Wednesday, May 18, 2011

هيكل:عز دفع 200 مليون لإنشاء نظام إتصالات حركى للحزب الوطنى ولم أقل إن موسى والبرادعى لا يفهمان فى السياسة


في الجزء الثالث والأخير من حواره المهم مع الأهرام بعد فراق يفتح الأستاذ محمد حسنين هيكل الكثير من ملفات الشأن الداخلي‏..‏ فيتكلم عن محاكمات رموز الفساد في النظام السابق وما جري للثورة الناعمة المصرية.
وملفات الفساد الثلاثة, ويتطرق لأول مرة لجانب من حياته العائلية.و التي ظل الأستاذ حريصا علي أن يضع خطا فاصلا بينها وبين حياته الصحفية لولا بلاغات عما أسموه نجل هيكل..كما يشرح الأستاذ هيكل في حواره رؤيته وتحليله المشهد العام ومبررات آرائه في المرشحين لرئاسة الجمهورية.

>
حول محاكمات رموز النظام السابق.. هل كنت تتوقع أن يكون الفساد بهذا الحجم والعمق والإتساع ؟

عندنا في موضوع الفساد3 قضايا اساسية:أولا: قضايا الفساد المالي والإداري
وثانيا: قضايا الفساد الاستراتيجي والسياسي
وثالثا: قضايا الفساد المتعلقة بجرائم إنسانية مثل التعذيب في السجون والقتل.

وأنا أعتقد إنه لا ينبغي أن تعطل المستقبل لكي تحاسب علي ما جري بالأمس, لابد من عملية فصل, ننشيء بها هيئة قانونية قضائية وسياسية خاصة للتحقيقات في كل ما جري, لأنه موضوع لابد من استيفائه والوصول فيه لنتيجه حاسمة وقاطعة وعادلة, فترك كل شيء للنيابة العامة ظلم كبير لها, فهي مشغولة بأعباء لديها كثيرة خاصة فيما يتعلق بملف الأمن, فنحن نلقي علي النيابة العامة والنائب العام أكثر مما يستطيعون تحمله, ومع الأسف الشديد في المجتمع المصري الشكاوي الكيدية بالآلاف وأنا اسمع عنها الكثير.. وهذا طبيعي في مجتمع مظلوم وكل من فيه مستعد أحيانا للشكوي بداع حقيقي أو بداع نفسي أو بداع متصور, وهذا وقع في بلدان آخر, فرنسا بعد ثورتها الكبري أسست لجنة لـ الأمن الوطني العام, كما أنه من الصعب في بعض القضايا أن تفصلها عن بعضها..
مثلا عندما نتكلم عن الفساد المالي نأخذ ملف الخصخصة كله لأنه في النهاية ملف واحد, وهناك ملف ثان للأراضي وقد حدث فيه ما يشبه النهب, ولابد أن أقول لك بأمانة وأنت تعرف آرائي الاجتماعية, إنني أخاف من وقوع أعباء كبيرة علي الاقتصاد بالطريقة التي نتصرف بها في ملف الأراضي بالتحديد, خاصة لو وصل الأمر إلي التحكيم الدولي, فهناك بعض الشركات الدولية مثلا حصلت علي مساحات من الأراضي وقامت بانشاء مشروعات تكلفت المليارات, وهذه الشركات تصرفت في ذلك وفقا لقانون سائد مع شخص مفوض ومسئول, وفق قوانين صدرت عن مجلس شعب دستوري قائم مهما قيل عن شرعيته, تستطيع أن تحاسب هذا الشخص, وتستطيع أن تسائل مجلس الشعب السابق وقياداته,وتستطيع أن تستجوب نظاما كاملا سمح بمثل هذه التجاوزات, لكن عليك ترتيب الأمور علي نحو ما حتي تتجنب أية مضاعفات, ولابد أن تأخذ في إعتبارك أن الفساد في مصر كان مقننا, ومعني الفساد السياسي أن هناك من أستطاع أن يغطي نفسه بنص القانون أو بالتحايل عليه, فقد كانت صياغة بعض القوانين تتم وفقا للمصالح, وفي الحالتين الدولة مسئولة, وأحيانا قد تجد نفسك مضطرا للتعامل بمرونة إزاء خطأ كبيرا من أجل مصلحة عليا, فنحن بلد لا يستطيع أن يعيش بدون استثمارات خارجية, وهناك وسائل كثيرة تستطيع أن تضمن حق البلد فيها إزاء تصرفات خاطئة, لكنها تمت وفق قانون, وفي هذه النقطة بالذات أنبهك لخطأ قديم تم ارتكابه يخص التنازل عن التوكيلات الأجنبية التي كانت بالكامل ملكا للأجانب ثم أنتقلت للقطاع العام ثم جري توزيعها علي قطاع خاص مستجد وطاريء, هذا البلد ظل ينهب طوال تاريخه, موجة نهب بعد موجة نهب أخري, وقد آن الأوان لوقف هذا النزيف.

