عشر سنوات من السجن فى قضية «مراكز القوى» كانت خطاً فاصلاً فى حياة ضياء الدين داوود، رئيس الحزب الناصرى، تحول فيها من مرحلة الفعل السياسى كعضو وقيادى بارز فى الاتحاد الاشتراكى إلى مرحلة «النضال ذى الصمت الطويل» عقب خروجه من السجن أملا فى إحدث تغيير حقيقى فى مصر من خلال استعادة حلم التجربة الناصرية سعياً نحو تطبيقها مرة أخرى فى مصر بعد وفاة الرئيس السادات، ما جعله يتمسك بمنصب رئيس الحزب الناصرى، الذى أسسه عام 1992 لمدة 18 عاماً، محاولاً أن يكون للحزب دور فى الحياة السياسية.
توفى ضياء الدين داوود بعد أيام قليلة من بلوغه الـ85 من عمره، فهو من مواليد 27 مارس عام 1926 فى قرية «الروضة» بمحافظة دمياط، وتخرج فى كلية الحقوق عام 1949 قبل قيام ثورة يوليو بثلاث سنوات، لينضم إلى مؤيديها، ويتفاعل مع إنجازاتها حتى انتخب عضواً بمجلس محافظة دمياط عام 1964، ثم عضواً بمجلس الأمة عن دائرة فارسكور من 1968 إلى 1971، وخلال هذه الفترة تولى منصب وزير شؤون مجلس الأمة عام 68 لعدة أشهر، ثم وزير الشؤون الاجتماعية فى نفس العام لأشهر قليلة أيضاً، وتم انتخابه عضوا باللجنة التنفيذية العليا بالاتحاد الاشتراكى من 1969 وحتى 1971، وهو المنصب الذى جعله ينضم لقائمة المتهمين فى قضية مراكز القوى ليقضى 10 سنوات فى السجن جعلته يشعر بمرارة - حسب تعبيره - تجاه السادات حتى بعد وفاته، ودفعته إلى أن يكرر فى أكثر من تصريح: «اخترنا السادات بعد ناصر عن فراغ لا عن قناعة فلم يكن أمامنا سواه».
الصدام مع النظام انتقل مع داوود من السادات إلى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، ويذكر له موقفه عندما أعلن رفضه التوريث ورفض التعيين فى مجلس الشورى بصفته رئيس حزب سياسى، الأمر الذى ترتب عليه إسقاطه فى انتخابات مجلس الشعب 2005، وتعرض فى هذه الانتخابات إلى الضرب من أحد رجال الأمن، وسقط على الأرض فعاد إلى منزله متأثراً بهذا الموقف، وهو ما دفعه إلى الانسحاب تدريجياً من الحياة السياسية، حتى اشتد عليه المرض فجلس مرغماً فى منزله، واكتفى بإدارة مكتبه للمحاماة وزراعة أرضه فى قرية الروضة بدمياط.
لم يفكر «داوود» فى اعتزال الحياة السياسية، والاستقالة من رئاسة الحزب كما فعل خالد محيى الدين فى «التجمع» لقناعته - حسب تصريحاته - بعدم وجود كوادر مؤهلة فى «الناصرى» قائلاً: «تجربة التجمع مختلفة، فخالد محيى الدين لديه كوادر أما نحن فلا»، ضياء الدين داوود، الذى حمل حلم الناصرية فى قلبه وعقله ووجدانه لأكثر من 40 عاماً، كان حريصاً على نفى وجود أى خلافات أو انشقاقات داخل التيار الناصرى، مؤكداً أن حزبى الوفاق والكرامة لم ينتجا من انشقاقات داخل الحزب والأمر لا يخرج عن كونه طموح مجموعة من شباب الناصرى دفعهم إلى الرغبة فى اكتساح «السوق السياسية» - على حد تعبيره - فى أحد التصريحات الصحفية، وهو ما اعتبره أمراً طبيعياً. ورغم العداء التاريخى بين الإخوان والناصريين فإن داوود كان يرى أنهم الأكثر انتشاراً وتواجداً فى الشارع، لامتلاكهم التمويل اللازم لتحركهم، الأمر الذى دفعه إلى التنسيق معهم فى مواقف كثيرة، رافضاً فكرة وجود تحالف حقيقى معهم أو غيرهم من القوى السياسية.
كان داوود يؤمن بدور الشباب فى العمل السياسى، ويحلم بمستقبل مشرق لمصر تنتهى فيه سيطرة الحزب الوطنى على مقدرات البلد، وإن كانت ظروف مرضه فى الأشهر الأخيرة حالت دون أن يشارك فى ثورة 25 يناير، ويشهد مولد عصر جديد، وليسجل فى تاريخه معايشة الثورة الثانية فى حياته إلا أنه كان يتابعها بفرحة.
No comments:
Post a Comment