Monday, February 20, 2012

مغامرة حكومة الأخوان


الثلاثاء 21 فبراير 2012

 فهمي هويدي




أفهم أن يطالب البعض بتكليف الإخوان بتشكيل الحكومة في مصر، لكني أستغرب ان يأخذ الإخوان الكلام على محمل الجد، فيشمرون عن السواعد ويشاورون ويرشحون ويرتبون.ثم يقول قائلهم بمنتهى الحماس انهم ليسوا جاهزين من اليوم فقط، ولكنهم جاهزون من أمس أيضًا!

(1)


يثير انتباهنا لأول وهلة، ان بين من يلحون في هذه الدعوة نفر من الكارهين والشامتين والبصاصين الذين كانوا أبواق جهاز أمن الدولة في ظل النظام السابق.



وهي ملاحظة أسجلها بسرعة ولا أدعو إلى الوقوف عندها طويلا، ذلك انني مستعد لافتراض حسن النية لدى الأغلبية، وتفهم الحجة المنطقية التي تقول ان الحزب الحائز على الأغلبية في البرلمان يتعين عليه ان يشكل الحكومة.



علما بأنني لست مشغولا كثيرا بما إذا كان يحق لهم تشكيل الحكومة أم لا، لكن سؤالي ينصب على ملاءمة وجدوى الإقدام على هذه الخطوة في الظروف الراهنة لمصر.

واجابتي السريعة أنني أعتقد ان ذلك ليس في مصلحة البلد ولا في مصلحة الإخوان.أما كيف ولماذا، فذلك ما سأحاول شرحه هذه المرة.

(2)


أرجو ان يكون واضحا في الأذهان ابتداء أنني أتحدث عن حالة مصر ولا أطلق حكما عاما، لاقتناعي بأن مصر لها خصوصية لا تتوافر لأقطار أخرى كثيرة.

إذ هي بلد مركزي يعد مفتاح العالم العربي وعاصمته، كما قال بحق الدكتور جمال حمدان، إذا عزَّت استعادت الأمة عزتها وكبرياءها، وإذا هزمت انكسرت الأمة وذلت.



ولا أعرف ان كانت هذه المقولة تحتاج إلى برهان أم لا، لكنك إذا تطلعت إلى حال الأمة بعدما وقعت مصر معاهدة السلام مع اسرائيل واذا رصدت أصداء هذه السقطة في أرجاء العالم العربي، فلن تحتاج إلى مزيد برهان.


بكلام آخر فان خصوصية الموقع أضفت على مصر أهمية أغرت القوى الكبرى على مدى التاريخ بأن تتطلع اليها وتطمع فيها، حتى تحدث الدكتور حمدان في مؤلفه «شخصية مصر» عن جناية الموقع على هذا البلد.

ضاعف من أهمية مصر في الاستراتيجيات العالمية أمران،

الأول معاهدة السلام مع اسرائيل،

والثاني أنها تتصدر عالما عربيا يختزن النفط الذي تعتمد عليه الصناعة الغربية، الأمر الذي جعل ذلك العالم وعاء مهما للمصالح الحيوية الغربية.


لأن الأمر كذلك، ففي النظر الغربي ثمة «سقف» لأي حراك في مصر والعالم العربي، حيث مسموح لأي دولة ان تفعل ما تشاء مادام ذلك لا يمس من قريب أو بعيد السلام مع اسرائيل أو موضوع النفط الذي بات يوصف بأنه مصلحة غربية عليا.



واذا صح ذلك التحليل فان الدوائر الغربية والاسرائيلية تتوجس من أمرين في العالم العربي

أولهما الاستقلال الوطني

وثانيهما الديموقراطية الحقيقية.



اذ من شأن تحقق أي منهما أو كليهما ان يؤدي في نهاية المطاف إلى اشتباك مع المصالح الغربية والطموحات الاسرائيلية.

لسبب جوهري هو ان استمرار تلك المصالح والطموحات يفترض حالة من «الخضوع» للسياسة الغربية، الأمر الذي لابد ان يصطدم مع استحقاقات الاستقلال أو مقتضيات الممارسة الديموقراطية.