لدينا مشكلة في معالجة الفساد, ولابد من وسائل جديدة للتعامل معها, أصل المشكلة أن النظام السابق تعامل علي أنه باق إلي زمان طويل, لأنه ليست هناك قوي منظمة أو عصرية تتحدي سلطته, وكذلك فإن تصرفاته في معظمها جرت بثقة في النفس, تظن أنها تستطيع أن تفعل أي شيء وكل شيء, وحقيقة أن حكم مبارك لمدة ثلاثين سنة دون تحدي له قوة يحسب حسابها, زاد من الشعور بالثقة, وأغري باستعمال كل الوسائل في خدمة النظام وأشخاصه ورموزه وأنصاره.لقد استخدم القانون نفسه لتشريع الفساد, واستخدم أجهزة الدولة بما فيها مساحة كبيرة من جهاز الأمن لخدمة أمن النظام, وليس أمن الشعب.واستخدم أوسع أدوات الإعلام بالتحديد في خدمة عملية التوريث, ومن ذلك طرأت تملك العلاقة التي لم يكن لها لزوم بين ما سمي أمانة السياسات في الحزب وبين الجامعة والإعلام والتليفزيون, وهذه مساحة رمادية.السياسة باستمرار كانت حاضرة في الجامعة وفي الإعلام, لأن السياسة تحتاج دائما إلي عملية التجدد الفكري والتواصل مع العالم, نحن في زمن سابق في الأهرام بالتحديد أنشأنا مركزا للدراسات السياسية والاستراتيجية, وهذا المركز ضخ كثيرا من الرؤي النافعة للعمل السياسي ذلك الوقت, لكنه في ذلك الوقت لم يكن موصولا بأي تنظيم حزبي, لا بالاتحاد الاشتراكي ولا بغيره, كان يهتم بقضايا السياسة والاستراتيجية في مصر وفي العالم العربي, إلي علاقة العرب بالعالم.وكان ما يقال وينشر عنه أوسع من مصلحة حزب أو مصلحة جماعة.كان ذلك المركز يقول وينشر, وكان يدير الحوارات حول الصراعات الوطنية والقومية كلها, ويتيح ما يدور فيها للعلم العام, ليستفيد بها من يستفيد, ويناقشها من يريد أن يناقشها.من الإنصاف أن ألاحظ أن مركز' الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية' لايزال يواصل دوره بكفاءة, لكننا لا نكون صادقين مع أنفسنا إذا لم نقل أنه كانت هناك جهود حقيقية ومنظمة لاختراقه, نجحت أو فشلت, وإلي أي مدي هذه مسألة تدرس, وهذا نموذج في مراكز أخري, وفي مواقع أخري للعلم والتنوير, لكن محاولات الاختراق لم تتوقف, ولسوء الحظ أن عددا من أفضل العناصر التي كان يجب أن تكون احتياطيا لفكر جاد أخذتها محاولات التحيز بعيدا, وأضرت بقيمتها, وإلي العلم والتنوير معا.
<
ويضيف الأستاذ هيكل: سوف أحكي لك قصة غريبة ليست سرا, ففي تقييم مهام المجموعة الأوروبية علي التأثير في البلاد العربية, حدث أنه جري توزيع الاختصاصات بين عدد من الدول الأوروبية, فرنسا مثلا أوكلت إليها مهمة النفاذ الثقافي, وهكذا وجدنا أنفسنا في مصر نلتحق بمنظمة الفرانكفون التي تضم الدول الإفريقية التي كانت محتلة لقرنين انتشرت فيها وتجذرت بطبيعة الأحوال لغة فرنسا.وهنا جري توظيف اللغة مدخلا ثقافيا إلي نفوذ سياسي, ولكن مصر لم تكن ضمن هذه المجموعة للنفاذ الفرنسي, وفي حين امتنعت الجزائر وسوريا, وعاندت في الانضمام إلي مجموعة الفرانكوفون مع أنها كانت مستعمرات فرنسية في يوم من الأيام, فإن مصر دخلت لسبب ما.ألمانيا أوكلت إليها مهمة المساعدة في مجال تطوير النظم القضائية.بريطانيا أوكلت إليها مهمة المساعدة في تطوير الأداء السياسي, وهذه هي النقطة التي أريد الدخول إليها, حيث إن إنجلترا تكفلت بمساعدة, الحزب الوطني في ذلك الوقت فقد كان هو الطرف المصري المعني بهذا الموضوع.وحدث عندما لاحت فكرة توريث السلطة أن توافق ذلك مع ظهور توني بلير, وخطر لبعض الناس في مصر أن هناك أوجه شبه مع ظرف مستجد, خطر لهم أن سياسة شباب قادم من المجهول: توني بلير وجورج براون وبيتر مندلسون استطاعت أن تستولي علي حزب العمال, ووصلت به إلي أغلبية في مجلس العموم, تحكم, وبرجل مثل توني بلير, وكأنه نزل بالباراشوت, وهو شاب في ذلك الوقت غير معروف, ولكنه نزل بالباراشوت علي رئاسة الوزارة, وفجأة اشتد نشاط التعاون الحزبي بين مصر وإنجلترا, وكان النزول بالباراشوت علي السلطة هو عامل الإغراء بتجربة حزب العمال في إطار الاهتمام البريطاني بتطوير العمل السياسي في مصر, وبالفعل ذهبت مجموعات من الحزب الوطني إلي لندن, تقابل القيادات الجديدة لحزب العمال, وتتعلم كل ما يمكن أن تتعلمه عن عملية هبوط شاب من المجهول علي رئاسة الوزارة, وهي قمة السلطة في بريطانيا.ولم تكن الوفود التي ذهبت من الحزب الوطني مهتمة لا بالأفكار ولا بالبرامج, وإنما النزول بالباراشوت علي السلطة.وكانت اهتمامات وفود الحزب الوطني علي أساليبه الدعائية, وعلي قسم معين بالذات, وهو قسم بعيد عن نشاطه الظاهر, لأنه مهتم بما يسمونه العمليات, مهمته إرباك, خصوم الحزب والإساءة إليهم وشل فاعليتهم, بما في ذلك تسريب إشاعات وروايات تشغلهم علي الأقل, وكانت بعض الوسائل جديدة متطورة مع آخر تطورات التكنولوجيا, إلي جانب إطلاق الجمل والشعارات من نشر الإشاعات والروايات, وتسريب بعضها إلي الصحف, وإنشاء وحدة مستجدة للتدخل السريع تتولي إرسال الخطابات إلي الصحف, والتدخل في البرامج الحوارية بالجملة, والدخول علي نظم الإنترنت بتوجيه معين, وهو ما يسمي في قاموسهم بـ موجات مرتدة.في مرة من المرات ومع أحد زعماء حزب العمال, أبدي الرجل دهشته من أن الحزب الحاكم في مصر, ووفوده تتحرك بنشاط بين القاهرة ولندن, لا تهتم بالأفكار والتنظيمات, ولكن تهتم بقسم العمليات, وعقب ذلك الزعيم العمالي بقوله: لا يهتمون في مصر إلا بـ بيتر مندلسون( مسئول العمليات) وأصحابه وهم دائمو السفر إلي القاهرة.إن كل ذلك انعطف بالعمل السياسي في مصر إلي منطقة خطيرة, حيث وصلنا إلي أن الحزب الوطني خصص حصة خاصة في مراقبة التليفونات في جهاز أمن الدولة, وصلت سعتها إلي حد طال كل سياسي أو مفكر أو ناشط سياسي, ووضعت جميع التليفونات تحت الرقابة لحساب الحزب الوطني,منفصلة عن أمن الدولة وإن جرت بأدواته وكذلك فلم يكن مستغربا أن يقول أحد أعضاء الحزب البارزين: إن عندهم ملفات جاهزة لكل من يجرؤ علي تحدينا.وقبل أيام التقيت بمحض مصادفة واحدا من أقطاب النظام السابق, وكان الرجل يبدي دهشته من الانهيار السريع للحزب الوطني, فور أن قامت ثورة يناير, وقال لي وأنا أعرف إلي أي مدي كان نفاذه إلي السلطة:
(
إن أحمد عز أنشأ نظاما حديديا للاتصالات بين الحزب, قائم علي شبكة إلكترونية للاتصال الحركي بين كل فروعه, وأعرف أن مائتي مليون جنيه دفعها أحمد عز من ماله الخاص, وأنشأ غيره من احتياطات الاتصال للطواريء, لكنه ذاب في لمحة بعد الثورة)!!هذا كله وغيره نوع من الإفساد السياسي, لا أدري كيف يمكن أن يحاسب عليه أحد, وهو في النهاية صنع في الحياة السياسية المصرية درجة مزعجة من الخلط والتشويش والفوضي, بما يصعب تحديد آثاره, وهناك أيضا نوع من الفساد السياسي المعنوي وهو أشد خطورة, وكيف نحاسب عن مثل هذا الإفساد للحياة السياسية في مصر.
سؤال هذه المرحلة: من يتجاسر الأن علي الفعل؟!

