قصر النظر
وفقدان الرؤية
بقلم: محمد شريف كامل*
28 أغسطس 2024
https://www.beiruttimes.com/article/40646
مازلنا نسعى جاهدين لمحاولة تفسير ما يدور حولنا في المنطقة العربية والاسلامية، وعند كل حدث أو أزمة نتسائل لماذا؟ وكيف حدث هذا في غفلة منا؟ وكيف سنعبر هذه الأزمة والحدث؟
وسرعان ما
ينبري البعض بالتحليل والتفنيد حتى ومن قبل أن إستيعاب الحدث وملابساته، ويبدأ
الحديث حول عوامل الفشل اللحظي دون التمحيص في الطريق الذي أوصلنا لهذا، ونتبارى
جميعا في نعت هذا الرئيس بالفاشل وهذا الوزير بالفاسد وهذا الأمير بالمدلل
وذاك الملك بإنعدام الخبرة.
إن حل أزمة
الكهرباء ليست في بناء محطات للكهرباء أوإنشاء شبكات للكهرباء وحل أزمة الخبز ليست
في أنشاء المخابز أو توفير الدقيق، وحل أزمة التعليم ليست في المدرسه ولا المدرس
وحل أزمة العلاج ليست في الصيدلية أو المستشفى أو الطبيب. نحن نعيش أزمة نظام
متكامل جاء ليفشل كل محاولات النهضة، ثم يدمر ما تبقى مما هو قائم، والهدف يكمن في
مراحل الإفشال المتعمد التي مرت علينا دون أن ندرك أنها متعمدة تراكميه، ولو أننا حاولنا
تحليل الأحداث وربطها لاستطعنا أن ندرك السبب الحقيقي.
من أين
نبدء؟
لن نعود لعصور بعيدة ولكننا سنبدء
من أول المشروع الإستيطاني الذي مر من خلال قيادات لا هم لها إلا البقاء في
السلطه، فمنهم من باع الحاضر ثمن إبقاءه في السلطه وحمايته من الشعب، عن وعي أو
غير وعي وامتد ذاك التفريط ليشمل المستقبل وليس الحاضر وحسب.
وقد أتم
المشروع الإستعماري الإستيطاني الاستيلاء على أرض فلسطين في الفترة بين نهايات
القرن التاسع عشر وعام 1947 وعلى مراحل متتاليه، ولن نستطيع أن نستعرض التاريخ
لذلك الإستعمار الإستيطاني التدريجي والذي تم تناوله في آلاف الكتب والمقالات ولكن
مختصره أن قيادات سياسية عربية مهدت لذلك وخدعت شعوبها وخدعت شعب فلسطين بداية من
تسهيل هجرة اليهود غير الشرعيه وإخماد ثورة شعب فلسطين على الإحتلال البريطاني في
الثلاثينات من القرن العشرين والتي عمل حكام العراق والسعودية وإمارة شرق الأردن
والمملكة اليمنية على إخمادها وإهدار مكتسباتها على مائدة الإستعمار البريطاني،
وهي الأنظمة التي عرفت فيما بعد بالرجعية العربيه.
وأدى ذلك لمذبحة
ما عرف بحرب 1948 والتي أضاعت الجزء الأكبر من فلسطين. ولم يكن الضعف العربي أو
الغلبة العسكرية الصهيونبة البريطانيه هو السبب وراء ذلك، وهي بلا شك من الأسباب،
ولكن كانت الخيانة هي السبب الأكبر.
كانت هذه هي
المرحلة الأولى، وجائت المرحلة الثانية بتأمر السعودية والأردن التي حققت كارثة 1967،
وكان الهدف منها ليس إحتلال باقي أرض فلسطين وحسب بل تدمير الجيش السوري والمصري
وقد وصلا حين ذلك لمرحلة بناء متقدمه، وكذلك تم من خلال تلك الحرب إستبدال
الاستعمار البريطاني المنهزم في 1956 بالواجهة الجديده لمشروع الصهيونبة العالميه
"الولايات المتحده"، لم يكن سوء الإدارة والفساد هما السبب وراء ذلك
وحسب، وهما بلا شك من الأسباب، ولكن كانت الخيانة هي السبب الأكبر.
عند هذا الحد نستطيع ان نقر بأن
الصهيونبة والرجعية العربية انتصرا وحققا مرحلة متقدمة من إحداث الشلل التام
للنهضة العربيه، إلا
ان هذه الحالة من الشلل التام لم يأتي معها الاستسلام المرجو، وحاولت بقايا النهضة
أن تعيد بناء نفسها والإستعداد لجولة قد تنفض غبار العار.
