Tuesday, December 6, 2011

مرحباً بالإخوان فى الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة

د. إبراهيم البحراوى   
 ٦/ ١٢/ ٢٠١١

فى عز جبروت النظام البائد نشرت مقالاً هنا فى «المصرى اليوم» بتاريخ ٢١/٥/٢٠٠٥ أعترض فيه على حملة الاعتقالات، التى شملت عدداً من رموز الإخوان المسلمين تحت عنوان «سيادة الرئيس حاور الإخوان ولنخمد الفتنة». كانت الجملة الختامية فى المقال متحدية لمنطق القمع ومصادرة حريات الإخوان قلت فيها مخاطباً الرئيس «لكل هذا حاور الإخوان يا سيادة الرئيس أو اعتقلنى معهم».

فى نفس المقال أبديت اعتراضى على تصريح أدلى به رئيس الوزراء آنذاك د. أحمد نظيف وهو فى الخارج يبرر فيه قيام حكومته باعتقال الإخوان بقوله إن الحكومة تعتقلهم، بسبب خروجهم فى مظاهرات للشارع. أعتقد أن التذكير بهذا المقال المنشور منذ ست سنوات يمثل ضرورة موضوعية ليكون ترحيبى اليوم بالفوز الذى حققه حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين فى المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان واقعاً فى سياق تاريخى واضح.

لقد جلست أمام مشهد الحوار بين وائل الإبراشى والدكتور محمد مرسى، رئيس هذا الحزب، يوم الخميس الماضى فى برنامج الحقيقة، وأنا أمنى نفسى مع كل وعد يقطعه الرجل على حزبه بأن تكون مصر مقبلة على حالة من الازدهار الديمقراطى وتفتح الحريات الأساسية والتنمية الشاملة القادرة على تكبير كعكة الاقتصاد الوطنى، وكفالة آليات عدالة التوزيع للثروة الوطنية.

قال الدكتور مرسى إن حزبه ملتزم بما نصت عليه وثيقة الأزهر حول طبيعة الحكم والدولة مكرراً ومعدداً سمات هذه الدولة على أصابعه، وهى دولة وطنية ديمقراطية دستورية حديثة بكل المعانى، التى تنطوى عليها هذه الصفات. لو صدق وعد الرجل فى الممارسة، واستطاعت قيادة الإخوان التى تضم كوادر رفيعة من حيث المستوى العلمى أن توجه حركة القواعد الحزبية فى اتجاه الالتزام بهذه السمات للدولة، فإن مصر ستفوز حتماً ببرلمان عصرى قادر على إصدار تشريعات تقدم مصلحة الأمة ووحدة نسيجها ونهضتها الشاملة. لقد لمحت فى حديث الدكتور مرسى وذكره تجربة إعداده الدكتوراه فى الولايات المتحدة- أفقا لعالم متمكن فى العلوم التطبيقية، وعندما سألت الدكتور عصام العريان عن تخصصه قال إنه متخصص فى مادة المواد materials وأنه أستاذ فى كلية الهندسة.

إننى أعتقد أن من حقى على الإخوان أن أطالبهم بالتزام الصدق فى هذه الوعود حول طبيعة الدولة، وأن أقول لزعمائهم نفس ما سبق أن قلته للرئيس السابق فى مقالى المذكور المنشور فى مايو ٢٠٠٥، فقد قلت بالنص «سيادة الرئيس.. دعنى أقل إننى قد أحتمل أى شىء وأصبر على أى مكروه. إلا أن أرى شعب مصر أو قطاعاً منه أو فصيلاً سياسياً مهما كان خلافى معه عميقاً يهان بالاعتقال ويزج به وراء القضبان دون محاكمة عادلة». فى أعقاب نشر ذلك المقال نشطت حالة التحريض ضدى من العناصر، التى لم تكن تريد لمصر نظاماً ديمقراطياً، وتحرص على احتكار السلطة والثروة ووصل التحريض إلى حد إخطار أحد كبار المسؤولين عن «المصرى اليوم» بأن هذا الكاتب والمقصود كاتب هذه السطور هواه إخوانى. عندما سألنى مسؤول بـ«المصرى اليوم» عن باعث هذه الشائعة قلت إن الهوى الوحيد الذى يسيطر على نفسى هو أن تكون مصر دولة ديمقراطية قادرة على إشراك جميع أبنائها فى إدارة حياتها السياسية دون إقصاء لأحد.

