تفويض بالبطش!
بلال فضل | نشر فى : الأربعاء 4 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 سبتمبر 2013 - 8:00 ص
للأسف، لم تعد حرمة الدم في مصر مرتبطة بكرامة الإنسان وحقه في الحياة، بل صارت مرتبطة بموقفه السياسي الذي يجعلك تبكي عليه إذا كان معك وتبرر قتله أو تغض الطرف عنه إذا كان ضدك، لذلك لن تجد معاديا للإخوان يبكي على دماء ضحايا رابعة وطريق النصر ويطالب بمحاكمة من سفكوها، ولن تجد مناصرا للإخوان يبكي على دماء ضباط وجنود الشرطة الذين يقتلون غدرا وعدوانا، ولذلك أيضا لن تجد أحدا من الذين كانوا يبكون على إهدار كرامة الإنسان في زمن مرسي وهو يقرأ غاضبا على هواء الفضائيات هذه السطور الحزينة التي أنشرها اليوم مساهمة في كسر حالة الصمت التي أعادت من جديد أي شكاوى من القمع والبطش ليتم تداولها فقط على ساحات الإنترنت.
«أنا والد شريف جمال صيام أحد ضحايا حادث أبوزعبل، أو كما أسميه هولوكوست أو محرقة أبو زعبل، أعمل أستاذا بجامعة القاهرة ،وأكتب إليكم بشأن هذا الحادث الذى يواجه رغم بشاعته والقتل المتعمد لهذا العدد من السجناء، الذين هم فى حوزة النيابة، تعتيما إعلاميا واضحا شاكيا هذا التعتيم ومطالبا بكشف الحقائق، إذ أخشى أن يؤول الأمر إلى مجرد إدانة عدد من جنود مأمورية سيارة الترحيلات بالقتل الخطأ.
يعمل شريف مهندسا بشركة أورانج للاتصالات وفى نفس الوقت يعمل مدربا للتنمية البشرية واستضافه برنامج «إفطار» عدة مرات للتحدث قى مواضيع متعلقة و هو لم يكن اخوانياً ولم ينتم مطلقا لأي احزاب دينية أو غير دينيه, شريف لم يكن من المعتصمين .وأنا مضطر أن أؤكد على ذلك .أنا بالمناسبة ضد الإخوان (كفصيل سياسى) ومع ذلك لست مع سحلهم وقتلهم وخاصة بطريقة هولوكست أبوزعبل،. أما شريف فقد شارك بقوة فى 25 يناير وكذلك فى 30 يونيو، ولكنه كان متحفظا إلى حد ما بالنسبة لـ3 يوليو ربما لأنه رأى أن فكرة التفويض ربما تقود إلى اتباع سياسة البطش والذى هو كان بالفعل أحد ضحاياه فى الحادث المشئوم.وكان لديه قناعة ومشاركة فعلية بفكرة المصالحة التى تبناها فضيلة شيخ الأزهر قبل أحداث الفض.
القبض على شريف الأربعاء الساعة 12 ظهرا:ألقت قوات الأمن القبض على شريف وقد سجلت CNN فى تقرير لها عما حدث لشريف من طريقة القبض عليه العنيفة التي تم رصدها على يوتيوب ،وهو ذلك الشاب ذو «التي شيرت» الأزرق الذي كان يبدو مسالما تماما ومع ذلك ركض جندي الأمن المركزي من مسافة بعيدة ليركله ركلة قوية فى صدره من الوضع طائرا! ثم يساق إلى السيارة الشرطة وهم يمطرونه بالعصي ضرباً. ولم نكن نعلم عن هذا الفيديو إلا بعد ترحيله إثر القبض عليه إلى استاد القاهرة ولكن لم نستطع الوصول إليه هناك.
مرحلة الفقد بين الساعة 12 ظهر الأربعاء والساعة 1 صباح الخميس: وقد ظللنا نبحث عنه طيلة الليل في المستشفيات ووسط مئات الجثث بمسجد الإيمان بشارع مكرم عبيد حتى شاهدنا رسالة منه على صفحته فى الساعة الواحدة صباح يوم الخميس 15/8 إنه بخير وإنه بإستاد القاهرة.
