[Sometimes I publish some articles that I don't agree with or may be some of its content. I believe that this article need to be read, I agree with the essence of it but not all what is written in it, and I believe that we have to unite all forces to defeat the force of evil and avoid destroying the revolution and the return two years back]
محمد شكر
المشهد المصرى يحفل هذه الأيام بأحداث شديدة التسارع تجرى على ملف الترشح لرئاسة الجمهورية. هناك ما يطمئن مثل تقدم بعض المرشحين المحترمين ببرامج مفصلة واضحة لدعم مسيرة الثورة من أمثال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وهناك ما يقلق أو حتى ينفّر مثل لعبة الشد والجذب المريبة بين العسكر والإخوان والتى فضحت كثيرا من النوايا وسقطات الأداء التى غابت عنها روح الثورة.
تم الإتفاق بين الإخوان والمجلس العسكرى منذ أسابيع على إختيار ما سموه بالمرشح التوافقى. وكان هذا يعنى ضمنيا إختيار من يرضى عنه الطرفين على هامش إرضاء بقية الأطراف. بدأت العملية بالإتفاق على من يجب إستبعاده، وإتفقوا على إستبعاد الدكتور أبو الفتوح وغيره من القوى الثورية المناهضة لحكم العسكر. ثم رشح العسكر السيد منصور حسن الوزير السابق فى عهد السادات والبالغ من العمر حاليا خمسة وسبعون عاما. وبعد الموافقة المبدئية من جانب الإخوان عاد منصور حسن ليعلن إنسحابه من الترشح وقال فى حيثيات قراره أن "الإخوان تلاعبوا بى فقررت الانسحاب حفاظا علي إسمي وتاريخي وأرفض أن أكون "طرطورا" بوظيفة رئيس جمهورية في حالة نجاحي بمساندة الإخوان".
وبعد إعادة المحاولات لم ينجح الإخوان والعسكر فى الإتفاق، وإنتهى الأمر بخلاف علنى هدد فيه الإخوان - الذين حصدوا الأغلبية فى البرلمان - بسحب الثقة من الحكومة (وهى إختيار المجلس العسكرى) فرد عليهم المجلس بتهديد أقسى بحل البرلمان بإستصدار قانون من المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون الإنتخابات.
وعلى خلفية هذا النزاع بين حلفاء الأمس قرر الإخوان التقدم بمرشح للرئاسة من بينهم بعد أن كانوا قد قطعوا على أنفسهم عهدا أمام الملايين فى الإعلام المرئى والمسموع بعدم الإقدام على هذا الفعل. وتم ترشيح المليونير والعقل المفكر للإخوان المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام. وهنا رد المجلس العسكرى بورقة ترشيح اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات فى عهد المخلوع، وهى ما كانت جاهزة ودار الكلام فيها ونفاها سليمان نفسه فى وقت سابق. إذن يبدو أن المعركة بين العسكر والإخوان سيكون ميدانها فى دوائر الإنتخاب، ويبدو أيضا أن كل منهما قد عقد العزم على تصفية الآخر.
إن ترشيح عمر سليمان للرئاسة هو إستهزاء بالثورة لأنه أحد أقوى رموز عهد مبارك المخلوع. وتقدمه بأوراق الترشيح قبل إنتهاء الموعد المحدد بنصف ساعة (وهو ما إمتد على مدى خمسة أسابيع) ينبئ بوجود تخبط داخل المجلس العسكرى الذى دفع به إلى حلبة السباق الرئاسى. ثم إن ظهوره على شاشات التليفزيون وهو يقدم أوراقه فى حراسة رجال من الشرطة العسكرية لهو أمر مستفز حقا، فقد قدم المئات من المرشحين قبله أوراقهم ولم يكن هناك حراسة حول أى منهم. عمر سليمان ليس له حاليا أى صفة رسمية فى الدولة لكى ترسل المؤسسة العسكرية الحاكمة رجالها حوله لحراسته.
لكن ترشيح السيد سليمان يبدو مع ذلك أنه يحظى بشئ من الغطاء الشعبى الذى لا أستطيع الحكم على مداه الآن أو على ما إذا كان حقيقيا أم زائفا. لكنى أعرف أن كثيرا ممن أعطوه توكيلاتهم للترشح كانوا من عامة الناس ويعرف الجميع أن سليمان كان فى قلب دائرة الفساد التى كانت تشترى أصوات الفقراء فى الإنتخابات بالمال.
