للمرة الأولى في الصحافة المصرية .. الأنبا ماكسيموس يكتب للمصريون عن وثيقة الأزهر ومستقبل العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر
الطيب : يُطيب جراح مصر
الأنبا مكسيموس | 26-06-2011
كانت الأمور آخذة فى التدافع بمصير مصر نحو هوة عميقة فى الانقسام و الطائفية، و كانت جميع القوة المتصارعة على اختلاف عقائدها تتخذ من الدين المطية السهلة لتحقيق طموحاتها السياسية او الزعامية، حيث اننا شعب متدين بالطبيعة، و لكن مع الأسف يضم بين احضانه نسبة مخيفة من الأمية ، الامر الذى يجعل من العواطف الدينية الملتهبة لدى الجمهور الأمي العريض فرصةً سانحةً و لقمة سائغة للطامحين للسلطة أو الزعامة.
و كان الصيد الثمين الذى امسك به مستخدمو الدين ، هو الصراع الذى طال به الامد، ليس بين المسلمين و المسيحيين حاشا، بل بين قوي متأسلمة و أخرى متأقبطة، و كل من الفريقين يوظف مكانته الدينية فى استثارة مشاعر اتباع دينه أو مرُيديه بأسم الدين و باسم الدفاع عن الحق و الحرية. و لأسباب غير قابله للفهم المنطقى ظل الجميع يعملون حسابا لبعضهم البعض ، أو يجاملون بعضهم أو يتصارعون، تارة فى الخفية و تارة فى العلن ، و لا يريد اى منهم ان يضع الجرس فى رقبة القط و يواجه جذر المشكلة الحقيقية مع أن الجميع بدون أستثناء كانوا و مازالوا يعلمون أين يقع بيت الداء.
و فى ساعة استفاقة غير متوقعة فى وسط ظلمة و ضبابية الاحداث، و لجبن متعمد عن مواجهة كل متسبب فى تمزيق جسد الامة بالشر الذى يفعله وبالذرائع المكشوفة التى يستخدم فيها الدين لصالح زعامته – هنا خرج الامام الاكبر على مصر و المصريين بوثيقة الازهر و المثقفين ، كأنها أطلالة فجر جديد و مواجهة شجاعة للجميع، من أجل تضميد جراح مصر. و ببساطة و هدوء كعادته فك الازهر من القيود التى قيدته بها السلطة على مدى سنين كثيرة، و انطلق به عاليا ليضعه فى المكانة التى يستحقها ليقوم بدور الريادة العلمية، الوسطية، التاريخية التى كانت للازهر على مدى السنين بين المسلمين، معلنا انتهاء التشرذم والادعاء باسم الدين، فالازهر هو الذى سيحدد بمنهجه الوسطى ما هى ملامح اصول الدين، هذا من ناحية ، و من الناحية الاخرى يعيد الى الازهر استقلاله و حريته و استقامة قوامه، فهو الذى ينتخب شيخه بنفسه.
ثم يصرح أن الاسلام " لا يعرف الدولة الدينية" ، و فى الوقت نفسه يدعو الى " تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التى تعتمد على دستور ترتضيه الامة " و ان الاسلام " ترك للناس ادارة مجتمعاتهم و اختيار الاليات و المؤسسات المحققه لمصالحهم " ، ثم يؤكد على اهمية اعتماد النظام الديمقراطى القائم على الانتخاب الحر المباشر ، و بهذا يطوى الامام الاكبر صفحة الفتاوى المتعددة مؤكدا على الدولة المدنية التى ترك فيها الاسلام للناس شؤون حياتهم .
و لا يفوت شيخ الاسلام ان يقرر صحيح مبادئ الاسلام من نحو التشريع و من نحو احترام شرائع الاخرين " فالمبادئ الكلية للشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع و بما يضمن لاتباع الديانات السماوية الاخرى الاحتكام الى شرائعهم الدينية فى قضايا الاحوال الشخصية ". و لم يفت ايضا شيخ الازهر ان يعود بنا الى اسلام الرسول " لهم ما لنا و عليهم ما علينا" ، بأن يعتبر الحث على التمييز الدينى و النزاعات الطائفية و العنصرية جريمة فى حق الوطن ، و يجعل من الحوار المتكافئ و الاحترام المتبادل الارضية الثابتة فى التعامل بين جميع المصريين دون أى تفرقة فى الحقوق و الواجبات بين جميع المواطنين.