عملية حصر مصرفي قفص حدودها بدأت من أوائل سنة1974 بطلب أمريكي إسرائيلي..ولكن الأسير استجمع الكامن من قوته وكسر الأبواب

تـعليق علـي حـكــاية نجـل هيكــل.. لم أكــن أريد الاقتــــراب منــها!

3
قضايا أساسية في ملف الفساد
وهل كان لذلك الفساد السياسي انعكاساته علي الحياة السياسية في مصر نفسها ووصلت بها إلي ماسميته جفاف نهر السياسة؟

{{
الحقيقة أن هذا المستوي من العمل السياسي في البلد دفع الحوار إلي درجة من التسطيح المخيف أكثر ضررا, حتي في المعارضة.وعلي سبيل المثال وعندما طرحت فكرة' أمناء الدولة والدستور' لأول مرة منذ قرابة عامين, فإن كثيرين من الذين ردوا علي وقتها, ولايزالون حتي الآن يلخصون ردهم في أنه' مخالف للدستور', أن ليس في الدستور شيء من ذلك, وكنت أعطي عذرا لمثل هذا القول فيما مضي, ووقتها كنت أقول' إن بعضنا لا يعرف أن أي مطلب من المطالب يتحقق مرتبطا بدرجة الضغوط الموجهة لتحقيقه وقت وصلت الضغوط فعلا, إلي حد سقط معه ذلك الدستور بثورة25 يناير.وعندما يردد بعضهم نفس الذرائع الآن, فإنهم طبقا لهذا الدستور, فقد كان يجب القبض علي18 مليون مصري نزلوا علي شوارع مصر يوم11 فبراير الماضي تحت شعار أن الشعب يريد إسقاط النظام, إسقاط النظام أيضا مخالفة للدستور, ويستوجب التجريم, فعل الثورة يستوجب مرجعية أخري عن الدستور, يستوجب تفكيرا جديدا, ينطلق من عناصر الواقع, ويحاول إعادة تشكيلها وتجديدها, بما يلائم أوضاعا مختلفة, إما بتنظيم الأمور فهو هناك خطر وباهظ التكاليف, فلا يستطيع أحد أن يفكر في المستقبل, إلا وحقائق الواقع في تقديره!!

>
محاكمات الفساد السياسي والاستراتيجي, ربما مازالت ملفات مؤجلة لأن الاتهامات فيها تحتاج إلي تحديد.. فما الذي يمكن أن يوجه من إتهامات للنظام التي ستواجه النظام السابق في هذا الملف ؟!

{{
علي سبيل المثال هناك في الداخل ما يخص المشكلة الطائفية,ومياه النيل, والتلاعب بالدساتير والنصوص, والعدوان علي حقوق الانسان, وهناك ما يخص الشأن الخارجي, مثلا موضوع التنسيق الأمني مع إسرائيل, وأعتقد أننا وصلنا فيه لأكثر مما تتطلبه الأشياء, إلي جانب بعض ما قمنا به في الدول العربية, كل هذا وغيره ظاهر الآن لا يحتاج تفصيل جديد غير ما سبق أن ذكرته في جزء سابق من هذا الحديث, يحتاج إلي حساب سياسي بشكل مختلف لأنها ليست جرائم جنائية.

