Wednesday, May 18, 2011

هيكل : مجلس للأمن الوطنى ودستور .. ولا أجد حرجا فى تسمية المشير رئيسا .. ليبيا ستقسم وتنظيم للقاعدة قرب حدودنا

في الجزء الثاني من حواره مع الاهرام يؤكد الاستاذ محمد حسنين هيكل ان الدولة مستمرة وان ما يتغير هو النظام لان الدولة لابد ان تكون موجودة في كل موقع من الجغرافيا

ما دام هناك شئ يعيش في الزمان.ويطرح الاستاذ هيكل جدول اعمال وطنيا مقترحا ، بخطوات متتالية وبفترات زمنية محددة تنتهي بانتخابات رئاسة الجمهورية مشيرا الي انه خلال مرحلة انجاز جدول الاعمال المقترح لايجد حرجا في تسمية المشير محمد حسين طنطاوي رئيسا للدولة في هذه المرحلة الانتقالية,وحتي إتمام جدول الأعمال المقترح.ويتناول الأستاذ هيكل الحالة الثورية علي الساحة العربية من سوريا إلي اليمن وليبيا.و يكشف الأستاذ عن آخر زيارة لليبيا استغرقت عدة ساعات التقي فيها لآخر مرة بالعقيد القذافي وسمع منه ما جعله يصفه- لأحمد قذاف الدم بأن العقيد فقد صلته بالزمن!!

هناك مشاعر من القلق ومخاوف عديدة في المرحلة الراهنة حول ملامح المستقبل.. كيف تفسر هذه المشاعر بعد ثورة نجحت بكل المقاييس, وان كانت لم تحقق الفوز كما تقول؟

 
دعني أحدد وألخص ما يلي بوضوح:
 
لابد من تفرقة بين الدولة وبنيانها القانوني والتنظيمي والإداري المستمر وبين النظام السياسي الذي يختاره الناس بإرادتهم الحرة لإدارة هذا التنظيم وفق مراحل التطور وإحتياجاتها وتداول السلطة علي أساس من شرعية الاختيار.
<
الدولة لابد ان تكون موجودة في كل موقع من الجغرافيا, مادام هناك شعب حي يعيش في الزمان, وكثيرا ما يحدث الانتقال من حال إلي حال, وبنيان الدولة قائم, وذلك تكرر مرات حتي في التاريخ المصري القريب بين1952 ــــ1954 في عملية الانتقال من العهد الملكي إلي العهد الجمهوري, كانت الدولة مستمرة- وكان النظام يتغير.
<
أريد أن ألح في موضوع الاطمئنان والاستقرار والشعور بالأمن والراحة, فذلك لا يوفره مجرد إجراء انتخابات علي غير أساس, أو وضع دستور علي طريقة عرفناها مرات.ما يوفر الاطمئنان والاستقرار والشعور بالأمن والراحة أن يعرف الناس معرفة كاملة ومرضية ما ينتظرهم.
<
أن يعرفوا بالضبط: ماذا؟!
<
أن يعرفوا بالضبط: متي؟!
<
أن يعرفوا بالضبط: كيف؟!خطوة بعد خطوة:
1
ـ دولة قادرة علي ضرورات مواطنيها في حياتهم كل يوم من الأمن إلي الغذاء.
2
ـ دولة علي قمتها سلطة ترتب وتدير
3
ـ أي ترتيب للانتقال, عليه مؤسسات دولة ورئاسة للدولة ومجلس للأمن الوطني ويمثله حاليا المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومجلس وزراء ومجلس أوسع لأمناء الدولة والدستور.
4
ـ حياة سياسية تحرك بحيوية كل الأفكار والأطراف وتخلق قيادتها الجديدة.
5
ـ دستور يوضع بالإرادة الحرة لشعب حر.
6
ـ انتخابات تعيد النبض إلي النظام السياسي.
7
ـ انتخابات لرئاسة الجمهورية تقوم بواجبات الشرعية الجديدة.وهذا يحققه جدول أعمال- وليس مواد إعلان- جدول أعمال واضح قاطع مرتب ومقنع, وبواسطة استفتاء عام يصدر بإرادتهم في مرحلة انتقال تفي فيه الدولة بمسئولياتها, حتي يرتب الناس للنظام الذي يملأ بنيانها جدول أعمال واضح لا تزيد مدته علي سنتين اثنتين.. فترة جسر عبور إلي ما بعدهما.بوضوح هناك شييء اسمه تنظيم أمن ومطالب ومصالح وهذا هو بنيان الدولة وهناك شئ اسمه نظام شرعي كامل وهذا دستور دائم وحياة سياسية حرة.
 