و بهذا يكون الامام الاكبر قد حفر أكبر حفرة فى التاريخ و القى فيها بكل اسباب الصراع الدينى بين المسلمين و المسيحين بأيدى المتأسلمين و المتأقبطين من ناحية، و من الناحية الاخرى متصارعى التيارات السياسية المتأسلمة ، و أهال التراب على كل هذه الصراعات التى خرجت و مزقت جسد الامة.
اللافت للنظر ان فضيلة الامام الاكبر لم يستعن بطوائف بيت العائلة فى اصدار وثيقته، و لم يتقيد كما كان الازهر متقيدا سابقا بالحسابات و المقاصات السياسية التى كانت تخططها الدولة، وواجه الجميع منفردا و بكل شجاعة دون الرجوع الى احد من القوة الدينية المختلفة، بل اعتمد على مثقفين متنوعى الاتجاهات و الانتماءات الايمانية و ليس هذا فحسب ، بل ان الوثيقة جاءت مجيبة على كل اطروحات الحوار المسيحى الاسلامى الذى دار بيننا و فضيلة الدكتور عبد المعطى بيومى على مدى الاعوام الماضية ، و هذا يعنى فى قراءتى للوثيقة ان شيخ الازهر الجليل قد قرر التحول عن منطق الحسابات و المقاصات الى انطلاقة مصرية لا تعرف الطائفية و لا المساومات التى باعت مصير مصر و المصريين فى العقود الخوالى الى ايدى الطائفيين
و برأى ايضا ان هذه الوثيقة الواعده هى بداية لاصدارات تالية ستجيب بنفس الحلول الشجاعة على مشاكلنا المزمنة المتعلقة بأمور الدين بتفسيرات واضحة و جلية لكل ابعاد حرية العقيدة و الايمان و الحوار المتمدين بين اصحاب الاديان و حقوق الانسان .
تحية للازهر و الى الامام الاكبر و الى مزيد .
رئيس الاساقفة
الانبا مكسيموس
رئيس مجمع كنائس القديس اثناسيوس
كانت الأمور آخذة فى التدافع بمصير مصر نحو هوة عميقة فى الانقسام و الطائفية، و كانت جميع القوة المتصارعة على اختلاف عقائدها تتخذ من الدين المطية السهلة لتحقيق طموحاتها السياسية او الزعامية، حيث اننا شعب متدين بالطبيعة، و لكن مع الأسف يضم بين احضانه نسبة مخيفة من الأمية ، الامر الذى يجعل من العواطف الدينية الملتهبة لدى الجمهور الأمي العريض فرصةً سانحةً و لقمة سائغة للطامحين للسلطة أو الزعامة.
و كان الصيد الثمين الذى امسك به مستخدمو الدين ، هو الصراع الذى طال به الامد، ليس بين المسلمين و المسيحيين حاشا، بل بين قوي متأسلمة و أخرى متأقبطة، و كل من الفريقين يوظف مكانته الدينية فى استثارة مشاعر اتباع دينه أو مرُيديه بأسم الدين و باسم الدفاع عن الحق و الحرية. و لأسباب غير قابله للفهم المنطقى ظل الجميع يعملون حسابا لبعضهم البعض ، أو يجاملون بعضهم أو يتصارعون، تارة فى الخفية و تارة فى العلن ، و لا يريد اى منهم ان يضع الجرس فى رقبة القط و يواجه جذر المشكلة الحقيقية مع أن الجميع بدون أستثناء كانوا و مازالوا يعلمون أين يقع بيت الداء.
