محمد سيف الدولة، ذكرى ثورة يوليو ـ حوار لا مكايدة
https://zakerataloma.blogspot.com/2018/07/blog-post_23.html
https://zakerataloma.blogspot.com/2018/07/blog-post_23.html
· ان احترام الآخرين ومعتقداتهم وتجاربهم ورموزهم هو أقصر طريق لنيل تقديرهم واحترامهم المتبادل، وهو اول شروط التعايش والتعاون المشترك والوحدة الوطنية فى اى مجتمع.
· فلماذا ينتظر البعض ذكرى ثورة يوليو 1952 ـ 1973 من كل عام ليشن حملة عليها وعلى انصارها، ولماذا من ناحية أخرى يهاجم بعض انصارها كل من يعارضها ويختلف معها.
· ولماذا يتخذ بعضنا المناسبات التى يعتز ويفخر بها اشقاؤنا فى التيارات الاخرى، فرصة للتربص والاشتباك معهم والهجوم عليهم وعلى معتقداتهم وعلى تراثهم والتجريح فى رموزهم وتسفيه أفكارهم وتشويه التجارب التى يعتزون بها ويعملون على احيائها كل عام. ثم يعودون بعد ذلك ليطالبوهم بالاصطفاف السياسى معهم؟!
· ولماذا لا نقوم بدلا من ذلك بتبادل الخبرات واستخلاص الدروس من مسيرة وتجارب بعضنا بعضا؟
***
ان لكل تيار من التيارات الاربعة الرئيسية فى الامة ثوراته ونضالاته وتجاربه، التى قد تختلف او تتناقض معها التيارات الاخرى ولكنها يجب ان تدرسها وتتعلم منها، فالثورة الروسية أو الصينية لدى التيار الماركسى، والثورة المهدية فى السودان 1881 ـ 1899 او الايرانية 1979 أو حركات المقاومة الاسلامية فى فلسطين ولبنان لدى التيار الاسلامى، والثورة الفرنسية ودستور 1923 والحياة السياسية والبرلمانية والحزبية فى مصر 1919-1952 لدى التيار الليبرالى، والثورة العرابية او ثورة يوليو والثورة الجزائرية 1954-1962 والثورة الفلسطينية 1964-1993 لدى التيار الوطنى والقومى، والثورة التونسية والمصرية 2011 التى شارك فيها الجميع، فيها كلها كنوز من الخبرات والدروس، لكل المهمومين بسؤال التغيير والثورة أيً كانت مرجعيته الفكرية او السياسية.
***
ولذا فانه بمناسبة حلول الذكرى السنوية لثورة يوليو، فإنني ارجو من كل الاخوة المعارضين والمناهضين لها، الا يحولوا ذكراها من كل عام الى حملات موجهة للهجوم والمكايدة السياسية، وذلك لعديد من الاسباب، سأكتفى بثلاثة منها فقط:
1) هو ان هناك قطاعات واسعة من المصريين ومن الشعوب العربية ممن يؤمنون بهذه الثورة وينتمون لأفكارها، يخوضون معكم ذات المعارك اليومية فى مواجهة منظومة التبعية والصهيونية والاستبداد والاستغلال والفساد والافقار والتخلف، فلنحافظ على مشاعرهم ونحترم معتقداتهم. ونسأل أنفسنا دائما لماذا بعد كل هذه السنين لا تزال كل هذه الاعداد من البشر تتبنى هذه الأيديولوجية وتدافع عن هذه التجربة، خاصة من مواطنى الاقطار العربية الشقيقة الين لم تحكمها ثورة يوليو.
وما يقال عن ثورة يوليو يقال بطبيعة الحال عن كل ايديولوجيات وتجارب الآخرين.
2) ثم أليس كلنا شركاء فى هزيمة وانكسار هذه الامة الطيبة؟ وألسنا جزء من أسباب أزمتها المزمنة وعجزها على امتداد قرون طويلة، عن التحرر والاستقلال والوحدة والتقدم والمنافسة على المراكز الاولى بين الدول المتقدمة؟
وألم تنتهي غالبية مشروعاتنا وتجاربنا جميعا على امتداد قرنين من الزمان بالفشل او الهزيمة؟ الا ينطبق علينا قول الله تعالى فى سورة الحجرات "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ ..."؟
3) كما اننا نعيش معا فى امة واحدة ووطن واحد منذ عشرات القرون وسنظل كذلك الى ما شاء الله، ظروفنا واحدة ومصيرنا مشترك شئنا ذلك ام ابينا، ولا ينتوى اى منا مغادرته أو الرحيل عنه، ولن يستطيع أحدنا حتى لو أراد، ان يحتكر الساحة او ان يستأثر بها او ان يجتث الآخرين حتى لو امتلك كل مقاليد القوة والسلطة، فلا بديل أمامنا الا الحياة معا.
