Wednesday, August 3, 2011

فازوا و خسر الوطن

فهمي هويدي

 لم يحدث الأسوأ فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى 29/7. وذلك خبر سار لا ريب. إذ فشل الرهان على تحول الميدان إلى ساحة حرب بين الإسلاميين والعلمانيين، ولم يقع «التطهير» أو «كمين الدم» الذى تحدث به البعض وتمناه آخرون. مع ذلك فإننى لست سعيدا بأداء الجماهير السلفية، وإن كنت أفهمه. وأرجو ألا يبالغ الآخرون فى التعبير عن الاستياء منه.عندى فى فهم موقفهم أربعة أسباب هى: أنهم بعد عقود من التغييب والتعذيب والازدراء، إذا أرادوا أن يطلقوا صيحة عالية فى الميادين العامة بالقاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن. فقد يعذرون فى ذلك. أعنى أن المبالغة فى إثبات الحضور يمكن أن تفهم بحسبانها رد فعل على المبالغة فى التغييب والإقصاء. السبب الثانى أنهم قوم حديثو عهد بالممارسة السياسية. ذلك أن الفكر السلفى فى أصله معنى بتصحيح العقائد ومحاربة البدع.والحركة السلفية بمفهومها المعاصر إنما نشأت فى الجزيرة العربية فى القرن الثامن عشر ردا على انتشار البدع آنذاك ودعوة إلى تقويم ما اعوجَّ فى معتقدات وتقاليد مجتمع المسلمين آنذاك. ولم نعرف لجماعتهم اشتغالا بالعمل السياسى إلا فى العقد الأخير على الأرجح، وتجلى ذلك فى ممارسات بعضهم فى الكويت والمغرب فى حدود ما أعلم. وكان ذلك من تداعيات تطور التجربة الديمقراطية فى البلدين. وإذا صح ذلك فهو يعنى أن الجماعات السلفية فى مصر التى كان لها موقفها السلبى من العمل السياسى طوال السنوات التى خلت، تحتاج إلى بعض الوقت لإنضاج موقفها وتطوير خطابها، بما يساعدها على الخروج من ضيق مشروع الجماعة إلى سعة مشروع الوطن، ومن الانكفاء على الذات إلى التفاعل مع الآخر.السبب الثالث الذى يدعونى لإعذار الجماعات السلفية هو أننا إذا كنا قد احتملنا طوال الوقت أصوات المثقفين الذين تصدروا المنابر الإعلامية وهم يرددون بصوت عالٍ «علمانية علمانية»، فيتعين علينا أن نحتمل أصوات آخرين رفعوا فى المقابل شعارات تنادى «إسلامية إسلامية». السبب الرابع أنه إذا جاز للبعض فى الوقت الراهن أن يحاولوا احتكار صدارة المشهد فى مصر، ويقدموا أنفسهم بحسبانهم ممثلين للوطن والثورة، ويحاولون بهذه الصفة أن يرسموا خريطة المستقبل، فينبغى ألا نستغرب من غيرهم أن يسعوا إلى تصويب تلك الصورة لإقناعهم وإقناع غيرهم بأن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم، وإنهم إذا كانوا قد احتكروا الفضاء الإعلامى، فإن للشارع صوتا آخر جديرا بالاعتبار.ذلك كله أفهمه لكننى مازلت عند رأيى فى أننى غير سعيد به. ذلك أن المشهد فى ميدان التحرير كان يمكن أن يكون أفضل كثيرا لو أن السلفيين تصرفوا على نحو آخر. فالتزموا بشعار اجتماع الإرادة الشعبية ووحدة الصف الوطنى، وتجنبوا رفع الشعارات وترديد الهتافات التى عبرت عن هويتهم ونقلت إلى الملأ مطالبهم. وإذا استخدمنا المصطلح الذى شاع مؤخرا. فإننى تمنيت أن يكونوا مع غيرهم يدا واحدة، وليس يدا أخرى موازية.تصوروا مثلا لو أن السلفيين ذهبوا إلى الميدان بحضورهم المكثف، واكتفوا بهيئتهم التى تعبر عن هويتهم، والتزموا فى لافتاتهم وهتافاتهم وكلمات ممثليهم بمطالب التوافق الذى تم مع الجماعات الأخرى، وانطلقت من فكرة لم الشمل. ومر اليوم والجميع يلتفون حول ذلك الموقف. ماذا كان يمكن أن يحدث؟لست أشك فى أن الصورة كانت ستصبح أكثر إبهارا، من حيث إنها تضيف صفحة جديدة إلى سجل التلاحم النبيل الذى عرفه الميدان منذ 25 يناير حتى 11 فبراير. كما أن السلفيين وغيرهم سيكونون أكثر تفاعلا وتفهما واقترابا. كما أنهم سيبددون قلق الخائفين والمتوجسين، ناهيك عن أن المشهد لن يجدد الثقة فى الجميع فحسب، ولكنه أيضا سيحبط آمال المتربصين والساعين إلى إجهاض الثورة وإفشالها. الأهم من ذلك أن من شأنه إشاعة جو من التفاؤل باستقرار الأوضاع، الذى لابد أن يكون له صداه على الصعيدين السياسى والاقتصادى.الشاهد أن السلفيين لو كانوا قد انخرطوا مع غيرهم والتزموا بعناوين لم الشمل، لكانوا قد كسبوا نقطة لصالحهم تعزز الثقة فيهم والاطمئنان إليهم، ولحققت الثورة والجماعة الوطنية والوطن ذاته مكاسب أخرى. لكنهم للأسف لم يروا كل ذلك وشغلوا فقط بإثبات الحضور، فحققوا مرادهم لكنهم زادوا من مخاوف الخائفين، ولم يبالوا بالثورة أو الجماعة الوطنية أو، الوطن ذاته ــ وا أسفاه!


No comments:

Post a Comment