البرجوازية الإسلامية والعداء للثورة
الدكتور
عمرو عادل
رئيس
المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري
بداية؛
أشارك من سينتقد عنوان المقال فهو يحمل تناقضا بين مفهوم البرجوازية الناتج من
تطور المجتمعات الأوروبية وبين نمط المجتماعات الإسلامية الذي لا يمكنه تحمل
المصطلح لأسباب عدة. وهي محاولة لقراءة أسباب الصراع المكبوت الآخذ في الظهور داخل
قطاعات التيار الإسلامي ما بين داع لثورة شاملة وبين الطرف الآخر الذي يحاول بكل
أدواته إيقاف المد الثوري.
وهذه الكلمات ليست انتقاصا من أي رؤية ولكنها محاولة للفهم؛ والإجابة علي السؤال الحائر منذ سنوات خمس؛ لماذا لا يستطيع التيار الإسلامي النجاح في استكمال ثوراته وتعود الأمور دائما أسوأ مما كانت عليه؟؛ وليس ذلك فقط؛ بل تنشأ صراعات ربما ستصل في شراستها بين التيارين إلي الصراع مع النظام العسكري ذاته.
وتجدر الإشارة إلي أن المجتمعات الإسلامية حدث لها تشوه حاد وضخم علي مدي مئتي عام أدي إلي تشابه – علي الأقل ظاهري- في بناء المجتمع؛ وأجبر رأس المال ونظام السلطة وبناءها المجتمع علي التحرك ناحية نمط المجتمع الرأسمالي الغربي ببنائه الطبقي الصارم موزع بين طبقة حاكمة صاحبة السلطة والمتحكمة في مفاصل الدولة والثروة ؛ وطبقة "برجوازية" استطاعت الخروج من نطاق عبودية الطبقة الثالثة التي تحولت عبر التاريخ من العبيد إلي أقنان الإقطاع ثم في عصر رأس المال تحولت إلي الطبقة العاملة؛ والمصالح المترابطة بين البرجوازية والطبقة الحاكمة "أيا كانت طبيعة تركيبتها" تؤدي إلي صدام بين الحين والآخر.
والثورة الفرنسية أحد النماذج الكلاسيكية في صدام البرجوازية مع الطبقة الحاكمة؛ وساندت جموع الشعب البرجوازية في معركتها ولم تستطع البرجوازية النجاح في القضاء علي الملك والإقطاع إلا بأحداث الفوران الشعبي الكبير في معركة الباستيل ومعركة القصر الملكي في باريس. إلا أنها عادت وانحازت ضد القوي الشعبية ربما منذ بدايات الثورة بمحاولة الحفاظ علي الملكية وتجلي ذلك في أحداث 1870 في إبادة ثوار باريس.
إن البرجوازية الفرنسية التي نتجت من تطور المجتمع الرأسمالي لم تستطع الاستمرار في التوحد مع الطبقة العاملة المنتهكة لأنها وجدت أن الاستمرار في ذلك ضد مصالحها المرتبطة بدرجة ما بنمط حياة ربما لن يستطيعوا الحفاظ عليه وسلطة ربما تخرج من أيديهم.
هذا النمط ظهر في مجتمعاتنا نتيجة لحالة الانسحاق الحضاري والتشوه في بناء السلطة في المجتمعات الإسلامية المختلف جذريا عن النمط الرأسمالي الطبقي؛ أدي هذا إلي غزو النمط للمجتمعات العربية وخاصة ذات الاحتكاك العالي بالغرب وغلي رأس تلك الدول مصر.
مصر ذات التسعين مليون ومصدِّرة التنظيمات الإسلامية الكبري وصاحبة الأفكار والقوة الناعمة التي كانت؛ حدث للتيار الإسلامي - وهو جزء ضخم بالمجتمع – تشوه كما حدث لكل المجتمع؛ وحدث امتداد طولي بالتيار الإسلامي داخل البناء الطبقي وأصبح "الإسلاميين" موزعون علي الطبقات الثلاث؛ وحمل معه أمراض المجتمعات الطبقية الاستبدادية؛ فالدول الرأسمالية الكبري استطاعت تجاوز الطفيلية الحتمية في البناء الرأسمالي بالاحتلال والهيمنة علي العالم؛ أما الدول "الرأسمالية الهيكل" الاستبدادية فلا تجد غير ثلثي شعبها لاستغلاله.