ألا تري أن ذلك قد بدأ بشكل ما مع إجراء الاستفتاء علي الدستور قبل نحو ثلاث شهور ؟
 
{{ أندهشت كثيرا من هذا الاستفتاء, نحن ذهبنا للاستفتاء علي10 مواد في دستور كان مقصودا بها التوريث بينما كل عملية التوريث نفسها كانت قد انهارت ولم يعد لها وجود, وقد تم الاستفتاء بطريقة مشرفة, هذا صحيح.. لكن الدستور المقصود سقط في اليوم التالي بأكمله ومن أوله لآخره, ثم صدر الإعلان الدستوري, محاولة ترميم وهي في ظني لا تستطيع انشاء أحوال مستقرة, كما أن هذا الإعلان الدستوري كان يضم مواد لا يمكن أن تنفذ نفسها بحد ذاتها, مثلا عندما نقول كفالة العدالة.. كيف سينفذ ؟! وظني أن الوقت قد جاء لكي يعلن المجلس الأعلي للقوات المسلحة ما يمكن أن يسمي جدول أعمال وطنيا, وقد يقال لي أن المجلس أعلن نوعا من جدول الأعمال في بداية توليه مهامه, لكن ذلك جري قبل أن تتضح الأمور, وقد كان ذلك حصارا ذاتيا بالزمن في العمل المطلوب, دون لزوم, وقد يقال أيضا إن المجلس سبق وأصدر بيانا دستوريا حافلا بالمواد, وفيه الكفاية, لكن ذلك الإعلان كان مواد أحكام وليس برنامج عمل, ونحن الآن كما نسمع ونقرأ في انتظار انتخابات نيابية لا أعرف كيف تجري ؟! وأمام انتخابات رئاسية لا أظن أنها قد تأتي بجديد ومن الأسئلة التي لا نتوقف عن إجاباتها كثيرا هو: لماذا طلب الشعب الجيش في هذه اللحظة ؟! لأنه ببساطة أدرك أن الجيش هو أداة السلطة الأعلي في البلد.. وبدلا من كونه في يد سلطة الحكم أصبح في جانب سلطة الثورة, والتي ينبغي أن تفعل فعلها, لكن لأن المسائل ليست محددة فنحن نداري ونجاري بسبب عدم وجود ترتيب منظم وشبه مؤسسي وهذا لا ينبغي, هناك تصور بأن المرحلة الانتقالية هي مرحلة انتظار ومساومة وحلول وسط وتأجيل وهذا غير دقيق.. بل معضلة في مرحلة تحتاج لجهد وبحث طويل جدا للوصول لهدف الثورة.حديثي هنا عن فترة انتقال حدها الأقصي سنتان, حتي يمكن ببصيرة وكفاءة إقامة نظام سياسي يتولي إدارة الدولة بسلطة الشعب المباشرة, وبحريته الكاملة, مع تذكير أنفسنا بأن الديمقراطية هي أسلوب تنظيم ممارسة الحرية!!

هناك من يشير إلي المؤامرة مستندا إلي التصريحات القديمة لكوندليزا رايس عن الفوضي الخلاقة والشرق الأوسط الجديد ؟!

{{
أنا أعتقد أننا خلطنا ولم نفهم ما قالته كوندليزا رايس عن الفوضي الخلاقة, راعتنا كلمة الفوضي, ولم نفهم كلمة الخلاقة, كوندليزا رايس وآخرون غيرها من مدارس الفكر الحديث تتحدث عن عملية الخلق وفق التفسير العلمي لبداية ظهور الكون الذي يسمونه الانفجار الكبيرBigBang, وهم وفق هذا التعبير يرون أن الانفجار الكبير فرقعة فوضوية أطلقت من العناصر الكونية ما يقدر أن يتفاعل مع بعضه إلي أن يستطيع مع عنصر الزمن أن يحول الفوضي إلي نظام له قوانينه زمن بمئات الملايين, وصياغة قوانينه, مع اعتبار عنصر الزمن, وتعبير الفوضي الخلاقة' واضح علي هذا النحو, بصرف النظر عن أي يقين ديني أعتقد فيه أو يعتقد غيري ويري أن خلق الكون جاء بمشيئة قادرة,.. الفوضي الخلاقة إذن هي نتيجة تصور علمي يري الانفجار الكبير بداية ظهور الكون, وأن تفاعل عناصر الطبيعة نظم نفسه, وصاغ قوانينه, بينما أنصار النظرة الدينية يرون أن الخلق الإلهي هو نتيجة قدر مقدور من رب خلق السماوات والأرض في ستة أيام, ثم استوي علي العرش وهذا خلاف معتقدات, وليس مسألة مؤامرة, وقد أري وقد يري غيري أن كونداليزا رايس مخطئة في نظرتها العلمية, وقد يري آخرون أنها علي صواب.. ولكن في كل الأحوال هي في حساب العلم خطأ أوصواب, وليست قضية مؤامرة أو مخطط تربص, وزيرة الخارجية الامريكية السابقة تتصور إمكانيه تطبيق النظرة العلمية في السياسة.. أي أنه لا خوف من دخول الشعوب لمرحلة فوضي لأن عناصر الحيوية الكامنة بداخلها تستطيع بالامتزاج والتفاعل والحوار أن تصنع قوانين جديدة تنظم المجتمع من جديد, وأنا مختلف معها سياسيا في كل شيء وأيضا مختلف معها يقينيا فيما تقوله عن أصل الكون.. لكن هي هنا لم تكن تتكلم عن مؤامرة, فقط عملت قياسا بين العلوم الطبيعية وبين الحياة السياسية وهو ما فات علي بعضنا- هي تري أن القوانين التي تتحكم في الأمور متطابقة في الحالتين, وطبعا باستمرار كل الأقوياء وطالبي السيطرة يستخدمون المباديء غطاء للمصالح.. وكلام كوندليزا رايس في حد ذاته ليس مؤامرة, الحلفاء مثلا خاضوا حربين.. الأولي تحت دعوي الديموقراطية والثانية تحت دعوي السلام العالمي, الأهداف في حد ذاتها ليست فيها مؤامرة.. لكن هذه الأهداف تم اتخاذها دائما غطاء لتصرفات أخري مناقضة لها, ومشكلة العقل العربي أنه مستعد للشك في كل شيء.

ولكن بعدما تم فعل الثورة عشنا أياما من الإنفلات الأمني وأحداث الفتنة الطائفية وغيرها, هل يمكن اعتباره تفسيرا لحالة الفوضي هذه ؟!
 
