Monday, May 28, 2012

إنقاذ الثورة أم إستكمال الثورة؟



محمد شكر
٢٧ مايو ٢٠١٢

أعتقد أن دعم الدكتور محمد مرسى واجب الآن لإستكمال الثورة لكن ليس لإنقاذها.  فالثورة أمامها عقبات خطيرة سواء جاءت النتيجة بمرسى أو شفيق.  التحالف لدعم مرسى هو الخيار الأنسب (ثوريا) وأتمنى أن يكون فى الوقت متسع لبناء هذا التحالف فنحن نلعب فى الوقت الضائع.  والتحالف مؤقت على كل حال وسينتهى بإنتهاء شهر العسل بعد نجاح مرسى.

المشكلة أطرافها ثلاثة: الإخوان الذين يزنوا قيمة الأشخاص بميزان طاعة ولى الأمر، ولهذا لم يدعموا الدكتور أبو الفتوح (وهو من أقطاب الجماعة) وقد كان يمكن بهذا الدعم أن نتفادى المأزق الذى نغوص فيه الآن ويكون أبو الفتوح - الثورى الحق - رئيسا من أول جولة.  المشكلة أن الإخوان - فى إعتقادى وأرجو أن تثبت الأيام غير ذلك – لا يبتغون دولة دينية وإنما يبتغون دولة "إخوانية".

ثم يأتى الطرف الثانى وهم الفلول وأصحاب المصالح مع دولة مبارك وقد قيل فى هذا ما يكفى.

وأخيرا الطرف الثالث وهو الشعب الذى أعطى شفيق ملايين الأصوات.  قد لا ينظر الكثيرون إلى عموم الشعب بإعتبارهم جزء من المشكلة لكنه كذلك. الشعب إختار شفيق للمركز الثانى.  أنا لاأصدق الإتهامات بتزوير الأصوات لصالح شفيق لأن من المستحيل تزوير ملايين الأصوات دون أن تنفجر بذلك فضيحة مدوية موثقة.

مشكلة الشعب أن التجربة جديدة عليه ولهذا كان التصويت لدى جموع كثيرة مبنى على معايير إنتخابية هزيلة. هناك من صوت للدكتور مرسى لمجرد إنه "بتاع ربنا" أو لأن الإخوان دأبو على مساعدة المحتاجين، وهناك من إختلف مع الإخوان لأنهم لا يسعون لتطبيق الشريعة بالشكل الكاف وهناك من صوت لشفيق أو عمرو موسى كرها فى الإخوان والتيار الدينى عموما.  وبهذا أصبح معيار التصويت هو موقف المرشح والناخب من الدين وتوارى بذلك البرنامج والرؤية وأولويات التنمية البشرية بمصر التى تنفجر بسكانها.  وحتى الآن مع الإستعداد للجولة الثانية هناك من سيختار شفيق لمجرد أنه ضد الإخوان وسيفرق شملهم و"يعيد الأمن"!

هكذا إنتهى الأمر - للأسف - بهذا المعيارالإنتخابى الهزيل لجموع من المصريين.  أصبحنا أمام مفردات غريبة فى سياق الإنتخابات المصرية: إسلامى، ليبرالى، علمانى، شريعة، كفر، حقد، إرهاب، الإسلام هو الحل، الأقباط متحدون - هل يمكن بهذه اللغة أن نبنى مجتمعا فتيا ناهضا؟  أو نبنى حتى أى مجتمع؟  

فلندعم الكتور مرسى لكن لايجب أن نبالغ بالقول بأننا بذلك ننقذ الثورة.  إنقاذ الثورة يكون بالسير على طريق تحقيق أهدافها.  وأهم أهداف الثورة هى الحرية – التى تترجم هنا إلى بناء نظام ديموقراطى يتحقق فيه تداول السلطة بسلام.  فهل الإخوان مستعدون لتداول السلطة وتربية النشأ على حرية الإختيار وقبول التعددية (وهى قيم إسلامية بإمتياز) أم أن الأمر سيحتاج لمواجهة بهذا الشأن؟

الثورة مستمرة إن شاء الله حتى إذا فاز شفيق بالرئاسة.  الثورة مستمرة بالطليعة الثورية التى فجرت ثورة يناير. لكن أسلوب المواجهة الثورية هو مايجب التأنى فى دراسته لأن الشعب أصبح اليوم منقسما. مليونيات الميدان قد تصبح مجالا للمواجهة بين فصائل الشعب وليست مجالا لفرض إرادة شعبية.  مصر لم تعد شعبا واحدا يتكاتف حول هدف واحد لإزاحة طاغية.  مصر اليوم تضم فصائل متنافرة لاتستطيع العيش مع بعضها فى تناغم.  ما رال أمام المصريين الكثير مما سيتعلموه من تجربة الحرية التى يخوضونها لأول مرة فى تاريخهم.

من أكثر المفردات التى أصبحت جزءا من أدبيات الثورة هى "ثورة مصر" أو "ثورة شعب مصر". والحقيقة التى تجلت اليوم أنها لم تكن كذلك، فقد كانت ثورة طليعة محدودة من شعب مصر ربما فى حدود عشرين بالمئة من الشعب. باقى الشعب كان قابعا يتفرج على الثوار أثناء معركتهم فى إنتظار النتيجة لينحاز للغالب.

ألا يمكن أن يفسر هذا عدد الأصوات التى حصل عليها شفيق فى المرحلة الأولى للإنتخابات؟ أم أن هذا يمكن تفسيره بميل كثير من المصريين - الذين فعل بهم الإستبداد فعله - لأن يعيدوا بناء "العجل" الذى تعودوا أن يعبدوه (كما فعلوا مع نبى الله موسى عليه السلام)؟

لفظ آخر أصبح يجرى على لسان المصريين فى السنة الأخيرة هو "الإسلاميون" فى مقابل "الليبراليون" و"العلمانيون"، وكلها للأسف مفردات ملغومة لأن دلالاتها غير محددة. هل يندرج تحت "الإسلاميون" مسلمون ليسوا مقتنعين بجماعات الإسلام السياسى؟ وهل يندرج تحت "الليبراليون" كل من لايؤمن أو لايمارس الإسلام؟ وأين يقع الأقباط فى هذه التصنيفات؟ هل كلهم بالضرورة ليبراليين وعلمانيين؟

هذه المفردات شقت الصف المصرى، وطغت على الهوية المصرية الجامعة التى كانت فخر المصريين بعد الثورة وقبل التكالب على الغنيمة ، والتى عبرت عنها الجموع فى أجمل هتاف صدر عن شعب مصر "إرفع راسك فوق إنت مصرى". فهل لنا أن نعيد التفكير فى دلالات هذه المفردات ومخاطر إستخدامها ونتوقف عن ترديدها لكى ننقذ مصر؟

مصر لن ينقذها الإخوان ولا التيار الدينى.  مصر لن ينقذها الناصريون ولا التيار العلمانى.  مصر سينقذها المصريون جميعا، وبالتحديد الطليعة الثورية منهم.

الثورة مستمرة بطليعتها الثورية. الفرق الذى يميز أفراد هذه الطليعة (العشرون بالمئة) أنها لم تعش الثورة كحدث حصل فى يناير 2012 لكن الثورة عاشت فيهم العمر كله. هذه الطليعة وجدت "نفسها" فى الثورة وبعد الثورة، ولم تجد الثورة - كما وجدتها االباقون - مجرد حادثا مفرحا يستحق التهليل.

No comments:

Post a Comment