محمد سيف الدولة
أتوقف كثيرا أمام مشهد شهير فى فيلم الكيت كات بطولة محمود عبد العزيز الذي قام فيه بدور الشيخ حسنى ((الضرير)) الذى لا يعترف أبدا بعاهته ، فيتصرف فى حياته كأى شخص طبيعي مبصر، وهو ما سبب له ولكل المحيطين به مشاكل كثيرة .
والمشهد الذي اعنيه هو المشهد الأخير في الفيلم الذي كان الشيخ حسنى يمارس فيه هوايته المفضلة في النميمة فى جلسة حظ خاصة مع أصدقائه بعد انتهاء مراسم عزاء . فأخذ يحكى لهم الكثير عن أسرار اهالى المنطقة و فضائحهم بما فيها فضائحه هو شخصيا ، دون أن يهتم أو ينتبه ((بسبب عماه)) الى أن كلامه مذاع على الهواء لكل أهل المنطقة عبر ميكروفون العزاء الذي نسى الصبي المسئول إغلاقه بعد انتهاء المراسم .
***
أتذكَّر هذا المشهد دائما كلما خرج علينا احد الأمريكان فى الإدارة او الكونجرس الامريكى بتصريح يكشف سرا من أسرار علاقاتهم و اتصالاتهم بأحد الأطراف السياسية فى مصر .
ويأتي على رأسها بالطبع وثائق ويكيليكس التى لا أستبعد أبدا ان يكون قد تم تسريبها عمدا .
هذا بالإضافة الى تقارير الإدارة الأمريكية العلانية عن الخدمات الإستراتيجية التى تقدمها مصر لأمريكا .
ومنها ما قالته فيكتوريا نولاند فى تصريح رسمى للخارجية الامريكية من اندهاشها من موقف المجلس العسكرى من التمويل الاجنبى رغم انهم يرسلون ضباطهم الى امريكا للتدريب فى إطار ((برنامج التعليم والتدريب العسكرى الدولى))
وما صرحت به ايضا يوم 12 يناير الماضى فى مؤتمر صحفى من ان الاخوان تعهدوا بالحفاظ على كامب ديفيد ، وانه هناك اتصالات ومباحثات سرية بينهم حين قالت (( أن محادثات واشنطن مع جميع الأطراف في العالم يجب أن تكون سرية بما فيها الإخوان ، وأن الجماعة بإمكانها إعلان ما تم بينها وبين «بيرنز» إذا أرادت ))
ثم ما قام به جون ماكين فى 2 مارس الجارى من توجيه الشكر الى جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي الحرية والعدالة على دورهم فى حل أزمة المتهمين الامريكيين مستشهدا بالنسخة الانجليزية من بيانهم يوم 20 فبراير ، رغم نفى الجماعة .
***
ان هذا هو اسلوب الأمريكان دائما ، فهم لا يخفون أبدا حقيقة علاقاتهم بالآخرين ، بل يعلنون عنها لتوريط كل من اتفق معهم فى الخفاء ، من أجل تثبيت الاتفاق وإشهاره . فالقضية عندهم ليست قضية مجاملات وبروتكولات وانما هي قضية مصالح ونفوذ لا تقبل الهزل واللوع والمناورة .
وكم من الزعماء والقادة والملوك والرؤساء الذن سقطوا فى المصائد الامريكية بعد ان تصوروا انهم اشطر من الأمريكان ويمكن ان ((يبلفوهم)) بكلمتين ثم يتراجعوا ويرضخوا فيما بعد . حدث ذلك مع السادات ومبارك وياسر عرفات وآخرين .
وهذا ما فعلوه مع المجلس العسكري عينى عينك فى أزمة المعهد الجمهوري الأخيرة ، حين ضغطوا وهددوا الجميع ((على الملأ)) ، ولم يعبئوا بمشاعر المصريين وكرامتهم ولا بردود أفعالهم المحتملة . فوجهوا رسالة واضحة مفادها إننا سنأمركم ونضغط عليكم وسترضخون فى النهاية .
ان درس الشيخ حسنى على الطريقة الأمريكية مهم لكل من يتصور انه يمكنه الاتفاق مع الأمريكان فى الخفاء ، وينجو بفعلته .