عشنا هنا
مرحلة أخرى من التآمر وكان دور ذات الدول هو أن تجهض تلك المحاولة والدفع في إتجاه
الإستسلام التام بتسليم كل أوراق المنطقة للولايات المتحدة وإضاعة ما عرف بنصر
اكتوبرعلى مائدة كامب دافيد، لم تكن الغلبة العسكريه الصهيونية الأمريكية، وهي بلا
شك من الأسباب، ولكن كانت الخيانة هي السبب
الأكبر، والا ما انتصرت فيتنام على أقوى جيوش العالم.
خرج السادات
من كامب دافيد منتصرا في كتاب الغرب الإستعماري ومهزوما شعبيا وتحقق على يده الإنقسام
المجتمعي والعربي واللعب بأوراق الفتن، الإسلاميه/الاشتراكيه والاسلاميه/ القبطيه
والعربية/العربية، وكان هذا هو الطريق الوحيد لتثبيت حكمه، وتحقيق ما نادى به دانيال
بايب بأن الهدوء لن يعم منطقة الشرق الأوسط إلابإستسلام العرب وإعترافهم بالهزيمة،
وتم توريط الشعوب العربية في حرب أفغانستان والتي حققت الهدف من إنتشار الحركات الإسلاميه
في المنطقة والتي أُستخدمت لتشويه حركات المقاومة والحركات الإسلامية بشكل عام، وكذلك
أُستخدمت في التخلص من السادت بإغتياله لإنتهاء المرحلة وإنتهاء دورة، فقد حقق
كامب دافيد ولزم بناء ما بعدها، لم يكن سوء إدارة السادات وعصابته هما السبب، وهذا
بلا شك من الأسباب، ولكن كانت الخيانة هي السبب الأكبر.
ولم يكن
نجاح الثورة الإيرانية الا بداية مرحلة جديدة، الفتنه الإسلاميه/الإسلاميه والتي
تحقق معها تدمير ترسانة السلاح الامريكيه التي بناها شاه ايران لحماية
الاستعماروالصهيونيه وحماية عرشه بلا شك، وكذلك تدمير قوة العراق العسكرية
المتقدمة، وبتوقف الحرب لم يبقى إلا ضرورة تدمير ما تبقى من قدرات العراق العسكرية
والتي سمح لها بالنمو فقط لمواجهة ايران، ولم يكن من الممكن أن تترك في يد عدواً للصهيونبة،
فكانت مهزلة غزو العراق للكويت وحرب العراق الأولى المبررة، ثم الثانية الوقحة،
ولم تكن ديكتاتورية صدام ولا السخط الشعبي هما السبب، وهذا بلا شك من الأسباب، ولكن
كانت الخيانة هي السبب الأكبر.
لم نستعرض
هنا شيء جديد ولكننا نحاول تجميع الأحداث وربطها بالهدف الذي يجمعها، ألا وهو تفوق
الإرادة الصهيونبة عسكريا واقتصاديا وأهمها معنوياً، والتي تم تتويجها بإستسلام
الوعي والذي تنقضي معه أي حاجة للنهضة الإقتصادية أو العسكرية.
لقد أصبح
الكيان هو المسير للأمور وأصبح مجرد معارضته الكلامية غير مسموح بها، ولكن بقي القليل
من الوعي والبعض من القدرات الاقتصاديه وقناعات الحق العربي والتي معا قد يأتي
يوما ما بصحوة شعبيه ولو محدودة قد تسعى لإعادة الكره،
والخطورة
هنا تكمن في احتمال ولو1٪ أن يتمكن هؤلاء أصحاب الوعي من إسقاط النظم الرجعية
المسيطرة سيطرة كاملة على الإقتصاد في المنطقة وأن تستخدم تلك الثروة في بناء نهضة
تنافس الهيمنة الصهيونية.
لم يكن ذلك
هو خوف من إنهاء الهيمنة الصهيونيه ولكن مجرد إحتمال منافستها أو الوقوف في وجه
تلك الهيمنة أمر يجب ان ألا يسمح له ولو إفتراضيا، ولذا يجب أن تستمر الفتنة على
كل المحاور ويتم تضخيم الخلافات الحدودية والعرقية والطائفيه والدينيه، وعندها
يظهرمشروع الهيمنة الصهيونيه كمنقذ لكل تلك الأطراف، ولذا كان لابد من تدمير كل
القوى الوطنية الحقيقية وإفشالها اليوم قبل الغد.
وكان ومازال تصدير
التفاهات والتافهين وتحطيم صورة الزعماء الوطنين هي الطريقة المثلى لهزيمة الوعي
وهزيمة الأمل في أي تغيير قد يأتي بمشروع نهضة حقيقية.