والبرجوازية الإسلامية إن صح التعبير في صراعها مع الطبقة الحاكمة تتنازع بين مصالحها المتشابكة مع الطبقة الحاكمة وبنية السلطة التي تجعلها تراوح مكانها عندما يزيد تحرك القوي الشعبية في اتجاه الثورة كما يحدث الآن؛ وبين أفكارها الأيديولوجية التي تدعوها إلي الثورة والمقاومة.
وفي تلك اللحظة يظهر الصراع بين طرفين؛ الطرف الأول هو من يزيد خوفه من الثورة الشعبية ويميل بأفكاره ناحية الحفاظ علي بنية السلطة حتي وإن كانت سلطة مجرمة – وليس أشخاصا مجرمين فقط - بدلا من التثوير للقطاعات الشعبية التي ربما تذهب بالثورة إلي المدي الذي يعيد بناء السلطة بشكل جديد لا يحقق ما تراه تلك الطبقة مناسبا، والطرف الثاني هو من يدعو إلي الثورة الشاملة التي تحمل أفكارا أيديولوجية مختلفة تؤدي حتما إلي تغيير بنية السلطة وبالتالي تغيير في طبيعة البناء المجتمعي.
ويحاول الطرف الأول استخدام "الواقع" - الذي بالتأكيد يمكن تغييره- لتأكيد وجهة نظره، وربما يشارك السلطة المستبدة في إطلاق صيحات الخوف من المستقبل والانهيار البادي في الأفق وغيرها من الكلاسيكيات المعادية للثورة لإضعاف موقف الطرف الثاني الذي يظهر بذلك وكأنه داع إلي تحطيم كل شيء، مخالفا حقيقة تاريخية وسنة كونية؛ أن الثورة حالة فريدة تعيد بناء المستقبل ؛ وأن البرجوازية معادية للثورة أينما كانت.
إن التيار الإسلامي الآن وهو القوة الهائلة الحاملة لعبيء الثورة المصرية إذا أراد أن يحقق نجاحا ثوريا تاريخيا ليعيد بناء مجتمعه وحضارته؛ فعليه تجاوز ما سميته البرجوازية الإسلامية التي لن تسمح أبدا بثورة حقيقية وسيقفون "بالثورة" التي في أذهانهم عند النقطة التي تحافظ علي بنية السلطة وهذا لارتباطهم الهيكلي بها؛ ليس لأنهم مستفيدون من وجوده الحالي ولكن لأن تلك البنية نفسها هي من تحقق لهم مستقبلا بمصالحها المتشابكة معها، وسيقفون بكل ما يمتلكون من أدوات أمام أي فعل ثوري حقيقي يعيد بناء السلطة ويعيد توزيع الثروة في نمط جديد للسلطة لن يتحقق إلا بثورة شاملة.
وعلي كل الحائرين بين التيارين والذين يجدون في الطرفين حالة ثورية أن يحسموا أمرهم ويدركوا إلي أين يذهبون؛ وعلي عشرات الملايين من فقراء مصر وبائسيها أن يدركوا أن البرجوازية الإسلامية ستقف دائما أمام ثورتها مهما قيل علي ألسنتهم وبياناتهم من مصطلحات الثورة، فهم يريدون بها تلك الثورة التي تنقلنا إلي 11 فبراير؛ ففي 11 فبراير توقفت الثورة علي يد البرجوازية الإسلامية؛ التي أثق أنها كانت ستجعل المجتمع أكثر عدالة؛ ولكنها حافظت علي بنية السلطة؛ ولأن السلطة شديدة الفساد أو كما أراها أقرب لسلطة الاحتلال ؛ لم تحتمل أي إصلاحات لصالح المجتمع ولم تحتمل إغلاق مصادر الفساد؛ فانقضت علي البرجوازية الإسلامية وضربتها ضربة هائلة في 3 يوليو؛ وبالرغم من ذلك ساندتها القوي الشعبية وتعرضت لقمع هائل واستمرت واثقة في البرجوازية الإسلامية الموجودة علي رأس الثورة؛ والآن بعد ثلاثة سنوات يبدو أن البرجوازية الإسلامية تصر علي تأكيد الحقيقة التاريخية أن تلك الطبقة غير قادرة علي الثورة وغير قادرة علي الالتحام بالمجتمع في لحظات تصاعد المد الشعبي الثوري. ولهذا أري أننا بحاجة إلي تجاوز البرجوازية الإسلامية حتي نعبر مئتي عاما من الجنون والفشل.
No comments:
Post a Comment