الترحيل إلى قسم شرطة مصر الجديدة: علمنا من خلال أحد مواقع الإنترنت أنه تم ترحيله مع أربعين آخرين من الاستاد إلى قسم مصر الجديدة، ذهبنا لزيارته اليوم التالي ولم يدل لنا بأي معلومات عن سبب اعتقاله وكان قليل الكلام بطريقة غريبة.
العرض على النيابة: تم عرض شريف هو وباقي المحتجزين وعددهم واحد وأربعون على النيابة بذات القسم مساء الجمعة 16/8 وكان القرار هو الحبس 15 يوم على ذمة التحقيق للمجموعة كلها وكانت هناك قائمة طويلة من التهم تشمل حيازة سلاح ناري أو أبيض ، والتجمهر ،والتخريب ،الإنتماء لجماعة ارهابية والشروع في قتل رجال الشرطة.
آخر زيارة لشريف: رأينا شريف لآخر مرة مساء يوم السبت 17/8 وشعرنا إنه كان قليل الكلام جداً، وطلب أن نحضر له بعض الأغراض الشخصية.
يوم القتل: كان اليوم المشؤوم الذي ذهبنا فيه لزيارته (الأحد 18/8) فقيل لنا أنه كان قد تم ترحيله في الصباح إلى سجن أبوزعبل.وفي المساء توالت الأخبار عن حادث سيارات الترحيلات وأنه تم مقتل 37 مسجونا أعلنت بعض القنوات التليفزيونية أسماءهم وكان بينهم شريف، بينما بقى 7 من المسجونين على قيد الحياة.
كيف تم القتل: هناك ملا بسات شديدة الغموض بالنسبة لتنفيذ عملية الإعدام الجماعى على النحو الذى تمت عليه. على أن شهود العيان وهم السبعة مساجين الذين نجوا من المحرقة، وبعيدا عن روايات وزارة الداخلية الملفقة والمتناقضة وغير المنطقية، يؤكدون أن السيارة بقيت نحو سبع ساعات داخل فناء السجن وبعد احتجاجات المساجين وتشابك لفظى بينهم وبين أحد الضباط ،أدخلت قوة الحراسة قنبلتى غاز إلى داخل السيارة وأغلقوا عليهم بابها وانتظر الضباط بضع دقائق حتى لقى الـ37 سجينا مصرعهم. والله يا سيدى لو أن مشاهد هذا الحادث كنت ضمن فيلم سينمائى لمحارق النازية ما كان يمكن تصديقها .
رد فعل مؤسسة الرئاسة: عندما سألت مذيعة الـCNN د.مصطفى حجازي المستشار السياسى للرئيس عن استخدام القوة المفرطة فى القبض على شريف (الفيديو المتداول على اليوتيوب) وإعدامه ضمن حفلة الإعدام الجماعى فى سجن أبوزعبل، كان رده لماذا تركزون على هذا الحادث وتتجاهلون حادث مقتل الـ22 جندى على أيدى المسلحين فى سيناء.وسؤالى ياسيدى: هل هناك أى وجه للمقارنة بين الحادثين؟ وما هى الدلالات المريبة لهذه المقارنة؟.
موقف لا أحسد عليه كوالد: بينما تم القبض على ابنى بهذه الطريقة الباطشة والمهينة التى شاهدها الملايين ثم لقى مصرعه فى سيارة الغاز فى تقليد سيئ لأفران النازى، فإن على فى نفس الوقت أن أدفع عنه تهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية (هذا مسمى أحد التهم التى وجهت إليه بجانب تهم أخرى)، كل ما أطالب به أن أعرف حقيقة ما حدث، وأن يتحمل المسئولون عنه مسئولياتهم بدءا من وزير الداخلية، ومدير مصلحة السجون ومأمور سجن أبوزعبل، وأفراد القوة المرافقة لسيارة الترحيلات والمنفذين للإعدام، بالإضافة إلى أفراد القوة التى نفذت القبض عليه. لقد كنت أتمنى أن يكون التفويض لا يعنى تفويضا بالبطش».
ألا لعن الله قوما ضاع الحق بينهم.
No comments:
Post a Comment