لذلك فاننا لا نبالغ إذا قلنا ان ترحيب واشنطن أو غيرها من الدول المعنية بالربيع العربي مؤقت ومشروط بألا تتعارض ثماره مع ذلك السقف المفروض.

(3)


إذ يممت وجهك شطر الداخل الذي هو الأهم والأساس فسوف تجد ان الأضواء الحمراء تخطف البصر وتفوق الحصر، ذلك ان مصر التي دمرها وشوه مؤسساتها النظام السابق تحتاج إلى بناء جديد.

وذلك هم تنوء بحمله الجبال.اذ لا تحتاج مصر إلى مجرد اصلاح سياسي يتحقق باصدار دستور جديد أو اجراء انتخابات برلمانية، وانما المطلوب والمأمول ان تستعيد مصر عافيتها وتتجاوز حالة التقزيم والاعاقة التي فرضت عليها وأخرجتها من مجرى التاريخ حتى أصبحت مجرد حقيقة جغرافية.



صحيح ان تقدما كبيرا حدث بعد الثورة في مجال الحريات العامة، لكن قائمة المهام المطلوب انجازها طويلة، وحلم النهضة والعدل الاجتماعي يستدعي ملفات أخرى كثيرة تشمل التعليم والصحة والاسكان وغير ذلك من مجالات الخدمات، إلى جانب ملفات الانتاج التي يطل منها كم مقلق من الاشارات الحمراء.



ذلك ان ثمة شبه اجماع بين الخبراء على ان الوضع الاقتصادي في مصر سيكون في أسوأ حالاته خلال السنة المقبلة على الأقل.الأمر الذي لا يتفاءل هؤلاء بتأثيراته وتداعياته الاجتماعية وربما السياسية أيضا.


ولاتزال ترن في أذني مقولة رددها أمامي واحد من أولئك الخبراء.ادعى فيها ان ادارة شؤون مصر في الفترة المقبلة ستكون أقرب إلى العملية الانتحارية، ما لم يتم التصدي للمسؤولية بأكبر قدر من المهارة وأوسع اطار للمشاركة من جانب الطبقة السياسية والقوى الحية في المجتمع.

(4)


إن التحديات الجسام التي تواجه مصر الثورة في الداخل والخارج لا تحتمل التبسيط أو المغامرة.وهي أكبر من الإخوان ومن أي فصيل بذاته.

وأرجو ألا يقارن أحد الوضع في مصر بنظيره في تركيا أو ماليزيا أو كوريا الجنوبية أو سنغافورة لثلاثة أسباب.

الأول ما ذكرته توا من ان مصر لها وزن مختلف في الحسابات الاستراتيجية الدولية.

الثاني ان وجود حدود مشتركة ومعاهدة سلام بين مصر واسرائيل له تبعاته التي لا تتوافر لأي بلد آخر.

الثالث ان ما أنجزته تلك الدول هو حصيلة تراكم تواصل عبر فترة تراوحت بين 30 و40 سنة.وحالم أو ساذج من يتصور أنه يمكن ان يستنسخ ما بلغوه من انجاز من خلال «حرق المراحل» ودون أن يتوافر ذلك التراكم.


إننا بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية وليس حكومة إخوانية.ولا يقولن أحد ان الأغلبية البرلمانية ينبغي ان تتحمل المسؤولية مادامت قد عرضت نفسها على الناس وتم التصويت لصالحها.

أولا لأن هذه الأغلبية تمارس المسؤولية من خلال مجلس الشعب الذي يرأسه أحد القياديين في الإخوان.

ثانيا لأن الفوز بالأغلبية لا يعني بالضرورة ان يتحمل الحزب الفائز كامل المسؤولية عن ادارة البلد.وقد وجدنا في تجربة تونس ان حزب الأغلبية تحمل مسؤولية الحكومة في حين كانت رئاسة البرلمان (الجمعية التأسيسية) من حصة حزب آخر، وتولى رئاسة الدولة رئيس حزب ثالث.

ثالثا فانني لا أقول بابتعاد الإخوان تماما عن الحكومة، ولكني أدعو إلى ان يتولى تشكيلها أحد الشخصيات الوطنية الموثوق فيها، على ان تشترك فيها مختلف القوى الوطنية والإخوان والسلفيون من بينهم، ليتحقق بذلك أوسع قدر من التوافق الشعبي.

