محمد شعبان وجمال عبدالمجيد
ما سر بقاء هذا الرجل في خلفية المشهد..ما حجم النفوذ والحصانة التي يحتفظ بها، ويجبر بها النيابة علي مراعاة أعلي درجات التهذيب حين تتحدث عن »طلبه لسؤاله« حول أقوال الرئيس السابق، وليس استدعاءه للتحقيق، أسوة برجال النظام السابق..وما هي حدود طموحه وتوغله في صنع القرار في عهد الثورة ودوره في مستقبل مصر رغم السقوط المهين في 14 يوماً فقط؟
ربما كان غريبا علي من سمع قبل شهرين فقط هتافات الجموع في ميدان التحرير »لا مبارك ولا سليمان..كلهم عملاء للأمريكان يظهر أمام عينيه في تلك المدة الوجيزة من يطالب بترشيح نائب الرئيس السابق، الذي حظي بالخلع معه في ساعة واحدة، لرئاسة مصر.
لكن هذا ما يجري في كواليس لا تهدأ للإبقاء علي الرجل الذي حافظ علي غموضه زمنا في عهد مبارك.. ويبدو أنه استعاد هذا الغموض بخبراته الغنية بعد قليل من اندلاع ثورة طالبت بسقوطه وسقوط رئيسه معا.
حيث شن مؤيدون مجهولون لترشيح سليمان للرئاسة حملة علي موقع الثورة الأول »فيس بوك«.. ورغم قلة المؤيدين (3500 مشارك) فإن ما تطرحه من شعارات وحجج لترشيح الرجل يعيد للأذهان منطق رجال النظام القديم في التمسك بالحكم.. من أنه الأصلح لقيادة البلاد، وأنه اكثر احتراما لدي الدوائر الغربية، وأنه الأكثر علما وخبرة بالتعامل مع ملفات الأزمات الدولية، وكأن الرجل لم يكن شريكا في نظام مبارك الفاسد منذ اختياره مديرا للمخابرات في عام 93.
14 يوماً كانت كفيلة بحرق الرجل الثاني في مصر.. وإهالة التراب علي مشروع رئيس قادم تمني أعوان النظام السابق أن يكتمل.. فتعيين عمر سليمان نائبا للرئيس المخلوع في لحظات الثورة الحرجة مع كلمات مبارك لشد أزره علي أعتاب مهمة خلافته عند حلف اليمين بقوله »شد حيلك« كانت فتيلاً أحرق الرجل الغامض في ساعات سقوط مبارك الأخيرة.
استعان مبارك بسليمان بعد 3 أيام من اندلاع الثورة وبعد ان ارتفع سقف المطالب إلي الحد غير المسموح به..فشعر الأخير بأنه يقف عند نقطة اللاعودة فقرر أن يحافظ علي وجوده في منطقة القيادة وأن يزيح كل من يقابله من أجل ان يسيطر وحده علي القرار معتقداً أنه يستطيع ان يرسو بسفينة النظام في بر الأمان.
دخل سليمان في معارك لم يربح من ورائها اي شيء بعد قبوله منصب نائب الرئيس فحاول الإطاحة بصفوت الشريف وزكريا عزمي وكل رموز الحرس القديم، وسعي إلي عزل جمال مبارك عن أبيه وأبعد معظم مستشاري الرئيس واستعان ببعض المستشارين المقربين منه، بل وغير لغة خطاب الرئيس نفسه.
أحد مستشاري سليمان هومن كتب الخطاب الثاني لمبارك بعد الثورة بلغة اقرب إلي كسب التعاطف الشعبي ونجح في أن يحقق هدفه قبل ان تأتي معركة الجمل لتهدم كل مكاسب مبارك من الخطاب.
ارتكب الرجل عددا من الأخطاء الفادحة خلال 14 يوماً، منها أنه أدار الحوار مع القوي السياسية والمعارضة بنفس أسلوب مبارك ليظهر أنه دعوة من الرئيس مبارك، فبعد رفض المعارضة للحوار في البداية شن عليها هجوما عنيفا وقال للإخوان إنها فرصتهم التاريخية ومضي في الحوار مع بعض الأحزاب الصغيرة.. وعندما شاركت جميع الأحزاب ظهر أنه يريد فقط تهدئة الأوضاع ولم يقدم ردودا كافية علي مطالب القوي المشاركة.
كما أن عمر سليمان لم ينزل مباشرة إلي الشباب في ميدان التحرير ليتحاور معهم واكتفي باستدعاء بعض الشباب إلي رئاسة الجمهورية ما زاد من حالة السخط وفي الوقت الذي نزل المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة إلي الشارع بعد 3 أيام من اندلاع الثورة، ما زاد من القبول الشعبي لتواجد الجيش وزاد من الغضب علي عمر سليمان الذي تأكد أنه نسخة مكررة من مبارك.
أعقب ذلك ردوده السلبية علي موقعة الجمل وضرب المتظاهرين وقتلهم وقيام الشرطة باعتقال عدد كبير من المتظاهرين واخفاء البعض، مكتفيا بأسفه مما حدث في حوار تليفزيوني.
ونعود للسؤال:ما هو مصدر قوة هذا الرجل ومن أين تأتيه تلك الجرأة التي يتحدث بها ؟
الإجابة تكمن فيما قاله مصطفي الفقي استاذ العلوم السياسية واحد مستشاري مبارك القدامي قبل عام حينما قال: إن رئيس مصر القادم لابد ان يحصل علي دعم امريكي ومباركة إسرائيل..
وواشنطن وبطلب من إسرائيل هي التي ضغطت علي مبارك لتعيين سليمان نائبا له قبل سنوات لإغلاق ملف التوريث من أجل ضمان انتقال سلمي للسلطة ولكن مبارك كان يرفض بشدة هذه الضغوط ويسوق عشرات الحجج لذلك في الخارج.
وحسب ما تؤكده تسريبات موقع ويكيليكس أن سليمان دخل دائرة اهتمام واشنطن منذ 5 أعوام للمنافسة علي الرئاسة من خلال مجاملة أمريكا في الملفات التي تعنيهم بقوة وفي مقدمتها الملف الفلسطيني،حيث استلم الرجل الملف برمته وصال وجال ولم يترك زعيما إسرائيليا من اليسار أو اليمين إلا وتحاور معه وعقد صداقة معه.
وأقرب دليل علي قوة علاقة سليمان بأمريكا وإسرائيل ما ذكرته إحدي وثائق ويكيليكس من أن إسرائيل تعتبر سليمان »صاحب بيت«.
آخر تسريبات ويكيليكس تشير إلي وثيقة صادرة عن السفارة الأمريكية بالقاهرة تؤكد فرط الثقة التي يحظي بها عمر سليمان في الأوساط الدبلوماسية الأمريكية حيث تصف الوثيقة رئيس المخابرات العامة السابق بمفتاح العلاقات الثنائية بين واشنطن والقاهرة.. حيث قالت السفيرة مارجريت سكوبي في رسالة إلي الرئيس باراك أوباما: إن سليمان »الرجل البرجماتي ذو العقل التحليلي الحاد للغاية«.. هو العنصر الأكثر نجاحا في علاقة الولايات المتحدة بمصر علي مستوي عملية السلام.
No comments:
Post a Comment