>
بصراحة هل صدمت في اشخاص بعينهم كان فسادهم مفاجأة لك ؟

{{
لا أظنني فوجئت.. لكني أتحفظ في ذكر اسماء بالتحديد, لقد كنت متابعا مثل غيري.. وأعتـقد أن أي متابعة كانت كفيلة بتحديد أين يوجد الفساد وحجمه, مما كنا نراه, ونصدم منه الآن!

>
مع الحرج من السؤال.. هل شعرت بالقلق عند ذكر إسم أحد أنجالك في بلاغات للنائب العام؟!

{{
إنني موافق علي طرح هذا السؤال رغم تحرجك في توجيهه مع أني أنا أيضا أتحرج في الإجابة عليه.إنني ترددت إلي حد العذاب قبل أن أكون مستعدا للكلام فيه, لكني أشعر بالأسف, فربما كانت حكاية نجل هيكل مرجعها قول أو موقف للأب, وقع بسببه خلاف من أطراف, ثم انسحب تأثير الخلاف علي أقرب الناس إليه وذلك يحزنه, وفي نفس الوقت فإن بين هؤلاء الأقرب من يخشي أن يكون أساء لي ببعض ما نشر وذلك يحزنه هو الآخر, ولو أن ما نشر كان صحيحا لكانت تلك هي الإساءة, أما وأنا أعرف الحقيقة فقد رضيت الانتظار حتي لا يظل هناك مجال لالتباس أو ظن, بل وكنت أوثر السكوت, لكن تلك العناوين الصارخة عن نجل هيكل لم تترك لي خيارا غير العذاب بين نقيضين: عذاب الصمت, أو عذاب الكلام!!وأريد أن أقترب من هذا الموضوع باحترام للقانون, فليس هناك إنسان يملك أن يضع نفسه فوق الحقيقة والقانون والأخلاق أيضا.

ولي ملاحظات لعل صدرك يتسع لها, ولعلك تلفت نظر قارئك مبكرا إلي أنه يستطيع القفز فوق سطورها, لأنها لسوء الحظ مسألة خاصة أقحمت علي أحوال عامة, لم أكن أرغب في الاقتراب منها, لكن العناوين عن نجل هيكل في بعض الصحف- علي أيه حال كان فيما أثير ونشر مسألتان:أن هناك مشاركة في الخصخصة من جانب أقرب الناس إلي.وأن هناك علاقات شراكة مع نجل الرئيس السابق.لا أرير أن أزيد كثيرا في التفاصيل, ولو كان الأمر يتعلق بي شخصيا لكنت آثرت السكوت كما أفعل في العادة فأنا لا أرد علي أحد ليس استكبارا ولكن حرصا علي وقت الناس ووقتي أيضا, لكن الأمر هذه المرة يتعلق بآخرين لهم شخصية ولهم عمل مختلف عن شخصية عمل الأب ولكنهم علي عكس الأب فإن مستقبلهم أمامهم وليس ورائهم فهم في عملهم علي علاقة بكثيرين يعملون معهم ويثقون فيهم.ويضيف الأستاذ هيكل: وعليه فإنني أولا: أقول بلا تلعثم أن أحدا من أسرتي لم يمارس عمليات الخصخصة قطعا ويقينا وكل من يعرفني يعرف نفوري منها سواء من ناحية المبدأ أو من ناحية الطريقة التي جرت بها وأنا واحد من الناس الذين كانوا يفضلون أن يبقي القطاع العام في ملكية الشعب ثم أن يقوم بجانبه قطاع خاص يتصرف بكل حرية وفق القواعد المعروفة والمقررة للرأسمالية علي أصولها بحيث تكون التنمية جديدة وعريضة وليس مجرد انتقال في الملكية من عام إلي خاص ثم يجري بالطريقة التي جري بها نهبها نهبا وليس إضافة.وأقول لك مباشرة أنني أعلم وبثقة أن أحدا من أبنائي لم يكن لا صديقا ولا شريكا لأحد من أسرة الرئيس السابق مبارك, وحتي لو تصور أحدهم مثل هذه الصداقة أو الشراكة, لصد الطرف الآخر وأعرض,لأن الكل يعرف من موقفي ما هو معروف, مما لا سر فيه.وبرغم ذلك أتساءل, ولنكن أمناء مع النفس: من كان لا يريد ولا يرغب في صداقة أو شراكة مع أبناء الرئيس, لقد كان الكل يتسابق, وذبح الكثيرون أنفسهم تحت أقدام نجل الرئيس والرئيس وقرينته وأقدام كل من ارتبط بهم, لكن مثل ذلك لم يقع من أي واحد من أبنائي, ببساطة لسبب يتعلق بمواقفي وحساسية ما كنت أتحدث فيه دائما, خصوصا قضية التوريث, ولقد آثر أبنائي أن يبتعدوا, وقلت أنهم لو حاولوا الاقتراب لما وصلوا, وهم علي أي حال احترموا أنفسهم واحتفظوا بمسافتهم واسعة, وذلك أعرفه بيقين.وما كنت لأتحدث في هذا الموضوع, لولا أن زج بي وباسمي وبعلاقة الأبوة في بعض هذا الجدل الدائر, وبإذنك أضيف تأكيدا جديدا في عدة مسائل:
>>
الأولي: أنه لا أحد علي الإطلاق فوق الحقوق, وفوق القانون روحا ونصا ولا أحد يملك حصانة تمنع مساءلته ومحاسبته إذا أخطأ أو تجاوز.
>>
والثانية: أنه بالإضافة إلي ذلك فإن أحدا لا ينبغي أن ينسي طبيعة المرحلة السياسية والتاريخية والإنسانية التي نجتازها, ففي حالة السيولة الجارية في المجتمع الآن فإن التفهم ضروري ومطلوب.
>>
والثالثة: فإن حياتنا العامة شهدت كثيرا من ظواهر مراحل من التاريخ, تركت طابعها علي التصرفات والمشاعر.نجل هيكل,الذي تكررت الإشارة إليه( وهو بالمناسبة عند سن الخمسين, تخرج من هندسة القاهرة في هندسة الإنتاج متفوقا, وعين معيدا, ثم مدرسا فيها, ثم سافر في بعثة( عائلية) إلي أمريكا, حيث حصل علي الدكتوراة من جامعة ستانفورد( أرقي جامعات أمريكا), وموضوعها إدارة المشروعات الكبري, مع العلم بأنه حيث هو يدير أكثر مما يملك, ويدير رؤوس أموال عربية وأوروبية, ويابانية, ومصرية, ولهذه المصالح نشاط كبير زراعي وصناعي في قلب أفريقيا من الجزائر إلي أثيوبيا, ومن مصر والسودان شمالا إلي أوغندا وكينيا في الجنوب بجهد وعمل أربعين ألف خبير وموظف وعامل, منتشرين في القارات.كذلك أفعل شيئا آخر, وهو أن أقدم لـ الأهرام كشفا كاملا بكل إسهامات المؤسسات التي يقوم عليها نجل هيكل في العمل العام في مصر بحكم الالتزام بالمسئولية الاجتماعية لرأس المال, وأهم ما فيها كما أحسب صندوق للتعليم العالي, غطي بالكامل نفقات الدراسة والإقامة والحياة في أرقي جامعات العالم لقرابة ستين شابا وشابة مصريين حتي الآن, ما بين هارفارد وكولومبيا, إلي أوكسفورد وكمبريدج, وكان شرط التكفل بكل أعباء دراستهم هو أن يعودوا إلي مصر وأن يعملوا فيها, وكان رئيس أمناء هذا المشروع العلمي منذ إنشائه هو الدكتور نبيل العربي( وزير الخارجية المتميز الآن).إنني أشعر بالعذاب كما قلت لك وأنا أقول ما قلته, لكن هناك من لم يترك لي الفرصة!قلت لك ذلك كله, ثم أودع عندك ملفا كاملا بشأنه يحفظ في سجلات الأهرام.
>>
وفي النهاية وبطريقة قاطعة في هذا الموضوع, فإن القانون سلطان فوق الجميع, بحق العدل وحق الأخلاق معا.