{{ لا.. دعنا نتكلم بوضوح, حالة الثورة هي حالة تغيير لا يتم إلا بفك وضع قديم بكل تركيباته وإعادة بناء وضع جديد وفق نموذج يتمناه الكل, وفي حالات التغيير كل المجتمعات تواجه مشكلة سيولة بالضرورة وبالطبيعة.. وكل الأطراف الموجودة- مهما كانت نواياها طيبة أو سيئة- تحاول أن تستغل حالة السيولة هذه لكي تعيد تشكيل الجديد علي هواها, وهنا تحدث حالة ملازمة للثورة هي الفوضي.. لكن الأمر يتوقف علي قدرة قوي الثورة- التي تملك الحق في الامساك بالخيوط وتعيد التنظيم, وهناك حالة بطء شديدة جدا في مواجهة القوي الداخلية والخارجية التي تحاول تشكيل هذه السيولة حسب رغبتها قبل أن تتماسك المواقف ويحدث التغيير, ومن أهم واجبات الثورة في اعتقادي حماية نفسها بإبعاد الفوضي عن صفوفها, وهنا يأتي دور السلطة الجديدة.

لدي قلق علي الثورة لا أخفيه ولا أداريه

الفوضي هي نتيجة ولو أردنا العودة للمقدمات والحديث بالتفصيل عن أهم التحديات التي تواجه المرور نحو حالة الفوز, هل حجم هذه التحديات كبير للدرجة التي تهدد تحقيق أهداف الثورة ؟!

{
لابد أن أقول بأمانة أن لدي قلقا لا أخفيه ولا أداريه, رغم أنني رجل قرأ تاريخ الثورات الكبري وعاش بعضها في الزمن الحديث, ثم تابع عن قرب هذه الثورة العظيمة في مصر, ابتداء من أواخر يناير2011, وأنا أعرف من دروس التاريخ أن الثورات لا تتشابه ولا تتكرر, وأن كل ثورة لها طبائعها ومناخها وأحوالها, وأن الثورة المصرية الراهنة هي الأخري فريدة من نوعها, أعرف أيضا أن بعض القلق عقب الحدث الثوري الأكبر في أي عملية ثورية كبري وارد ومشروع في اليوم التالي, لأنه مع واقعة تاريخية مشهودة يكون اليوم التالي للحدث مثقلا بالأعباء والهموم, وهناك خمسة تحديات تقف أمام تحويل النجاح إلي نصر في حالة الثورة المصرية, وهي قضايا بالغة الأهمية:أولها: أننا أمام ثورة بلا قيادة موحدة
وثانيا: أننا أمام ثورة بدون فكرة مرشدة يعتمد عليها دائما كمرجعية.. أي فكرة جامعة
وثالثا: أننا أمام ثورة لا تقدر نتيجة لما سبق أن تصنع, وأن تقيم نظامها
ورابعا: أننا أمام ثورة لم يكن أمامها بديل غير أن تعهد إلي القوات المسلحة بأن تصبح أمينة علي الشرعية, حتي تستطيع أن تستكمل بقية مهامها
وخامسا: وهذا هو الأهم.. أن كل المشاكل المتراكمة والمحبوسة انطلقت من عقالها بعد انفتاح أبواب الأمل بالثورة.وهذا خماسي دقيق من القضايا معرض لالتباسات تحتاج إلي إدارة سياسية واعية, وكذلك فنحن أمام مهمة شاقة, في لحظة دقيقة, علي ساحة مزدحمة, في مناخ ساخن ومشاعر جامحة, وكله يجري تحت نظر وسمع إقليم وعالم مهتم ومتحفز خصوصا والنار تندلع في أطراف عديدة من ذلك الإقليم, كما أن المصالح والمطامع علي أشدها في العالم, فهي ثورة حدثت في بلد مهم ومؤثر بتاريخه وموقعه الجغرافي وتركيبته السكانية وثقافته مما يجعله موضع اهتمام العالم الذي كان مطمئنا إلي قواعد للتصرف معك.. بينما الآن الثورة تعيد فرز قواعدها وترتب نفسها لمستقبل تتمناه.
>
هل يمكن أن نضيف أيضا لما سبق إشكالية أن من قام بالثورة من الشباب وبقية فئات الشعب لا يملكون سلطة وأدوات تحقيق أهدافها ؟!
{{
لا تستطيع أن تدعي أن أحدا بعينه قام بالثورة والتي هي عمل مشترك, الشباب خرجوا كطلائع.. والملايين بعدما انضموا لهم فتحوا أبوابا كثيرة, والجيش عندما رفض أن ينضم للسلطة القديمة وقال إنه لن ينحاز إلا للشعب أصبح جزءا من الثورة بواقع الأمر, وبالتالي ليس صحيحا هذه التفرقة التعسفية ما بين الشباب والجماهير والقوات المسلحة.
 
عناصر الثورة الثلاثة تتحاور كأطراف مستقلة 
رغم الفعل الواحد والهدف المشترك

=
التفرقة هنا في قدرة صنع القرار ؟!

