8 أغسطس 2011
أم سيد وأخواتها – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/08/blog-post_08.html
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/08/blog-post_08.html
قالت لي أم سيد إنها أيضا من ضحايا الثورة، وفي طريقها لأن تصبح من شهدائها.
وقبل أن أطلب منها إيضاحا، استطردت مضيفة أنها بعد أن قامت الثورة أصبحت تعاني من ثلاث مشكلات أثقلت كاهلها حتى أصبحت غير قادرة على احتمالها، وأصبحت تتمنى أن تتخلص من حياتها بأي وسيلة.
وقبل أن أطلب منها إيضاحا، استطردت مضيفة أنها بعد أن قامت الثورة أصبحت تعاني من ثلاث مشكلات أثقلت كاهلها حتى أصبحت غير قادرة على احتمالها، وأصبحت تتمنى أن تتخلص من حياتها بأي وسيلة.
المشكلة الأولى أن مصروفات طعام البيت تضاعفت، حتى كوب الزبادي الذي كانت تشتريه بجنيه واحد أصبحت تدفع فيه جنيهين.
الثانية أن أجرة «الميكروباص» الذي تركبه يوميا لتصل إلى عملها في خدمة البيوت تضاعفت بدورها، ويوم تمسكت بأن تدفع الأجرة التي اعتادت عليها، أنزلها السائق بعد أن لاحقها بالسباب، ودفعها مساعده وهي نازلة والدموع تنهمر من عينيها، لأنها لم تكن تملك ما يغطي الزيادة في الأجر
.
الثالثة أن أحد البلطجية في الحي الذي تسكنه طرق باب حجرتها، وأبلغها بأنه من أول شهر أغسطس وصاعدا عليها أن تدفع له شهريا 20 جنيها أجر حمايته لها، وهي المطلقة، وإلا فعليها أن تبحث عن مكان آخر يأويها هي وأطفالها الثلاثة.
الثالثة أن أحد البلطجية في الحي الذي تسكنه طرق باب حجرتها، وأبلغها بأنه من أول شهر أغسطس وصاعدا عليها أن تدفع له شهريا 20 جنيها أجر حمايته لها، وهي المطلقة، وإلا فعليها أن تبحث عن مكان آخر يأويها هي وأطفالها الثلاثة.
أضافت بصوت مخنوق قائلة إن ذلك ما جنته من الثورة، ولذلك فإنها تعتبر نفسها من ضحاياها،
فاجأني كلامها فقلت إنها في الحقيقة ليست من ضحايا الثورة، ولكنها شأن الفقراء والمعوزين في مصر، من ضحايا نظام مستبد وفاسد ظل يحكم مصر طوال ثلاثين عاما. وهذا الذي حل بها لم ينشئ الظلم الذي عانى منه الجميع، ولكنه زاد من درجته بصورة أو أخرى.
وهذه الزيادة وثيقة الصلة بأجواء ما بعد إسقاط النظام السابق التي من الطبيعي أن تحدث هزات في المجتمع، وما تحدثت به هو بعض نصيبها من تلك الهزات.
قلت أيضا إن هناك ثلاثة عوامل مهمة حدثت بعد الثورة،
الأول أن نهب البلد توقف.
الثاني أن البلد عاد لأصحابه الذين باتوا مفتوحي الأعين وغير مستعدين لاحتمال الاستبداد واستمرار الظلم الاجتماعي والسياسي.
الثالث أن النظام السابق إذا كان قد أغلق بالتوريث أبواب الأمل في أي إصلاح للمستقبل، فإن ذلك الأمل أصبح حاضرا الآن بقوة، حيث لم يعد هناك ما يمكن أن يعطل حركة تقدم المجتمع وانطلاقه.
لم أر على وجهها ما يوحي بأنها اقتنعت بكلامي، لكنها تململت في مقعدها، وقالت إن ما يهمني هو أن يظل بمقدوري أن اشترى الزبادي للأطفال بسعره الذي أعرفه، وأن احتمل أجرة الميكروباص، وألا يطرق ذلك البلطجي باب حجرتي مرة أخرى، كأنها أرادت أن تقول إن أي تحليل أو تبرير للحاصل لا قيمة له إذا لم يمكن المواطن العادي محدود الدخل والفقير من أن يلبي احتياجاته الأساسية بغير عناء أو عذاب.
وهذه رسالة تنبهت إلى أنها غائبة عن إدراك كثيرين من المشتغلين بالسياسات العليا، والنخب الذين لا تستوقفهم المطالب الحياتية للبسطاء، وهم أهل البلد الحقيقيون الذين يفترض أن يستمد أي سياسي شرعيته وقيمته من إخلاصه لهم، وكفاءته في التعبير عنهم، والأخذ بأيديهم.
حين عدت إلى مطالعة الصحف ومتابعة برامج التليفزيون لاحظت أن الأزمة فيها أبعد وأعمق، فهي -في صورتها الغالبة- مستغرقة في الكلام الكبير والسياسات العليا، والنخب الحاضرة في تلك الساحات مشغولة بالجدل والحوار حول أمور تعكس اهتماماتهم الشخصية، التي هي أبعد ما تكون عن هموم الفقراء والبسطاء.
ليس ذلك فحسب، وإنما وجدت أن خطابنا الإعلامي والسياسي مستغرق في الماضي ومشغول به بأكثر من انشغاله بالمستقبل.
وأغلب الظن أن محاكمات الرئيس السابق وأعوانه ستظل محط اهتمام وسائل الإعلام، التي تتسابق في دغدغة مشاعر الناس وإثارة فضولهم من خلال استعادة وقائع الفساد والتربح وتنافس مراكز القوى القديمة على ابتزاز البلد ونهبه.
لست أشك في أن أم سيد التي تكافح لتعول ثلاثة أطفال معلقين في رقبتها، ليست سوى واحدة من ملايين الفقراء الذين ينظرون إلى ما يجري في البلد بعين الاستياء والغضب. ويعتبرون أنفسهم ضحايا لكل نظام حكم مصر.
الكل يتحدث باسمهم، لكن لا أحد مشغول بأحزانهم وهمومهم. أغلب الظن أنهم امتلأوا حماسا ونشوة حين قامت الثورة، لكنهم حينما نظروا إلى أنفسهم وطالعوا وجوههم في المرايا ولم يجدوا جديدا فيما رأوه. انكفأوا على أحزانهم، وعادوا يجترون إحباطهم.
مهم للغاية أن يعيش الناس على أمل الانفراج في حياتهم، لكن من المهم أيضا أن تتمكن أم سيد من شراء «الزبادي» لأطفالها بسعر مناسب.
No comments:
Post a Comment