لكن بعيدا عن هذه الشبهات يجب الإقرار بأن هناك ميل شعبى أصبح كارها للسياسة وكل ما يرتبط بها: الإخوان والأحزاب والبرلمان والنخبة المثقفة التى تطل على الناس يوميا عبر الحوارات فى الفضائيات. هناك إحساس عام لدى الأغلبية الصامتة بالفشل والملل والإحباط. كل هذا يمكن أن يصب فى تأييد سليمان - الرجل القوى القادر على إستعادة الأمن المفقود فى مصر ولم شملها. المهم لدى هؤلاء المؤيدين هو لمّ الشمل الذى بعثرته الفرقة، ليس مهما إن كان ذلك سيتم بالإقناع أو بالسوط – المهم أن تخرس هذه الأصوات المتنافرة المزعجة وخلينا نشوف رزقنا. أضف إلى ذلك أن هناك من بين الفصائل المتنافرة من يريد التخلص من خصومه بأى ثمن، وسليمان قادر على التخلص من أى فصيل أو حتى من الجميع سواء كانوا إسلاميين أو يساريين أو حتى "عيال التحرير".
لكن الخطأ الذى سيقع فيه مؤيدو سليمان من ضحايا مبارك وسليمان نفسه أنهم تناسوا أن مشكلة الأمن التى يعانى منها الشارع المصرى اليوم بسبب أفعال المجرمين والبلطجية هى مشكلة مختلقة من إنتاج الفلول بعد الثورة. فهى لم تكن أبدا أحد مطالب الثورة يوم سقط الرئيس المخلوع. وتناسوا بذلك أن سليمان الذى سيعيد البلطجية إلى السجون ليحقق الأمن سيعيد قبلهم كل الأحرار إلى المعتقلات فيقضى بذلك أيضا على الأمن. تناسى هؤلاء الناس البسطاء أن ثورتهم إنطلقت لتحقيق شعارها: عيش حرية كرامة إنسانية، وهم ما لا يفهمه عمر سليمان ولا أمثاله أصلا، كما تناسى مؤيدوه من الفرقاء السياسيين أنه لو نجح سليمان فسوف يتخلص منهم جميعا ليستنسخ نفس العهد الذى ثار ضده المصريون فى لحظة توحدهم.
سليمان لايصلح إلا لتعذيب المعتقلين وعقد الصفقات مع إسرائيل. ليس لديه ما يقدمه سوى إستخدام شبكات الأجهزة الأمنية والإستخباراتية والشرطية فى تسريح المجرمين لترويع الناس ثم الظهور عليهم بمظهر القادر على ضبط المجرمين وإستعادة الأمن. هذا تفكير إجرامى فى حد ذاته. وسجله الإجرامى فى تعذيب المعتقلين لإنتزاع إعترافاتهم تم نشره على مواقع إلكترونية وفى صحف عديدة بعد الثورة. نشرت مجلة نيويوركر الأميركية على سبيل المثال تقريرا عن تعاونه مع وكالة المخابرات الأميركية فيما يخص عمليات الترحيل السرى وتعذيب المشتبه فيهم بالإرهاب بأساليب وحشية.
إن ترشح عمر سليمان لمنصب الرئاسة هو بالضبط كترشح مبارك نفسه. هو صفعة مهينة - أو قل بصقة - على وجه الثورة. ألم تنفجر الثورة لإسقاط مبارك وسليمان معا؟ ألم يكن سليمان هو من إحتقر الشعب المصرى بأسره وقال أنه غير مؤهل للديموقراطية؟ ياللسخرية! ها هو الآن يتأهب لتولى الحكم بأصوات نفس الشعب الجاهل بالديموقراطية على حد فهمه. ما هذا النفاق البيّن من جانبه وما هذا الإستغفال الممجوج من جانب مؤيديه؟
لم تكن هذه المهزلة لتحدث لولا تفرق حلفاء الثورة. ولم يكن لحلفاء الثورة أن يتفرقوا لولا شهوة السلطة التى أعمت الكثيرين منهم وحادت بهم عن أهداف الثورة. وكأن قنابل الكراهية بين الفرقاء قد إنفجرت لتسفر عن مثل هذا الرمز الشيطانى مرشحا لرئاسة مصر الثورة. وكأن المؤيدين لهذا المرشح قد أرادوا لمصر إنتحارا جماعيا بعد أن ملوا تشرذمهم وإستبد بهم اليأس من التوافق.