(5)


قلت قبل قليل إن تشكيل الإخوان للحكومة في الظروف الراهنة ليس في مصلحة البلد، كما أنه ليس في مصلحة الإخوان أو الحركة الإسلامية عموما.

هو ليس في مصلحة البلد لأن دولا عدة غربية بل عربية أيضا سوف تحجم عن تقديم أي معونات أو استثمارات لمصر، ولا أستبعد ان يتكرر مع حكومة الإخوان في مصر ما حدث مع حكومة حماس في غزة.وليس سرا ان من مصلحة تلك الدول اثبات عجز تلك الحكومة وفشلها في مهمتها.


من ناحية أخرى، فان ادارة دولة بحجم وأهمية مصر ناهيك عن ان يستهدف ذلك استعادة مكانتها في مجرى التاريخ تتطلب خبرات لا أتصور أنها متوافرة لدى حركة الإخوان.والسبب في ذلك ان الأنظمة السابقة حرصت على اقصاء عناصرها من مختلف واجهات العمل الوطني.

ولست أشك في ان لديهم من الكفاءات من يستطيع ان يشارك في الحكومة، لكن شكي كبير في قدرتهم على تشكيل الحكومة والاستئثار برئاستها وبأغلب وزاراتها، تبعا لنسبتهم في البرلمان.


من ناحية ثالثة، فانني أخشى ان يتكرر مع حكومة الإخوان ما حدث في تركيا مع نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه حين رأس الحكومة لأول مرة عام 1996.ذلك ان الرجل لكي يستمر في منصبه فانه اضطر لتوقيع أسوأ الاتفاقات الأمنية مع اسرائيل.الأمر الذي أضر بالبلد كما أضر بسمعة شخصه وحزبه.


حين قلت ان تشكيل الحكومة ضار بالإخوان في أنفسهم فقد كان في ذهني أنهم إذا فعلوها فقد يضطرون إلى الاقدام على تنازلات تهدد رصيدهم التاريخي، وقد تهدد شرعيتهم باعتبارهم فصيلا من الحركة الوطنية المصرية.

وستكون العلاقة مع اسرائيل مثلا تحديا واختبارا لهم من اليوم الأول.

اذا سلموا وامتثلوا فقد خسروا أنفسهم وشعبيتهم،

واذا تمنعوا أو رفضوا فقد خسروا علاقتهم مع الأمريكان ومع دول الاعتدال العربي.

وقد قال لي أحد المخضرمين انه لن يستبعد في أول أسبوع لحكومة الإخوان ان تختبرها اسرائيل من خلال شن هجوم على غزة، لكي تتعرف على نواياها ازاءها.


ليس سرا ان بعض الذين يدعون إلى تشكيل حكومة الإخوان يريدون توريطها في كمين منصوب لهم.ذلك ان حرج الظرف وصعوبة الموقف الاقتصادي تحديدا، اضافة إلى العقبات والضغوط التي سبقت الاشارة اليها تجعل المراهنة أكبر على افشال مهمة الحكومة، بما يراد له ان يؤدي إلى قطع الطريق على أي دور للحركة الإسلامية في السلطة لعدة عقود مقبلة، ليس في مصر وحدها ولكن أيضا في العالم العربي بأسره.



وليس سرا أيضا ان ثمة أطرافا داخلية وعربية ودولية يهمها للغاية وقف ذلك المد الذي أوصل الإسلاميين إلى مواقع السلطة ودوائر صناعة القرار.


هذا الذي أقوله ليس مجرد استنتاج، ولكنه يعتمد على معلومات محددة، خلاصتها أنه يجرى في مصر هذه الأيام الاعداد لتشكيل حزب جديد يكون بديلا مرشحا لتسلم السلطة بعد الفشل المرتجى لحكومة الإخوان.



وهذا الحزب يسوقه الآن ويوزع استمارات عضويته بعض ذوي الصلة بالنظام السابق، وهناك كلام مثار حول دعم خارجي له، أسهمت فيه بعض الدول العربية.



أكرر: ما أقوله معلومات وليس استنتاجات


No comments:

Post a Comment