لقد سقطت العراق ومنها أُسقطت سوريا، وتم تدمير ليبيا والسودان
وكانت تمثلية الربيع العربي التي تمنينا أن تكون حقيقه، ولكنه من الواضح أنها كانت
تمثل تتمة لمرحلة السيطرة الكاملة للحركة الصهيونبة على المنطقه، وكانت كذلك الطريق
لإستكمال تحطيم
مفهوم الثورة وصورة الزعماء الوطنين وتصديرالتفاهات والتافهين لهزيمة الوعي وهزيمة
الأمل.
لقد
أطيح بفساد أنظمة على رأسها بن على ومبارك لتحل محلها مرحلة مؤقته من عدم الإستقرار
وحلم إسترداد الكرامة ليتم معها إستئصال ما بقى من القوى الوطنية الإسلامية
والليبرالية والإشتراكية ويتصدر المشهد شبيها لهم من الدمى فتسقط التجربه ويبرز
أسوأ ما في الإنسان ويتحكم في المشهد القوى المزروعة بيننا لتحقيق الهدف المرجو من
السيطرة الكاملة للصهيونية.
لقد ذكر دافيد فيتزباتريك مراسل نيويرك تايمز في
كتابه عن مصر "في أيدي العسكر"، كيف كانت هناك محاولة أمريكيه لتجنب
مذبحة رابعة في أغسطس 2013، إلا أن اللوبي الصهيوني بالإشتراك مع الإمارات
والسعودية عارضا ذلك وعجلا بالمذبحة، وهنا فقط نستطيع أن ندرك لماذا سُمح لنظام
الإمارات ببناء الثروة، ولماذا كانت تمثيلية الانهيار الاقتصادي في 2008 لإثبات تحكم الغرب في مقاديرها، ثم تمثيلية
الربيع العربي لضرب القوى الوطنية وإسقاط مفهوم الثورة، فتمثيلبة حصار قطر لتتبارى
قوى المنطقة على إسترضاء الولايات المتحدة وتقوية الترسانة الأمريكية في المنطقة،
أنا أدعي أن بناء إمبراطورية الإمارات لم يكن مجرد سماح لدولة عربية بالنمو ولكنه
كان تضخيم متعمد لبناء صرح مالي طفيلي لخدمة مصلحة محدده، وهو مانراه الآن.
ونصل هنا للوضع الحالي حيث تم تدمير كل أمل في إمكانية الخروج
من هذ المأزق وبلا شك فمصر كأكبر دولة عربية وزعامة تاريخيه كان يجب تدميرها.
إن ما تعيشه مصر الآن ليست أزمة إقتصادية وليست أزمة فساد ولا
أزمة سوء تخطيط ولا كما يسعى البعض لتصويرها على أنها أزمة لاجئين، كل ذلك مقصود
ومرتب لبث الفرقة وإسقاط الأمة في هوه لا تقوم منها ولا بعد مائة عام، عودة للوراء
ولما سطرته جولدا مائير من أن مصر يجب أن تغرق في المشاكل ولا تفيق منها أبدا،
ولذا فإن الإستدانة المفتوحة لغير غرض تنمية حقيقيه وتدمير الطبيعة وبيع
الأصول ليست إلا إستكمال للهدف وهو إغراق مصر في المشاكل والديون.
مشاكل اللاجئتين السورين والسودانيين والفلسطينين هي مشاكل
مفتعلة، بيع الأصول هو أمر مرتب وليس نتاج فشل سياسي أوإقتصادي، لم يكن إهدارالأموال
في تفريعة قناة السويس، لم يكن التنازل عن حقول الغاز وترسيم الحدود البحرية لصالح
اسرائيل من باب المصادفة، لم يكن التنازل عن تيران وصنافير رغم إيداع مايثبت
مصريتها في الأمم المتحدة منذ عام 1954 من باب المصادفة، لم يكن التهاون مع مشروع
سد النهضة الإثيوبي من باب المصادفة، لم تكن تصفية شركات ومصانع رابحة وترويج الاكاذيب
لكونها خاسرة من باب المصادفة، لم يكن تمليك الأراضي والمصانع للإمارات والسعوديه
واجهة الصهيونية والغرب من باب المصادفة…..... القائمة تمتد من زراعة الكنتالوب
بدلا من زراعة القمح حتى يومنا هذا، قائمة لن تسع مجلدات لحصرها، وكلها لم تكن من
باب المصادفة ولكنها خطة أُعدت بعناية لنصل لما نحن عليه الآن.
