Sunday, April 10, 2011

الدرس المستفاد.. بين موقعة الجمل وموقعة الاستاد

10 أبريل 2011 |
كنت أتابع مباراة الزمالك من خلال راديو السيارة، ورغم أنى لم أشاهد ما حدث على الهواء لم يساورنى الشك ولو للحظة أنه جريمة مدبرة ولا يمكن إطلاقا أن تكون ردة فعل بعض المتعصبين المهووسين أو شغب جماهيرى غير مبرر أو شحنة غضب نتيجة تصريح غاية فى الحمق من أحد مسؤولى الفريق. فقد خبرنا طويلا تعصب وشغب جماهير الرياضة وندعى أننا نعرفه جيدا. ولكن ما لم أستطع تحديده هو: من أين جاءت الضربة هذه المرة؟
وعندما وصلت إلى المنزل وشاهدت بعينى على الشاشة هول ما حدث، تأكدت تماما ولم يعد صعبا معرفة إجابة السؤال السابق. وثارت فى نفسى ذكريات “موقعة الجمل“، ومن شاهدها بنفسه أو حتى شاهد آثارها فقط حتما سيدرك صحة ما أقول. فمقتحمو أرض الاستاد كانوا من نفس هذه العينة الإجرامية، وفى الحالتين كان تدخل الجيش متأخرا جدا وسيطرته على الأمور لاحقة على الخسائر وليت مانعة لها، كما أن الغرض يبدو متطابقا وهو إحداث أكبر قدر من الترويع والإرهاب عن طريق الاعتداء على كل المتواجدين وليس فقط الفريق الضيف والحكام (حتى الإعلاميين تم الاعتداء عليهم)، وتحطيم كل شىء وعدم الإبقاء على أى شىء، مما يخرج الأمر من دائرة شغب الملاعب والتعصب الأعمى.
ولعل الجيش – بعد هذا الموقف – يعذر الناس وينضم إلى صفوفهم فى التذمر من البطء الشديد فى الإصلاحات، ومطالبتهم باعتماد الحسم الباتر فى بعض الأمور وليس الإجراءات المترتبة على اجتماعات اللجان الرئيسية المنبثق عنها لجان فرعية، إلخ….فالمطالبة بحل الحزب الحاكم سابقا قائمة ولكن لم يتخذ قرار سيادى بشأنها مراعاة للشرعية والمراكز القانونية، والقائمة السوداء لأعضائه ممن أفسدوا الحياة السياسية على مدار عقود وليس سنة أو سنتين معلنة ومعروفة للقاصى والدانى، وتمنى الناس لو صدر قرار باستبعاد هؤلاء من أى مشاركة سياسية فى المستقبل درءا للشبهات، ولكن المجلس العسكرى يؤثر ترك الأمر لصندوق الانتخابات وليس للقرارات الفوقية. وتم “حل” جهاز مباحث أمن الدولة عن طريق تغيير اسمه وكأن الإسم هو ما كان يثير قلق الناس وريبتهم، ألم يكن من الأجدى الاستغناء عنه بالكلية لمدة خمس سنوات على الأقل لنضمن عدم تواصل الأجيال التى تمرست على الأساليب المريضة أحيانا واللاإنسانية فى كثير من الأحيان؟ والحديث عن أهمية دوره هى العبث بعينه، فالدور الذى كان يقوم به فى ال 15 سنة الأخيرة على الأقل، لم يكن إلا أمن “النظام” وليس أمن “الدولة” من قريب أو بعيد. وبالتأكيد ستستطيع بقية الأجهزة الأمنية العمل بدونه وتغطية دوره، بل ربما يكون ذلك بصورة أفضل. وهل ستعود الشرطة؟ ومتى؟ وكيف؟ وهل المطالبة بمعاملة الناس بعدالة واحترام ومساواة شىء بهذه الصعوبة؟ هل كانوا إلى هذه الدرجة بعيدين عن هذه المعايير حتى يحتاج الأمر كل هذا الوقت منهم لتنظيم صفوفهم.
يستطيع المجلس العسكرى الآن أن يتخذ قرارات ومراسيم لها قوة القانون، وبالمناسبة هو فى هذا الموقع بفضل الناس الذين طالبوا بذلك ورأوا فيه الخيار الأنسب بين كل الخيارات المطروحة، وليس بشرعية قانونية أو دستورية أو انتخابية كالتى يحاول أن يراعيها فى قراراته. فمن ماذا يخشى؟ والناس الذين رفعوه إلى هذه المكانة ووضعوا فى يده هذه الأمانة هم من يطالبونه؟ فليأخذ أحد تلك القرارات وسيرى كم من الناس معه وكم منهم ضده وسيرى أى التأثيرين هو الأقوى، والقول بأن التجربة والخطأ لا يجب أن يكونا طريقة عمل مؤسسة رصينة مثل المؤسسة العسكرية مردود بأن الظرف استثنائى وهى مؤسسة معلوم مسبقا أنها تؤدى دورا ليس منوطا بها، كما أن طول دراسة القرارات لن يمنع السخط منها فى جميع الأحوال.
الجيش مطالب الآن بالحسم فى جميع الأمور – دقيقها وعظيمها – أكثر من أى وقت مضى، واستبعاد سوء النية فى عدم الحسم يفضى بنا إلى احتمال وحيد هو التأنى الشديد الذي يصل إلى حد المط والتطويل والتدقيق والتعمق بدون داعى قبل وأثناء اتخاذ كل قرار وهو ما ليس فى صالح أى من الأطراف.
وبجانب الفضيحة الأدبية التى طالت سمعة مصر بعد المباراة، كنت أتمنى لو أن الاتحاد الأفريقى لكرة القدم يعاقبنا كدولة مضيفة وليس كفريق مضيف حتى ننال الدرس كاملا وندرك نتيجة التراخى فى معالجة الملفات الملتهبة وانتظارها حتى تبرد قبل الاقتراب منها. فالمسؤولية هنا ليست مسؤولية النادى الذى لم يقصر فى شىء فأقام ضيوفه فى أفخم الفنادق ووفر لهم ما يحتاجون من انتقالات وأماكن للتدريب وحصل على الموافقة الأمنية لإقامة المباراة، ولكن المتوقع للأسف هو عقاب النادى على أساس أن الشغب والاعتداء جاء من جماهيره كما يفترض. (وقد يكون ذلك جزاء وفاقا من السماء لمسؤوليه الذين حرضوا الجماهير تحريضا فجا، وإن لم يكن هذا هو السبب الرئيسى كما اعتقد فقد كان يتوجب عليهم أن يصونوا ألسنتهم ويراعوا مواقع المسؤولية التى يحتلونها. ولعلهم يتعلمون من إخواننا التونسيين كيف تكون ردود الأفعال مع الوضع فى الاعتبار حجم الخطأ فى كل بلد.)
وأخيرا، أهمس فى آذان السادة أعضاء المجلس العسكرى: إما الحسم وإما الفوضى وها هو المثال أمامكم، وستكونون – بحكم موقعكم على قمة هرم المسؤولية – أول من يكتوى بنار الفوضى ويلام ويحاسب عليها. ولن يأتى بالفوضى من يطالبون بالحسم ولكنها ستأتى على يد هؤلاء الذين اتسعت لهم صدوركم وتركتموهم يرتعون، هؤلاء هم من يجدون فيها متنفسا لهم يستنشقون فيه عبير الماضى لعله يعود إليهم، ولكن هيهات فسنظل لهم بالمرصاد حتى يذهبوا هم مع ماضيهم إلى غياهب النسيان لا يذكرون إلا باللعنات

No comments:

Post a Comment