30 مايو 2012
"انقلاب" عمر سليمان – فهمي هويدي
قال اللواء عمر سليمان إن المشكلة الأولى التي تواجه مصر حاليا تتمثل في صعود التيار الإسلامي.
لذلك فإنه لم يستبعد حدوث انقلاب عسكري في مصر في حالة تولي الإخوان المسلمين السلطة في البلد، وهو ما اعتبره المشكلة الثانية.
وفي السياق ذكر أن الإخوان يعدون أنفسهم عسكريا، وأنه خلال سنتين أو ثلاثة سيكون لديهم حرس ثوري لمحاربة الجيش، من ثَمَّ ادعى أن مصر مهددة بخطر الدخول في حرب أهلية كتلك التي شهدها العراق.
هذا الكلام نقله عنه الأستاذ جهاد الخازن في جريدة «الحياة» اللندنية، التي نشرت له على مدى ثلاثة أيام تفاصيل لقائه مع رئيس جهاز المخابرات السابق (في 20 و21 و22 مايو)،
ولم يصدر عن الرجل أي تكذيب أو تصويب لما نسب إليه، الأمر الذي يعني أن علينا أن نتعامل مع ما نشر على لسانه باعتباره معلومات وحقائق صدرت عن الرجل فعلا.
توقيت نشر الحوار مهم، لأنه ظهر مباشرة قبل التصويت على المرشحين للانتخابات الرئاسية.
والحلقة الأخيرة منه نشرت قبل 24 ساعة من بدء التصويت، وختمها الكاتب بعبارة مستوحاة من آراء اللواء سليمان، قال فيها ما نصه:
«إن انتخاب مرشح إسلامي رئيسا لمصر سيكون كارثة على الديمقراطية والسلم الأهلي. وأرجح فوز هذا المرشح، فيتبعه انقلاب عسكري».
توقيت نشر الحوار بهذا المضمون لا يبدو أنه مصادفة، ولكنه يوجه رسالة إلى الجميع في داخل مصر وخارجها تحذر وتخوف وتهدد باحتمال وقوع انقلاب عسكري. إذا وقع المحظور، وابتسمت الأقدار لـ«المحظورة» في الانتخابات.
الملاحظة الأخرى أن اللواء سليمان الذي ظل على ود شديد مع الإسرائيليين، اعتبر الإسلاميين هم خصومه الشخصيين، وظل في ذلك ملتزما بمنطق ومفردات خطاب مبارك ونظامه، الذي تعامل مع مجمل التيار الإسلامي باعتباره يضم حفنة من الأشرار، الذين يتعين إقصاؤهم واستئصالهم.
الملاحظة الثالثة أنه في انتقاده للإخوان والتيار الإسلامي لجأ إلى التخويف والترويع للمصريين في الداخل وللعالم الخارجي أيضا.
فتحدث عن إصدار البرلمان لقوانين تعيد المرأة إلى البيت وتخفض من حضانة الأطفال ومن سن زواج الفتيات.
كما تحدث عن عودة جماعات العنف والتكفير والهجرة، التي ذكر أن انفتاح الحدود مع ليبيا والسودان سيمكنها من الحصول على السلاح.
وفي تخويفه للخارج قال إن من شأن تنامي التيار الإسلامي أن تصبح مصر في نظر الغرب دولة مصدرة للإرهاب «ألعن من باكستان وأفغانستان» ــ هكذا قال ــ وستخسر علاقتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، الأمر الذي يهدد بحصار مصر وقطع المساعدات عنها.
إذا وضعت هذه المعلومات إلى جانب كلام الرجل عن الاستعدادات العسكرية التي يقوم بها الإخوان «لتشكيل حرس ثوري يحارب الجيش» ــ وهذا بلاغ خطير إذا أخذ على محمل الجد ــ ستجد أن الرجل تحدث بلغة ومعلومات مخبر في أمن الدولة من الدرجة الثالثة.
أعنى أنها اللغة التقليدية والنمطية المسطحة والمبتذلة، التي لا تليق برجل أمضى نحو عشرين عاما على رأس جهاز المخابرات العامة.
ذلك أن المسؤولين في الإدارة الأمريكية قالوا كلاما أصوب وأفضل منه بكثير.
وأستحي أن أقول إن ما قاله يطابق تماما ما يقوله المتطرفون في الحكومة الإسرائيلية. والذي يراجع تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان بخصوص الموضوع ذاته خلال الأسبوع الأخير، لن يجد فرقا كبيرا بينها وبين ما صدر عن اللواء سليمان.
الملاحظة الرابعة أن صاحبنا أقنع الكاتب ــ الأستاذ جهاد الخازن ــ بأنه حين تقدم للترشح لرئاسة الجمهورية فإن الإسلاميين وحدهم هم الذين عارضوه، وهددوا باستخدام العنف لمنعه، إدراكا منهم بأنه صاحب الحظ الأوفر في الفوز.
وقد استغربت أن الأستاذ الخازن صدق هذا الكلام، ولم ينتبه إلى أن ترشحه كان صدمة لكل الوطنيين في مصر، لأنه أكثر من الفريق شفيق تمثيلا للنظام السابق وتجسيدا للكابوس الذي عانت منه مصر طوال 30 عاما.
الملاحظة الخامسة أن اللواء سليمان قال للخازن إنه تعرض لمحاولة اغتيال يوم 30 يناير من العام الماضي. وفي حواره سمى الطرف الذي يتهمه بتدبير المحاولة، ولكن الكاتب احتفظ بالسر لنفسه.
وتلك معلومة مهمة تم نفيها في حينها، ولا أجد سببا لكتمانها وإغلاق ملف التحقيق في الموضوع كما ذكر هو. ولا أستبعد أن يكون تسريبها في الوقت الراهن محاولة من جانب الرجل لإقناعنا بأنه كان مستهدفا لأنه كان متعاطفا مع الثورة.
لقد ظل اللواء سليمان محتفظا بهيبته ومكانته طوال السنوات التي ظل فيها صامتا، لكنه حين تكلم فإنه أساء إلى نفسه وشوه صورته، وسمح لنا أن نجد تفسيرا معقولا لخيبات مبارك وبؤس نظامه.
No comments:
Post a Comment