إن نقطة الضعف فى الحياة العامة للمصريين - بل والعرب - هى عدم قدرتهم على الإتفاق بل وعلى النقاش المنظم أحيانا. وإذا إتفقوا فغالبا ما ينتهكوا الإتفاق، وإذا ما إنتهكوا الإتفاق فلا مسائلة ولاحساب. إستغل الحاكم المستبد هذا الضعف فى الماضى فإستطاع أن يسود وكان له ما أراد من طاعة الناس، وإستغله الأجنبى أيضا ففرق بين الناس ليسود هو أيضا. إن ما نشهده على الساحة السياسية قى مصر اليوم بعد أكثر من عام على إندلاع الثورة هو نتيجة هذا الضعف الظاهر. ويبقى السؤال: هل هناك أمل فى أن تفضى الثورة إلى علاج لهذا الضعف؟
أعتقد أن هذا الأمل وارد لأن هناك - وبالرغم من الخلفية المزعجة للأحداث المشار إليها – روح للثورة لايدركها الكثيرون، وفيها يكمن الضمان لتصحيح المسار بغض النظر عما ستأتى به نتيجة إنتخاب الرئيس القادم أو ما يندرج حاليا فى برامج ونوايا الأغلبية البرلمانية. هذه الروح هى التى ستدفع بمصر لتبنى قواعد المجد على المدى البعيد. ومن السهل إدراك معالمها إذا إرتفعنا فوق أحداث اللحظة وتجنبنا الغرق والإستغراق فيها.
روح الثورة ومناطها وهدفها هو ما أتى فى شعارها: عيش حرية كرامة إنسانية. ولهذا لايجب أن ينسى أو يتناسى من يظنون فى نفوسهم أهلا لقيادة مصر بعد الثورة أن الطلائع الثورية التى أطاحت بالمخلوع وإنتزعت الحرية ستقبل أن يقودها من يلوح بالسوط. ثورة مصر لم تنطلق لتقضى فقط على فساد دام ثلاثين عاما خلال حكم مبارك أو ستين عاما خلال حكم العسكر أو حتى مائتى عاما منذ إنفرد محمد على وذريته بحكم مصر. لقد إنطلقت ثورة مصر فى لحظة تنوير تاريخية لتقضى على ما هو أسوأ من ذلك الفساد بكثير، وأعنى فكرة تأليه الحاكم. لقد بدأ سقوط هذه الفكرة من وجدان المصريين يوم 25 يناير عام 2011 بعد أن إستقرت آلاف السنين منذ عهود الفراعنة.
بفضل هذه الثورة لن تعود فكرة الحاكم الإله إلى المجتمع المصرى تحت أى مسمى: الكاريزما الشخصية أو الأغلبية الشعبية أو المرجعية الدينية أو الإستقرار الإجتماعى أو حماية الأمن القومى إلى آخر هذه المسميات التى ما أنزل الله بها من سلطان، ولن تهتف مصر بعد اليوم بالروح بالدم نفديك يا سليمان. لن تنحنى مصر بعد اليوم لمن تطلق على نفسها لقب سيدة مصر الأولى، لأن السيدة الأولى التى تنحنى لها مصر هى الفلاحة البسيطة التى تشقى لتنتج القمح والخبز والولد الصالح. لن يقف الوزير المدنى فى مصر بعد اليوم فى وضع "إنتباه" أمام الحاكم العسكرى لأن حكم العسكر سوف يسقط عاجلا أو آجلا. لن تقبل طلائع الشعب التى صنعت الثورة بإستبداد السلطة تحت أى غطاء: قومى أو عسكرى أو دينى.
هذه هى روح الثورة لايدركها الكثيرون من أبناء مصر المؤيدين لثورتهم، ولهذا نراهم متخوفين من ضياع الثورة. الثورة لن تضيع لأن الروح لا تضيع. وهذه الروح لايدركها أيضا عمر سليمان أو كل من تسول له نفسه بأنه يستطيع التلاعب بأقدار المصريين إذا تملك من كرسى الحكم. على هذه الخلفية لفهم روح الثورة يجب على الأطراف المتنافسة على مراكز السلطة مراجعة طموحاتها ومواقفها السياسية. فمصر لن تعود كما كانت فى نظر حاكمها: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.
محمد شكر
تورونتو – إبريل 2012
No comments:
Post a Comment