Saturday, October 8, 2011

الجمسي.. اختار يوم 6 أكتوبر للهجوم.. وبكى عندما انسحبت القوات المصرية من سيناء


هو أكثر من يجب التحدث عنه متى ذكر تاريخ السادس من أكتوبر، لأنه صاحب هذا التوقيت تحديدا لبدء تنفيذ الهجوم.

كان اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة والتي قامت في بداية عام 1973 بإعداد دراسة عن أنسب التوقيتات للقيام بالعملية الهجومية، حتى توضع أمام الرئيس المصري السادات والرئيس السوري حافظ الأسد لاختيار التوقيت المناسب للطرفين.

 قامت هذه الدراسة التي أعدها اللواء الجمسي وسميت بـ" كشكول الجمسي" على دراسة الموقف العسكري للعدو وللقوات المصرية والسورية، وتضمنت بحث ودراسة وتحليلي بعض النقاط التي كان أهمها:

أولا: المواصفات الفنية لقناة السويس، المد والجزر وسرعة التيار واتجاهاته، ساعات الإظلام وساعات ضوء القمر، حالة البحرين الأبيض والأحمر، أفضل توقيت يناسب الجبهة المصرية والسورية في نفس الوقت للهجوم بحيث يتحقق أفضل استخدام للقوات المصرية والسورية بالعملية الهجومية بنجاح ويحقق أسوأ الظروف لإسرائيل، تحديد طول الليل يوميا لاختيار ليل طويل بحيث يكون النصف الأول من الليل في ضوء القمر والنصف الثاني في حالة إظلام حتى يسهل تركيب وإنشاء الكباري في ضوء القمر ويكون عبور القوات والأسلحة والمعدات في الظلام.

ثانيا: دراسة الأعياد والعطلات الرسمية في إسرائيل وتأثيرها على إجراءات التعبئة في إسرائيل حيث القاعدة العريضة من الجيش الإسرائيلي هي القوات الاحتياطية، ويستدعي الاحتياطي بوسائل علنية عن طريق الإذاعة والتليفزيون وأخرى غير علنية، وأفادت الدراسة في هذه النقطة أن يوم "كيبور" في إسرائيل الموافق (6 أكتوبر) هو اليوم الوحيد خلال العام الذي تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد، أي أن استدعاء قوات الجيش الاسرائيلي الاحتياطي بالطريقة العلنية غير مستخدمة، وبالتالي يستخدمون وسائل أخرى تتطلب وقت أطول لاستدعاء الاحتياطي.

ثالثا: دراسة الموقف الداخلي لإسرائيل، وجدت الدراسة أن انتخابات اتحاد العمال في شهر سبتمبر، وانتخابات البرلمان الإسرائيلي يوم 28 أكتوبر 1973 والمعروف أن الحملة الانتخابية تجذب اهتمام أفراد الشعب الذين هم الجيش الاحتياطي.

 نتيجة لهذه الدراسة أتضح أن هناك 3 توقيتات تعتبر أنسب التوقيتات للهجوم هي النصف الثاني من مايو، ثم شهر سبتمبر، ثم شهر أكتوبر.

 وكان اختيار يوم 6 أكتوبر اختيارا موفقا لأنه من انسب الأيام وتوفرت فيه الشروط الملائمة للهجوم.

يقول المشير الجمسي كتابه (مذكرات حرب أكتوبر): سلمت هذه الدراسة بنفسي مكتوبة بخط اليد لضمان سريتها للفريق أول أحمد إسماعيل الذي قال أنه عرضها وناقشها مع الرئيس السادات في برج العرب بالإسكندرية في أوائل إبريل 1973 وبعد عودته أعادها لي باليد ونقل انبهار وإعجاب الرئيس السادات بها، وعبر الفريق أول أحمد إسماعيل عن شكره لهيئة عمليات القوات المسلحة لمجهودها في إعداد هذه الوثيقة الهامة بقوله: (لقد كان تحديد يوم الهجوم عملاً علمياً على مستوى رفيع، إن هذا العمل سوف يأخذ حقه في التقدير، وسوف يدخل التاريخ العلمي للحروب كنموذج من نماذج الدقة المتناهية والبحث الأمين).

كانت هذه الوثيقة هي التي أشار إليها الرئيس السادات في أحاديثه بعد الحرب بكلمة (كشكول الجمسي).

عين السادات اللواء محمد الجمسي ( رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة) ممثلا لمصر في المباحثات التي تتم مع إسرائيل تحت إشراف قوة الطوارئ الدولية عند الكيلو 101علي طريق السويس لإجراء مباحثات لتثبيت وقف إطلاق النيران بين الطرفين, وقد أوضح الجمسي أنه لا يرغب فى تنفيذ هذه المهمة حيث أنه أمضى حياته العسكرية كلها في حرب ضد إسرائيل, إلا أن السادات كان يرى أن الجمسي بحكم عمله رئيسا لهيئة العمليات يلم بأوضاع القوات المصرية وقوات العدو في الجبهة وأنه أنسب من يمثل مصر في هذه المباحثات .

وجاءت أصعب لحظات عاشها الفريق في حياته كلها، لحظات دفعته -لأول مرة في حياته العسكرية- لأن يبكي! كان ذلك في يناير 1974 عند استكمال مباحثاته مع الطرف المعادي فى أسوان عندما جلس أمامه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ليخبره بموافقة الرئيس السادات على انسحاب أكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة السويس وتخفيض القوات المصرية فى سيناء الي 7000 رجل و30 دبابة!! فرفض الجمسي ذلك بشدة، وسارع بالاتصال بالسادات الذي ما كان منه إلا أن أكد موافقته؛ ليعود الرجل إلى مائدة التفاوض يقاوم الدموع، ثم لم يتمالك نفسه فأدار وجهه ليداري دمعة انطلقت منه حارقة؛ حزنا على نصر عسكري وأرواح آلاف الرجال تضيعها السياسة على موائد المفاوضات، وكانت مفاجأة لهنري كيسنجر أن يرى دموع الجنرال الذي كثيرا ما أسرّ له القادة الإسرائيليون بأنهم يخشونه أكثر مما يخشون غيره من القادة العسكريين العرب.

ترقى الجمسي إلى رتبة فريق أول في 1974، ورقي إلى رتبة مشير في1980.

كما عمل وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة في عام 1974 حتى أكتوبر 1978، ونائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للحربية والإنتاج الحربي والقائد العام للقوات المسلحة في عام 1975، قبل أن يعين مستشار عسكريا للسيد رئيس الجمهورية في عام 1978.  

كما عين رئيسا للوفد العسكري المصري في مباحثات الكيلو 101 ورئيسا للوفد العسكري المصري في المفاوضات العسكرية المصرية الإسرائيلية، و حصل على 24 نوطا وميدالية ووساما من مصر والدول العربية والأجنبية, وكانت آخرها نجمة الشرف العسكرية المصرية وقد تقاعد بناء على طلبه في 11 نوفمبر 1980.

رحل المشير الجمسي بعد معاناة مع المرض في 7-6-2003 عن عمر يناهز 82 عاما، عاش خلالها حياة حافلة بالانتصارات وكان الجمسي قد انتهى ( قبل وفاته ) من جمع أوراق وبيانات كافيه للبدء في كتاب جديد عن الصراع العربي الاسرائيلي إلا أن القدر لم يمهله الوقت الكافي للبدء في الكتابة.

No comments:

Post a Comment