ازمة اليسار التائه
بقلم: محمد شريف كامل*
@mskamel
11 مايو 2015
لقد عاشت المنطقة العربية ازمة اليسار منذ سنوات كامب دافيد وحتى
الربيع العربي وسقوط عرش مبارك، وتصور العديد وانا منهم أن اليسار العربي سينطلق
في عملية بناء لقواعده ويزيل عن لافتاته تراب التيه ويرتد له رشده.
إلا انني قد صدمت ضمن الكثير من موقف اليسار العربي بشكل عام
والمصري خاصة، وهو يتلاعب باللافتات ويتعامل مع نتاج الربيع العربي كسلة من
البضاعة ينتقي منها ما يحلو له متصورا انه يتحكم في معطيات المرحلة وانه هو الوصي
عليها.
ولم يستطع
اليسار ان يرى أزمته طوال الاربعين عام الماضية، ولم يستطع ان يستكشف الطريق، فبعد
ان استقطبت التيارات الإسلامية كثيرا من قواعده، تبعثر ما بقي منها بين الازقة السياسية
المختلفة هربا من لفظ اليسار، فانقلب اليسار إلى شكل هلامي استغلالي، وبقي البعض
القليل يحمل الاسم وبلا مضمون.
ثم سقط سقطته الكبرى يوم اتحد مع الدولة العميقة ليطيح بالاختيار
الديمقراطي للشعب متحججا بحجج واهية لا ينخدع بها الأطفال، وشارك في جريمة
الانقلاب واهما نفسه أولا وأخيرا انه يعمل لصالح الوطن، ولما لا وهو الوصي والعالم
بمصلحة الشعب، وتصور ان الانقلاب مطيته.
وكما ضل طريقه السياسي، ضل طريقه الأخلاقي والانساني،
فأستحل الدم لكونه دم غيره، واستحل الكذب لأنه يضر بغيره، متصورا انه سيسلم من يد
القاتل، جاهلا بدروس التاريخ، حتى انه لم يقرأ حتى اساطير الاباء والاجداد، ولم
يتعلم من دم الثور الأول، أيأن كان لونه، فكان هو مطية للانقلاب.
ولماذا تذكرت ذلك اليوم،
أن قدر صدمتي في اليسار الذي ضل الطريق منذ كامب دافيد وحتى وقوفه
مع الانقلاب، لا تقارن بمدى اشمئزازي وانا اقرأ البيان السياسي والإعلامي لما يسمى
بالمؤتمر الناصري العام المنعقد في القاهرة خلال الفترة من 30 ابريل وحتى الأول من
مايو2015، فقد جاء البيان وكأنه كتب منذ العصور الحجرية أو أملته مخلوقات فضائية
لا تعلم ما يدور بكوكبنا المسمى بالأرض طول الأربعين عاما الماضية، وصدر من
القاهرة ولم يرى مأساتها وظل على تشدقه بسقطة 30 يونيو وظل يلقبها بالثورة.
وكفر القصيدة يتلألأ في مطلع بيانه الأجوف، حيث شعار هذا التجمع’
الوحدة والمقاومة اختيار الامة’ وبيانه الإعلامي لا يحوي أي من هذه الكلمات مجتمعة
أو حتى متفرقة،
-
لقد تحدث عن ضرورة تصعيد المشاركة
الإيجابية والفاعلة في الحراك المجتمعي والسياسي، وهو يتحدث من القاهرة التي كبلت
فيها كل الايدي وقصفت فيها كل الأقلام ولم يعد مسموح فيها بغير العهر بشقية
السياسي والاخلاقي.
-
لقد تحدث عن توفير كل المساندة للشباب
العربي، وكأنه الم يرى عشرات الألاف منه في السجون تحت التعذيب غير الألاف الذين
قتلوا في شوارع القاهرة.
-
لقد تحدث عن دعم التحرك الجماهيري،
ولم يحنو على جماهير الأرض التي اجتمع على ترابها.
