الإثنين 20 فبراير 2012
حين أبرزت بعض صحف أمس (الأحد 19/2) قصة ضباط الشرطة الذين يريدون إطلاق لحاهم فى الظروف المواتية الراهنة، قلت: هذا موقف ليس له إلا الشيخ محمد الغزالى. إذ تذكرت يوم أن صادف شابا حضر مجلسا وقد تدلى من فمه «مسواك» ظل يحركه طول الوقت. وهو ما أثار استياء الشيخ فسأله مستنكرا: ما هذا الذى تفعله؟ فرد الشاب قائلا إنه سنة عن النبى عليه الصلاة والسلام، فقاطعه الشيخ قائلا، والاستياء بادر على وجهه: إن «الاستنجاء» سنة أيضا! (مشيرا إلى الاغتسال بعد قضاء الحاجة). وكانت رسالته واضحة وهى أن هناك ملاءمات حتى فى اتباع السنن، وأنه ليس كل سنة تمارس فى أى وقت وفى أى مكان. ومن الكياسة أن توضع السنة فى سياقها ومكانها المناسبين.
نحن نعلم أن السُّنة درجات، وبعضها من العادات والبعض الآخر من العبادات، والأخيرة فيها الملزم وغير الملزم. ومن تطوع فى اتباع ما كان قولا أو فعلا أو إقرارا من السنن فهو خير له. ولست هنا فى مقام الافتاء فى موقع اللحية من درجات السنن، فذلك أمر له أهله. لكنى أتحدث عن الملاءمة فى إطلاقها بالنسبة لرجل الشرطة فى مصر. وأخص مصر بالذكر لأن إطلاق اللحية فى الشرطة والجيش شائع فى الأقطار الخليجية وفى بعض الدول الأخرى مثل باكستان والهند وأفغانستان. بالتالى فأنا أتحدث عن مجتمع ليس من أعرافه أن يطلق رجل الشرطة أو الجيش لحيته. الأمر الذى يعنى أن التصريح بإطلاق اللحية فيه يمكن أن يعبر عن هوية ليس من الصحى إبرازها فى أوساط الشرطة أو الجيش. حيث أزعم أن ذلك قد يكون بابا لفتن لا يعلم إلا الله مداها.
لا أخفى أننى ما أردت أن أناقش موضوع الإباحة والحظر فى إطلاق لحية العسكريين، وإن كنت أسجل أنه بعد الثورة ألغى قرار منع الضباط المتقاعدين الملتحين والسيدات المنتقبات من دخول نوادى القوات المسلحة، فى حين ألحظ ازدراء رسامى الكاريكاتير الدائم بالملتحين، حتى قلت مرة لمن أعرف منهم ليتكم تعاملونهم بذات القدر الذى تصورون به القسس.
ما يشغلنى حقا ليس إجابة السؤال هل يسمح للعسكريين بإطلاق لحاهم أم لا، ولكن يقلقنى طرح السؤال من الأساس، لأننى أزعم أنه حين يأتى ذكر الشرطة على أى لسان، فإن أول ما يخطر على البال هو حال الانفلات الأمنى وإعادة هيكلة الداخلية ليصبح هدفها الدفاع عن المجتمع واحترام المواطن وليس العكس. أما إطلاق اللحى أو حلقها فذلك شأن يهم أفرادا معدودين ولا يهم المجتمع فى شىء. وحين تسلط وسائل الإعلام الأضواء على أمثال تلك الأمور الفرعية وتحولها إلى قضايا عامة، فإنها تؤدى إلى تشويه الرأى العام وإشاعة الخلل فى أولويات المجتمع.
لا أعرف إن كان ذلك مقصودا أم لا، لكنى ألاحظ أننا منذ قامت الثورة نستدرج إلى مناقشة العديد من الأمور التافهة والحوادث الفردية. مرة نتحدث عن مصير المايوه البكينى فى ظل الوضع الجديد. ومرة ثانية نشغل بشخص غطى تمثالا فى الإسكندرية، وآخر وصف التماثيل بأنها من مخلفات حضارة عفنة، وثالث وصف نجيب محفوظ بما لا يليق. وبعد ذلك ننشغل بفرقعة إعلامية أقدم عليها أحد السلفيين حين رفع الأذان للصلاة فى أثناء انعقاد جلسة مجلس الشعب، ثم تقوم الدنيا ولا تقعد لأن محاميا مجهولا اتهم عادل إمام بإزدراء الأديان، ورفع قضية غاب صاحبنا عن جلسة النظر فيها فأصدر القاضى حكمه بحبسه ثلاثة أشهر، ليس إدانة له ولكن بسبب الغياب، فى حين يفترض إلغاء الحكم فى أول جلسة استئناف. وبين الحين والآخر تشغلنا الصحف بقبطية أحبت شابا مسلما أو العكس ثم اختفيا.. إلى غير ذلك من الحوادث الفردية التى تتراوح بين التفاهة والسخافة، وينبغى تجاهلها، إلا أن وسائل الإعلام وبعض المثقفين المتصيدين يحولونها إلى قضايا عامة، وكأنها ظواهر اجتماعية وأمراض يعانى منها المصريون، فى حين أن الشعب المصرى لا علاقة له بكل ذلك، حيث الناس مشغولون بطوابير الخبز وأنابيب البوتاجاز ومشاكل الدروس الخصوصية والبطالة والغلاء وغير ذلك من الأمور الحياتية التى ترهقهم على مدى العام.
إذا تم ذلك التشتيت بحسن نية فقد نقول إنه من قبيل حملات الإثارة الرخيصة. التى تتسابق عليها الصحافة الصفراء. أما إذا فتحنا أبواب سوء النية فإننا لا نجد تفسيرا لذلك الجهد الذى يسهم فيه بعض المثقفين بنصيب وافر سوى أنه يصب فى اتجاه تخريب الرأى العام ومحاولة التشهير والتخويف وإبعاد الناس عن همومهم الحقيقية وإشغالهم بصغائر الأمور ــ لذا وجب التنويه.
No comments:
Post a Comment