كذلك لم يكن أسلوب التعامل مع إنتفاضة "ثورة" يناير 2011
وعزل مبارك وما تلتها من أحداث وإنقلاب 2013 من قبيل المصادفة،
لقد كشفت مذبحة غزة الدائرة منذ قرابة العام بمشاركة مباشرة من
قوى الإستعمارالأمريكي البريطاني عسكريا وإستخباراتيا وإقتصاديا، ومشاركة التابع
العربي من الخليج للمحيط في تخفيف العبئ الاقتصادي عن الكيان الصهيوني بل وإمداده
بالمنتجات الأساسية من المواد الغذائيه والبترولية وغيرها، بالاضافه لإحكام الحصار
على المقاومه من أجل التحرر بل وعلى الشعب الفلسطيني بالكامل.
هناك تفاصيل كثيره لم نتحدث عنها، مثل قصف المفعل النووي
العراقي، والهجوم المصري على ليبيا لسرقة الرادار، عملية مماثلة للعملية الإسرائيليه
في جزيرة شدوان المصرية، فالتاريخ طويل ولكن الأداة واحدة، الرجعية العربية في
خدمة المشروع الصهيوني.
وكانت حملات تزوير التاريخ المصاحبة لذلك، باسم عودة الوعي
والتي لم تكن سوى تدمير لكل تاريخ الأمة وتشويه صورة نضالها وإخضاعها نفسيا وتهيئتها
لتقبل فكرة فقدان الأمل والإحساس بالعجز.
لقد كانت كامب دافيد المشئومة هي بداية الإنكسار والإستسلام وهي
من جلبت لنا كل ما نعاني منه اليوم وكل ما حملته تلك الأسطر وما لم يسمح المجال
بذكره، وعندما يطل علينا ذات العباقرة باللطم والعويل لقد أضعنا عمرنا دفاعا عن
فلسطين ولم نجني إلا الأزمات والفقر، لزم أن نتذكر، نحن وليس هم، فهم أداة
الإستسلام، لزم أن نتذكر مفهوم الأمن القومي فنحن اليوم كيان هرء بفقده الأمن
القومي والقدرة على إتحاذ القراروالكرامة، لقد أصبح لا أمن ولا أمان على أرض هذا
الكيان المسمى وطن.
لقد كان التحررهو كلمة السر وجوهر النهضة الحقيقية وكانت
ومازالت القضية هي فلسطين هي قلب مشروع النهضة العربي، ولذا كان مشروعهم لمسخها
وتشويهها بإنشاء هذا الكيان الطفيلي، وفهم ذلك هو الطريق الوحيد للخلاص من
الغيبوبه التي نعيشها وقصر النظر الذي نعاني منه، وعندها نستطيع أن نحدد إتجاه
البوصلة ونبدأ خطوات بناء الرؤية والإستدلال على طريق المستقبل.
* محمد شريف كامل مهندس ومدير مشروعات، شغل
مناصب مهنية عديدة، بالإضافة لكونه مدون وكاتب مستقل، هو أحد المؤسسين وعضو مجلس
الادارة لحركة حقوق المواطنين، هو أحد المؤسسين والأمين العام والمتحدث الرسمي
السابق للمجلس الثوري المصري، و أحد مؤسسي الائتلاف الكندي المصري من أجل
الديمقراطية، وحركة مصريون حول العالم من أجل الديمقراطية والعدالة، هو احد
القيادات الطلابية المصرية في السبعينات،
عضو نشط في العديد من المنظمات المحلية والدولية الدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة
لانتخابه مفوض بمجلس إدارة المدارس بقطاع المدارس بجنوب مونتريال
لمدة 4 سنوات. هو أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير في
مصر (كندا) قبل الثورة، وتجمع الاعلام البديل بكيبيك – كندا، كذلك أحد مؤسسي
والرئيس السابق للمنتدى الإسلامي الكندي، كما انه أحد المؤسسين حركة كيبيك - كندا
المناهضة للحرب، وأحد المؤسسين التحالف الكيبيكي-الكندي من أجل العدالة والسلام في
فلسطين. وهو عضو نشط في العديد من منظمات المجتمع المدني ومن بينها اتحاد الحقوق
والحريات بكيبيك – كندا. عضو في مجلس الأمناء لجمعية الكندين المسلمين من اجل
فلسطين، ومركز مسلمي مونتريال (الامة الإسلامية). نشر له العديد من المقالات حول
العديد من القضايا المحلية والدولية بلغات ثلاث (العربية، والانجليزية،
والفرنسية)، ومدون ومؤسس مدونة "من أجل مصر حرة".
محمد شريف كامل يمكن للتواصل معه عبر:
1-514-863-9202, e-mail: public@mohamedkamel.com,
twitter: @mskamel, blog: http://forafreeegypt.blogspot.com/ https://www.facebook.com/APresidentForEgypt/, https://www.youtube.com/channel/UCl3y4Hxgf05Xr0iDU68r8GQ
No comments:
Post a Comment