و فى ساعة استفاقة غير متوقعة فى وسط ظلمة و ضبابية الاحداث، و لجبن متعمد عن مواجهة كل متسبب فى تمزيق جسد الامة بالشر الذى يفعله وبالذرائع المكشوفة التى يستخدم فيها الدين لصالح زعامته – هنا خرج الامام الاكبر على مصر و المصريين بوثيقة الازهر و المثقفين ، كأنها أطلالة فجر جديد و مواجهة شجاعة للجميع، من أجل تضميد جراح مصر. و ببساطة و هدوء كعادته فك الازهر من القيود التى قيدته بها السلطة على مدى سنين كثيرة، و انطلق به عاليا ليضعه فى المكانة التى يستحقها ليقوم بدور الريادة العلمية، الوسطية، التاريخية التى كانت للازهر على مدى السنين بين المسلمين، معلنا انتهاء التشرذم والادعاء باسم الدين، فالازهر هو الذى سيحدد بمنهجه الوسطى ما هى ملامح اصول الدين، هذا من ناحية ، و من الناحية الاخرى يعيد الى الازهر استقلاله و حريته و استقامة قوامه، فهو الذى ينتخب شيخه بنفسه.
ثم يصرح أن الاسلام " لا يعرف الدولة الدينية" ، و فى الوقت نفسه يدعو الى " تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التى تعتمد على دستور ترتضيه الامة " و ان الاسلام " ترك للناس ادارة مجتمعاتهم و اختيار الاليات و المؤسسات المحققه لمصالحهم " ، ثم يؤكد على اهمية اعتماد النظام الديمقراطى القائم على الانتخاب الحر المباشر ، و بهذا يطوى الامام الاكبر صفحة الفتاوى المتعددة مؤكدا على الدولة المدنية التى ترك فيها الاسلام للناس شؤون حياتهم .
و لا يفوت شيخ الاسلام ان يقرر صحيح مبادئ الاسلام من نحو التشريع و من نحو احترام شرائع الاخرين " فالمبادئ الكلية للشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع و بما يضمن لاتباع الديانات السماوية الاخرى الاحتكام الى شرائعهم الدينية فى قضايا الاحوال الشخصية ". و لم يفت ايضا شيخ الازهر ان يعود بنا الى اسلام الرسول " لهم ما لنا و عليهم ما علينا" ، بأن يعتبر الحث على التمييز الدينى و النزاعات الطائفية و العنصرية جريمة فى حق الوطن ، و يجعل من الحوار المتكافئ و الاحترام المتبادل الارضية الثابتة فى التعامل بين جميع المصريين دون أى تفرقة فى الحقوق و الواجبات بين جميع المواطنين.
و بهذا يكون الامام الاكبر قد حفر أكبر حفرة فى التاريخ و القى فيها بكل اسباب الصراع الدينى بين المسلمين و المسيحين بأيدى المتأسلمين و المتأقبطين من ناحية، و من الناحية الاخرى متصارعى التيارات السياسية المتأسلمة ، و أهال التراب على كل هذه الصراعات التى خرجت و مزقت جسد الامة.
اللافت للنظر ان فضيلة الامام الاكبر لم يستعن بطوائف بيت العائلة فى اصدار وثيقته، و لم يتقيد كما كان الازهر متقيدا سابقا بالحسابات و المقاصات السياسية التى كانت تخططها الدولة، وواجه الجميع منفردا و بكل شجاعة دون الرجوع الى احد من القوة الدينية المختلفة، بل اعتمد على مثقفين متنوعى الاتجاهات و الانتماءات الايمانية و ليس هذا فحسب ، بل ان الوثيقة جاءت مجيبة على كل اطروحات الحوار المسيحى الاسلامى الذى دار بيننا و فضيلة الدكتور عبد المعطى بيومى على مدى الاعوام الماضية ، و هذا يعنى فى قراءتى للوثيقة ان شيخ الازهر الجليل قد قرر التحول عن منطق الحسابات و المقاصات الى انطلاقة مصرية لا تعرف الطائفية و لا المساومات التى باعت مصير مصر و المصريين فى العقود الخوالى الى ايدى الطائفيين
و برأى ايضا ان هذه الوثيقة الواعده هى بداية لاصدارات تالية ستجيب بنفس الحلول الشجاعة على مشاكلنا المزمنة المتعلقة بأمور الدين بتفسيرات واضحة و جلية لكل ابعاد حرية العقيدة و الايمان و الحوار المتمدين بين اصحاب الاديان و حقوق الانسان .
تحية للازهر و الى الامام الاكبر و الى مزيد .
رئيس الاساقفة
الانبا مكسيموس
رئيس مجمع كنائس القديس اثناسيوس