Tuesday, August 9, 2011

الثورة‏..‏ بعض إنجازاتها

بقلم: د‏.‏ الأنبا يوحنا قلته


في زحام الآمال والأحلام‏,‏ وصخب التغيير والتطور‏,‏ وتلاحق الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية‏,‏ لاينبغي أن يضيع من قدمنا الطريق‏,‏ ولا أن تسقط الرؤية الصحيحة لمسيرة الوطن‏,‏ لايجوز بأي حال أن نغرق في تشاؤم مدمر‏.
 أو ان يغيب وعينا في تفاؤل ساذج, دعنا ندخل الي عمق حركة الثورة العظيمة, ثورة الشباب, نرصد بعضا من انجازاتها التي قد لانلمسها في واقع محسوس هو سجين البحث عن لقمة العيش والهموم الحياتية المرهقة, فما تم انجازه خلال شهور قليلة قد لايتصوره خيال أو يصدقه عقل, ثورة تفجرت كطوفان هادر, من صميم وجدان مصر, مسالمة كأرضها وسمائها لم تعرف عنفا أو حربا أهلية, شباب هو معدنها الأصيل, في كيانه مخزون حضارة آلاف السنين, تجلي فيما يشبه موكبا خياليا ينادي بالحرية والكرامة وأنصت العالم لصوت مصر وخشع أمام روعة صفاء وجدانها حتي بل لعل الثورات العربية أعظم انجاز عربي خلال ألف سنة مضت تري ماذا أنجزت الثورة التي بهرت العالم؟
هل ينكر عاقل أنها أشاعت نسائم الحرية, فكت أغلال العقل المصري, أسقطت شيطان الخوف, حررت ارادته بعد طول صمت قاهر, غسلت كيان الوطن فاستعاد الإحساس بالكرامة والعزة, فهل هذا قليل؟ لا نصدق أن تعود الدكتاتورية, لن يعود التاريخ الي الوراء, لقد عبر الوطن بشبابه عصر الذل والاستكانة, ولن يجرؤ حزب أو تيار أو فرد أن يستعبده.. وما نراه يطفو علي السطح من ارتباك في السلوك أو فوضي في الرؤي أو الاندفاع بنهم للمطالبة بالحقوق الفئوية أو الطائفية أو المهنية أو المذهبية ليست إلا توابع زلزال الحرية والإحساس بالكرامة, الذي صدم الوجدان المصري صدمة إيجابية أعادت له الوعي بذاته وبعظمة وطنه, إنها مرحلة عابرة وفوضي تطفو علي سطح المجتمع الي حين, سرعان مايعود التوازن للوجدان المصري.
خلقت الثورة علاقة وطيدة واضحة بين الشعب وجيشه, وقف الجيش وقادته موقفا حضاريا لم تعرفه من قبل المنطقة العربية, كأرقي جيوش الأمم المتحضرة المتقدمة, إنه جيش الشعب وهم قادة من صلبه وثقافته وأحلامه, تأمل شرقا وغربا لم تصل الجيوش الي ما وصل اليه الجيش المصري من رؤية ثاقبة حكيمة, وكأن الثورة أنهت عهود الانقلابات والفتن, فلن ينجح مرة أخري انقلاب يسرق الحكم في ظلمة ليل أو في عتمة فجر ويصحو الناس علي حكم جديد, ثورة الشباب قلبت صفحة التاريخ القديم, وأثبت جيش مصر أنه صاحب حضارة ورقي والتزام وطني عميق فهل هذا قليل؟
قد لايلتفت أحد الي أن الثورة قد شطبت من تاريخ مصر كلمات حفرها الخوف وارهاب الوطن مثل كلمة المحظورة وكلمة الفتنة الطائفية ولدواعي أمنية وزوار الفجر والحفاظ علي أمن النظام وتطبيع العلاقات أتاحت الثورة لكل تيار سياسي أو ديني أن يعلن عن نفسه بلا مواربة أو خشية, وان كان الزمن كفيلا بترويض ارادتنا للتعبير عن فكرنا برقي وحضارة دون توتر أو تشنج أو عصبية, وبتعبير بسيط أعادت ثورة الشباب صياغة الوجدان المصري بلا خوف من المستقبل الذي لم يأت بعد, وليس المستقبل مجهولا, بل هو مانصنعه اليوم بإرادتنا وحكمتنا.
أزعم أيضا ان الثورة أسقطت ثقافة الفرعنة أو تقديس الفرد, فلم يعد الحاكم صاحب الذات المصونة, معصوما, تحيطه هالة من التخويف, نعم للإجلال والاحترام, نعم لاحترام رؤسائنا وقادتنا ولكن لاللعبودية والاستكانة, فقد ثبت بطلان نظرية الدم المقدس الذي يسري في عروق عائلات الحكام, فهو لايختلف عن دم الفلاح والعامل, المرأة والرجل, وكم من حكام كتب عنهم التاريخ قد أصابهم جنون العظمة, وآخرين أقعدهم المرض وظلوا يحكمون, بل ماتوا وحكم بعدهم وباسمهم منافقون مضللون ويشير ابن خلدون في مقدمته الي ذلك بقوله يجئ خلق التأله الذي في طباع البشر مع ماتقتضيه السياسة من انفراد لفساد الكل( المقدمة ص117 فصل في أن من طبيعة الملك أو الحكم الانفراد بالمجد) ان الثورة المصرية قد أزاحت هذا الفكر من عقول الناس ونادت بأن الحاكم مسئول عن أعماله أمام شعبه, فهل هذا بقليل!
بماذا نسمي هذه الثورة التي لم تستدع شعارا دينيا أو مذهبيا, في الوقت ذاته أقامت الصلاة في قلب الميدان, لم تجنح الي تطرف أو تعصب, أليست هذه سطور أولي في كتابة مستقبل الوطن بل المنطقة العربية, أليس الأمر وضع رسالة الوطن العربي, في التنوع والتعدد وقبول والاعتراف بوجود الانسان الآخر, الانسان بكل مل يحمل من عقيدة أو تراث أو اختلاف, أليس ذلك سنة الكون والطبيعة والحضارات والأديان أو ليس ذلك التنوع سمة لتاريخ مصر, ان مابقي علي الثورة بعد أن غيرت وجدان مصر, أن تغير سلوك الانسان المصري, لأن شباب الثورة عليهم رسالة التغيير في احترام القانون وسيادته والحفاظ علي البيئة, والتصدي لقضايا الاقتصاد وبناء العدالة, ولتكن الدعوة من الآن هي اعادة مصر الحقيقية, مصر الأمن والسلام والمساواة وتلك قضية أخري

No comments:

Post a Comment