Tuesday, August 9, 2011

نعم‏...‏ المصريون قادرون علي إقامة دولة عظمي

  بقلم: د‏.‏ الأنبا يوحنا قلته
6/10/2011



نستوحي من التاريخ القريب الشاهد الصادق الأمين‏,‏ فقد ولي محمد علي مصر وهي تشبه خرابة مدمرة‏,‏ يعيث فيها المماليك فسادا بعد رحيل حملة نابليون‏,‏ وتركها العثمانيون بعد أن سلبوا طاقاتها المبدعة وأخذوا عنوة الكفاءات في مختلف المهن والفنون‏,‏ وحاولوا طمس توهج اللغة العربية واستبدالها باللغة التركية‏.‏
وأتي محمد علي, واكتشف جوهر وأصالة الإنسان المصري ولم تمض سنوات قليلة حتي كان له صناعة, وزراعة, وتجارة, وجيش دق به أبواب الأستانة, فقامت الدنيا ولم تقعد إذ رأت مصر دولة عظمي هي خطر علي أطماع الدول الكبري, وقلموا أظافر الوالي, وحاصروا مصر من كل جهة حتي لا تتوغل إلي الشمال أو إلي الشرق. ويشهد التاريخ بأن مصر لم يأتها حاكم من أبنائها باختيار حر من شعبها منذ سبعة آلاف سنة.
وجاءت ثورة25 يناير أروع ما تمخضت عنه مصر مع فجر القرن الحادي والعشرين, لم يكن انقلابا عسكريا, لم تكن ثورة جياع كما تنبأ الكثيرون, لم تكن من صنع تيار ديني, لم تكن من تخطيط دول كبري أوصغري, جاءت الثورة مصرية أصيلة من رحم التاريخ المصري, من نسيج كيان مصر الحضاري, من وجدان أمة سبقت الأمم كافة في الإيمان والحضارة والرقي, وذلك يشير إلينا بأن المستقبل يصيغه شباب الأمة.
والمصريون قادرون, بلا أدني شك علي اقامة نهضة مصرية, تعيد لمصر رسالتها الإنسانية, ودورها القومي, والأمر ليس مستحيلا ولا صعبا إذا تحرر العقل المصري من قيود الماضي والإحساس بالهزيمة والخوف, وإذا انطلق إلي رحاب حرية الفكر والعقيدة والرأي, واقتنع بأنه صاحب كرامة وعزيمة وقرار واضح, هنا بعض النقاط الأساسية لقيام نهضة شاملة لعلها تصيب ولعلها تخطيء.
أولا: أن نقلب صفحة الماضي بكل ماحفل من مآس وشرور وجرائم لنترك للقضاء العادل البت في مختلف القضايا دون رغبة في التشفي والانتقام, لنتخلص من كراهية الماضي وان كنا قد رفضناه, فالمستقبل لا يبنيه حقد, أو عداوة, إن المستقبل كالطفل البريء يحمل جينات الوراثة, لكنه يحتاج إلي التربية والتثقيف ومناخ الحب والتسامح.
ثانيا: أن نعيد الكرامة للإنسان المصري, ولها طريق واحد هو المساواة والعدل والمواطنة, إن أي نظام في الدولة أو المجتمع أو المؤسسة يبدأ في الانهيار إذا غاب العدل, إن كرامة الإنسان مبدأ إلهي, شرع مقدس, تدوسه عجلات المحسوبية والمجاملات, ومن هنا تتجلي روعة القانون, فهو السيد المطاع, ينبغي أن تسقط حقبة الحكام الآباء للشعوب, فالحاكم ليس هو الأب المقدس أو الملهم أو المعصوم بل هو خادم للأمة التي تجله وتضعه تاجا علي رأسها إذا هو وضعها رسالة نصب عينيه وأمانة ومصالحها قبل مصالحه, إن شرقنا العربي في ثورة أو ربيع أو مرحلة تغيير قل ما تشاء, والمتشبثون بالسلطة هم الذين يظنون أنهم حماة للشعوب بعدهم يكون الخراب والفوضي والتاريخ أثبت عكس ذلك تماما لقد كانوا أهم معوقات التقدم والعدالة, لم يدركوا قانون التطور, لم يتعمقوا في مسيرة التاريخ, لقد انتهي عصر أبوة الحكام, كما عفا الزمن علي الملهمين والمعصومين منهم..
ثالثا: الحذر كل الحذر أن نقع في فخ تطرف أو تحزب ديني, هذه منطقة ضمير الإنسان, قدس الأقداس في كيانه, لا إكراه في ذلك, لا تمييز بسببه, ولا استعلاء شعوبنا والحمد لله مؤمنة, متدينة, لا تحتاج إلي حكام ينصبون أنفسهم بوقا للسماء أو ورثة النبوءات أو الناطقين بالإلهيات, انتهي عصر الأنبياء, أما أنبياء عصرنا والعصور الآتية فهم بناة العلم وصناع الرقي والحضارة وحماة العدل وقادة التنوير, لا خوف علي الأديان فالدين كما أجمع العلماء غريزة في أعماق الإنسان منذ مولده وهو يبحث عن خالقه وعن معني حياته ومصيره, إن الدين هو النورالإلهي الذي يتسرب إلي أعماق الضمير والروح دون صخب أو ضجة أو عنف..
رابعا: مكانة الجيش والمؤسسة العسكرية, ينبغي أن تبقي الإكليل الذهبي للأمة, الحصن المنيع لأمنه وسلامه, الثقة في إخلاصه وتفانيه لا تهتز, والعطاء كل العطاء لأبنائه فداء الوطن والوجود والحضارة.
إن المصريين قادرون علي إقامة الأمة المصرية الجديدة إذا سادها الأمن وفتحت أبواب الإبداع, وشعر كل مصري بأنه عزيز مكرم في وطنه وأمته.

No comments:

Post a Comment