{{
أفهم ما تعنيه.. القضية هنا هي تنظيم العلاقة بين قوي الثورة, فالشركاء الثلاثة مستجدون علي بعضهم, الشباب وكتلة الملايين والجيش رغم أنهم من نسيج واحد لكن لكل طرف منهم منطق مختلف, وحتي هذه اللحظة وهذه هي الأزمة- لم يجدوا صيغة لتنسيق التعبير والفعل, بمعني أن.. الشباب عندما خرجوا جذبوا الكتلة وراءهم, وبعدما استمر الشباب في حالتهم الثورية كانوا كلما طلبوا شيئا من المجلس العسكري يستجاب لهم في اليوم التالي وهذا مطلوب لكن نحن الآن في حاجة إلي حوار لتنظيم العلاقة والتي يجب ألا تقتصر علي أن طرفا يطلب والآخر يستجيب, نحن تنقصنا الوسيلة المؤسسية التي تخلق تفاعلا وتمازجا بين عناصر الثورة الثلاثة, هنا الخطر لأنك لا تستطيع إيجاد العلاقة بين مرحلة انتقالية ومرحلة مؤسسية بضربة واحدة, المشكلة أن العناصر الثلاثة يتحاورون مع بعضهم كأطراف مستقلة متناسين أن الفعل الواحد جمع بينهم والهدف المشترك وحد بين الكل, نحتاج إلي تنظيم في الانتقال.. فالمجلس العسكري يقول إنه لا يريد البقاء طويلا, وأنا أيضا أتفهم رغبته هذه ولا نريده أن يبقي طويلا, لكن مادام يؤدي هذه المهمة في هذا الظرف فلابد من وضع تنظيمي يسمح بلقاء وتشاور وفرز وفحص ومناقشة, وأيضا يسمح بحضور في القرار وليس مجرد أن طرفا يطلب والثاني يوافق, وهنا, وبالأمانة فإن مسئولية كبيرة وتاريخية تقع علي ثلاثة أطراف:الطرف الأول: بالطبع هو قوي الثورة من الشباب والجماهير, وهذه مسألة واضحة ولكنها تساوي وضعها في إطار أوسع, ومنذ نحو عامين عندما طرحت فكرة مجلس أمناء الدولة والدستور كان ذلك في ذهني, نحن في حاجة إلي أن ترسل هذه الكتل الجماهيرية بممثلين إلي مجلس من نوع ما.. تشاوري أو مؤقت أو تأسيسي, مجلس معترف به, ونحتاج إلي تواجد من الشباب وكل قوي الشعب بداخله, بحيث يمكن كفالة تمثيل ولو تقريبي للقوي الاجتماعية المختلفة, ويمكن أن يكون ربع أعضاء هذا المجلس من الشباب, وربع من القوي التي شاركت في تحريك الشارع المصري من رجال القضاء, وأساتذة الجامعات, وممارسي السياسة المقبولين من صفوف الأحزاب والتجمعات ومن خارجها, ثم ربع من ممثلي قوي الإنتاج والعمال والفلاحين والإداريين ورجال الأعمال, وربع آخر من رجال يعرفون الشأن العسكري ومطالب الاستراتيجية القومية, والخبرة في معرفة العالم الخارجي, وذلك مجرد اقتراح للمناقشة.. وليس من الضروري مجلس أمناء للدولة والدستور.. ممكن مؤتمر وطني جامع أو شيء من هذا القبيل لكيلا تظل المسألة طرفا يطلب وآخر يستجيب أو لا يستجيب, وحتي لا تظل الجماهير تشهد ويعجبها أو لا يعجبها, نحن في حاجة إلي وضع ننظم فيه للانتقال بأسس واضحة.