إن تلك الموجة من التحريض لم تردعنى عن المناداة بحرية الإخوان كفصيل سياسى وطنى قادر على إثراء الحياة المصرية، ولم تردعنى أيضاً عن الدفاع عن حق كل السياسيين فى التعبير الحر عن آرائهم أيا كانت اتجاهاتهم، وهو ما ظهر فى إدانتى لعملية اختطاف الكاتب عبدالحليم قنديل وإلقائه عارياً فى الصحراء.

مرة أخرى أقول إن من حقى أن أناشد الإخوان أن يقدموا لمصر أكثر درجة من الاستنارة الفكرية، وأن يجنبوها التيه فى تجارب فكرية متخلفة حتى لا يقدموا الذرائع لأعداء الديمقراطية للقول بأن الإخوان سيقودون مصر إلى حكم طالبان فى أفغانستان بمواصفاته، التى تجانب التقدم والنهضة والحداثة، وإطلاق الطاقات الكامنة فى القوى البشرية المصرية العملاقة، التى ما زالت تنتظر لحظة التحرر من أسر البيروقراطية المعرقلة والمحسوبية والفساد المهدر للطاقات.

إننى أرجو من الدكتور مرسى، عالم الهندسة، أن يقرأ مقالى المنشور هنا يوم الثلاثاء ١٥/١١/٢٠١١ تحت عنوان «دعوة لمواجهة تحديات استراتيجية إسرائيل ٢٠٢٨». لقد وضعت فى هذا المقال حوالى عشرين تحدياً تفرضها علينا إسرائيل بقدرتها على التخطيط بعيد المدى للتنمية الشاملة، التى تستهدف وضع إسرائيل فى مصاف الدول العشر إلى الخمس عشرة الأولى فى العالم بمعيار معدل النمو الذى يصل إلى ٦٪، وبمعيار متوسط دخل الفرد، الذى يصل إلى خمسين ألف دولار، وبمعيار تطوير نظام الحكم ليجمع بين النظام الرئاسى والبرلمانى المختلط ليتفرغ الرئيس المنتخب لشؤون الدفاع والسياسة الخارجية ويتفرغ رئيس الوزراء، وهو أيضاً منتخب، للشؤون الداخلية، وبمعايير التقدم التكنولوجى والارتقاء بتكنولوجيا الفضاء المتقدمة أصلاً والبحث العلمى وتطوير الصناعات التقليدية، وتقليص الفجوات الاجتماعية بالبحث عن صيغة حميدة للرأسمالية تضمن النمو وعدالة التوزيع، وبمعيار الارتقاء بالقوى البشرية عن طريق التعليم العام والجامعى، وتشجيع الابتكار والاختراع وروح المبادرة.

أقول للإخوان إذا كان قدر مصر أن تقودوا الدورة الأولى فى برلمان الثورة، فإننى أرجو أن يسجل لكم التاريخ أنكم استطعتم وضع برنامج عمل تحتل مقدمته الأولويات الخاصة ببناء مصر وقوتها ومنعتها والخاصة بازدهار علومها والنهوض بالطبقات الضعيفة والارتقاء بالقوى البشرية والاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية. أرجو أن يسجل لكم التاريخ أنكم تمثلون قوة نهضة وتوحيداً لنسيج المجتمع.

ولأننى أتمنى النجاح لكل من يختاره شعب مصر بإرادته الحرة، فإننى أرجو أن تنجح تجربة الديمقراطية الوليدة بأن يحترمها كل من صعد على سلالمها إلى مقاعد السلطة، وأن يحرص على إنضاجها وتنمية الثقافة الملازمة لها من احترام للآخر واحترام للحوار، والأخذ بمبدأ الشفافية، وبمبدأ توسيع المشاركة فى المسؤولية.

No comments:

Post a Comment