-
لقد تحدث عن مواجهة مخططات الرامية
الى اشعال الفتن الدينية والمذهبية والطائفية، اليس نظام مبارك والعادلي الذي
تحالف معهما لإسقاط الديمقراطية هم أشعلوا تلك الفتن في الماضي والحاضر.
-
لقد تحدث عن دعم نضال شعبنا العربي
في فلسطين ومقاومته الباسلة، ولم يحدثنا كيف سيدعم النضال وقد استظل بنظام يخنق
شعب فلسطين كل يوم ويسبح بحمد قاتلة.
-
لقد تحدث عن أن الاقتتال داخل
ليبيا، يتم بتحريض ومؤازرة ودعم من دوائر الاستعمار والصهيونية وتركيا والنظام
القَطري، ولم يدلل لنا كيف اتحد هو مع دحلان وخلفان ضد الاستعمار والصهيونية
اللذان سواهما بتركيا وقطر.
-
لقد تحدث عن رفض أمانته لمحاولات
التفتيت والتطاحن القبلي، وكأن لم يشهد أيا منهم ما يجري على ارض سيناء من تصفية
لقبائلها والايقاع بين أهلها.
-
لقد تحدث عن حوار وطني شامل تشارك
فيه كافة أطياف القوى الوطنية والقومية والديموقراطية في سوريا، ولم يشر للإبادة
الجماعية للشعب السوري على ايدي جلاده، ولم يتحدث عن حوار وطني وجب ان يعم مصر قبل
الانقلاب البغيض.
-
لقد تحدث عن حرمة الدم
اليمني، وعن دعوته للفرقاء الى التخلي عن السلاح والاحتكام الى الحوار والشرعية، وتناسى
الدم المصري المراق في كل شوارعها وأزقتها، والانقلاب على شرعيتها.
تحدث عن كل المنطقة العربية فلم
ينسى السودان والصومال، وتحدث عن إزالة القواعد والتواجد العسكري الأجنبي المنتشر
في الكثير من ربوع الوطن العربي، ولم يذكر ان منها مصر. تحدث عن كل شيء ولم يحدثنا
عن شيء، جاء بيانهم اجوف مليء بالنفاق والشعارات التي يرددها الجميع ولم يعمل من
أجلها أحد.
لم أكن أتوقع ان اضيع وقت في قرائه ذلك الهراء او الكتابة عنه،
لكنه استفذني واصابني بالإعياء من هؤلاء مدعي الثورية ومدعي اليسارية والناصرية،
وهم فاقدي اقل صفات الإنسانية.
لقد حاول اليسار المصري وفي مقدمته التيار
الناصري تنظير الفكر الاشتراكي الناصري بعد رحيل عبد الناصر، واستمرت المحاولة
التي كانت الأولى للناصرين خارج الحكم وحتى لقاء ناصر الفكري الأخير في سبتمبر
1976 والذي شرفت بأمانته، وقد عاصر ذلك الانتكاسة العربية الكبرى والسقوط في
مستنقع كامب دافيد الذي لم تفق منه المنطقة حتى الان.
لم يدرك اليسار كما لم يدرك قطاع كبير من
الإسلام السياسي ان خصومة الستينات قد انحصرت بذلك السقوط الكبير، والذي أنتج اجتياحي
بيروت وبغداد، إلا انه قد ان الأوان ليدرك الجميع ان وحدة الشعب بكل تياراته هي
طريق لبناء الحلم، حلم الدوائر الثلاث، التي أن الأوان لإعادة تسميتها ورسم
تقاطعاتها، فالعالم قد تغيرت صورته وأصبح دائرة واحدة يقبع داخلها المارد الافريقي
المستعبد، والمد الإسلامي المحاصر، والحلم العربي المترنح.
ولن تقوم قائمة لنا مجتمعين إلا إذا أدرك
الجميع ذلك.
محمد شريف كامل
No comments:
Post a Comment