ومن هو الطرف الثانـي من عناصر الثورة وما حدود دوره ؟

{{
هو المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي تم تكليفه بشرعية السلطة في البلد, عهدة وأمانة, ومع أني أعرف تماما أن هذا المجلس لم يكن مستعدا للأعباء التي نزلت عليه, ولم يكن مهيأ لها, فأنا أتصور وذلك قلته في أكثر من مناسبة وبالتحديد بعد حدث الثورة في يناير2011 أن الجيش في مصر هو أقوي ركائز الوطنية المصرية, وكان دوره مشهودا باستمرار في عملية التحديث والبناء في مصر طوال تاريخها, وقد كان لابد من ترك فرصة لهذا المجلس يتعرف فيها علي أوضاع طارئة, وإن لم تكن مستجدة, وأظن الآن أن الفرصة تستوفي حقها, ويصبح التحرك واجبا, وينبغي التفرقة بين شيئين
الأول: وهو الدولة, وهي مؤسسة قائمة علي رباط تنظيمي اجتماعي يصون ما هو مشترك بين الجميع وما بين نظام سياسي محكم وفق إرادتهم الحرة باختلاف الاجتهادات والأزمنة.بالنسبة للدولة, لابد لها من بنيان تنفيذي.. ولابد لها من رئيس يتحمل مسئوليات الدولة, ونحن لسنا أول ناس نخترع ذلك, وكما حدث في فرنسا مثلا هناك تمييز بين رئاسة الدولة ورئاسة الجمهورية, يمكن جدا لمرحلة انتقالية أن تكون هناك رئاسة للدولة يملؤها رجل واحد أو أكثر بينما رئاسة الجمهورية موضوع آخر, ورئاسة الدولة وجدت في أوروبا مرتين علي الأقل في العصر الحديث, في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.. وبعد سقوط النظام الشيوعي في أوروبا, تعال نفترض أن عندنا حالة سقوط لنظام سابق ولا توجد قوي سياسية قادرة علي تنظيم وتقديم نفسها للناس.. وسوف تجري انتخابات سليمة لملء هيكل الدولة ينظم بقوي سياسية وبرامج وأشخاص منتخبين شرعيا, هنا وفي مرحلة الانتقال يكون الهدف هو ترتيب دولة تنهض بمسئولية إدارة تسيير الأمور فيما يخص الأمن القومي ومصالح الناس وحياتهم والعلاقات العربية والخارجية وغيرها, ويجب أن نعترف بأن عندنا اليوم غيابا للدولة لأنه يوجد خلط بين تأسيس شرعية دائمة مؤسسية وهو ما يعني رئاسة جمهورية.. والوضع المؤقت الانتقالي, فلا يوجد شعب يستطيع أن يعيش بلا دولة, وأنا شخصيا لا أجد حرجا وبحكم منطق الأشياء وحقائقها وتقديرا لما قام به المشير طنطاوي مباشرة في أزمة الانتقال ــ في تسميته رئيسا للدولة في هذه المرحلة الانتقالية, إذا رئي أن تكون رئاسة الدولة لمجلس رئاسي فليس من الصعب العثور علي عضوين فيه إلي جانب المشير طنطاوي مع استمرار مسئوليته عن وزارة الدفاع وعن المجلس الأعلي للقوات المسلحة والذي يمكن أن يتحول إلي مجلس أعلي للأمن الوطني, وإذا كان بجوار رئاسة الدولة نوع من مجلس أمناء الدولة والدستور علي نحو ما أشرت إليه, يشارك في التحضير لانتخابات جمعية تأسيسية, تطرح دستورا جديدا, فهذه ضمانة كبري لسلامة وشرعية فترة الانتقال ذاتها, ولابد وبلا تردد أن يحدث عنها فصل بين الدولة الحاضرة دائما ومن يملأ هيكلها السياسي و الدستوري بمعني أن ضرورات الحياة تحتاج لوجود تنظيم الدولة.فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية فعلت هذا بعدما عاد كيان الدولة وأصبح الجنرال شارل ديجول مسئولا مؤقتا عن رئاسة الدولة حتي أمكن اجراء انتخابات تشريعية جاءت بأحزاب وقوي سياسية أخري, وأنا أشعر في بعض الأحيان بوجود حساسية زائدة من هذا الموضوع ولا أجد لها أي داع أو مبرر, فالشعب والقوات المسلحة والعالم كله موجود وحاضر, وليس عندي ما يخيفني, واستشهد هنا بمقولة الرئيس الأمريكي الاسبق روزفلت ليس هناك ما نخشاه إلا الخوف نفسه.وأنا مندهش من إصرار المجلس العسكري علي هذا الحصار داخل الزمن.. الزمن ملك الناس وفي طوعهم وليس العكس نحن نحكم الزمن ولكن الزمن لا يحكمنا وفكرة الحضارة كلها هي كيف يمكن أن تتحكم في الزمن و المهمة هي التي تحدد الوقت.اسمح لي بأن أضيف ملاحظة أخري:أنه بين المشاكل الرئيسية التي تعاني منها السياسة المصرية وجود نوع من خيال الظل, تخلط الخيال بالواقع, حيث لا ترابط بين التمني والحقيقة, وبين الإرادة والفعل, بحيث يبدو الكلام في مجال يجمح بالتصورات إلي حيث يريد, وتبقي الوقائع علي الأرض تمشي بدوافع حركتها الذاتية, دون ربط بين الاثنين, وهذه حالة فصام غريبة في الفعل العربي عامة!!
 
الحكومة الحالية بحاجة إلي عملية تعزيز ضرورية 

نعود إلي الأطراف الثلاثة التي عليها مسئولية كبيرة وتاريخية في هذه اللحظة من تاريخ مصر, إذا كانت قوي الثورة من شباب وجماهير تمثل الطرف الأول, والمجلس الأعلي للقوات المسلحة يمثل الطرف الثاني, فبدهي أن الحكومة تمثل الطرف الثالث.. ما هي ملاحظاتك عن أدائها حتي الآن ؟!

{{
ظني أن موضوع السلطة التنفيذية المباشرة يحتاج إلي عملية تعزيز ضرورية, فهو بالتشكيلة الحالية يحتاج تقوية ودعما, لأن مهام تسيير الأمور أكبر مما يتصور أحد, وهناك مجموعة من الوزراء لديهم الكفاءة والقدرة واستطيع أن أسمي بعضهم لولا الحرج, كما أن هناك آخرين قد تكون المهام ثقيلة عليهم, وهذه مسألة لابد أن تعالج بغير حساسية, فهذا البلد في هذه اللحظة يحتاج إلي أقوي الوزارات حيوية وكفاءة, أكثر مما كان في أي وقت مضي, المهم هو وجود جدول أعمال بمهام المرحلة الانتقالية ومسئولياتها خطوة بعد خطوة وبطريقة واضحة, هو أكثر ما يحول طاقة الثورة إلي قوة فعل, ثم هي أكثر ما يساعد علي انتقال مأمون, وأكثر ما يشيع ما هو مطلوب من روح الاطمئنان, فجميع طبقات الأمة لابد أن تعرف ما هي مقبلة عليه دون غموض وارتباك, وإلا فإن البلد في هذه اللحظة الخطيرة يصبح عرضة للمجهول ومفاجآته, خصوصا وأن هناك موقفا اقتصاديا بالغ الحساسية, إلي درجة تفرض علي كل الناس أن يتوقفوا, وأمامي عنوان الأهرام الرئيسي ونحن نجري هذا الحوار, وهو يقدر خسائر الإقتصاد المصري في الأشهر الأولي من2011 بنحو70 مليار دولار, كل هذه أجراس خطر تقرع إنذارا, يجب ألا تخطئه أذن, دعني أضف أيضا أنني أطلعت في باريس علي تقرير معتمد يشير إلي أنه إذا ما استمرت أمور الاقتصاد المصري علي هذا النحو فإن الإقتصاد هذه السنة سوف يحقق عجزا مقداره2% وهذا عبء ثقيل!!.
 