>
هل تري أن الصحافة المصرية كانت علي مستوي الثورة المصرية؟

{{
ربما كان عتابي علي الصحافة المصرية وحتي هذه اللحظة أن الإدراك التاريخي لم يصل بعد إلي بعض الصفحات, وإلي بعض الأقمار الصناعية وتردداتها الحاملة للكلمات والمعاني والقيم, وأتمني أن تنتهي عملية خلط أخشي منها دون تشاؤم, ومناي فيهذه اللحظة أن تلتقي كل العناصر المسئولة في الصحافة المصرية والإعلام, وأن تضع ما يمكن أن تسميه مدونة سلوك لقواعد التصرفCodeofconduct, ترعاه بنفسها, في يوم من الأيام كان لـ الأهرام نفسها مدونة سلوك ترسم قواعد للنشر فليس معقولا بعد أكثر من مائة يوم علي الثورة, أن نجد بعض ما نراه علي صفحاتها أو علي أمواج إذاعاتها المسموعة والمرئية, لم تعد هناك أخبار كثيرة, ولكن هناك فضائح أكثر, ولم تعد هناك حقائق, وإنما قصص لإثارة الرعب, هناك أشياء غير ذلك, وبعض ما نشر يصعب قبوله, فهناك مبالغات لا أظن أنها تليق, بل ولا ينبغي, يقال لنا مثلا وقد قرأتها بنفسي في أوراق مقدمه لجهات رسمية, ومنشورة فيالصحف أن حسنيمبارك له وديعة في بنك اسمه كاليدونيا تبلغ قيمتها820 مليار دولار, والمليارات ليست لعبة, وليست بهذا الحجم, وإذا تذكرنا أن أغني أغنياء العالم, وهما اثنان: جيتس في أمريكا, وكارلوس في البرازيل تبلغ ثروة كل واحد منهما ما بين50 إلي60 مليار دولار, إذن لعرفنا أن رقم820 مليار يصعب تصديقه, دعني أذكرك أن الدخل القومي المصري كله يبلغ220 مليار دولار فيالسنة, فهل يعقل أن مبارك حصل علي الدخل القومي كله, بكل شيء فيه, لمدة4 سنوات, ووضعه كله في وديعة واحدة في بنك واحد؟!! ثم ماذا عن بقية الودائع وبقية الثروات في البنوك وغير البنوك؟!!