***
حوار لا مكايدة :
1) قد يرد البعض من هذا التيار او ذاك، بتقديم سيل من اتهامات التخوين او التكفير او الشيطنة للتيارات الاخرى.
فى مواجهة هؤلاء بالتحديد، كتبت هذا المقال.
***
2) وقد يرد البعض الآخر، بان فى بعض الاقطار العربية، يشتبك ويتقاتل أنصار هذه التيارات مع بعضهم البعض، فكيف نطالبهم بالتعايش والحوار.
وردى على ذلك هو ان السبب الرئيسى فى تصورى لهذه الحالة البائسة من الكراهية والصراع والاقتتال التى نعيش فيها اليوم، هو اننا اهملنا التواصل والحوار فيما بيننا رغم علمنا وادراكنا لما بيننا من اختلافات فكرية عميقة منذ عشرات السنين، وبدلا من ان نتصدى لها ونحاول تفكيكها واذابتها أو التقليل من هوتها على أضعف الايمان، قررنا أن نقيم جدراناً عازلة فيما بيننا، شبيهة بجدار الفصل العنصرى الذى اقامته (اسرائيل)، ليعيش كل منا داخل الجيتو الخاص به، فاصبحنا منذ ذلك الحين لقمة سائغة لكل من يريد الاستثمار فى خلافاتنا وانقساماتنا ويفجر مجتمعاتنا من الداخل.
***
3) وقد يقول البعض الثالث، أن الاحداث التى يحتفى بها تيار ما، كانت وبالا على تيارات أخرى، وغالبا ما يستشهدون بثورة يوليو، وكيف انها كانت وبالا على الشيوعيين والاخوان واحزاب ما قبل الثورة.
وردى على ذلك انه ليس مطلوبا من اى منا ان يتخلى عن رؤيته وتحليله للوقائع والاحداث التاريخية مجاملة للتيارات الاخرى، بل فقط عليه ان يتناولها فى سياقها التاريخى بصدق ونزاهة بدون تزوير أو تجريح او تسفيه او اهانة، وأن يدرسها بتجرد وموضوعية حتى نتجنب تكرار اخطائها وعثراتها فى المستقبل، وان ينتقد تجاربه هو الآخر بقدر انتقاده للآخرين وان يتذكر فشله وهو يتهم الآخرين بالفشل، حتى لا ينطبق عليه قول السيد المسيح عليه السلام "لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟"
***
وفى ختام هذه السطور، ونحن بصدد الذكرى السادسة والستين لثورة يوليو 1952 ـ 1973، فانى اراها فرصة سنوية مناسبة لكي نتحاور حولها ونستخلص دروسها ونبحث كيف يمكننا ان نعيد احياء منجزاتها وعلى رأسها الانحياز للفقراء والاصلاح الزراعى والتصدى للخلل الرهيب فى توزيع الثروات أو الاستئثار بها وتأسيس صناعة وطنية، ناهيك بالطبع عن تحقيق الاستقلال و تأسيس حركة عدم الانحياز وتأميم قناة السويس وبناء السد العالى ودعم حركات التحرر الوطنى وثورة الجزائر والمقاومة الفلسطينية واحياء هوية مصر العربية والعداء للأمريكان و(لاسرائيل)، ورفض الصلح معها أو الاعتراف بها وشن حرب الاستنزاف واعادة بناء الجيش وكلها توجهات وسياسات، كما نرى، أصبحت اليوم عملة نادرة، فى ظل عصر الانبطاح التام والكامل امام العدوين الأمريكى والصهيونى.
كما علينا أن نبحث أيضا كيف نتفادى اخطائها وخطاياها مثل هزيمة ١٩٦٧ التى ما زلنا ندفع أثمانها حتى اليوم، وتأميم الحياة السياسية فى تنظيم واحد أسسته الدولة وقادته، وحملات الاعتقالات خارج إطار القانون وتأسيس ظواهر مثل تسييس الاحكام القضائية ونسبة الـ 99% فى الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية وتضخم الاجهزة الامنية وبذر بذور الدولة الاستبدادية التى تحكمنا اليوم. وكذلك خطيئة الانقلاب على الثورة من داخلها بعد حرب 1973 حين تحولت من ثورة وطنية الى نظام تابع للأمريكان وصديق لإسرائيل.
ان مثل هذا البحث والنقد والتقييم والتدارك والتطوير، لا يقتصر على ثورة يوليو فقط بطبيعة الحال، بل يجب ان يمتد ليشمل كل ما مر بِنَا من تجارب ومحطات مفصلية، لن تكون ثورة يوليو أولها ولن تكون ثورة يناير آخرها.
*****
القاهرة فى 23 يوليو 2018
No comments:
Post a Comment