أنتسب إليهم.
لقد أثار
انتباهي ودهشتي خلال زياراتي لبعض
الدول العربية واتصالاتي المستمرة مع
الأصدقاء والأشقاء العرب أنهم أصبحوا يتابعون بدقة أدق
التفاصيل في
مصر، لدرجة أنني شهدت جلسة
في مدينة جدة امتدت إلى
منتصف الليل كان الموضوع الأساسي فيها هو المادة 28 من الإعلان الدستوري.
كنت المصري الوحيد بين تسعة
من السعوديين والعاشر كان سوريا، وخلال الحديث اكتشفت أنهم لا يملّون من مطالعة الصحف المصرية في الصباح، ويتابعون البرامج الحوارية والتلفزيونية
كل مساء، ويحفظون أسماء المشاركين ويتداولون أفكارهم ويحاكمونها.
ولم يكن
ذلك أمرا
استثنائيا، لأن
المشهد تكرر
في بيروت ودبي وتونس والمغرب. وحينما تابعت في
بغداد مؤتمر القمة العربي الأخير، استغربت حين وجدت
من لقيتهم مهمومين بالحاصل في
العراق حقا،
لكن متابعتهم للشأن المصري مستمرة ودقيقة.
في مقابل ذلك لاحظت أن
الإعلام المصري مستغرق إلى حد
كبير في
الشأن الداخلي، وغير مكترث بما
يحدث في
العالم العربي،
أدري أن
الأحداث المحلية مثيرة ولها إيقاعها المتسارع، الذي لا
يتيح للآلة الإعلامية المصرية أن
تعطي الشأن العربي أو الأحداث الخارجية حقها، لكنني أزعم أن ثمة
أحداثا مهمة
في العالم العربي لا ينبغي أن تغيب عن
إدراك القارئ المصري،
وإذ أقر
بأن الحاصل في مصر يفرض
نفسه على
وسائل الإعلام بحيث يحتل أولوية اهتماماتها، لكني أفهم
أنه في
هذه الحالة فإن الشأن العربي ينبغي أن يحتل
المرتبة التالية مباشرة، لا أن
يرحل إلى
الصفحات الداخلية، حيث الأخبار الأقل أهمية.
لقد دققت
في الصحف المصرية خلال الأسبوعين الأخيرين، ولاحظت أن
الخبر العربي اختفى من الصفحات الأولى، في حين
احتلت الصدارة أخبار محلية بسيطة، بعضها عن أنشطة أحزاب ورقية لا
وجود لها
في الشارع المصري.
هذه الظاهرة ليست جديدة تماما على الإعلام المصري، لأن لها جذورا ممتدة إلى مرحلة غيبوبة السياسة الخارجية المصرية، والخروج من
الصف العربي منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل في عام 1979.
وهي الأجواء التي علا فيها
صوت دعاة
الانعزال وغيرهم من المطبّعين والمتغربين، الذي روجوا لشعار «مصر أولا»،
وجيلنا لا
ينسى كيف
قوبل الغضب العربي إزاء توقيع معاهدة السلام مع
إسرائيل، بهجوم مضاد من إعلام السادات على العرب والعروبة، وكيف أن
ارتماء الرئيس السابق في أحضان الولايات المتحدة وإسرائيل أضعف وشائج مصر
العربية، ومن
ثم كرس
سياسة الانكفاء التي اقترنت بالتغريب،
وقيل لنا
آنذاك إن
مصر بهذه
المواصفات صارت
أحد أركان محور «الاعتدال» في
المنطقة!
هذه الخلفية رتبت ثلاث نتائج سلبية،
الأولى أنها
أضعفت متابعة الإعلام المصري للساحة العربية،
والثانية أنها
شكلت لدى
القارئ إدراكا محليا أفقده الحماس للشأن العربي.
النتيجة الثالثة تحولت إلى عنصر
ضاغط على
أمثالي من
المهتمين بأحداث العالم العربي، إذ
صار الواحد منا مخيرا بين
أن يستجيب لرغبة قارئه ويتجاوب مع اهتمامه الداخلي، وبين أن يدعو
القارئ إلى
الاهتمام بالدائرة العربية الأوسع وبجذبه خارج نطاق الدائرة المحلية.
إن شئت
فقل إنه
خيار بين
ما يقبل
القارئ على
معرفته، وبين
ما يجب
عليه أن
يعرفه.
إن القارئ المصري لم يعد
مستوعبا تماما لما يحدث في
سوريا من
مجازر بشعة
وما يحيط
بالمشهد من
تعقيدات في
الداخل،
أو تداعيات له في لبنان بل وفي المنطقة بأسرها، سواء بالنسبة للعراق أو الأردن وتركيا المجاورة.
ولا أظنه
على إدراك كاف بالحاصل في
العراق، بدءا
بالتغول الإيراني، أو الخلاف السني الشيعي، أو الشيعي الشيعي، أو العربي الكردي.
ورغم كثرة
الحديث عن
الربيع العربي الذي فتن به
الجميع وتفاءلوا، إلا أن الساحة العربية لا تزال
تموج بعوامل القلق والاضطراب في
ليبيا واليمن والسودان والجزائر وفلسطين وموريتانيا وتونس.
ولعلي لا
أبالغ إذا
قلت إن
الخبر العربي الوحيد المفرح الذي
وقعت عليه
في الأسبوع الماضي كان دعوة
رجال الأعمال المصريين إلى إقامة منطقتي تجارة حرة
وصناعية على
الحدود الليبية، مع تدشين خط
للسكة الحديد فائق السرعة بين
مصر وليبيا وتونس.
وقد تمت
المبادرة في
إطار المنظمة العربية للتنمية الصناعية، وقدمت على هامش
مؤتمر التعاون الصناعي المصري التركي الذي انعقد في
بنغازي.
وهي الفكرة التي طالما تمنيت أن تنفذ أيضا
مع السودان، لإحياء المثلث الذهبي الذي كان ولا
يزال حلما
يراود دعاة
التكامل العربي، الذي يبدأ بمصر
وجيرانها.
إن الحلم المصري سيظل منقوصًا إذا لم يصبح
جزءًا من
الحلم العربي الكبير
No comments:
Post a Comment