حسين سالم مفتاح ثروة مبارك

لقد كان هناك فساد واستغلال كبير فيعهد مبارك, ولكن علي كل من يقذف بالأرقام, أن يراجعها أولا بالعقل والمنطق, قبل القياس والحساب!! لابد من تحقيق في كل ما جري ولابد من مسئولية ومسئولين- لابد من حساب, لكن كل حساب له قواعد!!وإذا كان هناك من يريد أن يتحدث عن ثروة مبارك في الخارج فأنا لا أقتنع إلا بمعلومات موثقة من مصادر دورية محترمة, وفي الأرقام التي قرأتها بنفسي تقريران:
>>
تقرير بمعلومات متوافرة لدي البنك الدولي وهي متوافقة مع تقارير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية, وهي تتحدث عن هذه الأموال الموجودة في الخارج وتقدرها فيما بين9 إلي11 مليار دولار وهذا في حد ذاته رقم مهول.ثم وطبقا لتقارير اتحاد البنوك السويسرية والحكومة السويسرية فإن هناك حسابات لـ9 أشخاص من عائلة مبارك موجودة في بنوك سويسرا مقدارها512 مليون فرنك سويسري أي ثلاثة أرباع مليار دولار ولقد تأكد هذا الرقم رسميا تقريبا لأن الوفد السويسري الذي زار مصر أخيرا لإبلاغها حسابات أسرة مبارك في سويسرا أشار إلي ذات الرقم وأبدي الاستعداد لإعادته إلي الحكومة المصرية فور صدور حكم قضائي مصري..وبالطبع فإن هذا كله زيادة عما هو موجود في مصر نفسها من أموال أسرة مبارك وما هو موجود في العالم العربي وأنا أذكر هذه الأرقام لأنها دقيقة ومسنودة, والحقيقة أن ذلك ضروري لمصداقية ما ينشر في مصر أو ينقل عنها..إن الحقيقة مزعجة بكل المقاييس والمعايير ولا نحتاج إلي المبالغات والحقيقة لا تحترم معني الدقة فقط ولكنها أيضا تحمل احترام النفس والآخرين
وظني وهذا اجتهاد شخصي أن المفتاح بخزائن هذه الثروة هو سر السيد حسين سالم.بالإضافة إلي ذلك فهناك تشويش كثير لا يليق التوسع فينشره, وبصراحة فإن هناك شخصيات هزلية تحولت إلي شخصيات عامة لمجرد أنها تجد من يكتب وينشر عن نشاطها, وفي مرحلة سابقة كانت لدي شكوي من أن بعض النجوم من المسرح والسينما قد أصبحوا قادة وساسة يفتون في كل شيء, من الشرعية والديمقراطية إلي الحرب والسلام, وأن بعض الساسة قد أصبحوا نجوم مسرح وسينما يعرضون أنفسهم صباح مساء علي الناس, والآن وفي أحوال تغييرات كبري, فإن الحابل اختلط بالنابل, واعتقادي وأنا أتحدث كصحفي قديم وسابق أعتزل الكتابة الصحفية من سنين, أن هناك مهمة أولي لدي كل صحفي, وهي استعادة احترام وهيبة المهنة بسرعة, فذلك طريقها إلي أن تكون مقبولة أولا من الرأي العام الذي يملكها فعلا, من حيث هو قارئها الذي يقرر نجاحها أو فشلها, وثانيا أن تكون موثوقة من الشباب الذين صنعوا الثورة, وفاجأوا بها كثيرين ومن بينهم الصحفيون, وأخيرا أن تكون محترمة أمام صناع القرار من كل النواحي والأطراف.

مصر والديمقراطية

>
نعود ألي المشهد العام حيث خرجت من تحت الأرض حركات وقوي سياسية ودينية كان بعضها مكبوتا وبعضها مقهورا وبعضها محظورا.. ما تأثير خروجها المفاجيء علي الحالة الديموقراطية في مصر ؟!

{{
لابد أن أقول لك انني قلق جدا, لأن هناك من يعتبر الفترة الانتقالية فترة انتظار وتأجيل الفعل المؤسسي إلي ما بعد, وهذا هو الخلط في الفهم لأن فترة الإنتقال ليست فترة انتظار وتراخ, بل هي لحظة فارقة ومؤسسة ومحددة, صحيح إن هناك مؤتمرات حوار لكن لابد أن يكون ذلك بالتنسيق مع سلطة ثورية قادرة.. أين هي هذه السلطة ؟! وقلقي هذا سببه كما قلت إننا وصلنا إلي نجاح ولكننا لم نصل بعد إلي حالة النصر.

>
لو أننا نختار من عناوين كتبك عنوانا, بماذا تصف الأيام التي تعيشها مصر حاليا, الغليان أم خريف الغضب أم الانفجار أم مفترق الطرق, أم عام من الأزمات ؟!

{{
العنوان الرئيسي لهذه المرحلة قد يكون من يتجاسر الآن علي الفعل ؟ كما سبق وأشرت, هذا هو التحدي لدخول قوي الثورة.. وليس قوي الفوضي.

>
انتقدت بشدة المرشحين.. وقلت عن عمرو موسي والبرادعي ليس لهما تاريخ سياسي وليست لديهما علاقة بمصر لانهما لم يعيشا فيها باستمرار, لكن الرد الطبيعي علي ألسنة ملايين المصريين وما هو البديل ؟.. وما معني القول إن مصر سيحكمها رئيس لم يظهر بعد ؟!

{{
قل لي: أين ورد ذلك علي لساني ؟.. ذلك ورد في عنوان أختير لكلامي خطأ وقد عاتبت عليه, أنا لم أقل إن عمرو موسي والبرادعي لا يفهمان في السياسة, ولا أنه ليست لهما علاقة بمصر, بالعكس فأنا أعرف قيمة ومزايا الرجلين, ما قلته بالتحديد هو: إنه من دلائل الأزمة الموجودة أن المتقدمين للترشيح جاءوا من خارج المجال السياسي الداخلي, وممن قضوا معظم حياتهم بحكم العمل الدبلوماسي بعيدا عن الوطن, أما بخصوص البديل فلابد أن نسأل: ما الذي ينشيء القيادات ؟! هو احتكاك الأفكار والوجود والتنافس علي رؤي المستقبل, وهذا يحدث عندما نفهم أن الفترة الانتقالية هي فترة حركة ونشاط سياسي وحوار ووجود لكل القوي وايجاد صيغة بين الشباب والجماهير والجيش, لو توافر ذلك ستظهر مائة قيادة..ألم يظهر رجل مثل حمدين صباحي والمستشار البسطويسي والدكتور عبد المنعم أبوالفتوح, وغيرهم, لقد ظهروا وسوف يظهر آخرون غيرهم, المهم أن تستمر حركة التفاعل والحوار في المجتمع بحيث يظهر بطريقة جدية أي رجل أو إمرأة قادر علي المسئولية.فأنت لم تسمع عن البرادعي كرجل مطروح في السياسة إلا قبل نهاية عهد مبارك بسنة واحدة, ما يصنع الرجال هو احتكاكهم بالتاريخ ووجودهم في قلب الفرص والظروف.