تغير النهر فتغيرت طاقة الاحتجاج 

>
في تاريخ مصر علي مدي500 سنة ما وصفه الدكتور جمال حمدان في موسوعة شخصية مصر أنه لم تحدث أو تنجح في مصر ثورة شعبية حقيقية واحدة بصفة مؤكدة مقابل هبات أو فورات فطرية متواضعة أو فاشلة غالبا, هل هناك ما يضمن ألا يتكرر ذلك هذه المرة ؟!

{{
هناك متغير اساسي ناقشته مع جمال حمدان عندما كنا نلتقي في مكتبي بطريقة منتظمة في سنوات عمره الأخيرة وهو الطبيعة في مصر, لماذا كانت تحدث هبات قصيرة ؟! لأن هذا البلد طوال تاريخه مرتبط بنهر النيل وهذه كانت نظرية جمال حمدان ومفكرين غيره كثيرين, نهر النيل هو مصدر الحياة ومنظم كل انشطتها, المياه تأتي من مصدر واحد ثم تتوزع في ترع وقنوات في دورات محدودة لتحقيق العدالة.. ومن هنا جاءت سيطرة الفرعون لأنه هو الذي ينظم هذا التوزيع, وكانت هبات الفلاحين دائما قصيرة بسبب ارتباط اراضيهم بالمياه في موسم معين وفي توقيت معين وفي لحظة معينة, وعندما كان الفلاح يخرج للتظاهر والتعبير عن رأيه كان يسرع عائدا إلي أرضه التي تحتاج رعايته الدائمة وحتي لا يفوته نصيبه من المياه, وأنا قلت لجمال حمدان إن السد العالي مع تراكم الزمن سيحدث تغييرا اساسيا في الطبيعة الإنسانية للجغرافيا في هذه الحالة لأن هذا الفلاح اتجه إلي زراعة من نوع آخر, المناوبات موجودة والمياه لم يعد لها موسم فيضان ويتم تخزينها, حدث تغيير في الطبيعة الجغرافية, وأيضا الشعب بدأ يتوسع في أسباب حياته, ولم يعد يعتمد علي الزراعة وانتشرت الصناعة, أيضا الهجرة أثرت في تكوينه.. هل كنا نتخيل إن ليبيا بها مليون ونصف المليون مصري ؟! أعتقد أن مصر سياسيا ستتطور أكثر.. وهي تنتقل من مجتمع يعيش تحت ديكتاتورية النهر, إلي مجتمع يعيش مع النهر, وقد استطاع الانسان المصري تنظيم حركة هذا النهر طبقا لمشيئته هو, كما أن مصر تطورت إلي بلد صناعي وتجاري ومصدر للعمالة البشرية, وقد رأينا بالفعل حجم التغير السياسي الذي طرأ علي طاقة الإحتجاج الشعبي لأول مرة عشرة أسابيع متتالية تظهر المظاهرات المليونية, وأنا واحد من الناس لم أكن أتصور هذا علي اساس كلام قديم وتصورات سابقة ولكن النهر تغير.. وطاقة الاحتجاج تغيرت!.

بالقطع فإن جغرافيا الثورات العربية تدعو للحيرة وتحتاج إلي تفسير.. فهي لم تبدأ في تونس ثم تنتقل عبر الحدود الي ليبيا ومنها إلي مصر.. وإنما كانت كرة الثورة تتجاوز الحدود الجغرافية للملعب.. كانت أشبه بكرة لهب تقفز من تونس الي مصر.. ومن اليمن الي ليبيا.. وتسقط في البحرين ثم تتحول الي كرة لهب في سوريا.. والسؤال: هل كان هذا مجرد مصادفة.. أو أنه مقصود لأسباب ربما تستطيع أن تفسرها وأنت تتابع ما يجري ؟

{{
ليست جغرافيا ولكنه تاريخ, هناك بلدان كثيرة متجاورة لكن ليس بينها هذا التفاعل, وهذه الثورات في العالم العربي ليست مسألة جوار جغرافي تنتقل فيه الأفكار والحركات بالعدوي, لكنها مسألة تاريخ واحد عربي, أنكر بعضنا حقائقه, في مجالات الثقافة والأمن والمصالح المشتركة ورؤي المستقبل أيضا, وما حدث دليل علي أن هناك أمة واحدة تؤثر فيها أحوال مشتركة في نفس الوقت وبنفس الطريقة, والحقيقة أن العالم العربي كله باتصال التاريخ أكثر من تواصل الجغرافيا وصل إلي حالة ثورة علي الأوضاع السائدة فيه, وهو من الأصل كان في حالة قلق, منذ انتهاء آخر نظام ساد فيه حكمه, وهو دولة الخلافة العثمانية, منذ ذلك الوقت نهضت فكرة الدولة الوطنية تملأ فراغ الخلافة, لكن الدولة الوطنية لم تثبت قدرتها علي تحديات العصر, كما أن الروابط بين شعوب الأمة العربية كانت أقوي من حدودها السياسية التي رسمها الاستعمار علي طريقة سايكس بيكو, ومشت الأوضاع العربية, ومعها التحديات الخارجية, إلي حرب فلسطين1948, ثم ظهرت بعد ذلك وبثورة يوليو1952 في مصر فكرة الرابط العربي القومي, لكن الحرب ضدها كانت أقوي من طاقة احتمالها, وعدنا إلي فكرة الدولة الوطنية بعد حرب1973, لكنها جاءت عودة محصورة في كل بلد داخل حدوده, بعيد عن غيره, معزول عنه, وهو وضع مستحيل سواء بالتاريخ, أو بضرورات التقدم والتنمية والعدل الاجتماعي, وكذلك زاد الخلل إلي درجة التمرد.. وهي إذن حالة تاريخ أكثر منها حالة جغرافيا!!

