اقتراب سقوط الانقلابيين… لماذا؟
21-07-2013
بقلم:
م. محمد كمال
رغم اليقين الذي ثبت أن قادة الانقلاب يعدون له منذ نجاح ثورة
25يناير، فإن المراقب للأحداث سيتأكد من سوء تقديرهم لتداعيات انقلابهم، والذي من
شأنه أن يعجل باقتراب انهيار الانقلابيين.
والآن الجميع مندهشون من هذا الأداء المتواضع والمرتبك رغم الخلفية
الإستراتيجية والهالة التخطيطية التي تحيط "بالعسكر" باعتبارهم أرباب
العلوم الإستراتيجية، والذين لا يتركون شاردة ولا واردة إلا استعدوا لها… ولكن
أداءهم السياسي المتناقض والمثير للسخرية يظهر لنا أنهم لم يبلغوا الحُلُم فى
إدارة انقلاب بدولة كبيرة (كمصر).
وأما علامات الانهيار واقتراب الفشل فقد اتضحت في المحاور الآتية:
أولاً: استخدام نفس آليات الدولة الفاشلة:
"فالعسكر" لم يفهموا- فيما يبدو- أسباب سقوط
"نظام مبارك"؛ الذي سقط أمام أعينهم، وكانت رغبتهم الجارفة في الاستحواذ
على السلطة قد أعمتهم عن القراءة السياسية الصحيحة للمشهد، فلجئوا إلى:
1- الاعتقالات والمصادرات.
2- الإعلام المضلل والتعتيم على الحقيقة.
3- مباحث أمن الدولة والشرطة والبلطجية.
4- القضاء تحت الطلب.
وكل هذه الآليات وحواشيها لا تستهدف إلا إثارة الرعب في نفوس الخصوم،
وتكبيلهم بحيث يعجزون عن مقاومة بغي السلطة، ونسى أشاوسنا أن كل حواجز الرهبة قد
سقطت مع ثورة 25يناير، فضلاً عن كون اﻹسلاميين أظهروا كل أمارات الشجاعة في أشد
درجات الهول والفزع اﻷمني.
كذلك فإن الاعتقالات والمصادرات التي أتت في سياق الانقلاب تعبر فقط
عن خوف الانقلابيين من خصومهم وليس العكس، وكما أنه من المستحيل عودة عقارب الزمن
إلى الوراء، فإنه من رابع المستحيلات أن يقبل الشعب إعادة انتهاج القمع كسياسة
ثابتة مرة أخرى؛ فأجيال الثورة لن تسمح لكلاب الحراسة أن تقتحم البيوت مرة أخرى،
ونتوقع أن تكون مواجهة هذه الأجيال- التي تقود الثورة اﻵن- لسياسات القمع مواجهات
مفاجئة و مبدعة تربك الانقلابيين، وتوقعهم فيما لا يتحسبونه بحيث تكون سياستهم
سببًا في سقوطهم.
ومن ناحية أخرى فقد كفونا مؤونه إظهار القضاء المتآمر بمظهره الحقيقي
الذي يراه الناس الآن، من إعادة "عبد المجيد محمود" لضبط النيابة!!...
ورفض عودة وزير العدل للقضاء!!..... واستمرار إصدار القرارات الكوميدية بالضبط
والإحضار للقادة اﻹسلاميين كلما قُتل عدد من أعضائهم!! باﻹضافة إلى مصادرة الأموال
والحبس، حتى وصلت المهانة لذهاب القضاة داخل سجن طرة للنظر في تجديد حبس المختطفين
السلميين، مع منع دخول المحامين للدفاع عن هؤلاء المعتقلين، وكل هذه الأحداث من
شأنها أن تسقط بالقضاء المفبرك وتجعل مهمة الرئيس سهلة في تطهيره بعد عودته سالمًا
بإذن الله.
ثانيًا: ارتباك وتململ القادة العسكريين:
لا يهم أن يكذب المتحدث الإعلامي للجيش فيتناقل الإعلام هذه الأكاذيب
وينشرها، فهذا ليس انتصارًا، لأن المهم أن خصمك يعلم مثلك أنك تكذب، ومعنى كذبك
أنك ضعيف ومرتبك، وهذا يعطيه شحنة معنوية، إضافية لمواجهتك والانتصار عليك.
وقد ظهر هذا في فيديوهات (العباسية) التي بثها
"العسكر"باعتبارها فيديوهات "مذبحة الحرس الجمهوري"، ثم فضيحة
الفيديو المركب الذى أرادوا فيه إظهار "السيسي" في حضن قادته ففضحه شباب
الفيس!!، فتراجعوا وقدموا عذرًا أقبح من ذنب وتبريرًا ساقطًا مهينًا لمن قام
بالفعلة المخجلة، وكذبوا من جديد لتزداد ثقة معسكر الشرعية بقضيتهم من جديد.
كما يكفي أن يقول السيسي عن نفسه (أنا لست خائنًا)… إذن نجح أنصار
الرئيس في إرباكه حتى يخرج للناس ويبرر، وظهر وهو مضغوط ومزيف، وهذا لن يخفيه
الإعلام لأن الأهم- وكما قلنا- هو شعور أنصار الرئيس بمدى ما هم عليه من حق، ومدى
ما عليه السيسي ورجاله من ضلال وإفك، فليس المهم أن تكذب على كل العالم فتخدعه، في
وقت تؤكد فيه لخصمك انهيارك مع كل كذبة.
