للإخوان المسلمين أخطاء هائلة فى مسيرة الثورة المصرية، وعليهم انتقادات وملاحظات وبواعث غضب بالجملة والمفرد.. ويمكنك أن تملأ ضفتى كتاب بما يعد أدلة إدانة واتهامات لهم ولقوى الإسلام السياسى.
غير أن ذلك لا يلغى حقائق التاريخ السياسى والجغرافيا الاجتماعية فى مصر، فالإخوان جزء من تاريخ الحركة الوطنية المصرية منذ بداية تكوين جماعتهم، تستطيع أن ترفض منهجهم أو حتى دعوتهم، لكن ليس من حقك أن ترفض وجودهم فى الحياة، أو تصادر حقهم فى ممارسة العمل السياسى والاجتماعى، مادام ذلك محكوما باحترام قيم التنوع الحاصل فى المجتمع ودون استخدام العنف وإشهار سلاح التكفير فى وجه المختلفين معهم.
ومن الإنصاف ألا نسقط من حسابات ثورة ٢٥ يناير المصرية أن التيارات الإسلامية وفى مقدمتها الإخوان المسلمين كانت حاضرة فيها، وبصرف النظر عن مواعيد الحضور المتأخر والانصراف المبكر، فهذا لا ينفى أن تواجدها كان مفيدا ومؤثرا وفارقا فى إنجاح الثورة فى إزاحة حسنى مبارك.
ومرة أخرى وقع الإخوان فى أخطاء كارثية بعد فوز مرشح منهم بمقعد الرئاسة، وهذا الأخطاء اكتوت منها مصر وثورتها كما اكتوى بها رئيس الجمهورية شخصيا، على نحو مثير للدهشة والريبة، لكنك لا يمكن أن تتجاهل الأخطاء والكوارث على الضفة الأخرى، فالحاصل أنه ثبت أن من يقود المشهد، بسلطته ومعارضته، نخبة سياسية بلا خبرة حقيقية.
ومع التسليم بأن كل الأطراف مسئولة عن تفاقم حدة الاستقطاب إلى درجة صار معها الحوار السياسى يكتب بالدم لا بالحبر، وأصبح التراشق بالعبوات الحارقة لا بالعبارات الزاعقة، لابد من الأخذ فى الاعتبار أن صاحب الأغلبية ومن بيده مقاليد السلطة يتحمل قسطا أكبر من المسئولية.
بيد أن الأخطاء بكارثيتها لا تبرر أبدا محاولات إخراج الإخوان من مصريتهم، أو تجريدهم من شراكتهم فى الثورة، أو سلخهم أخلاقيا ومجتمعيا بوصفهم بالخرفان، وقد كنت أحاول قدر الإمكان ألا أستخدم هذه المفردة الأقبح والأكثر انحطاطا فى مفردات السجال السياسى الدائر فى مصر الآن، لولا أن أعضاء الإخوان تحدثوا عن هذا الأمر فى مؤتمرهم الصحفى أمس.
إن إطلاق هذه الصفة على مواطنين مصريين وترويجها إعلاميا وشعبيا عمل لا يقل بشاعة وإفراطا فى اللاأخلاقية عن تكفير المعارضين ورميهم بالكفر من قبل بعض الغلاة فى التيارات الإسلامية.
وفى ظل هذه الموجة من الطقس الاجتماعى والسياسى السيئ ينبغى على النخبة المصرية أن تنهض بمسئوليتها الوطنية والأخلاقية فى منع تداعى الأمور إلى جحيم مستعر، وهنا لا تملك إلا أن تنحنى احتراما لكل الأصوات المحترمة التى ترفض الاستجابة لهذا الاندفاع الأهوج نحو الهاوية، وأظن أن رجلا بقيمة وعمق الأستاذ عبد الغفار شكر فى تاريخ النضال المصرى يمكن أن يكبح هذه الرغبات المتصاعدة فى الانتحار.. تستشعر ذلك حين تطالع تصريحا له أمس على موقع اليوم السابع يقول فيه «إن حل جماعة الإخوان المسلمين سيسبب أزمة كبيرة فى مصر، مشيرا إلى أنها أكبر جماعة سياسية موجودة والأفضل أن تقنن أوضاعها وليس أن تحل».
ومجددا أكرر أن رغبات الشطب ونوازع الإلغاء والإقصاء لو تركت على جموحها فلن ينجو أحد من الحريق
No comments:
Post a Comment