معظم النظم العربية تتهاوي شرعيتها

و هل هناك دلالة لأن تكون البداية الثورية من تونس ؟

{{
الأمور لا يمكن قياسها بهذا الترتيب لأنها ليست عدوي, لكننا هنا نركز علي خطأ سببه المحاولات الكثيرة لاستغلال الحالة الثورية لدي الشعوب العربية بشكل أو بآخر, في تونس نجحت الثورة لأنها بلد صغير والأحداث وقعت بسرعة وقبل أن ينتبه أحد لها, وفي مصر مرت الأمور بشكل طبيعي لأنه لا يمكن لأحد التدخل, لكن بعدما ظهرت الحالة المصرية وتركت كل هذا الأثر راح بعض الطامعين يحاولون دفع التاريخ بأكثر من قوته.. وبأكثر من ضرورات نضجه.كانت درجة الحرارة الثورية في العالم العربي ترتفع وأعراضها تتزايد يوما بعد يوم, مما دفع الأمور إلي كارثة واصلة إلي أكثر من بلد عربي, إلي درجة احتمال الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية والتقسيم, والنظم في البلاد العربية معظمها هش, ومعظمها تتهاوي شرعيته ويكاد يخرج من حساب الزمن, وهناك من يتصور نفسه في الملعب الدولي, وهذا صحيح, لكن الملعب فيه عنصرين: اللاعب والكرة.. والسؤال: من اللاعب علي الساحة العربية الآن؟ ومن الكرة ؟

=  
لو اقتربنا أكثر من الحالة الليبية.. كيف تري نهاية المشهد في ليبيا خاصة بعد أن أصبح بين كل الاطراف المتصارعة هناك شهداء ودماء ومخاطر تقسيم للبلد ؟

{{
أعتقد أن نظام القذافي فقد شرعيته, وآخر مرة قابلت فيها ابنه الذي زارني في بيتي الريفي وكان معه5 من أمناء اللجان االشعبية تكلمت معه بمنتهي الصراحة, وبعدها طلب الرئيس القذافي أن يراني واعتذرت عدة مرات, لكنه أعاد الطلب علي اساس أنه رئيس القمة العربية في هذه الدورة.. وارسل لي طائرته إلي حيث كنت في الساحل الشمالي, وكان معي يومها زائر علي الإفطار وهو الصديق الأستاذ الصحفي عبد الله السناوي وسألته إذا كان يحب أن يجيء معي, وهو ما حدث, وذهبنا في طائرة العقيد وعدنا في مساء اليوم نفسه, وجلست مع القذافي بمفردنا4 ساعات.. واختلفنا في كل شيء تقريبا, ثم أستأذنته أن ينضم إلينا رفيق السفر, وخرجت إلي المطار, وقلت لأحمد قذاف الدم مرافقي الرسمي في الرحلة هذه آخر مرة أقابل فيها ابن عمك
كانت البداية مساء الأول من سبتمبر1969, كنت أول رجل من العالم الخارجي قابل القذافي,وبعدها لاقيته عدة مرات في مكتبي بالأهرام, وبعد الخلاف بينه وبين الرئيس السادات فإنني امتنعت عن لقاء القذافي لـ25 سنة كاملة, ثم التقيته بعد ذلك مرة في إحدي زياراته لمصر وكان لقاؤنا في قصر القبة وكتبت عنها مقالا طويلا في مجلة وجهات نظر, وجرت مياه كثيرة وبدت رياح الثورة تهب علي ليبيا.
 
شرعية القذافي سقطت ولكن صواريخ الأطلنطي لا تبني شرعية جديدة 

ويضيف الأستاذ هيكل قائلا: لكن هنا توجد مسألة مهمة جدا.. وهي أن هذا النظام لايزال عنده جيش قادر ويحارب تحت سلطته وقبائل موالية له, وأنا أعتقد إن كل هذا سينتهي بسقوط شرعية نظام القذافي, لكننا بذلك سوف نكون إزاء معضلة خطيرة لأنه بعد سقوط شرعية القذافي فإن صواريخ حلف الأطلنطي لا تبني شرعية جديدة, هناك قوي خارجية تحاول أن تستغل مطلب التغيير وحركته.. وتستعجلها, وهي بذلك تسيء إلي حركة التغيير, الخطأ هنا أننا كجامعة عربية بدلا من مساعدة الشعب الليبي تركنا الأمر لمجلس الأمن الذي قام بتحويل هذه المسئولية لحلف الأطلنطي, والبترول يطل في الأفق باعتباره الجائزة والمطلب, وهذا أساء إلي فكرة الثورة في ليبيا وأدي إلي تدمير البلد وتمزيقه, وهذا شبيه بما فعلناه للأسف في الصومال والعراق والسودان, و أكاد أقول في سوريا ولبنان أيضا.و لو كان هناك إجماع عربي يقدر الظرف ومخاطره وتم توجيه إنذار للقذافي.. و لو أن الدول العربية قالت إنها ستساعد مطلب التغيير في ليبيا لكان هذا أفضل كثيرا من هذا الوضع الذي ينذر بتسليم المنطقة من جديد لقوي الاستعمار.

ما يجري في ليبيا يخص الأمن القومي المصري تحديدا

لكن عربيا تبدو حرية الحركة مقيدة بعض الشيء بالنظر للظروف التي تمر بها دول الجوار لليبيا مثل تونس ومصر والسودان.. خاصة مع التدخل العنيف للجيش الليبي ضد شعبه ؟!