وإذا أضفت واقعة الضابط المنتحر (أو المنحور) الذي شارك في المجزرة،
والضباط الذين فرّغوا خزن السلاح في الأرض لئلا يقتلوا الأبرياء، باﻹضافة إلى
المهانة والخزى الذي يلقاه الجيش في "سيناء" و"مطروح"
وغيرهما، فإن الأمر يسير في اتجاه تململ الضباط من سوء صنيع قيادتهم.
كذلك فإن ضباط الجيش حتى رتبة لواء لم يكونوا يحتاجون إلى حراسة،
لأنهم يعيشون في حضن الشعب، ولكن بعد المجازر التي حدثت في ثلثي محافظات القطر فإن
الخوف والشعور بأنهم مجرمون في نظر الشارع أصبح حديث الجميع، تمامًا كما حدث مع
ضباط الشرطة، ويعيش القادة العسكريون اﻵن تحت ضغط جماهيري لا يتحملونه، مما سيحول
هذا إلى ضغط على قادة الانقلاب.
ثالثًا: التعجيل بفرض واقع سياسي جديد:
ولأن القيادة العسكرية عندنا لم تتعلم ألف باء سياسة، فهم يتصورون أن
الإسراع بفرض رئيس مؤقت وإعلان دستوري وحكومة، يتصورون أن هذا يُصدّر الهزيمة
لأنصار الرئيس، بينما هو في الواقع يعجل بسخط الشعب على العسكر؛ إذ سيكشف الناس
سريعًا أن الجديد كله محبط، وستنعقد المقارنة سريعًا بين "رئيس" كان يعمل
في خدمتهم وكانوا يعارضونه لأتفه الأسباب، وبين نظام انقلابي فاشل في كل شيء لكنهم
لا يستطيعون تغيير هذا الواقع.
لقد زيف عليهم حقيقة الواقع وجعل حياتهم مجرد مطية يتلاعب بها ﻹسقاط
الشرعية، ثم جعلهم يفرحون بإسقاط "رجل" نذر حياته ﻹسعادهم، وذهب بهم
لانتحار جماعي… ولكن اﻹسراع بفرض الواقع السياسي الجديد سيعجل بإظهار حجم الخديعة،
وسيبدأ معسكر الأنصار يتزايد حتى يتسع ليشمل كل أبناء الوطن.
رابعًا: الخوف الأمريكي من الفوضى:
أعلن المفكر البريطاني الشهير "روبرت فيسك" في حديثه
الأخير "للسي إن إن" أن زيادة الضغط مع توالي اﻷحداث سيعجل بالانفجار
الداخلي عند العسكر، وحذر من فوضى لا يستطيع العسكر السيطرة عليها بآليات القمع
التي أشرنا إليها، وذكر أن لديه معلومات مؤكدة عن استقالات عديدة بين قيادات
الجيش، لكن "السيسي" يخفيها ويرجئها، ولكن الأهم في ذلك أن "أمريكا"-
راعية الانقلاب- كانت حساباتها أيضًا خاطئة، فلقد أرادت انقلابًا نظيفًا وسريعًا
وناجزًا، لكن ردود أفعال أنصار الرئيس أحبطت المؤامرة الغبية، ومن هنا صدّر
الصامدون الرعب لأمريكا لأنها أول الخاسرين عند حدوث (فوضى)؛ حيث يتوجه الثائرون
التلقائيون- عادة- لتهديد المصالح الأمريكية ومعاداتها، ومن هنا، فإن الإدارة
الأمريكية لعبت على منح الانقلابيين مساندة لا نهائية، مع محاولة تخويف أو استرضاء
"أنصار الرئيس" وهذان نقيضان ثبت فشلهما سريعًا، لذا نتوقع أن تضطر
"أمريكا" للخضوع ومحاولة احتواء الموقف، والمؤكد أنها ستعمل على تقديم
كبش فداء للحفاظ على رجالها بالمجلس العسكري، وكل ذلك مرهون باستمرار الصمود الرفض
للانقلاب.
خامسًا: الصمود الأسطوري لأنصار الرئيس:
أخبرني بعض مسئولي التحالف المؤيد للشرعية أنه قد وصلهم أكثر من ألف
تهديد بهجوم الجيش على المعتصمين، والحرب المعنوية تدور رحاها كأن أنصار الرئيس هم
العدو الصهيوني، لكن المعتصمين يستقبلونها باستخفاف مثير للدهشة، ويصنعون منها
النكات المصرية.
والعسكر الحاليون لم يدخلوا أى معركة، لذا فهم لا
يعرفون معنى أن تحمل أخاك وهو شهيد وينزف دمه على يديك، هناك لا يمكن أبدًا
التراجع، ويضاف على حاجز الخيانة حاجز الدم، وتصبح الحرب عقائدية وأخلاقية.
وكعينة عشوائية يكفيك أن تنظر إلى أماكن المذابح (مثل الإسكندرية
واعتصام النهضة واعتصام رابعة) لترى ما لا يكمن وصفه من استعداد تام للشهادة
واسترخاص للروح حتى بلوغ الهدف.
لقد ورط "السيسي" نفسه، وأظهر الله له جنودًا لا يعرفون
التراجع، ولا يألفون الخضوع، وقيادة مؤمنة صامدة… فلا مستقبل أبدًا لهذا الانقلاب…
وإنما لمستقبل لهذا الوطن ولهذا الدين.
No comments:
Post a Comment