>
ولكن هناك آخرين كانوا في قلب الظروف مثل أيمن نور وحمدين صباحي وسامح عاشور وغيرهم ؟!

{{
هناك فرق بين أن تنشأ في قلب حزب معين وفي إطار محدد, وبين أن تكون الساحة المحلية والإقليمية والدولية كلها مفتوحة بآفاقها الواسعة

>
في يناير2006 قبل الثورة بـ5 سنوات- تكلمت عن بهية ومدونتها الشهيرة.. هل تخيلت ان تتحول همسات الشباب في العالم الافتراضي التي كان البعض يظنها كلاما فارغا وتسالي اليصراخ وهدير وطوفان عال نجح في تغيير الواقع علي الأرض ؟!

{{
أرجوك أن ترجع إلي حوار في الجزيرة أجراه معي نجمها اللامع الأستاذ محمد كريشان وأذيع هذا الحوار نهاية العام الماضي أي قبل أحداث الثورة بشهر واحد, وقلت في نهايته إن أملي كبير في العشرات من الشباب الظاهرين علي الفيس بوك وتويتر والمدونات, وقد كنت أحاول لفت النظر ليس فقط إلي بهية التي مازلت لا أعرف من هي ولكن إلي عالم جديد افتراضي ولكنه فاعل.إن بهية تكتب أحسن من أي رئيس تحرير في مصر في ذلك الوقت, كانت ممتازة في تحليلاتها خاصة بالنسبة لأزمة القضاء وقتها, كان هدفي هو لفت النظر لوجود وسائل كثيرة جدا للتعبير عن الرأي, وبعدها وجدت كثيرين جدا من المدونين أتصلوا بي ليقولوا أنهم بعدما قلت عن بهية دخلوا إلي عالم البلوجرز وأصبح للتدوين شأن آخر, وأنا سعيد بهذا وكنت أراه شكلا من اشكال المستقبل لكنه- علي فكرة- لن يغني عن الجريدة.
 
> بالمناسبة.. هل لك حساب خاص علي موقع الفيس بوك ؟!
 
{{ لا.. لم أفعل هذا, سابقا عندما كنت أكتب بصراحة كانت تأتيني خطابات كثيرة جدا تحمل ردود أفعال حول مقالاتي وكتبي بما متوسطه25 خطابا يوميا, لكن بعدما بدأت حلقات الجزيرة وصلت نسبة الرسائل التي أتلقاها اسبوعيا عقب إذاعة كل حلقة إلي ألوف من الرسائل, لدرجة أنني قمت بتخصيص أحد زملائنا لمتابعة هذا الطوفان, وطلبت أن يتم تلخيص عينة منها تأتيني لقراءتها أسبوعيا, فنحن أمام عالم تطورت وسائله بصورة غير طبيعية.. وهناك فارق بين أن تتابع عمل وتأثير هذه الوسائل وتعجب بها وتطل عليها, وبين أن تستخدمها بنفسك, وحسب وقتي تصعب المتابعة الدقيقة علي, وأنا الآن أكتفي باستخدام الأي بادIPAD.. أنا مازلت أكتب بالقلم والورقة بأعصاب موصولة بين الاثنين..
 
أحاول في مجال قراءة التاريخ!
 
> أي تاريخ يصدق القاريء.. ما يقوله المؤرخون أم الوثائق التي بعضها مشكوك فيه, ومعظمها مخفي؟!

{{
أنا من جانبي حاولت تقديم قراءة للتاريخ موثقة بما أعرف أنه صحيح, هناك آخرون تعاملوا مع التاريخ باعتباره دفتر تسجيل أو حكايات مسلية, وأعتقد أننا لم نعرف معني كتابة التاريخ حقيقة, في يوم من الأيام كانت عندنا مدرسة شفيق غربال وهي مدرسة أكاديمية محترمة لكنها تقريرية, وهناك أيضا مدرسة عبدالرحمن الرافعي وهي مدرسة سياسية محترمة هي الأخري, لكنها وجهة نظر, ثم ظهرت المدارس الحديثة وأعتقد أنها تشهد محاولات جادة وجديدة لكنها لم تصل بعد إلي هدفها خصوصا عندما وقع توظيف بعض الباحثين سياسيا, كل ما حاولته إعطاء بانوراما تاريخية لمرحلة عشتها بنفسي مدعمة بالوثائق وربما يقول قائل إن الوثائق لا تقول كل شيء لكنها بالتأكيد لا تقول عكس الحقيقة, وقد اعتمدت علي الوثائق وأظنني قدمت منها الكثير, معتمدا علي ثقة لدي القارئ والمشاهد بما أقوله طالما أنه معزز بالوثائق وبدون تجاوز.أقول إن محاولتي كانت في مجال قراءة التاريخ وليس في مجال كتابة التاريخ, لقد حاولت بقدر الإمكان تقديم رواية صادقة وموثقة, وقد أرضاني أن الناس قبلوها وتابعوها, إننا الآن في حاجة لمؤرخ من طراز إريك هوبزباومEricHobsbawm والذي أعتبره أفضل مؤرخ عالمي معاصر, وكان إلي جانب اعتماده علي الوثائق والتحليل وغيرها, كان يعتمد علي إنسانية التاريخ لإنه عندما يكتب التاريخ باعتباره صراع حرب وسلام, فقد ضاعت منه جاذبيته, وللأسف نحن في بعض الأوقات نفهم الجدية ملامح مكفهرة وهذا غير صحيح, هناك دائما منطقة إنسانية ليس فيها إثارة.. لا تريد عمل إثارة, ولكنك كما يقول الكاتب الكولمبي العظيم جارثيا ماركيز: أنت تعيش لتحكي!.