{{
أبدا.. فإذا أعلن رؤساء وفود الدول العربية الذين تقابلوا هنا في الجامعة العربية نداء لتأييد الشعب الليبي ومساعدته.. ووجهوا إنذارا للقذافي لمدة أسبوع وإلا فسترسل مساعدات مادية وعسكرية للشعب الليبي وستسمح بالمرور بين الحدود, قل لي ما هو تأثير ذلك علي الجيش الليبي ؟! والأهم من ذلك أن هذا موضوع يخص الأمن القومي المصري بالتحديد, أنظر إلي الخريطة والتي هي باستمرار بوصلة السياسة.. لقد تركنا المجال لحلف الأطلنطي, وتركنا مدن الساحل الشرقي تتورط معه.. وهناك قبائل أخري وقفت مع القذافي.. ليبيا ستدخل مرحلة تقسيم, وأنا أري عناصر كثيرة وغريبة جدا متطوعين أو مرتزقة من دول كثيرة جدا يتدفقون إلي هناك, وأخشي أن تكون أمامنا عناصر تنظيم قاعدة جديد يتشكل في منطقة الجبل الأخضر.. وهي منطقة مقاومة في منتهي الصعوبة في ليبيا, وهي قريبة جدا من الواحات المصرية التي تعتبر مدخلا من جنوب مصر, إذن فما يجري في ليبيا مسألة أمن مصري مباشر, كما أن هناك شيئا أخر يتعلق بالتواصل الانساني بيننا وبين ليبيا, أقصد قبائل البراعصة وقبائل أولاد علي.. كيف يمكن أن نسمح بتقسيم ولائهم ؟! ونصفهم عندنا من الفيوم إلي السلوم مواطنين مصريين.و أعرف أن الجيش المصري حاليا لا يفكر في التقدم للمساعدة في برقة في ظل الظروف الراهنة وربما لو أننا كنا في ظروف طبيعية لكان ذلك ممكنا.. وبرغم ذلك فقد كانت هناك وسيلة سياسية لمنع تسليم بلد عربي بثرواته غنيمة بهذه الطريقة.

>
بمناسبة كلامنا عن الشأن الليبي.. عندما شاهدت القذافي لأول مرة في بداياته, هل توقعت أن تكون هذه هي نهايته ؟!

{{
النوستالجياNostalgia- أي الحنين مأزق إنساني نعيشه جميعا, أقصد هنا الذكريات الطيبة عن شخص ما قابلته في حياتك في وقت معين وكانت لديه براءة ــ من نوعا ما ــ, كذلك تظل بمرور السنين موزعا بين الواقع والذكري, هو سألني مرة لماذا لا تحضر إلي ليبيا؟.. كانت قد مرت وقتها25 عاما لم أره فيها, وقلت له أنا ممتنع عن زيارة ليبيا حتي احتفظ بالصورة التي رأيته فيها أول مرة, كنت لا أريد مشاهدة الواقع حتي لا أفجع, هناك فارق كبير بين الصورة والواقع.. وهو لم يعد هو, حتي في الشكل.. ليس هو.

=
في كل ما يجري في المنطقة علي أي مسافة يقف اللاعب الإيراني ؟

{{
منطقة الشرق الأوسط توجد بها3 دول أساسية وهذه الدول هي مصر وإيران وتركيا, ولو راجعت التاريخ فستجد أن النفوذ في المنطقة كانت حركته تقوم علي الفراعنة في مصر, والأكاسرة في إيران, وأباطرة بيزنطة في آسيا الصغريتركيا الآن,وأنا أعرف تركيا وإيران فقد عملت مراسلا في أسطنبول وطهران في شبابي الباكر, ومن المفارقات أن النظام الملكي المصري السابق أدرك أهمية إيران وسعي لكي يزوج أخت الملك فاروق الأميرة فوزية إلي شاه إيران علي غير رغبتها رغم أنها لم تكن تريد الابتعاد عن مصر لكن شقيقها رأي بمشورة رجال في نظامه منهم علي ماهر وعبد الرحمن عزام وأحمد حسنين ضرورة إنشاء روابط مع إيران حتي بالمصاهرة, وبعدها يأتي نظام في مصـــر متخلف من ثورة يوليو ليقول لنا إنه علي عداء مع إيران, كنا في وقت من الأوقات معها في خلاف بسبب علاقات الشاه بإسرائيل, وكنت شخصيا من الذين لعبوا دورا في عودة العلاقات بين مصر وإيران بعد عام1967, الغريب إننا كنا في وقت عبد الناصر علي عداء مع إيران بسبب علاقتها بإسرائيل, وإذا بالعداء يتحول بعد ذلك بسبب علاقتنا نحن مع إسرائيل, وأنا رأيت كل قادة إيران منذ سنوات طويلة والمؤكد أننا نحن الذين بدأنا بالعداء معهم, وقد قابلت الخوميني بعد الثورة وسألني لماذا أصدر الأزهر فتوي تكفرني؟ هل علي أساس الخروج علي طاعة ولي الأمر ؟!وأعتقد أن العلاقات المصرية الإيرانية بالتحديد في حاجة لمناقشة طويلة جدا لأن هذا خلل استراتيجي في التوازن المطلوب لأي سياسة خارجية مصرية.ومن الصعب في هذا الزمن أن يقال سنة وشيعة وندخل المنطقة في صراع إسلامي ـــ إسلامي, بديلا عن صراع عربي إسرائيلي, ونقع جميعا في أخطاء عبثية في لحظة خطر داهم يزحف علي الجميع.

No comments:

Post a Comment