Monday, January 30, 2012

العسكر في الميزان – فهمي هويدي


29 يناير 2012


 تلقيت عدة تعليقات على ما كتبته أمس في هذا المكان حول رسائل الغضبة الثانية. التي تم استخلاصها في  المظاهرات الحاشدة التي خرجت إلى ميادين مصر وشوارعها الرئيسية في مناسبة مرور سنة على ثورة 25 يناير،



 لا جديد في التعليقات التي أيدت ما ذهبت إليه، باستثناء الأصداء التي زايدت على ما قلت، ودعت إلى موقف أكثر خشونة إزاء المجلس العسكري.

إذ دعا أصحاب هذه الآراء إلى ضرورة تخليهم عن السلطة فورا وإلى مساءلة ومحاسبة أعضائه عن الجرائم التي وقعت بحق المتظاهرين. وأدت إلى قتل بعضهم وإصابة المئات بإصابات بالغة وعاهات مستديمة.



قدرت بعض هذه الآراء ولم أقتنع بالبعض الآخر. إذ لم أفهم لمن تسلم السلطة في حين أننا قطعنا نصف الطريق تقريبا لبلوغ ذلك الهدف. كذلك لم أفهم كيف يمكن أن نحاسب أعضاء المجلس العسكري دون أن نتقصى حقائق ما جرى ونحدد المسئولين عنه.


ما آثار انتباهي هو التعليقات التي تحفظت على ما قلت، خصوصا أنني سمعتها وتلقيت بعضها من شخصيات مرموقة، لها مواقفها النزيهة والمقدرة في مجال العمل العام.


انصبت تلك التحفظات على نقطتين جوهريتين، قيل لي إن من المهم الانتباه إليها لإنصاف المجلس العسكري وتقييم موقفه بما يستحقه من موضوعية وتجرد، النقطتان هما:


إن المجلس لم يقم بانقلاب. بالتالي فإنه لم يسع إلى تولي السلطة في البلاد ولكنه تدخل لصالح الثورة في لحظة فارقة، لتجنيب مصر أحد احتمالينالفوضى العارمة، أو مذبحة تغرق البلاد في بحر من الدم،

ذلك أنه إذا سقط النظام في حين وقف الجيش محايدا وبعيدا، فإنه في غيبة تنظيم قائد أو رأس للثائرين، فإن مصر كان يمكن أن تتعرض لحالة من الفوضى تسقط فيها الدولة كلها وليس النظام وحده،



أما إذا لم يسقط النظام وأصر المتظاهرون على تحدِّيه، ومن ثم مواصلة الزحف إلى القصر الجمهوري لاقتحامه واحتلاله، فإنهم كانوا سيتعرضون في هذه الحالة إلى نيران الحرس الجمهوري المدجج بأحدث الأسلحة، الأمر الذي كان من شأنه أن يضاعف في أعداد القتلى عدة مرات، والله يعلم ما الذي كان يمكن أن يحدث بعد ذلك.


إزاء ذلك ــ يضيف أصحاب هذه الرأي ــ فإن مسئولية تولي السلطة وإدارة البلد ألقيت على المجلس العسكري، وفرضت عليه في حين أنه لم يسع إليها.


حين حدث ذلك، فإن القادة العسكريين تعاملوا مع الحدث كمهنيين لا كسياسيين، خصوصا أنهم جميعا ليست لهم أية خلفية سياسية، ناهيك عن أن ذلك كان محظورا طوال عهد الرئيس السابق على كل العسكريين، وفي القوات المسلحة بوجه أخص فإن أي ضابط تظهر عليه أية ميول سياسيه كان يحال إلى التقاعد على الفور،



ولم يكن يسمح للضابط بأن يتقلد المراتب العليا، ويتجاوز رتبة عقيد أو عميد إلا إذا كانت التقارير تجمع على أنه ليس له أية ميول سياسية، وأنه لا يعرف في الدنيا غير وظيفته وولائه للنظام القائم، وهو درس تعلمه الجميع بحيث إن أي ضابط له وجهة نظر في أي قضية عامة كان يكتمها ويخفيها عن أقرب المقربين إليه.



آية ذلك مثلا أننا عرفنا بعد الثورة أن كبار الضباط كانوا ضد توريث السلطة وكانت لهم تحفظاتهم على عدة سياسات (منها بيع القطاع العام مثلالكننا لم نسمع أن أحدا جهر برأيه حتى في محيطه الخاص، وإنما أخفى الجميع مشاعرهم تلك طول الوقت.


أصحاب هذا الرأي يقولون إن تصرف الضباط كمهنيين أوقعهم في الأخطاء التي حسبت عليهم، سواء ممارسة العنف ضد المتظاهرين أو رفض الاعتذار أو نقد الذات. إلى غير ذلك من الأساليب التي يستطيع السياسي من خلالها أن يصوب أخطاءه ويحتفظ برصيده لدى الناس. ولأن الآلة الإعلامية لا ترحم ــ هكذا قالوا ــ فإنه تم اصطياد الأخطاء والتهويل من شأنها جراء إسقاط الخلفية التي دفعت العسكر إلى ذلك السلوك. وذهب البعض في نهاية المطاف إلى تصنيف المجلس العسكرى ضمن الثورة المضادة والادعاء بأنهم جزء من النظام السابق وبعض أدواته.


لقد قلت من قبل إن المشهد المصري بعد سنة من الثورة يمكن أن يقرأ من أكثر من زاوية، وأن كأس الثورة بعضه فارغ ونصفه ملآن، بحيث يتعذر إجراء أي تغيير موضوعي إلا برؤية الكأس بشقيه.



وليس من مصلحة أحد أن يرى جانبا دون آخر، ولعل ما ذكرت يسهم في توفير فرصة أفضل لإجراء ذلك التقييم الموضوعي والمنصف.


No comments:

Post a Comment