>
هل تري أن الصحف ستدخل مرحلة جديدة مختلفة عما سبق ؟! و كيف توازن الصحف في رأيك بين المسئولية الاجتماعية فيهذا الظرف الدقيق الذي تعيشه مصر وبين حق القاريء فيالمعرفة خاصة في الامور الحساسة مثل متابعة بعض أحداث الفتنة الطائفية ؟!

{{
بعض وسائل الإعلام دخلت بالفعل إلي هذه المرحلة, وللأسف الشديد.. لقد تحول تنظيم الصحافة في مصر خلال السنوات الماضية إلي قوانين تأميم, وأظن أن التنظيم كان شيئا والتأميم كان شيئا آخر, والصحافة المصرية بالتحديد, عليها إلي جانب الضرورات المهنية, مهمة وطنية كبري, وهي ضرورة ممارسة دورها في استعادة قوة مصر الناعمة, لأن هذه القوة أصابها وهن شديد, ولولا ثورة يناير2011 لسقطت هذه القوة سقوطا كاملا, وقد كانت الصحافة والكتابة, وبعدها الإذاعة والتليفزيون دائما أهم الوسائل التيتعكس القوة الناعمة لبلد من البلدان, وكان رفاعة الطهطاوي أول رسول حديث لقوة مصر الناعمة, وبعده تعاقب الرواد من محمد عبده حتي لطفيالسيد, وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم, وعليعبد الرازق, وطه حسين, وأحمد أمين, وأم كلثوم, ومحمد عبد الوهاب, وتوفيق الحكيم, وسلامة موسي, ونجيب محفوظ, إلي أسرة زيدان( أصحاب الهلال), وأسرة متري( أصحاب دار المعارف), وأسرة تقلا( أصحاب الأهرام), وخليل مطران, وذلك كله هو ما مهد لقيام الجامعة العربية التيبدأها الملك فاروق, ووقع ميثاقها مصطفي النحاس, وحولها جمال عبد الناصر إلي حركة قومية هائلة, كانت من أبرز العلامات فيالقرن العشرين كله, والحقيقة أن قوة مصر الناعمة كانت شراكة مصرية عربية جامعة, وكانت الصحافة والفنون بالتحديد هي ما جعلها طاقة خلاقة ونافذة.وأنا أستطيع أن أفهم وأن أحترم نزعة في مصر الآن تريد التركيز علي مصر بالدرجة الأولي في هذه اللحظة, وهذا حق, بل إنه عين العقل, لأن القوة الناعمة لأي بلد قاعدة ثابتة ونموذج ملهم, وبعد كل ما جري فإن قوة مصر ليست فقط في حاجة إلي عملية ترميم, وإنما إلي إعادة بناء, لأنه وبصراحة شديدة, ورجائي ألا يغضب أحد, فإن السياسة المصرية فيالداخل والخارج التزمت بنفس التصورات التيأرادها هنري كيسنجر, وكان هدف كيسنجر تعبيرا عن طلب إسرائيلي حصر مصر ودورها بحيث لا يتكرر مرة أخري ما حدث مما واجهته إسرائيل فيالأسبوع الأول من حرب أكتوبر, ولم يكن بين قادة إسرائيل فيذلك الوقت من أواخر سنة73 أوائل74, من لا يقول وبإلحاح وإصرار إن ما حدث فيذلك الأسبوع لا ينبغي أن يحدث مرة ثانيةNeveragain, ومنذ ذلك الوقت وحتي ثورة2011 بدأت عملية حصر مصر في قفص حدودها, ومثل كل أسير في قفص عاشت مصر سنوات من عمرها عصيبة علي الأقل, جري لها فيها ما جري, خصوصا في السنوات الثلاثين الأخيرة, والآن وبفضل حيوية ظلت كامنة في هذا الشعب, فإن الأسير في القفص, والذي ضاعت حقوقه, وراح بعضه يأكل بعضه, استجمع الكامن من قوته في جيل جديد من شبابه, واستدعي ثورة الملايين, تكسر الأبواب كلها, وتفتح الطرق كلها, وبقي من يتجاسر علي الدخول.وأري أمامي حالة حيرة شديدة, وحالة فوضي معبأة بالمخاطر, لكني أعرف أن تلك تجربة الثورة في كل عصر ومكان وتصنع مثل هذه الآثار غداة وقوعها, وأتفهم هذه الحيرة وهذه المخاطر إلي درجة الفوضي, لكني داعيا وراجيا أتمني أن تتم عملية كسر الحصار, وأن يبدأ الخروج إلي الآفاق الواسعة.
>>>وأخيرا هناك خلاصة نهائية لكل ما أقول أو يقول غيري مؤداها أنني لا أملك ولا يملك غيري من جيلي أن يتكلم إلا بما يري تاركين الباقي كله لأجيال جديدة هي التي تملك المستقبل وهي التي تصنعه, ومعه ما تراه لأنها سوف تعيش فيه.وكل ما نستطيع أن نرجوها فيه به.. ادرسوا من فضلكم بدقة أحوال وطنكم, وانظروا حولكم في الإقليم وفي العصر, وتصرفوا وفق ما تختارون.

No comments:

Post a Comment